الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

من يفهم العرب؟


من يفهم العرب؟  (2/3)

عبد الله الدامون/صحفي مغربي 


في  أفلام هوليود يصفون العرب كقوم بلا عقول، أو بشر لهم أجساد ضخام وعقول عصافير. أحيانا يحتج العرب على نمطية صورتهم في السينما، لكنهم لا يفعلون شيئا من أجل تغييرها في الواقع.
العربي في السينما هو ذلك الكائن الغريب والغامض، الذي يضع على رأسه صفرا كبيرا ويبذر المال يمينا وشمالا ويسير منقادا خلف غرائزه الحيوانية. العرب، طبعا، يرفضون هذه الصور السينمائية المقززة، بل يرفضون السينما كلها، لذلك هناك بلدان عربية لا توجد فيها قاعة سينمائية واحدة.
لكن الغريب أن العرب ينتقدون أنفسهم بطريقة أقسى بكثير مما يفعله الآخرون، والشعراء العرب هم أصدق من وصف العرب. لقد وصفوهم بطريقة تشبه سلخ الجلد عن العظم، بقساوة كبيرة، لكنها قساوة على قدر كبير من الواقعية، مثل ذلك الصبي الذي قال للحمار: يا غبي، فقال الحمار للصبي: يا عربي!
وكتب الشاعر أحمد مطر يصف العرب: أمس اتصلت بالأمل. قلت له هل ممكن أن يخرج العطر لنا من الفسيخ والبصل، قال أجل. قلت وهل يمكن أن تشعَل نار بالبلل؟ قال بلى. قلت وهل من حنظل يمكن تقطير العسل؟ قال نعم. قلت وهل يمكن وضع الأرض في جيب زحل، قال نعم.. بلى.. أجل، فكل شيء محتمل. قلت إذن عربنا سيشعرون بالخجل. قال: تعال ابصق على وجهي إذا هذا حصل!
لكن العرب ليسوا كتلة واحدة إلا في الأحلام. العرب عُرْبان، عرب عاربة وعرب مستعربة. عرب سود وعرب بيض، عرب أسياد وعرب عبيد، عرب بشار وعرب الوليد، عرب أمريكا وعرب روسيا، عرب البترول وعرب الفوسفاط، عرب مارْبيا وعرب غزة، عرب الشيشة وعرب القات، عرب السنة وعرب الشيعة. لكن أهم فارق بين العرب هم عرب الفقر وعرب الغنى. العرب الفقراء يركبون «الباطيرات»، والعرب الأغنياء يركبون اليخوت. العرب الفقراء يطبخون للعرب الأغنياء، والعرب الأغنياء يطبخون قلوب العرب الفقراء. العرب الأغنياء يسوقون «الفيراري»، والعرب الفقراء يلتقطون صورا قربها. العرب الأغنياء أذكياء، والعرب الفقراء أشقياء، لكن كلهم عرب.
العربي الغني أسوأ من يمارس العنصرية ضد العربي الفقير. في «أبارتهايد» جنوب إفريقيا كانت العنصرية رسمية، لكن لم يكن يوجد فيها نظام الكفيل. وفي أمريكا سادت عنصرية طويلة ضد السود، لكن لم يكن يوجد فيها نظام «البدون». عنصرية العرب ضد بعضهم البعض لا تنحصر فقط في «الكفيل» و»البدون»، بل إن أغنى دولة في العالم، هي السعودية، لا تجد ما تفعله في أوقات الفراغ فتنشغل بقصف أفقر دولة في العالم مثل اليمن. والسعودية واليمن عربان أقحاح، لكن العرب هم العرب، لا بد أن يقتل أحدهما الآخر، وإذا لم يستطع يهجوه، والسبب قد يكون مجرد عقر ناقة.
العرب لا زالوا يتباكون على الأندلس ويتآمرون ضد فلسطين. وقريبا سيتذكرون فلسطين ويتآمرون على شيء آخر، فالعربي لا بد له من حنين يبكي عليه ويعود إلى الماضي في ماكنة الزمن، وفي حاضره يتآمر على الماضي والحاضر والمستقبل.
يستيقظ عربي غني في الصباح ويفكر مليا، ليس في تحرير فلسطين، بل في شراء فريق أوربي لكرة القدم. بهذه الطريقة يقنعون أنفسهم بأن الأندلس لا تزال في ملكهم، وأن فلسطين لن تضيع. يشترون فرق الكرة في باريس ولندن وعواصم أخرى كثيرة، ويتخيلون أنفسهم أسياد العالم.
لكن العرب أسياد العالم فعلا.. في «الشوبينغ». فعندما تنتقل قبائل قحطان إلى «مارْبيا» كل صيف تتحول المدينة إلى سيرك كبير. في ميناء المدينة ترسو يخوت يعتقد ضعاف النفوس أنها خرجت من الجنة، وعلى حواف المطاعم تقف سيارات «الفيراري» كأنها صحون فضائية جاءت من زحل، وفي نوادي الليل يتسابق العربان في تحطيم الأرقام القاسية فيمن يبذر أكثر، وفي الصباح قد يتصادف وجود عربي ثمل يتقيأ على الشاطئ بقايا الكافْيار مع عربي مبلل وجائع نزل للتو من «الباطيرا» ويبحث عن قطعة خبز يابسة.
في عواصم العجم تتزاحم نساء العرب على أفخم العطور وأفخر اللباس، في الغالب ينسين كل شيء هناك ويعدن إلى بلادهن بقطعة قماش، المهم أنهن ساعدن اقتصاد أوربا على الانتعاش.
يجتمع العرب على مائدة شراب ويشتمون أمريكا وروسيا وإيران والاتفاق النووي. يفكرون في شراء قنبلة من باكستان وصاروخ من كازاخستان ومنصة إطلاق من الأرجنتين وجنود من بنغلاديش، ثم يخلطون كل شيء فيعطيهم ألذ أنواع الشراب المعتق من النبيذ. يشربون ويشربون ثم يصرخون: اليوم خمر.. وغدا أمر.

                                             جريدة المساء /المغرب

0 التعليقات: