الاثنين، 21 أبريل 2014

الوحدة الترابية: وِجهة نظر في ملف مُحْتكر


الوحدة الترابية:  وِجهة نظر في ملف مُحْتكر
مرة أخرى، وفي ذات الشهر أبريل، تعلن حالة الاستنفار بنفس المناسبة: إعداد الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا عن قضية الصحراء الذي جاء صادما لانتظارات المغرب. استنفار جسده تعيين سفير جديد لدى الأمم المتحدة، في إشارة لعدم كفاءة السفير السابق، كما جسدته تصريحات إعلامية لفاعلين سياسيين وأكاديميين كسّر بعضهم جدار المواقف الرسمية التي لا تتجاوز حدود المغرب، وجسده أخيرا تنقل الملك بشكل مفاجئ إلى حاضرة الداخلة لأداء صلاة الجمعة وتوقيع برقية تهنئة عبد العزيز بوتفليقة على فوزه بولاية رابعة في رئاسيات الجزائر.
مناسبة الاستنفار إذن هي صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة رصد تطورات النزاع في الأقاليم الصحراوية وتضمن إشارات لم تـرُقِ الدولة المغربية، ومنها التلويح باعتماد آلية أخرى غير آلية التفاوض لحل هذا النزاع، حيث ورد في الفقرة "94" ما نصه: "إن الفحوى هي التوصل إلى حل سياسي، وإن الشكل هو تقرير المصير. وأرجو من المجتمع الدولي، وبوجه خاص الدول المجاورة، وأعضاء فريق الأصدقاء، تقديم الدعم لهذا المسعى. وإذا لم يحدث، مع ذلك، أي تقدم قبل نيسان/أبريل 2015، فسيكون الوقت قد حان لإشراك أعضاء المجلس في عملية استعراض شاملة للإطار الذي قدمه لعملية التفاوض في نيسان/أبريل 2007.". وهذا يعني طرح مقترح الحكم الذاتي جانبا والإعداد لاستفتاء تقرير المصير.
لقد جرت العادة، في مثل هكذا نوازل أن يصم الإعلام الرسمي مسامع الشعب المغربي بعبارات الشجب والتنديد إلى درجة توقع دق طبول الحرب ضد من تسول لهم أنفسهم التفكير في مس الوحدة الترابية أم القضايا ومحط إجماع شعبي. وفي مفارقة عجيبة واستخفاف برشد المغاربة لا يكلف الإعلام الرسمي نفسه عناء إطلاع الشعب على مضامين هذا التقرير وما سبقه ليكون مادة توعية بما يتهدد وحدة المغرب الترابية وتعبئة لما تقتضيه تطورات الملف. هل عموم المغاربة يعرفون وضعية الأقاليم الصحراوية في القانون الدولي؟ هل عموم المغاربة يعرفون أنه لكي ينتزع المغرب ما يشبه اعتراف الاتحاد الأوروبي بمغربية صحرائه يستغل ثرواتنا السمكية في هذه الأقاليم إلى درجة الاستنزاف؟ وعلى غرار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، لماذا لم يتمَّ إطلاع المغاربة بفحوى الاتفاق الأخير مع الاتحاد الأوروبي في موضوع الصيد البحري والذي سُوِّق فتحا مبينا على أعداء وحدتها الترابية؟
مع كل أبريل يعود ملف الوحدة الترابية إلى نقطة الصفر، فتعلن حالة الاستنفار ويدعى المجتمع المدني إلى الاضطلاع بدوره تعريفا بالقضية ومنافحة عنها في المحافل الدولية وتفعيلا للدبلوماسية الموازية، وتلتمس الدولة المغربية تدخل "الأصدقاء" من صناع القرار في هيئة الأمم المتحدة تعديلا لعبارة أو تهذيبا لتوصية، ويأتي القرار الأممي فضفاضا عائما يبقي الأمور على ما كانت عليه، وترتفع الحناجر مهللة بالنصر العظيم، وتدبج التقارير الإعلامية في علو كعب الدبلوماسية المغربية ووزن الدولة المغربية في السياسة الدولية. الله أكبر.
هل إبقاء الوضع على ما هو عليه إنجاز ونصر مُـدَوٍّ، وهو بلغة كرة القدم تعادل بطعم الهزيمة على اعتبار أن المغرب يلعب في ميدانه وأمام جمهوره؟ أليس تمديد عمر النزاع تهديدا لمصالح المغرب وقبل ذلك استقراره؟ أليس في تأجيل الحسم تشويشٌ وإرباكٌ لمسيرة النماء؟
وحيث إن هذه القضية تكتسي من الحساسية والقيمة ما يجعلها أم القضايا في الخطاب الرسمي على الأقل، وحيث أضحى إخفاق تدبيرها في حكم القاعدة، وغدا النجاح استثناءً، وحيث إن هذا الملف كلف المغاربة الشيء الكثير بشريا وماليا وزمنيا، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة أن تأخذ القضية صفتها الشعبية على مستوى التدبير واقتراح مداخل الحل، إذ لا يُعقل أن يدفع الشعب فاتورة وحدته الترابية شهداء وغلاء معيشة وفرص تنمية ثم يقصى من الحق في إبداء رأيه في القضية. وعليه، كثرت الأصوات مطالبة بتقييم التدبير الأحادي للملف واحتكار النظام النظر في تطوراته، مثلما تطالب بفتح نقاش وطني دون خطوط حمراء بحثا عن بدائل لتدبير أثبتت عقود فشله وعدم جدواه.
في هذا السياق، سياق التقييم والنقاش الحر، نسجل:
1. الاستخفاف بوعي المغاربة بعدم إطلاعهم على تطورات الملف أولا بأول، ومن ذلك وضعية الأقاليم الصحراوية في الأمم المتحدة وإدراجها في اللجنة الرابعة التي تعنى بتصفية الاستعمار منذ 1963. السؤال: ألم تُجْدِ الجهود الدبلوماسية، ولم تفِد علاقات المغرب مع حلفائه الاستراتيجيين لزحزحة الملف من رفوف هذه اللجنة التي لا تبعث وظيفتها على الرضا؟
2. يعتبر ملف الوحدة الترابية سياديا بامتياز، يحتكر النظام تدبيره ولا يقبل أن يشارَك في "خراجه" السياسي، لكنه ـ النظام ـ لا يتردد في دعوة الهيئات السياسية والجمعوية مباشرة أو بالوكالة، حيث بادر الديوان الملكي خلال أبريل 2013 بمناسبة التلويح بتوسيع صلاحيات القوات الأممية لتراقب مدى احترام السلطات المغربية حقوق الانسان بالأقاليم الصحراوية لدعوة رؤساء الأحزاب السياسية جميعها وأخذ القوم زينتهم مصطفين أمام الكاميرات مجددين المواقف المبدئية من الوحدة الترابية التي لم تكن يوما محل مزايدة، فعَلا صخبٌ إعلامي بعث برسائل غير مُطمئنة للجبهة الداخلية على مسار ملف عمّر طويلا وشارف على عقده الرابع: 39 عاما.
3. مقترح الحكم الذاتي الذي قدم لحل النزاع والذي صُنِّف ـ حسب ما سُوق ويسوق من تصريحات رسمية ـ حلا واقعيا لم يتعد مستوى النوايا، إذ المفروض أن تتحول الجهوية الموسعة من مشروع واكب الإعلانَ عنه ضجيجٌ إعلامي إلى واقع يُرى ويقيم؛ تباطؤ في التنزيل أسهم في تكوين انطباع سلبي لدى المتتبعين للملف ككل وبرهن على عدم جدية الدولة المغربية في اعتماد الجهوية الموسعة.
4. فشل المقاربة التي نهجها النظام في تعامله مع ساكنة الأقاليم الصحراوية، فعوض أن يستهدف عموم الساكنة الصحراوية اختار التعامل مع شيوخ القبائل الذين استفادوا من الريع المخزني وجمعوا في زمن قياسي ثروات خيالية، في حين غرقت الفئات الشعبية في البؤس وفقر المهانة، فتولد لديها شعور بالغبن والإحباط وظفه دعاة الانفصال وصار لهم موقع قدم في الأقاليم الصحراوية؛ غبن وإحباط واستياء شرائح واسعة من أبناء هذه الأقاليم من النموذج الإنمائي المعتمد سجله التقرير الأممي في فقرته السابعة، حيث "أبرز وجود شعور بالإحباط ونفاد الصبر والظلم يرجع إلى جملة أسباب منها عدم الوضوح في سياسات الرعاية الاجتماعية..." قبل أن يخلص، واستنادا إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خريف 2013، إلى ضرورة اعتماد نموذج جديد "يتمحور بالأحرى حول ضرورات الاستدامة، والديمقراطية القائمة على المشاركة، والتماسك الاجتماعي، فضلا عن الحوكمة المسؤولة، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان...".
5. وتأسيسا على ما سبق، نقول: إن دمقرطة وتنمية المغرب، وليس الأقاليم الصحراوية فقط هما المدخل الآمن لحل هذا النزاع؛ دمقرطة تبني نظاما سياسيا يضمن الحقوق والحريات ويفرز منافسة سياسية حقيقية خدمة للعباد والبلاد يؤطرها دستور يعترف بالسيادة للشعب. وتنمية توفر أسباب الحياة الكريمة على أساس عدالة اجتماعية تعيد الاعتبار للانسان فيهب للعمل ويتنافس في البذل والعطاء.
دمقرطة وتنمية تبني اللحمة الشعبية وتقوي الموقف التفاوضي، فإذا المغرب قبل أن يكون صاحب حق في صحرائه تاريخيا، هو كذلك نموذج في الديمقراطية الحقة لا الصورية ومثالٌ في التنمية وتكريم الانسان مُغرٍ جذابٌ ومُفعمٌ للخصوم ورقمٌ معتبرٌ في السياسة الدولية. فعلى قدر الكساء تُمد الرِّجْـلُ، وعلى قدر قوة النظام السياسي في سلم الدمقرطة، وعلى قدر القوة الاقتصادية يكون للبلد وزن ولصوته آذان ولقضاياه مهتمون.
وإنه، وفي ظل تعثر مسارَيْ الدمقرطة والتنمية سيظل الموقف المغربي في هذا الملف ضعيفا، وسيعمر هذا النزاع طويلا ما لم ينجح المغرب في تغيير موازين القوى لصالحه ببناء نظام ديمقراطي شعبي وتحقيق نموذج تنموي يرى فيه المُغرر بهم من الصحراويين ملاذا آمنا ومستقبلا مضمونا رغدُ عيشه.
إلى ذلكم الحين، سيغدو شهر أبريل من كل عام كابوسا مزعجا وفزاعة مخيفة ترفَعُ في وجه الدولة المغربية قصد ابتزازها ومقايضة وحدتها الترابية بثروات الشعب ومقدرات البلد.
المصدر /جريدة هسبريس المغربية

0 التعليقات: