السبت، 29 نوفمبر 2014

سكان شمال إفريقيا: الأصول الحضارية2

سكان شمال إفريقيا: الأصول الحضارية2
سأحاول أن أورد فقرات من كتاب روسي، من الترجمة العربية الجيدة التي تمت وطبعت بالجزائر سنة 2006 والتي قام بها الأستاذ مولود طياب. لأن روسي ينصف التاريخ العربي أفضل من المؤرخين العرب أنفسهم، ويعتبر أن أصل الثقافة البشرية عربي، وأن جذر اللغات بالدنيا هي اللغة العربية، وإلى المستمعين مقتطفات من الكتاب حيث أنني سأطيل فيه نوعا ما:
جذور الحضارات:
ومع هذا فإن تاريخ الشرق وتاريخ الغرب بأجمعه، إنما تم وجرى تحت سيل نور آسيا ـ أمّ الشعوب ـ وتحت سماء النيل وفي رحابه، وأن مصر وبابل قد جمعتا الإيحاءات الجبارة التي تولدت عنها الحضارة العربية الكبرى التي أذاعت، منذ فجر العصور ، معارفها وأسلوبها في الحياة، في جميع الأقطار الواقعة بين الهندوس والتاج والنيل الأزرق والبلطيق، ولم تكن أثينا وروما إلا صدى وانعكاسا لهذه الحضارة… إن أوروبا ليست هي مركز العالم، ولا هي مرآة الخير الأسمى، إنها بصفتها بنتا للشرق الإفريقي الآسيوي لا تمثل في هذا المحيط من الفضاء والزمان إلا منطقة تعمل فيها طاقات ذات جذب نحو الشرق المذكور. ( ص 9 ـ 10 من المقدمة )
إن هذه الأمم المسماة بالسامية زعما وتضليلا هي عربية في الأصل .. إن المشرق بلاد إمبراطوريات قد عاش على وتيرة منسقة وحياة خمس إمبراطوريات هي: الإمبراطورية المصرية، والبابلية، والرومانية، والبيزنطية، والخلافية الإسلامية.. (ص 37 ) . لقد نشأت حضارتنا خلال العصور في مثلث محصور بين البسفور والنيل وسوز عاصمة العيلاميين، وقد أنجبتها شعوب مصر وكنعان والأناضول والأشوري البابلي التي تنتمي إلى أسرة واحدة هي الأسرة العربية.. (ص 38 ) , ولنتأمل خريطة تمثل بلاد المشرق حضارات كبرى تظهر وتمّحي وفقا للمأساة التي ترجع إلى الألف الخامسة قبل الميلاد ، إذ لا يسمح لنا جهلنا بالرجوع إلى أبعد من ذلك، هذه الحواضر التي سطعت أسماؤها أربعة: ممفيس ، وصور، وبابل، وسوز، وقد خلَفتها ستُّ حواضر أخرى هي الإسكندرية، وقرطاج، وروما، وأنطاكيا، وبيزنطة، وسلوقية، وأخيرا ثم اسم يسطع وحده هو بغداد، الحاضرة التي تعتبر خاتمة لانفجار ثقافة جذبت وراءها من قبل أثينا وقرطاج، وسراكوز، وكوم Cumes. ولكن مراكزها الكبرى بقيت في مصر وبلاد ما بين النهرين. وباستثناء هذه المدن المشهورة فإن باقي خريطة المشرق يسود فيها الظلام، فلا نتبين فيها لا تيماء في شمال الحجاز، ولا مأرب في اليمن اللتين تشهدان مع ذلك على أنه كانت توجد في تلك العصور البعيدة وحدة ثقافية تضم سكان الصحراء العربية والممالك النهرية الغنية، أعني بين “الساميين الجنوبيين والساميين الشماليين كما يمكن أن يقول علماؤنا الذين يتخوفون من النطق بكلمة العرب”.. (ص 39 ) .
وفقا لتتبع الأديان الأرضية والمنزلة: الأسطورة تقول بأن الإله ممنون ولد في سوريا ، أو الأناضول، أو في مصر العليا، إنه بطل عربي، معروف، وكان له ضريح على الضفة الآسيوية من الدردنيل، ويقال إن أسرابا من الطيور المجسدة لأرواح رفاقه الخالدة تحضر كل سنة وتتفرق إلى جمعين متعارضين لتتقاتل في الختام ، وتطلق بكاء على رفاة ممنون.. (ص 45 ).. إن تفسيرنا لأشياء المشرق سيتحرر من سلطان الأحكام الشائعة، عندما نعدل عن استمداد علم التاريخ من التوراة.. (ص 49)
ويتعرض للملك الفارسي الكبير دارا الذي غزا نينوى بابل ، (ومن المعلوم أن الغازي يفرض لغته على المغزو، لكن حدث العكس فقد أخذ اللغة الآرامية لغة أرض الرافدين ورسمها في المنطقة الواسعة التي سيطر عليها: مقدم البحث.)، يقول روسي : “ألم يحرر دارا في الخمسمائة سنة قبل الميلاد القانون المصري بالآرامية لتطبيقة في سائر بلاد الإمبراطوربة ؟” (ص 43 ) .. الآرامية حظيت باستعمال واسع فصارت ابتداء من القرن السابع ق. م ، لغة الحديث المشتركة Koine في سائر البلاد الآسيوية من حدود النيل إلى الهندوس في الفضاء العربي بالتحديد..
إن اليونانية كانت لغة ناقلة، فالمدد الثقافي والعلمي والديني الكبير، إنما جاء من العرب، فلا يجوز على هذا أن نقلب الأدوار، وأن نجعل من اليونان الذين كانوا ورثة فقط، آباء لأسلافهم الروحيين.. إن اليونان كانوا يسمون نجوم [الدب الأصغر] مجموعة فونيكة لأنها هي التي كان يسترشد بها بحارة صور وصيدا.. (ص62 ـ 63) .
يقول هرقليت اليوناني : “إنه توجد قطعا قوانين صدفة ويضيف الرواقيون Stoiciens أتباع زينون قائلين : إن كل شيء يجري طبقا لإرادة الرب الأعلى ، فهنا كمــا في مصـر اعتقاد بالرب الأبدي المهيمن المجيد ويدعى( إلْ) التسمية التي تطورت بعد ذلك إلى الله، وإلى هِل في اليونانية البدائية وإلى هيلوس في اليونانية الكلاسيكية ، أي الشمس .. (ص 73 ـ 74 ). ( في لسان العرب لابن منظور كلمة الإلُّ تعني الله: مقدم البحث ) .
كانت إزيس المصرية تقابل عشتار البابلية .. هيرودوت يقول : “بأن الفرس سموا عشتار باسم مثرا” ومعنى هذا أن جميع الآلهة البابلية كانت في المعبد الفارسي فبل عهد سارا ، كما كانت قبل ذلك في المعبد المصري.. (ص77 ).. إن التنقيبات بصدد الانطلاق في شبه الجزيرة العربية ولنراهن على أنها ستؤدي بنا إلى مفاجآت وستكشف لنا العلاقات المتينة المختلفة التي ألفت شبكة العروبة منذ أقدم العصور.. ص 65 . عشتار : الربة النجمة . ص 71 . يرى المؤلف أن الآلهة اليونانية منحدرة من الآلهة العربية: “إيزيس المصرية تقابل عشتار البابلية.. وفينوس وأفروديت التي تسميها الأساطير اليونانية باسمها البابلي وهو سلامبو ص 86، كلها صدى لطبيعة عشتار . الإله الغالي بيليم هو بعل. كلها مستمدة من الإله الأكبر إلْ العربي..إن بعل الكنعاني هو رب سائر الطاقات الأرضية وهو معبود في كل مكان: بعل هرمون، بعل فيقور، بعل ستور، بعل سيدونو، بعل بك، إلخ.. وهو يدعى باسم أدوناي وهو أدونيس العربي ص 86 وهي أسماء عربية كلاسيكية وليست عبرية.. رب البحر زبيل يمّْ [اليم بالعربية بحر: مقدم البحث) المتحالف مع نهار أي النهر.. زيوس تزوج بالفلسطينية سميلة أو شملة بالعربية بنت كدموس ملك صيدا ..( ص 91 )
في الفلسفة: جميع فلاسفة اليونان بدون استثناء ، يعترفون بانتمائهم إلى المشرق، وبكونهم من تلامذته. كلهم تقريبا قد ولدوا بالمشرق أو جالوا فيه مدة طويلة.. ص 119 . إن الفلسفة اليونانية تبينت وتهيكلت ابتداء من القرن السادس ق. م ، خارج حدود شبه جزيرة اليونان، في آسيا في المراكز الفلسطينية بإيطاليا الجنوبية ، وكان فيثاغورس ساموس ، وهرقليت إيفيز وبرمنيد إيلي [ فيلسوفان يونانيان بالقرن الخامس ق. م]، ، هم كبار الممثلين لها.. وعلى كل حال فقد وجدت فلسفة بلغة آرامية لدى اليونان قبل أن تسلك الطريق بلغة اليونان… ص 120 . إن آسيا لم تأخذ شيئا من الهلينية، بل إنها أمدتها بكل شيء ، إن أثينا قد أخصبت روما، لكن لم تخصب لا الإسكندرية، ولا بابل، ولا مكة، ولم يقدم أفلاطون أي شيء إلى العالم العربي، كما لم يفعل أرسطو.. ولكننا نحن الذين جعلنا من اليونان بلادا مصدرة للمعرفة البشرية، لا هم. كان أفلاطون يعترف بكل تواضع بأنه تلميذ مطيع. وقد ذكر في التيمي أن قسا مصريا قال لصولون كأب نصوح: “إنكم أيها اليونان أطفال لا غير” ، فلنقدر الأمور حق قدرها ولا نكن أحرص على سمعة اليونان من اليونان… اليونان هم الذين نشروا أسرار الشرق.. ص 121 .
ماذا كان يعلم فيثاغور بالضبط؟ إنه كان يعلم ما كان أهل المشرق يعرفونه منذ رمن طويل: وهو “أن الله ليس له جسم ولا رأس كالبشر، ولكنه عقل مقدس لا يمكن وصفه”.. ص 123 . إن أحسن تفسير لفيثاغور وهرقليت، النصوص المقدسة الفلسطينية والبابلية.. ص 129 . إن حياة أفلاطون أكثر فائدة من غير شك، قصد إلى مصر لاستكمال دراسته، وقد أقام بها مدة طويلة، ثم رحل إلى ليبيا واستقبله في قرنية (برقة) تيودور الفيثاغوري.. ومنها إلى البلدان العربية وإلى البلدان المتأثرة بقوة بالفكر الفلسطيني والسياسة الفلسطينية. وقد بيع كعبد رقٍّ أثناء الحرب بين إيجين وأثينا فاشتراه ليبيّ وأعتقه.. ص 130 .
إن أرسطو تلميذ للمشرق.. ولم لا نحاول البحث عن كفلاء أرسطو في آسيا بدل اليونان؟ ومثل هذا السؤال هو السؤال الذي يجب طرحه بدون عناء، على من يريدون أن يحصروا التاريخ في السُّرَّة الأوروبية ويتركون في الخفاء هذه الفضاءات والبلدان التي جادت لآوروبا بنورها.. ص 137 . فخلفاء أرسطو ابرزوا الطبيعة الفيزيائية للفلسفة، بينما أكد آخرون السمة الأخلاقية. وقد عنيت المدرسة العربية في ليبيا بقيادة أنتستان وأرستيب القرني (البرقوي) بإبراز دور الحواس واللذة والألم المحددين للسعادة بأنها التوازن بين الأجزاء المختلفة من جهاز بدننا.. ص 138 . وفي مقابل المدرسة العربية الليبية التي أحيت الفيزياء الذرية، كانت مدرسة عربية أخرى، هي مدرسة الفلسطيني زينون دوستيوم الذي كان حوالي 315 ق.م ، يسيّر في قبرص مؤسسة توريد وتصدير ويعتبر مؤسسا للرواقية Stoisme . ص 139 .
إن الفلسفة اليونانية انطلقت من المشرق وآلت إلى المشرق، لتسود في مصر وسوريا وفلسطين. وابتداء من القرن الأول المسيحي أحيا السوريان ليبانيوس ونومينيوس دايامي فلسفة فيثاغور والأفلاطونية، وأذاعاها، بينما اشتهر في مصر أربعة أسماء في أفق الفلسفة العالمية؛ وهي فليون اليهودي، وأمونيوس سيفاس، وفلوطين الأسيوطي في النيل الأوسط، وبرفير . وهذا من غير إدراج أنتدور دوكانا أستاذ الإمبراطور أغوسط ، ودوجين البابلي، وأبو لودور العراقي السلوقي ومن دجلة، وسوسوس الأسكلوني ، إلخ… وأخيرا إن التوراة والإنجيل قد حررا وشرحا باللغة اليونانية، كشاهد على انسجام واستمرار ثقافة كانت عربية في بدايتها، ثم انقلبت عربية إيجية ابتداء من منتصف الألف الثانية ق. م ، وغزت بعد ذلك غربنا أي أوروبا.. إن كل ما هو أساسي في ثقافتنا، إنما نشأ باستمرار في البلاد اليونانية الآرامية لا في غيرها من البلاد، وإن غربنا أي أوروبا المستهلِك الناقل لهذه الثقافة لم يكن هو المبدع لها ( ص 140 ـ 141 .)
في الفلك: كان اليونان يعترفون دائما. في مجال العلوم بأنهم تلاميذ مصر وبابل، وأفاد أفلافيوس جوزيف “بأن علوم الكلدان انتقلت إلى المصريين بواسطة إبراهبم، ومن المصريين انتقلت إلى اليونان”. وحسب الأساطير إن الاكتشافات الكلدانية الفلكية الأولى ترجع إلى أربعة آلاف وسبعين سنة (4070) قبل الميلاد.. إن سرجون الأول الذي ملك سنة 3800 ق. م ، عمل على تكوين مكتبة فلكية ، وقد عرفت بابل في ساعة مبكرة مبادرة الاعتدالين، ودورات خسوف القمر ، ومكان ااكواكب القارة ، والسنة المؤلفة من 365 يوما وربع اليوم. ونظام الحساب العشري أو الإثني عشر، مجموع الستين، فالدائرة مقسومة إلى 360 درجة، والدرجة مقسومة إلى 60 دقيقة، والدقيقة مقسومة إلى 60 لحظة.. لم يملك اليونان قط مرصدا فلكيا، كما أنه لم يكن لروما مرصد، بينما كانت البلدان العربية من النيل إلى الهندوس مجهزة بها. كانت اليوميات الروزنامات اليونانية الرومانية غير سليمة حتى صححت في عهد قيصر.. وقد كلف سوسيجنس وهو عربي من الإسكندرية بإصلاح التقويم الروماني (المناخ) . فاليومية التي دعيت بيومية جوليان ينبغي أن تسمى يومية الإسكندرية.. ص 143 ـ 144 ـ 145 . الأرقام العربية التي وصلت لنا من واحد إلى تسعة، وقد كان اليونان قبلها يستعملون الحروف الأربعة والعشرين التي تتألف منها أبجديتهم بترتيبها، وأخذوا عن الفلسطينيين ثلاثة أرقام على الأقل: رقم ستة Episomon والكوبا ، وقيمة تسعون.. الموازين والمكاييل أخذه اليونان عن العرب تدريجيا ولم تكتمل لديهم إلا بعد أن أقام صولون الأثيني بمصر وأحضرها معه.. ص 148 ـ 149 . من المضحك أن المستشرقين عندنا أثنوا على العرب وشكروهم على أنهم نقلوا لنا علوم اليونان وتقاليدهم، بعد أن ترجموا لنا نصوصهم الدينية أو الفلسفية. ونراهم على أنه لا بد من فترة جيل لمحو هذا الخطأ من علمائنا.. (ص 153 )
اليونان والعالم الآرامي والآرامية: عمل الإسكندر الأكبر المقدوني على ـ ولنفكر في ذلك جيدا ـ ضمِّ اليونان إلى العالم الآرامي، بعد أن كانت لا تنتمي إليه إلا ثقافيا. كان الإسكندر على هذا مرتبطا مع أغلب المسؤلين المدنيين والعسكريين في الإمبراطورية البالبلية.. كان من حرصه أن زار سائر مقاطعات الولابات المتحدة الآرامية.. كان ينوي أن يتقدم بزياراته إلى ليبيا وقرطاج وإيبيريا لكن الوفاة فاجأته..كانت اللغة الآرامية لغة الإدارة إما بالكتابة المسمارية أو بالحروف الهجائية الفينيقية أو المصرية.. إن الإسكندر بصفته ملكا آراميا، ينتمي إلى التقاليد التاريخية العربية، لكن أغلب المعلقين يتجاهلون ذلك، يرتكب تلامذتنا نفس الخطأ، فالإسكندر تسمية آرامية قديمة اكتسبها اليونان وحولوها إلى ألكسندروس Alexandros ، فإذا كان العرب يسمون الإسكندر فليس ذلك تقليدا لابن فيليب المقدوني، بل إنه هو المدين لهم بذلك .. (ملاحظة من مقدم البحث: يلقب الإسكندر بذي القرنين كما ذكر في القرآن الكريم، واسم القرن في الأمازيغية ـ إسْـكْ ) .. ترى النهضة العصرية القائمة اليوم باسم العروبة أو “الأمة العربية” في هذه الوحدة هدفها الأسمى ، فالمفكرون المدافعون عن العروبة ليسوا سوى منفذين لوصايا دارا والإسكندر.. (من ص 176 إلى ص 187 ).
العمارة: بعد أن تكلم روسي عن اليونان يفرد فصلا في كتابه عنوانه: (روما المستعمَرة المصرية: لقد بيعت روما للمشرق) . يتكلم عن العمران فيقول: بينما أخذ اليونان من العمارة المشرقية الخط المستقيم الجاري به العمل في العهود الكبيرة ، فإن روما التي لحقت أخيرا بالركب، استوحت النموذج الجديد ونقلت عن العمارة الآرامية الميل إلى الخط المنحني، وأكثرت من القبب والأقواس ذات العقد الكامل، وقلدت حتى القبة نصف الدائرة البابلية في فن العمارة. ولم يكن المسافر القادم من بلاد النيل أو من ضفاف الفرات يجد نفسه غريبا عندما يصل إلى روما.. وقد ثبت أنه كان بروما منذ ساعة مبكرة معماريون عديدون سوريون متخصصين في البناء والتزيين.. إن روما كانت خاضعة للشركات التجارية والمالية التي نعرفها اليوم باسم الشركات المتعددة الجنسيات وكان أصحابها من الفلسطينيين والمصريين واليونان والليبيين يسيطرون على نظامها المحكم. وعلى كل فإن روما تفكر وتعمل وهي متجهة للمشرق مستنيرة بالمشرق مجذوبة إليه.
يختم بيير روسي كتابه الرائع بفصل عنوانه: سلام الإسلام: نجاح محمد (صلى الله عليه وسلم) معناه أنه كان منتظرا، وقد تظافرت إلى تلقائية ما نزل عليه من الوحي ما كان يترجاه الشعب الآرامي، فانتصار الإسلام هو على هذا تجاوب محتوم بين دعوة ورجاء.. المهزوم في معركة القادسية هي أسرة الساسانيين، أما الشعب الفارسي فقد استقبل العرب بالأفراح ، فانتصر التضامن الآرامي على العدو البيزنطي.. وابتعث (صلى الله عليه وسلم ) والخلفاء من جهة أخرى اللغة الآرامية إذ أن القرآن ارتقى بلغة الشعب النيلي البابلي القديم إلى أسمى كمال في مبانيها ومعانيها وقواعدها. وبالفعل إن اللغة العربية هي أول لغة منظمة من لغات بشرية البحر المتوسط قبل لغة هومير، وهي التي منحت لها قوانينها. ذلك أنها منذ دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي ابتعثها لحياة عصرية، انتهضت من عهودها القديمة نقلت أصداءها العجيبة، ففرضت نفسها على ملايين البشر.
وباللغة العربية يمكن لنا نحن الأوروبيين ، أن نعيد قراءة كتبنا الدينية وتاريخنا، وسنرى الأشياء على أوضح ما يمكن. إن معرفة اللغة العربية سيعيننا، لا على تجاوز أفق أثينا وروما الضيق فقط ، لكن على المساهمة الواسعة في مستقبل المجتمع الجديد، الذي يخلص من ظروفنا الغامضة. إننا على يقين من ذلك.. إن الغاية الحقيقية من الحملة الصهيونية في المشرق مفهومة بكل يسر، فما هي إلا حرب صليبية جديدة، تستجيب لأهداف استراتيجية واستلائية هيمنية.. لكن كان يهب باستمرار من المشرق تيار منعش يبعث الحياة في الفنون، المختلفة والتأملات الفكرية بأرض الغرب [أوروبا] ، لقد بقينا عربا بإيماننا ، كما بقينا عربا بشكوكنا، ففي الأوروفيوOrféo لمنتفردي التي تسبح فيها ألوهية الشمس ، وفي الغابة الجهنمية التي يجوس فيها فهد دانتي ، كما أن في العلم المعاصر الذي تسود فيه الذرة ، يصعد في خفوت وباستمرار همس منابعنا المشرقية، ويكفي أن نعير الأذن لنعي ذلك.. وبالفعل ومن الصحيح أن المشرق يقترح على ذكائنا الخاطئ الواهي، وعلى النظرات الميكانيكية التي نتقمصها، وعلى صوابنا الحتضر، يقترح علينا الانبعاث وصعوده العسير. ويختم المؤلف كتابه الرائع بهذه الجملة: ( نعم إن الحياة تنتظرنا في بابِلون [بابل] ).( من ص 259 إلى 271 .)
في المسرح: المسرح اليوناني كان في بدايته ، وعلى صورته التي بقي عليها رغم التغييرات الخارجية، أعني نشيدا دينيا، ومأساة موسيقية دينية، أي صلوات لديونيسوس، وكل يعرف أن كلمة مأساة [تراجيدي] الذي يسمى بها هذا المسرح تتألف من تراغوس Tragos أي الجدي ، وأودْ أي النشيد ، ويمكن أن تترجم بـ [نشيد الجدي] او نشيد للجدي. وهي إشارة إلى الإله الذي عاش مستخفيا في البلاد العربية السعيدة اليمن في صورة جدي.. (ص 93) . سوموتراس المكان المقدس الذي يوجد به معبد الكابير Cabires وهي تسمية عربية خالصة ويوم كيبور العبري هو اليوم الكبير ص 100 . هرقل مستمد من هملقار الاسم الكنعاني ص 85 . مؤلف البحث: اسم هملقار هو حامي القار لكنه حرف في النطق. (21 )
لقد أطلت في تقديم هذا الكتاب، لأنه أولا كاتب أوروبي، فلو قاله كاتب عربي لاتهم بالتعصب، لأن السكان بحصرهم كأعداد من البشر يعتبر تضييقا للمجالات السكانية المحصورة في أضيق نطاق زماني، فما نعرفه عن السكان لا يتعدى زمانه الخمسة آلاف سنة. وأن جذور السكان أو فلسفة السكان ـ إن صح التعبير ـ هو العمق الحضاري فمعالم الحضارة الإنسانية نكتشف في السكان ما خبأه الزمن.. وهذا ما قصدته.
الخلاصة:
أولا: إن سكان شمال إفريقيا هاجروا من جزيرة العرب قبل آلاف السنين بعد أن ذاب الجليد في شمالي إفريقيا. الهجرات العربية المرصدة تاريخيا هي هجرة الكنعانيين الفينيقيين في منتصف الألف الثانية قبل الميلاد. وتعتبر الجزيرة العربية خزانا كبيرا بشريا تمت منه هجرات إلى العديد من نواحي العالم. العلماء يثبتون أن الهجرات الحضارية البشرية تمت من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال. ثم حدث تبادل للهجرات غربا شرقا، وشرقا غربا: الهجرات المسجلة، الهجرة الكنعانية المشار إليها للمغرب العربي. ومن الغرب للشرق هجرة الشواش الأمازيغ من الجريد إلى مصر في الألف الثانية قبل الميلاد حيث استقروا في بحيرة قارون بدلتا مصر، وصاروا جنودا فرسانا في الجيوش الفرعونية، بحيث صعد أحد أبنائهم إلى منصب فرعون وهو ششنق الأول، فأسسوا الأسرة الثانية والعشرين، والأسرة الثالثة والعشرين الفرعونيتين . وفي القرن العاشر الميلادي انتقل مائة ألف شاب من قبيلة كتامة الأمازيغية إلى مصر من المغرب العربي كجنود في جيش المعز لدين الله الفاطمي، ففتحوا مصر وساهموا في بناء القاهرة ، وتزوجوا بمصريات وأسسوا المجتمع القاهري. وفي القرن الحادي عشر الميلادي هاجر أربعمائة ألف من بدو الهلاليين من صعيد مصر إلى المغرب العربي ، واستقروا به.
ثانيا: سكان شمال إفريقيا يقيمون في حوض حضاري يمتد من المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، الأمازيغ هاجروا من جنوب الجزيرة العربية، عبر باب المندب فالحبشة فالسودان فالصحراء، وفي مسار آخر عبر سيناء فمصر. وأهم عنصر بقي عبر التاريخ يؤكد هوية السكان هو اللغة، فاللغة الأمازيغية لغة عروبية، تشير إلى جذور سكان الشمال الإفريقي. فاللغة العربية الأم انتشرت من الجزيرة العربية قبل آلاف السنين وتفرعت إلى لهجات، عمت الوطن العربي، بل وانتشرت في قارات الدنيا: آسيا وأوروبا وإفريقيا، بل واجتازت المحيط الأطلسي إلى أمريكا حيث وصلها الكنعانيون. عمت اللغة الآرامية العروبية الدنيا وصارت هي اللغة الكونية من نهر الهندوس وحتى أوروبا، وقد عرض البحث رأي عالم فرنسي يقر بأن العربية هي أم لغات وثقافات البحر المتوسط الذي يعتبر شمس الحضارة الإنسانية. كما أن الأديان السماوية الثلاثة أنزلت باللغة العربة: التوراة بالكنعانية، والإنجيل بالآرامية، والقرآن الكريم بالعدنانية.
الهوامش:
[ 1 ] رشيد الناضوري ، المغرب الكبير ، ج1 ، ص 62 ، القاهرة 1966
E.F.Gautier : le passé de l’afrique du nord P23 Paris 1964 [ 2 ]
[ 3 ] أحمد سوسة: حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصورـ طبع بغداد 1979] ص 15 ـ 16
[ 4 ] المرجع السابق ص 18
[ 5 ] ويليام لانغرWilliam Langer: موسوعة تاريخ العالم، الترجمة العربية، القاهرة 1962 ،ج1 صفحة 25 و 32
[ 6 ] ويل ديورانت WellDiorant : قصة الحضارة الترجمة العربية ج 2 صفحة 43 طبع القاهرة 1961
:Les Berberes P26 Paris 1957 [ 7 Bousquet G.H
[ 8 ] ويل ديورانت ، مرجع سابق صفحة 313
[ 9 ] احمد سوسة ، مرجع سابق ص 18
[10 ] Pierre Rossi La Cité D’ISIS : Histoire Vraie des Arabes,Paris 1976 P 12,18,24,29-33
[11 ] Dr Benatia Abderrahmane : Arabe et Indo-Européens , Alger 2008 , P16-18
[ 12 ] عثمان سعدي : الجزائر في التاريخ ، تحت الطبع.
[ 13 ] عثمان سعدي : بحث عن اللغة الكنعانية بالمغرب العربي. كتاب مجمع اللغة العربي بليبيا: النقوش العروبية
القديمة في المشرق والمغرب، صفحة 247 ، طرابلس 2007
[ 14] H.Basset : Les influences Puniques Chez Les Berberes ,Revue Afriquaine V62 P340 [ 15 ] عثمان سعدي : الجزائر في التاريخ ، تحت الطبع
[ 16 ] حولية مجمع اللغة العربية بطرابلس عدد 6 ، صفحة 217
[ 17 ] ويليام لانغر ، مرجع سابق ص 45
[ 18 ] Gabriel Camps : Les Berberes : Mémoire et Identité P11 Paris 1995
[ 19 ] [الجزائر في التاريخ] مرجع سابق
[ 20 ] مرجع سابق ، أحمد سوسة ، ص 163
[ 21 ] بيير روسي ، مرجع سابق

الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

في النهاية.. أي إرث سيتركه بوتفليقة؟

image
خيرالله /كاتب لبناني
يخيّل لمن يسمع كلام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجه في رسالة إلى ملك المغرب محمّد السادس في مناسبة العيد التاسع والخمسين للإستقلال، أن الرئيس الجزائري اقدم منذ وصوله إلى الرئاسة على خطوة ما في اتجاه اقامة علاقات طبيعية بين البلدين.

تبدو الرسالة أقرب إلى كلام عام ابعد ما يكون عن الجدّية نظرا إلى التناقض المكشوف بين التمنيات، التي تبدو أقرب إلى المجاملات، من جهة والواقع الأليم للعلاقات بين البلدين الجارين من جهة أخرى.

قال بوتفليقة العائد من رحلة علاجية قصيرة إلى فرنسا في رسالته الموجّهة إلى العاهل المغربي: «وإذ اشاطركم والشعب المغربي الأفراح، فإنّه لا يفوتني أن اجدّد حرصي على توثيق علاقات الأخوّة التي تربط بين بلدينا والإرتقاء بها لتشمل كلّ المجالات».

هل من كلمة تعني شيئا، على علاقة بالواقع، في الرسالة؟ ما الذي يثبت أنّ هناك رغبة جزائرية في اقامة علاقات «اخوّة» مع المغرب؟ 

الجواب بكلّ بساطة أنّ ليس ما يشير إلى ذلك في أيّ شكل. كلّ ما هناك أنّ الجزائر ترفض حتّى البحث في اعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عشرين عاما بالتمام والكمال. لم تكتف الجزائر بتأكيد رغبتها في إبقاء الحدود مغلقة. رفضت البحث في المسؤولية عن الحادث الحدودي الذي وقع الشهر الماضي عندما اطلق رجال الأمن فيها النار على مواطنين مغاربة داخل الأراضي المغربية. رفضت حتّى التحقيق في ظروف الحادث الذي اصيب فيه مواطن مغربي بجروح. بدا وكأنّ المطلوب تأكيد أن لا مجال لمناقشة أي موضوع من شأنه أن يمهّد لتعاون وتنسيق بين البلدين، حتّى في الأمور الإنسانية.

سبق لمحمّد السادس أن هنّأ بوتفليقة في الذكرى الستين لإندلاع الثورة الجزائرية، أكّد العاهل المغربي مجددا وجوب إقامة علاقات أكثر من طبيعية بين البلدين. الفارق بين الموقفين الجزائري والمغربي في غاية الوضوح، بل على طرفي نقيض. إنّه فارق بين الكلام الجزائري الجميل الذي يظلّ كلاما من جهة والكلام المغربي المقرون بالأفعال من جهة أخرى.

تعتبر الرباط أنّ من الطبيعي تطوير العلاقات بين البلدين خدمة للمصالح المشتركة والإستقرار الإقليمي، فيما في الجزائر من يصرّ على الهرب الى الخارج من أجل التغطية على الأزمات الداخلية المتلاحقة التي يشهدها البلد منذ استقلاله في العام والتي بلغت ذروتها خريف العام لدى اندلاع ثورة حقيقية ما لبث المتطرفون أن تلقفوها وادخلوا البلد في دوامة العنف التي استمرّت ما يزيد على عشر سنوات. 

لا شكّ أن الدور الذي لعبه الجيش الجزائري كان حاسما في القضاء على الإرهاب تمهيدا لوصول بوتفليقة إلى الرئاسة في العام . ساهم الرئيس الجزائري بدوره في مجال استتباب السلم الداخلي وترسيخه عبر مصالحات وطنية.

تمكّن من ذلك بفضل الخبرة الطويلة التي اكتسبها منذ كان شابا. كان مفترضا أن يتوسّع دوره إلى ما هو ابعد من الداخل. المؤكد أنّ السياسة الخارجية للجزائر بقيت تراوح مكانها. تقوم هذه السياسة المبنية على لغة خشبية، على الإستثمار في كلّ ما من شأنه اثارة القلاقل في دول الجوار وذلك كي تثبت الجزائر أنّها قوّة اقليمية.

لم يستطع بوتفليقة، الذي شاء إرتداء بذلة هواري بومدين، التخلّص من العقدة الجزائرية المتمثلة في وهم الدور الإقليمي.

لا يختلف اثنان على أن الحال الصحيّة لبوتفليقة كانت تفرض عليه عدم الترشّح لولاية رابعة. لكنّ مراكز القوى التي تدعمه والتي لا تستطيع القبول ببديل منه في المرحلة الراهنة، فضّلت أن يبقى في الرئاسة لإدارة البلد المهمّ من كرسيّه النقال. لا يزال الرئيس المريض المقيم خارج قصر الرئاسة في العاصمة (المرادية) قادرا على اتخاذ القرارات الكبيرة، ولكنّ من الواضح أنّ ما يريح الدائرة الضيّقة المحيطة به هو التمسّك بكلّ ما هو قديم، أيّ بالنهج الذي جعل الجزائر غير قادرة على التعاطي مع جيرانها من منطلق أنّ المنطقة تغيّرت وأن ما كان ممكنا في عهد بومدين صار من رابع المستحيلات اليوم.

لا تزال الجزائر اسيرة العقدة الجزائرية. هناك نقطتان تؤكّدان ذلك اولاهما الحدود المغلقة مع المغرب. يخشى النظام الجزائري أن يأتي المواطن العادي إلى المغرب ليشاهد بنفسه كيف استطاع بلد لا يمتلك ثروات طبيعية تُذكر تطوير نفسه في كلّ مجال، بما في ذلك لعب دور الجسر بين اوروبا وافريقيا. 

أمّا النقطة الثانية فهي مرتبطة بنزاع الصحراء الذي هو نزاع مغربي جزائري بالدرجة الأولى. ترفض الجزائر الإعتراف بأنّ المغرب ربح الحرب وربح السلم في الصحراء المغربية وأنّ كلّ ما عدا ذلك مناورات مكشوفة تستهدف ابتزازه ليس إلّا. لا وجود لغير لعبة وحيدة في المدينة، حسب التعبير الأميركي الشائع. هذه اللعبة هي ما طرحه المغرب وكرّره محمد السادس اخيرا في مناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لـ»المسيرة الخضراء» التي سمحت للمغرب باستعادة اراضيه. اسم اللعبة هو الحكم الذاتي للصحراء في اطار السيادة المغربية. لماذا هذا الإصرار الجزائري على تجاهل الواقع والإعتراف بأن افضل ما يستطيع بوتفليقة عمله، في حال يريد أن يكون لديه ارث، هو توظيف الثروة الجزائرية في خدمة الجزائريين...بدل الإستثمار في كيفية اثارة القلاقل خارج الحدود الجزائرية عن طريق اداة اسمها جبهة «بوليساريو» وما شابه ذلك.

سيترك بوتفليقة، الذي يحكم من كرسيه النقّال، ارثا. يعترف كلّ من تعاطى في الشأن الجزائري أنّه استطاع اتمام شبه مصالحة وطنية ادّت إلى استقرار نسبي في الداخل. أمّا الفشل الجزائري في عهده، فهو فشل كبير على الصعيد الإقليمي أوّلا. بقي بوتفليقة اسير العقدة الجزائرية. تبيّن، على الرغم من كلّ ما قام به من اجل تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، أنّه عاجز عن اتخاذ قرارات كبيرة تجعله يدخل التاريخ. فالجزائر ما زالت دولة من العالم الثالث أو الرابع أو الخامس، تكره فرنسا، فيما طموح معظم الجزائرييين هو الإنتقال للعيش فيها.

ليس الموقف من الصحراء المغربية سوى تعبير عن عقدة جزائرية اسمها المغرب. إنّها ايضا تعبير عن عجز رئيس جزائري، لا مفرّ من الإعتراف بأنّه حقّق شيئا لبلده على الصعيد الأمني والسياسي، عن الذهاب إلى ابعد من ذلك. والذهاب إلى ابعد من ذلك، يعني أوّل ما يعني التخلي عن وهم القوّة الإقليمية في شمال افريقيا. فالمكان الوحيد الذي تستطيع الجزائر اظهار أنّها قوة، هو الداخل الجزائري، أي رفاه الجزائريين واقامة علاقة طبيعية مع الدول المجاورة، ولا شيء آخر غير ذلك...إنّه الإمتحان الذي سقطت فيه الجزائر مرّة أخرى.

الديموقراطية التونسية!

الكاتب: استاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر - غزة
   قصة الديموقراطية فى تونس بدأت فى مدينة سيدى بوزيد المدينة التونسية التى عانى سكانها الفقر، وغلب 
عليها الطابع الريفى ، وألإهمال الحكومى وفساده وإستبداده، وبطل القصة هذا التونسى الريفى الفقير محمد
بوعزيزى الذى أشعل النار فى نفسه فى 17 ىديسمبر 2010 ، وتصادف هذا اليوم وهو يوم الجمعة وما له من
 دلالات دينية عميقة ميزت التجربةالدينية المعتدلة فى تونس، وكان هذا الحدث ردا على إهانات حكم ديكتاتورى
 فقد بعده الإنسانى ، ليضعحدا لذل ومهانةالحكم ، وليؤذن بثورة عارمة فى تونس إنتقلت للعديد من الدول 
العربية .
      لكن قصة الديموقراطية فىتونس تختلف ولها أسبابها وخصوصيتها التى لا يمكن تجاهلها ، سواء
 على صعيدالحالة التونسية الكلية أو خصوصية حركة ألأخوان المسلمين وإستفادتها من الأخطاء التى أرتكبت
فى دول اخرى كمصر.حياة بوعزيزى لم تذهب سدى ، وأثمرت نجاحا ديموقراطيا يسجل للشعب التونسى ،.
ودرسا ينبغى إستلهامه عربيا وإسلاميا. وقد ينطبق على الحالة التونسية ما توصل إليه الكاتبالأمريكى
 فرانسيس فوكومايا فى كتابه الأخير النظام السياسى والتفسخ، والذى يستند على مقولة أن الديموقراطية 
هى التوجهالذى يمضى فيه التاريخ ألإنسانى ، وأن آفاق الديموقراطية ما زالت جيدة عالميا. ويعتمد
فى صحة مقولتهعلى تنامى دور الطبقة المتوسطى التى تقود عملية التغيير، وهو ما ينطبق على الحالة
 التونسية التى تمتاز عن غيرها بوجود هذه الطبقة ألأكثر إستنارة وإعتدالا، وإن كان من أشعل نور الثورة 
هو بوعزيزىلذى ينتمى للطبقة الكادحة ،لكن من قاد التغيير بعده هى هذه الطبقة . وهو ما يعنى حسب
 فوكومايا ان ألأتوقراطية الدينية أو الديكتاتورية العسكرية لن تدوم.
 ومما يلفت الإنتباه لما كتب وينطبق على الحالة التونسية أن الإسلام ليس عدوا للديموقراطية ، وأن
 ألأحزابالإسلامية كانت خير مثال للقوى المطالبة بالمشاركة السياسية والكرامة ، وهو هنا يتشبث على 
مصداقية هذا الإستنتاج علىالتجربة التونسية ، حيث وافقت الأحزاب الإسلامية المعتدلة والجماعات السياسية
 العلمانية على دستور توافقى لا يسمح بتقديم الشريعة الإسلامية على سيادة القانون.
 وهذا هو الدرس الأول الذى يمكن أن نستخلصه من نجاح التجربة البرلمانية ألأخيرة فى تونس، والتى
 فاز فيها حزب النداء التونسى ب85 مقعدا على حزب النضة التونسية الذى يمثل الأخوان وحصل على
 69 مقعدا ، بعد أن حقق أغلبية كبيرة فى الإنتخابات ألأولى بعد الثورة ، وهذا هو الدرس الثانى للديموقراطية
 التونسية ، انه وعلى الرغم من فوز حزب النهضة فى الإنتخابات ألأولى لم يذهب بعيدا فى التأصيل لحكم
أتوقراطى مطلق، بل فهمالحالة التونسية وخصوصيتها ، وان تونس الإعتدال السياسى والدينى لا يمكن أن 
ينجح فيها حكما أتوقراطيا مطلقا، مما دفعه للقبول برئيس يسارى ، ومشاركة الأحزاب الأخرى فى وضع 
دستور يعبرعن الحالة المستجدة ، والقبول بمبدأ سيادة القانون، وعدم الإصرار على النص الدينى مما أبعد
 تونس عن الدولة الدينية الكاملة ، هذا رغم أنالدين يلعب دورا مهما فى تشكيل السلوك السياسى للمواطن
 التونسى .
    لكن مايميز التجربة التونسية هذا التزاوجبين الدين والدولة والشعب، هذا التزاوج أنتج إسلاما معتدلا من
 حيث التوجه السياسى ،إضافة إلى عوامل اخرى منها الإنفتاح على الثقافات الغربية ، وعدم التقوقع فى أطر
تقليدية للدين وهذا ظهر فى فى فكر السيد الغنوشى ،ونائبه عبد الفتاح مورو، وهذا هو الدرس الآخر للحالة
التونسيه، وهو عدم الإستعجال فى الحكم ، كمابدا فىالحالة المصرية . وعليه فإن خسارة حزب النهضة لا
 تعنى خسارة بالمعنى الدقيق للكلمة ، فهو لم يخسر الإنتخابات، بل فاز بعدد ليس قليلا بل يؤهله للمشاركة فى
 الحكم سواء في شكل إئتلاف حكومى ،او كمعارضة سياسية قوية من داخل البرلمان ، مما يكسبه شرعية
 سياسية كبيرة هو فى حاجة لها فى المرحلة ألإنتقالية ، وأيضا إنتزاع عامل الخوف لدى المواطن التونسى
 من فوز حزب النهضة بقبوله نتيجة الإنتخابات ، مما يعنى القبول بمبدا دورية الإنتخابات ، ودحض مقولة 
إنتخابات لمرة واحدة التى روجت لها الأحزاب الإسلامية فى نماذج أخرى كمصر, وهذاهو الدرس الآخرمن
التجربةالتونسية . 
       وأما الدرس المهم من هذه التجربة التاصيل لقاعدة سياسية فى الممارسة الديموقراطية ، وهو
 الإقرار بان الطريق للوصول للسلطةهو الصندوق الإنتخابى وليس العنف الذى يفقد الحركات الإسلامية 
وخصوصا ألأخوان أى شرعية سياسية وجماهيرية بتبنيها العنف وسيلة للوصول للحكم، وهو بذلك
أى حزب النهضة يؤسس لهذا المبدأ الديموقراطى . ولعل الدرس الأساس من هذه التجربة وهو الإجابة على
 السؤال لماذا أشعل محمد بوعزيزى نفسه؟ والإجابة إسقاط الحكم الإستبدادى السلطوى العلمانىالذى مثله
 حكم بن على ،وايضا رفض أى شكل من اشكال الحكم الأتوقراطى المطلقة ، وهنا الإختبار الحقيقيى الذى
يواجه التجربة الديموقراطية التونسية فى صورتها العلمانية بمعنى ان تنجح احزاب اليسار والأحزاب
العالمانية أن تستوعبالتغيرات السياسيةالتى دفعت تونس للثورة ،وأن الديموقراطية ليست مجرد شعار حكم
 ، وليست مجرد فوز فى إنتخابات أولى ، بل هى إنجاز إقتصادى ، وعدالة إجتماعية وسيادة للقانون، وهذا
 يتطلب التحول للدولة لقادرة والناجحة أو السعيدةالتى يشعر فيها المواطن بالقبول والسعاد ة من الحكم القائم
 والإبتعاد عن الفساد الذى كان سببا لقيام الثورة وسقوط الحكم السابق. ومن ناحية أخرى بالنسبة لحزب
النهضة وألأخوان إدراك ان الديموقراطية تعنى التوافقية والتشاركية والإبتعاد عن الحكم الأتواقراطى المطلق،
 وتقديم نموذجا للحكم الإسلامى الحضارى,إدراك ان الحكمصناعة بشرية.
وأخيرا لقد وضعت تونس ارجلها على طريق التغيير الصحيح فى مسيرة ديموقراطية طويلة تحتاج تغيرا
 شاملا فى بنية الحكم ومنظومة القيمالثقافية التى تقوم على المواطنية الواحدة ، ودولة المدنية التى تحقق
 هذا المبدا، م عدم إنكار اى تأثير للمحددات ألأخرى وفى مقدمتها الدين كما قال فوكومايا أن ألإسلام ليس
 عدوا للديموقراطية ، وهو المطلوبإثباته من قبل حزب النهضة ، وكل الأحزاب الإسلامية ، وهذا الدرس
 للأخوان قبل غيرهم. هذه هى الدروس والعبر التى يمكن إستخلاصها من تونس.

الخميس، 13 نوفمبر 2014

لهده الاسباب طلب المغرب تاجيل كاس افريقيا


بقلم /موسى المصلح 

كثر الجدل  حول الدوافع الحقيقية لطلب المغرب تأجيل تنظيم كاس إفريقيا للأمم . وبالرغم من أن المغرب برر التأجيل بالحفاظ علي صحة مواطنيه و درء خطورة تفشي مرض يبولا بالمغرب  جراء استقبال الآلاف من المشجعين  , الدين قد يفدون على المغرب من البلاد الإفريقية الموبوءة  بمرض ايبولا .  فان القيمين  على المنظمة الإفريقية   لم يقتنعوا بموقف المغرب, وتم سحب مبادرة تنظيم الدورة منه ,وإقصاء الفريق الوطني المغربي  , والتلويح بعقوبات قد لا تنتظر كثيرا .
فهل فعلا تخوف المغرب من مرض ايبولا  هو السبب الوحيد الذي دفعه إلى طلب التأجيل  آم هناك أسباب أخرى ؟.
الواقع  أن هناك أسباب أخرى قد تكون اقل وجاهة من وباء ايبولا لكنها لا تقل أهمية .
ـ السبب الصحي

لاشك  أن خطر وباء ايبولا  خطر واقع بالرغم مما عرفته ظروف انتشار هدا المرض من    دعاية وتهويل , على الرغم  من محدودية انتشار  هدا المرض على ارض الواقع  ادا ما احترمت  ابسط القواعد الصحية  . لكن  هدا المبرر وحده  غير مقنع فالمغرب له  من
 ا لوسائل والإمكانيات التنظيمية و البنيات الصحية ما يمكنه من التصدي بجدارة لهدا المرض والحيلولة دون انتشاره .

ـالسبب الأمني
تشكل المسالة الأمنية  مبررا قويا للمغرب لطلب تأجيل التظاهرة  في ضوء ما في يجرى من أحداث و ما يعرفه شمال اقر يقيا ومنطقة الساحل من قلاقل واضطرابات سياسية وصراعات عسكرية خلفها الربيع العربي . وسقوط أنظمة استبدادية , وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية ودولا أوروبية على الخط , سمح بتفريخ  منظمات قتالية متطرفة , الكثير منها يدين بالولاء لداعش  ويتصيد الفرص للدخول إلى المغرب والقيام بأعمال تخريبية لزعزعة الأمن والاستقرار .

_السب الكروي
   الخوف من اندلاع أحداث شغب  داخل الملاعب وخارجها قد  يصعب احتواءها بين الجمهور المغربي والمشجعين الوافدين من الجزائر.  في ضوء  التوتر والجفاء المستمر بين المغرب والجزائر وتسلل عناصر من المخبرات الجزائرية  التي قد تعمل على إشعال فتيل الفتنة لإرباك المغرب والنيل من مصداقيته .

ـ الهجرة الغير الشرعية
إن تنظيم كاس إفريقيا بالمغرب قد يدفع بآلاف من الأفارقة إلى القدوم  إلى المغرب بدافع الهجرة إلى أوروبا أو البقاء  فيه  . والانضمام  إلى مئات المهاجرين الغير الشرعيين بعد انتهاء التظاهرة وهؤلاء المهاجرون قد  يشكلون قلقا امنيا وعبئا ماليا كبيرا .

ـ المبرر السياحي
لاشك أن توافد  أعداد كبيرة من  افارقة  الدول  الموبوءة  إضافة لما عرفه هدا المرض من تهويل إعلامي  لا يبرره سوى جشع الشركات الكبرى لصناعة الأدوية والأمصال سيخلق فوبيا عند الكثير من السياح الراغبين في زيارة المغرب وان لم تظهر أي حالة للمرض مما سيؤثر سلبا على قطاع مهم و حيوي  بالمغرب  .


إدا آخذنا بالاعتبار هده الأسباب كلها فان تنظيم تظاهرة كبيرة ككاس إفريقيا في موعده  في المغرب يعتبر خبلا  سياسيا وكبوة اقتصادية قد تتطلب سنوات عديدة  للتعافي منها .

المعارضة المغربية بين السيسي والسبسي


المعارضة المغربية بين السيسي والسبسي
بغض النظر عن الأرقام المتضاربة التي واكبت وأعقبت "الإضراب العام" الأخير، لا يمكن القفز على حقيقة يستحيل إنكارها، تتمثل في أن الحياة كانت عادية يوم الإضراب "العام" باستثناء قطاع الوظيفة العمومية وبعض القطاعات الأخرى "الهامشية".
لا يعني هذا الرأي بطبيعة الحال انتصارا لوجهة نظر الحكومة التي أعلنت فشل الإضراب، بقدر ما هو تقرير واقع، اللهم إلا إذا كانت المصطلحات المتعارف على معانيها دوليا قد أصبحت لها مفاهيم خاصة بالمغرب.
فالإضراب العام يعني توقف الحركة بشكل شبه تام على الأقل، وهو ما يصفه البعض بـ"المدينة الميتة"، حيث لا يكون هناك أثر لأي نشاط اقتصادي أو إداري أيا كان نوعه..
ولهذا حين يرى كثيرون أن الإضراب فشل، فذلك أولا، لأن منظميه وصفوه بـ"العام"، في حين اتضح ان الحياة كانت عادية جدا، في الغالب الأعم، وأن الاستجابة كانت فقط في القطاع العام حيث أغلب الموظفين مستعدون للاستغناء عن أجر يوم من أجل الاحتجاج على مشروع إصلاح صندوق التقاعد الذي يرون فيه مسا بحقوقهم المكتسبة.
والإضراب فاشل ثانيا بالنظر إلى عدد الداعين إليه، حيث يبدو أنه باستثناء أحزاب الإئتلاف الحكومي، فإن جميع ألوان الطيف السياسي والنقابي والجمعوي و"الدعوي" انخرطت في الحركة الاحتجاجية، ما كان يفترض شل الحركة على كافة الأصعدة.
إن هذه النقطة تحديدا ينبغي أن نتوقف عندها، ذلك أنه حين تدعو 28 نقابة للإضراب، بما فيها تلك التي توالي أحزابا مشاركة في الحكومة، وحين تدعم أقوى الأحزاب في البلاد (الاستقلال، الاتحاد، الأصالة والمعاصرة) هذا التحرك ومعها أحزاب كارطونية لا وجود لها على الأرض، بل وتنضاف إليها جماعة العدل والإحسان التي تعتبر نفسها -ويعتبرها البعض أيضا- الحركة الأكثر حضورا في الشارع، وفوق ذلك تدعم جميع الجمعيات الحقوقية التي لا تتوقف عن الاحتجاج اليومي في كل شبر من الوطن إضافة إلى فعاليات وتنسيقيات هذا الإضراب...، ومع ذلك تستمر عجلة الحياة في الدوران بشكل طبيعي في القطاع الخاص، وبشكل نسبي ما في القطاع العام، فهذا معناه أن هؤلاء جميعا لا يمثلون أي شيء في الساحة، وأن المواطن أصبح مستقيلا فعليا من العمل السياسي والنقابي والجمعوي، وأن كل ما نراه ونسمعه عن "تمثيلية" و"حضور" و"تأطير"...هذا الحزب أو تلك النقابة أو الجمعية، ما هو إلا مبالغات وانتفاخ أقرب إلى التورم منه إلى أي شيء آخر..
لقد كتبت قبل شهور في هذه الزاوية المتواضعة، أن المغرب على مشارف الوصول إلى لحظة خطيرة حين يصبح طيف سياسي واحد مسيطرا على الساحة، قسم منه يقود الحكومة، والقسم الآخر يحتل الشارع، بينما بقية المكونات الأخرى لا وجود لها خارج الضجيج الإعلامي..
ويبدو أن هذا المشهد آخذ في التكرس بشكل أو بآخر..
فحزب العدالة والتنمية استطاع حتى الآن الانحناء أمام جميع العواصف التي هبت من الشرق في اتجاه الغرب، ونجح في تعديل خطابه بما يتماشى وحدود الممكن، وهو ما عكسته "الثقة" الزائدة في النفس عشية الإضراب العام، حيث لوحظت لامبالاة تامة بالأمر، مع أنه كان بالإمكان أن يتحول إلى مدخل لتغيير غير متوقع..
وجماعة العدل والإحسان، بغض النظر عن ضوابط علاقة قياداتها بأتباعها، هي الآن القوة الوحيدة المنظمة في الشارع القادرة على التعبئة، ويمكن أن ترتفع أسهمها السياسية كثيرا إذا هي قررت استغلال احتياطيها الانتخابي في المضاربات التي تعرفها بورصة الانتخابات.
إن هذا الواقع هو الذي دفع أحد الأقلام المحسوبة على ما يسمى "التيار الاستئصالي" التي لمعت عقب التفجيرات الإرهابية لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، إلى دعوة المعارضة "الديموقراطية" لرص الصفوف وإعادة بناء نفسها وتحديث أدوات اشتغالها، لأنه الخيار الوحيد المتبقي -في نظره- لمواجهة موجة "الإسلام السياسي"..بينما الخيارات الأخرى تتراوح بين "دعم" المؤسسة الملكية لاستعادة كافة صلاحياتها وبالتالي الإجهاز على المكتسبات القليلة التي جاء بها دستور 2011، وبين الدفع في اتجاه انتخابات مبكرة ستكون محكومة بشرطين : تنامي معدلات العزوف والمقاطعة، مقابل ثبات في الكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية، ما يعني في المحصلة أن خطوة من هذا النوع قد تصب فقط في مصلحة نفس الحزب الذي قد يعود مجددا..
ويبدو أن هذا الكلام لم يجد أذنا صاغية، ولم يصل إلى العنوان الذي أرسل إليه، بل هناك إصرار متواصل على السير في نفس الاتجاه : المزايدة والخطاب الشعبوي، وعدم طرح بدائل فأحرى الاشتغال في العمق.
لقد قلت أكثر من مرة سابقا، إن الديموقراطية الحقيقية تحتاج إلى معارضة قوية.. تضغط على الحكومة بقوة البدائل والأفكار المغايرة، وليس بالهرج والمرج والضجيج الإعلامي وافتعال المعارك..
لنكن واقعيين، ولننظر إلى الصورة بعيون مفتوحة.. فأحزاب المعارضة والنقابات التابعة لها فشلت في الاستقطاب والتعبئة، ما يعني صراحة أن أية استحقاقات انتخابية قادمة سيكون المال الانتخابي محركها الوحيد.. وهذه حقيقة "حتمية" لا يمكن تغطيتها بالكلام الذي يتم تسويقه عن أدوار جديدة للأحزاب والنقابات والمجتمع المدني.. في مغرب ما بعد 20 فبراير..
إن الدرس الذي لا يريد أحد أن يستخلصه من "الإضراب العام" هو أن المواطن "ما مسوقش".. وهذا أمر لا ينبغي أن يكون محل استخفاف أو مزايدة، لأن المطالب السياسية والاجتماعية لابد أن تجد قنوات للتعبير عن نفسها ... في لحظة من اللحظات.
وهنا تبرز الإشكالية الحقيقية في إطار سؤال مؤداه.. ما هي هذه القنوات؟ وهل ستظل منضبطة للنضال السلمي أم سنرى لها تعبيرات عنيفة وخارجة عن السيطرة؟
لقد أثبت الربيع العربي أنه باستثناء ما يعرف بجماعات "الإسلام السياسي"، فإن بقية الأطراف هي مجرد ظواهر صوتية لها وجود إعلامي فقط، وهو ما تأكد في الحالة المصرية بعدما اتضح أن الانقلاب هو الخيار الوحيد، بما أن الرهان على الليبراليين واليساريين والعلمانيين والديموقراطيين والحداثيين لن يؤدي إلى اية نتيجة ولو بعد مائة عام.. بل إن زعيم أحد الأحزاب الليبرالية أكد صراحة أنه لو استمر مرسي في الحكم سنة أخرى، فإن "الإخوان" كانوا سيسيطرون على البرلمان لـ 30 سنة قادمة.. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها تحت تأثير العمى الإيديولوجي والخصومة السياسية..
ولا يخفى أن هذا "خيار الانقلاب" تمت محاولة تجربته في تونس لكنه فشل بسبب ضعف الجيش، والكره الشعبي الشديد لأجهزة الأمن، فضلا عن عدم وجود حاضنة شعبية لخطوة من هذا القبيل، ولهذا تم البحث عن بديل تمثل في الاستعانة بخدمات "كوكتيل" من بقايا نظامي بورقيبة وبن علي إضافة إلى رجال المال والإعلام المتضررين مما عرف بثورة الياسمين، ووضع الجميع تحت عباءة رجل قادم من ماض سحيق.. ولهذا هناك اليوم من يتحدث عن "انقلاب ناعم" يقوده "الشاب السبسي"، الذي لم يستمع حتى لنصائح مقربين منه نبهوه إلى أن تسيير الدولة يحتاج إلى ساعات طويلة من العمل يوميا وإلى جهود مضاعفة قد لا تتناسب مع سنه... (تماما كما لم يستمع للسيسي لمن نصحوه بالاكتفاء بمنصبه كوزير للدفاع يحرك كل الخيوط من خلف الستار بدل أن يحتل كرسي الرئاسة ويصبح تحت الأضواء الكاشفة)..
لكن يبدو أن الرئيس المنتظر تتويجه في تونس يضع بين عينيه النموذج الجزائري : فإذا كان بوتفليقة الأصم الابكم المقعد الذي لا يقدر على شيء يحكم دولة عملاقة بمشاكلها وثرواتها وتعداد ساكنتها، فإن السبسي يبدو في وضع مناسب لحكم تونس بمعطياتها الديموغرافية والجغرافية المحدودة، خاصة وأن المال الخليجي قد يتهاطل من كل حدب وصوب للتحكم في الخريطة السياسية المستقبلية للبلد الذي ولد فيه شعار :"الشعب يريد.."..
لم أورد هذه المعطيات عبثا أو من باب المقارنة المستحيلة، بل لتسجيل ملاحظين اساسيتين:
الأولى، تتمثل في أن النهج الذي تكرس عبر إبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية عن الصراع السياسي في المغرب، يؤكد أن المؤسسة الملكية ضرورة وضمانة لقطع الطريق أمام الفوضى.. وأمام المغامرات غير المحسوبة..
أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في مطلب أطلقه أحد "المناضلين" على صفحته بالفيسبوك، حيث طالب شخصيات -ذكر منها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بن سعيد أيت يدر وسعيد بونيعلات-.. بالاستفادة من تجربة السيد باجي قايد السبسي، وذلك من خلال العودة إلى الساحة وتحمل "المسؤولية التاريخية" بقيادة جبهة تضم التقدميين والحداثيين والديموقراطيين.. لمواجهة قوى الظلام والرجعية..
باختصار .. هو حكم مبرم على أجيال كاملة بعدم الأهلية لقيادة المرحلة، ونبش في الأرشيف الوطني من أجل العثور على شخصية مناسبة للعب دور "سبسي مغربي".. ولو مع الفارق الذي تفرضه ظروف الزمان والمكان..
ما أريد قوله هنا، هو أن المعارضة البرلمانية تعيش خارج السياق، وهو ما يتضح من المناورات التي تقوم بها في المؤسسة التشريعية، حيث وصلت إلى مرحلة العرقلة من أجل العرقلة، وهو ما أعلنته صراحة النائبة السيدة ميلودة حازب خلال اجتماع لجنة المالية.. ولا حاجة بعد ذلك لمتابعة مسلسل الثنائي لشكر/شباط، الذي أصبح يضاهي في طوله ورتابته المسلسلات التركية مع فارق كبير يتمثل في أن تلك المسلسلات الرخيصة تعج على الأقل بالحسناوات بينما مسلسلنا البئيس لا مكان فيه سوى للوجوه التي "تقطع الخميرة من البيت" على رأي الأشقاء في مصر..
المعارضة البرلمانية تبحث إذن عن سيسي أو سبسي..أما المعارضة من خارج المؤسسات، فهي مقسمة بين ينتظرون-على طريقة الشيعة مع إمامهم الغائب- عودة كارل ماركس، وبين من يراهنون على الملائكة المسومين المنزلين لدعمهم في غزوة "إحياء الخلافة"..

الأحد، 9 نوفمبر 2014

المغرب متشبث بقرار الابقاء على طلبه تأجيل كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم

CAF - Confederation Africaine du Football
أكدت وزارة الشباب والرياضة أن المغرب متشبث بقرار الابقاء على طلبه تأجيل كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم من سنة 2015 إلى 2016.
وأفاد بلاغ للوزارة، مساء السبت، أن هذا القرار أملته دواعي صحية ذات خطورة قصوى ترتبط بالمخاطر الجدية لانتشار وباء إيبولا القاتل.
وردا على الرسالة التي وجهتها الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى السلطات المغربية في 3 نونبر الجاري والاجتماع الذي انعقد في نفس اليوم بين وزارة الشباب والرياضة والكنفدرالية الإفريقية والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم بشأن قرار الكنفدرالية الإبقاء على تنظيم كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم 2015 في موعدها المحدد مسبقا، أي من 17 يناير إلى 8 فبراير 2015، أشار البلاغ إلى أن المملكة المغربية قررت التشبث بطلبها تأجيل موعد هذه التظاهرة الكروية إلى سنة 2016.
وأضاف البلاغ أن المملكة المغربية أثبتت، في واقع الأمر، التزامها الراسخ باحتضان هذه المنافسة المتميزة وطموحها في جعل كأس أمم إفريقيا لسنة 2015 دورة استثنائية مبرزا أن المملكة المغربية قامت بعمل جبار من أجل إعداد ترشيحها، وبذلت، على إثر ذلك، مجهودا استثنائيا من أجل تأهيل بنياتها التحتية الرياضية والإنهاء الدقيق للجوانب التنظيمية.
وفضلا عن الحمولة الرياضية لهذا الحدث، أشار البلاغ إلى أن المغرب يجدد التأكيد على رغبته في تعزيز علاقاته التاريخية والعميقة، بشكل أكبر مع البلدان الإفريقية الشقيقة والصديقة وترسيخ القيم والمبادئ الكونية المتعلقة بالتسامح والانفتاح والاحترام والتضامن التي تتقاسمها الشعوب الإفريقية.
غير أنه - يضيف البلاغ - ونظرا لوجود قوة قاهرة ذات طبيعة صحية محضة، والمتمثلة في الخطر الوبائي لمرض فيروس الإيبولا وانعكاساته الكارثية والخارجة عن السيطرة التي قد تترتب عنه، لاسيما على مستوى الخسائر البشرية، قرر المغرب تقديم طلب تأجيل موعد كأس الأمم الإفريقية لسنة 2015 إلى سنة 2016، وذلك بعد تفكير متأن يستند إلى وقائع صحية صرفة مؤكدا أنه بناء على معلومات لوزارة الصحة والمعتمدة على توصيات اللجنة الوطنية العلمية "إيبولا" والتي ترتكز بدورها على التقارير الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية وعلى تقييم الوضع والتي تبرز بشكل واضح التطور المقلق لفيروس "إيبولا"، الوباء الخطير والقاتل.
وأبرز البلاغ، أن هذا المرض خلف أزيد من 5000 قتيل خلال بضعة أشهر وأزيد من 13 ألف مصاب، وهو الرقم الذي تتوقع منظمة الصحة العالمية أن يتجاوز 20 ألف شخص في غضون الشهور المقبلة.
وأشار إلى أن هذا القرار يعزى أساسا إلى المخاطر الطبية التي يمكن أن يشكلها بالنسبة لصحة المواطنين الأفارقة، مؤكدا أن منظمة الصحة العالمية تقر بشكل واضح أن من شأن التجمعات الجماهيرية الكبيرة الرفع من خطر تفشي الأمراض المعدية لكونها تتشكل من عدد كبير من الزوار القادمين من مختلف البلدان.
ومن جهة أخرى، توصي منظمة الصحة العالمية في بلاغ صادر في 23 أكتوبر 2014 جميع البلدان بتقييم خطر "الإيبولا" المرتبط بهذه التجمعات الجماهيرية واتخاذ القرار المناسب حسب معايير الوقاية الصحية.
وأبرز البلاغ أنه "بغض النظر عن الأسباب الصحية، فإن هذا القرار يعزى أيضا إلى دواعي إنسانية حيث أنه من مسؤوليتنا استقبال جميع المشجعين والضيوف في أفضل الظروف تماشيا مع ثقافة كرم الضيافة والتقاليد المغربية" مضيفا أن المغرب يرى أنه من غير اللائق أن يرى نفسه مجبرا، في إطار تفعيل التدابير الوقائية، على رفض استقبال مواطنين أفارقة، خصوصا منهم القادمين من البلدان المصابة بالوباء، وذلك نظرا لعلاقات الصداقة وحسن الجوار المتميزة التي تربط المغرب بالبلدان الإفريقية.
صحيح أن المغرب سينظم فعلا كأس العالم للأندية من 10 إلى 20 دجنبر المقبل - يضيف البلاغ - غير أن هذه المنافسة تسجل حضورا قليلا نسبيا من المشجعين العالميين، عكس كأس أمم إفريقيا، وبحكم أنها تعد أول منافسة رياضية إفريقية، تستقطب عشرات الآلاف من المشجعين، هذا الرقم يمكن أن يكون أكبر من ذلك نظرا للقرب الجغرافي للمغرب وجاذبيته السياحية.
وذكر بأن المغرب استضاف لقاءات المنتخبات الوطنية الغينية (أقل من 17 سنة والكبار) وذلك في إطار سياسة التضامن ودعم البلدان الصديقة التي مسها الوباء مبرزا أن هذه المباريات استقطبت عددا قليلا من المشجعين وظل الوضع متحكما فيه من طرف جهاز المراقبة الصحية ضد "إيبولا" كما أن تدفق المسافرين عبر الخطوط الملكية المغربية ظل تحت السيطرة من طرف جهاز المراقبة الصحية الموجود.
وأكد أن هذا الجهاز أظهر فعاليته في تغطية خطر "إيبولا"، ولكن سيكون من الصعب جدا السيطرة على هذا الخطر أمام الرقم الكبير للمشجعين المتوقعين، وذلك بالنظر أساسا إلى المدة الطويلة التي تستغرقها مدة الحجر الصحي لهذا المرض (21 يوما) مضيفا أن الاقبال المهم على حضور كأس أمم إفريقيا ينذر بخطر تغذية المخاوف والهواجس الموجودة بسبب الارتفاع المقلق لوباء "إيبولا" مما قد يتسبب في عدم توجه المشجعين إلى الملاعب بالرغم من كل مجهودات التحسيس والتعبئة، وهذا ما من شأنه التأثير على الصورة الاعتبارية لكأس الأمم الأفريقية والتي تطلب بناؤها مدة طويلة.
من جهة أخرى، ذكر بلاغ وزارة الشباب والرياضة بأنه بالنظر إلى أسباب تقنية محضة مرتبطة بملاءمة الجدول الزمني العالمي، تم تنظيم دورتين متتاليتين لكأس أمم إفريقيا سنتي 2012 و2013 مشيرا إلى أنه نظرا لأسباب أخرى مفهومة، يمكن أن يطرأ تغيير على تاريخ تنظيم كأس العالم لسنة 2022 لأسباب مناخية مرتبطة أساسا بدرجات الحرارة المرتفعة.
وبالنظر لدواعي صحية ذات خطورة قصوى ترتبط بالمخاطر الجدية لانتشار وباء إيبولا القاتل، شدد البلاغ على أن قرار المغرب يكتسي طابعا منطقيا من أجل تعديل الجدول الزمني لكأس الأمم الافريقية لكرة القدم من خلال إعادة اعتماد نظام دورتي 2012 و2013 خلال سنتي 2016 و2017.
وأبرز البلاغ أنه تأكيدا على استعداده لتنظيم كأس أمم إفريقيا على المستويات الرياضية والتنظيمية واللوجستيكية، وأنه اتخذ جميع الإجراءات اللازمة لإنجاح هذا العرس الإفريقي وأن يكون في مستوى المسؤوليات التي تعهد بها للكاف، ونظرا لكل الأسباب التي تم إيرادها، فإن المملكة المغربية محكومة بنفس الشعور بالمسؤولية، تتشبث بقرار الابقاء على طلبها تأجيل تنظيم تظاهرة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم من سنة 2015 إلى 2016، نظرا لوجود قوة قاهرة ولتداعياتها.

الخميس، 6 نوفمبر 2014

الفائزون والخاسرون الجدد في الشرق الأوسط

102 (1)
يوشكا فيشر 
قال الفيلسوف اليوناني القديم هرقليطس في وصف الحرب إنها “أم كل شيء”. وفي ضوء الأحداث الدموية -والهمجية في واقع الأمر- التي يشهدها الشرق الأوسط (في العراق وسوريا على وجه الخصوص) قد يستسلم المرء لإغراء الاتفاق مع هرقليطس في وصفه للحرب على الرغم من أن مثل هذه الفكرة لم يعد لها مكان في نظرة ما بعد الحداثة إلى العالم في أوروبا اليوم.
إن الانتصارات العسكرية التي يحققها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا لا تغذي كارثة إنسانية فحسب، بل إنها أيضا تدفع التحالفات القائمة في المنطقة إلى حالة من الفوضى، بل وحتى تدعو إلى التشكك في الحدود الوطنية، فالآن ينشأ شرق أوسط جديد يختلف عن النظام القديم في جانبين على قدر كبير من الأهمية: الدور المعزز الذي يلعبه الأكراد وإيران، وتضاؤل نفوذ القوى السُنّية في المنطقة.
إن منطقة الشرق الأوسط لا تواجه الانتصار المحتمل لقوة تسعى إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية من خلال القتل الجماعي واستعباد الناس (النساء والفتيات من الإيزيديين على سبيل المثال) فحسب، فقد بات من الواضح أنها تواجه أيضا احتمال انهيار النظام القديم الذي ظل قائما في المنطقة بلا تغيير تقريبا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فضلا عن تراجع القوى التقليدية المثبتة للاستقرار في المنطقة.
وقد أدى الضعف السياسي الذي اعترى هذه القوى -سواء الكيانات العالمية مثل الولايات المتحدة أو اللاعبين الإقليميين مثل تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية- إلى تراجع ملحوظ لأدوار القوى الديناميكية في المنطقة.
فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي لا تزال تصنف حزب العمال الكردستاني المنادي بالاستقلال منظمة إرهابية (وهو الحزب الذي ظل مؤسسه عبد الله أوجلان حبيسا في سجن تركي منذ عام 1999) يبدو أن مقاتلي حزب العمال الكردستاني هم الوحيدون الراغبون والقادرون على وقف تقدم تنظيم الدولة، ونتيجة لهذا فإن مصير الأكراد أصبح يفرض سؤالا بالغ الإلحاح في تركيا.
إن تركيا عضوة في منظمة حلف شمال الأطلسي، وأي انتهاك لسلامة أراضيها من الممكن أن يؤدي بسهولة إلى تفعيل فقرة الدفاع المشترك في معاهدة شمال الأطلسي.
وتستتبع المسألة الكردية احتمال نشوب صراع أوسع كثيرا، لأن قيام دولة كردية من شأنه أن يهدد أيضا سلامة أراضي سوريا والعراق وربما إيران.
وعلى الرغم من هذا فقد اكتسب الأكراد بقتالهم تنظيم الدولة شرعية جديدة، وبمجرد انتهاء القتال فإنهم لن ينسوا ببساطة طموحاتهم الوطنية أو التهديد المهلك الذي تصدوا له، ولم ترتفع مكانتهم بفضل وحدتهم وشجاعتهم فقط، فقد تحولوا على نحو متزايد إلى ركيزة للاستقرار وشريك موثوق موال للغرب في المنطقة التي تفتقر إلى الأمرين.
وكل هذا يضع الغرب في معضلة، فنظرا لعزوفه عن توريط قواته البرية في حرب يعلم تماما أنه لا بد أن ينتصر فيها سوف يضطر إلى تسليح الأكراد -ليس فقط مليشيات البشمركة الكردية في شمال العراق، بل وأيضا الجماعات الكردية الأخرى- بأسلحة أكثر تطورا، ولن يسر هذا تركيا -أو إيران في الأرجح- ولهذا السبب فإن حل المسألة الكردية سوف يتطلب استثمارا ضخما للمهارة الدبلوماسية والالتزام من قبل الغرب والمجتمع الدولي والدول التي نحن بصددها.
ولكن إيران قد تكون الفائزة الكبرى في المنطقة، فقد اكتسب نفوذها في العراق وأفغانستان دفعة قوية نتيجة لسياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، ويشكل التعاون الإيراني ضرورة أساسية للتوصل إلى حلول مستقرة في العراق وسوريا، كما تلعب إيران دورا مهما في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي لبنان.
ومن المستحيل تجاوز إيران في البحث عن حلول للأزمات العديدة التي تعيشها المنطقة، وفي الكفاح ضد تنظيم الدولة فإنه حتى التعاون العسكري المحدود بين الولايات المتحدة وإيران لم يعد أمرا غير وارد.
ولكن حل المسألة الإستراتيجية الأساسية لن يتم في ساحات القتال في المنطقة، بل في إطار المفاوضات المختلفة بشأن برنامج إيران النووي، وإذا تم التوصل إلى حل وسط (أو حتى تمديد قصير الأمد للاتفاق المؤقت الحالي في ظل احتمال واقعي بالتوصل إلى اتفاق نهائي) فإن الدور الإقليمي الأوسع الذي تلعبه إيران سوف يصبح أكثر قوة وإيجابية، ولكن هذه النتيجة تظل غير مؤكدة إلى حد كبير.
وتفرض القضية النووية مسألة أخرى مهمة مستترة، أو على وجه التحديد علاقة إيران بإسرائيل التي يقف على حدودها الشمالية مع لبنان حزب الله، وهو الشريك الأقرب إلى إيران في المنطقة، ويظل حزب الله ملتزما بتدمير إسرائيل، وتستمر إيران في تزويده بأسلحة قوية. وفي هذا الصدد، لا ينبغي لنا أن نتوقع أي تغيير كبير للأسف.
هذا هو قدر ما نعلمه بوضوح عن الشرق الأوسط الجديد، فسوف يشهد صعودا لنفوذ الشيعة وإيران والأكراد، وهذا من شأنه أيضا أن يزيد المنطقة تعقيدا على تعقيد، ولن تظل التحالفات (والصراعات) القديمة بديهية كما كان حالها في الماضي حتى إذا ظلت قائمة.
وبعيدا عن كل هذا، لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الشرق الأوسط سوف يظل بمثابة برميل بارود يهدد السياسة العالمية في القرن الـ21. ومن الواضح أن تثبيت الاستقرار في المنطقة لن يكون بالمهمة السهلة على الرغم من أهميته للصالح العالمي، ولن يتسنى إلا من خلال مزيج معقد من الوسائل العسكرية والدبلوماسية، ومن غير المرجح أن تتمكن أي قوة عالمية من تحقيق هذه الغاية منفردة.

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2014

موكب الملك وأصدقاؤه والفساد!


موكب الملك وأصدقاؤه والفساد!
اتصل بي الصحافي المغربي مع الظهيرة طالبا" مني تأخير موعد لقائنا في الرباط لساعة واحدة كونه قد تأخر عن التوقيت المفترض له فيه مغادرة الدار البيضاء بسيارته قادما الى العاصمة ... لم يشكل الأمر بالنسبة لي أي إزعاج إذ أن كل من يزور الدار البيضاء، ولو لمرة واحدة فقط، يعرف جيدا "جحيم" ازدحام الطرقات فيها وصعوبة الخروج من مداخل المدينة، طبعا باستثناء الفترات التي يتواجد فيها الملك في قصره في الدار البيضاء فعندها فقط تتحول المدينة بين ليلة وضحاها الى "جنة" الله على الارض في جوانب نظافة الشوارع وتنظيم المرور وقيام عناصر الشرطة بحفظ الأمن، خوفا من "غضبة" ملكية ما لا حسّا بالمسؤولية لدى مسّيري شؤون المدينة محليا"...
بعد نصف ساعة من اتصال الصحافي بي تفاجأت بوصوله الى المقهى الذي انتظره فيه... حرّكني الفضول لمعرفة سبب وصوله بسرعة قياسية ... فكان جوابه أنه تعمّد أن يقود سيارته على أقرب مسافة ممكنة خلف موكب الحرس الملكي "للي كان غادي" على الطريق "السيار" حتى يتمكن من القيادة بسرعة تفوق المئة وستين كلم في الساعة دون أن يلتقطه الرادار المزروع على طول الطريق بين الرباط والبيضاء والذي يصعب أن تقود فيه عادة بسرعة تفوق المئة وعشرين كلم في الساعة دون أن تتلقى مخالفة سرعة سريعة ... وفي هذه القصة البسيطة جدا قد نجد اجابات كثيرة تفسر "عقدة" التغيير والاصلاح والتنمية في المغرب...
إذ أنّ الحيلة "البريئة" التي قام بها الصحافي، بصفته مواطن "يتذاكى" على قوانين السلامة العامة، لا يوجد فيها أي نيّة سيئة تجاه الموكب الملكي نفسه ولا حتى نيّة احتيال "خبيثة" على القانون بقدر ما هي "مغامرة" غير محمودة يقوم بها كثيرون سواه، ليس فقط في المغرب بل في كل بلداننا العربية التي تسمى فيها مسألة الالتفاف على القوانين "شطارة" و"حنكة"، عندما يكونون على عجلة من أمرهم في تنقلاتهم...
أكملت جلستي مع الصحافي بكل هدوء ولكن حديثه المهني معي أخذ مني نصف انتباهي أمّا النصف الآخر فقد ذهب باتجاه عشرات (إن لم يكن مئات القصص)، التي سمعتها بنفسي خلال زياراتي المتكررة للمغرب، ألصق فيها أحد المغاربة او "الأجانب" مشواره المهني وحصوله على الدعم المادي والاعلامي بشخص الملك واسمه و حتى "موكبه" ...
فموكب الملك لم ولن يكون في يوم من الايام مجرّد مجموعة من السيارات المتحركة وأجهزة رادار متطورة ورجال حماية مدربين وخطط أمنية محترفة تتابع تنقلات الملك بالسيارة او الطائرة من مدينة الى اخرى داخل المغرب او خارجه، علما أن الرجل كثيرا ما يخرج بسيارته الخاصة بمفرده مستغنيا" عن البروتوكول والحراسة الشخصية والمرافقة المتشددة ليتجول في مدن البلاد واسواقها الشعبية واحيائها السكنية "العادية جدا" بكل حرية وبساطة ... وكثيرا ما يشاهد الرجل من قبل المواطنين ويتم التقاط صور له تعمم على مواقع التواصل الاجتماعية وتثبت صحة جولاته الشخصية تلك.... بل إنّ هذا "الموكب" الملكي ما هو الا تجسيد واقعي وملموس لأسلوب وشكل حكم وحكامة وتحكيم الملك في امور ادارة البلاد والعباد يتبعها الاخير منذ خمسة عشرة عاما أي منذ توليه الحكم وحيث يجمع "الموكب" بين التشدد في مكافحة الفساد والانفتاح على التقرب المباشر من الشعب ...
وبناء" عليه فكل من يحاول لصق نفسه بهذا "الموكب" عن قصد، دون أن يكون له أي مهمة واضحة وملموسة منوطة به في العلن، سيكون هو ايضا بدوره نموذج جديد يضاف الى مجموعة من المتطفلين والمتطفلات على العباد والبلاد باسم الملك ومسيرته لغايات شخصية أنانية ومشبوهة تسيء للملك نفسه قبل أن تسيء لبلده وشعبه...
قبل أيام قليلة أيضا جمعني لقاء باعلامي مغربي مخضرم يعمل في الخارج وفي سياق حديثنا أخبرته أنني سمعت صدفة" خبرا مفاده أن عمدة مدينة مغربية اشترى لنفسه سيارة مشابهة تماما لاحدى سيارات الملك الشخصية... فضحك الصحافي ابتسامة فيها الكثير من الاستهزاء والاستغراب قائلا لي "لو حدث ذلك في عهد الحسن الثاني... لكان الاخير قد لّقن العمدة "اياه" درسا لن ينساه في حياته بمحاولته تقليد ملكه"...
ومن هنا نتساءل هل أن انفتاح عهد محمد السادس بتنازله عن الكثير من صلاحياتالملك في دستور عام 2011 وتصاعد وتيرة حديثه في الخطابات الملكية الاخيرة في العامين الاخيرين في مختلف المناسبات الوطنية المهمة عن محاربة الفساد وتوزيع الثروة والاصلاحات داخل الاحزاب السياسية جعل البعض يستغل بعض "منافذّ" الحرية الممنوحة في البلاد للركوب بدون استئذان مع "موكب" الملك؟ ... حيث أنّ هذا ما نلمسه فعلا في وقاحة "البعضّ في التجرؤ على المتاجرة والاسترزاق ببعض الانشطة الحقوقية والملفات السياسية باسم الملك وصداقته؟
لم نعد نفهم في هذه البلاد لماذا على كل فنان و"مثقف" وفاعل سياسي وصحافي وهو يخبرنا في الاعلام عن نجاحاته عليه أن يعنون تصريحه ويعززه بالقول بأنه يعرف الملك او زاره او أن الاخير قد اتصل به؟... ما هذه "التخمة" في الاستخفاف بمسألة التواصل مع الملك إن كان الملك قد تواصل مع هؤلاء أصلا؟... ألا يمكن لهؤلاء مثلا" أن يخدموا هذه البلاد (سواء كانوا مغاربة أو اجانب) دون استغلال اسم الملك ومعرفتهم الشخصية به وحتى ولو كانت هذه المعرفة حقيقية؟ ...علما" أن للملك أصدقاء في حياته الخاصة وادارة الحكم والاستشارات الامنية والاقتصادية والثقافية والدينية يمكن أن نعدّهم على اصابع اليدين وهم معروفون بالاسم والصورة والسيرة الذاتية للجميع وهم كانوا بجانبه فعلا" منذ سنوات الدراسة وأصبحوا اليوم في مناصب أمنية واستشارية معروفة جدا هي ايضا... وبالتالي فلنعي أنه ليس كل من قال أنه "صديق" لأحد قلنا له "صدقت" ...
للأسف فإنّ "النصب" باسم الملك و"صداقته" لم ولن تكون مقتصرة على أمثال "شبيه الملك" الشهير (الذي قيل قبل اسابيع قليلة فقط انه قد ألقي القبض عليه وتمت محاكمته بتهمة استغلال الشبه بينه وبين الملك محمد السادس في عمليات احتيال على الناس) بل هي "ظاهرة" تشمل اشخاص آخرين وجوههم وبنيتهم الجسدية لا تشبه تلك التي تخص الملك نهائيا ولكننا نعرف جيدا أن ألقابهم تترواح بين "سفير سابق" و "رئيس جمعية سينمائية" و "رئيس مهرجان فني" و"وموظف دولة" متّخفي خلف واجهة جمعية حقوقية ما رئيسها في العلن ما هو الّا مجرد "كومبارس" وسواها من مناصب "ينصب" فيها وبها اصحابها من ذوي الوجوه والاسماء المعروفة اجتماعيا في المغرب باسم صداقتهم بالملك فيحصدون الدعم المادي لأنشطتهم من قبل وزارات وادارات حكومية معينة وحتى من عامة الناس زورا وفسادا وافتراء ...
لا يمكن لمقال ولا لمئة حتى أن يفضح أو يحلّ هذه الاشكالية ولا يمكن للملك أن يعرف يوميا كل من يتحدث باسمه ويعقد الصفقات ويستجدي التمويل باسم محمد السادس، إذ يكفي الاخير أنه يضطر أن يقرأ يوميا ويراجع تقارير لمسار عمل كل مشروع صغير وكبير يفتتحه كي لا يقوم مدير المشروع او من معه بتأخير مسار العمل فكم من مرة غرس الملك "شجرة" في مشروع شق طرقات وبناء مستشفيات وسلمها لفريق عمل معين وعاد ليجد ليس فقط أنّ بقية الاشجار لم تتم زراعتها بل أن شجرته التي زرعها بيديه حتى هي تم اقتلاعها وبيعها ؟... اذا فما الهدف من ما نكتب ونناقش ونفضح؟
الهدف هو حتما خيار شخصي لمن يكتب بتوجيه "قرصة" أذن لهؤلاء النصابين من جهة ومحاولة تنبيه الناس الذين يقعون ضحية وعود هؤلاء الكاذبة وصفقاتهم المشبوهة ومناصبهم المسترزقة من جهة أخرى ... ثم أن هناك جانب آخر مهم في قصة "اصدقاء" الملك الحقيقيين التي صدر فيها مقاطع كثيرة في كتاب فرنسي حديث النشر لمراسل سابق لوكالة اجنبية في المغرب حيث أن المقصود بهؤلاء الاصدقاء هم من رافقوا الملك "تلميذا" خلال سنوات دراسته و"مستشارين" خلال سنوات حكمه اليوم وهؤلاء مهما كانت شخصياتهم وافكارهم ونصائحهم وطريقة تدبيرهم للمناصب والمهمات الموكلة لهم فهم قبل أيّ شيء "اولاد الشعب" ليس فقط لأنهم مغاربة بل لأنهم بالفعل ابناء عائلات مغربية عادية... وهذا ما لا يعرفه العرب في المشرق والخليج عن طبيعة النظام في المغرب وهي نقطة ايجابية تحسب للملك في اختياراته لفريق عمله على اعلى المستويات...
فالملكية التي نتحدث عنها هنا في المغرب ليست ملكية عائلية حاكمة كحال انظمة الخليج العربي، حيث أن ابن عم الملك وأخوه وصهره في السعودية والبحرين والكويت مثلا أي اقارب الملك هم وحدهم من يحتكرون المناصب السياسية والامنية الحساسة في الدولة، بل هنا سنجد المناصب الامنية والاستشارية المغربية المهمة يتمتع بها اشخاص هم فعلا "ولاد الناس" لم يعينوا في مناصبهم الا بثقة الملك وليس لانهم اولاد عائلات ارستقراطية او ثرية مثلا بينما نرى الوجاهة الاجتماعية والاقتصادية حاضرة بقوة في التوظيف في القطاع الخاص في المغرب وبهذا يمكنك القول ان الملك اعتمد على فريق محيط به في الملفات الامنية والسياسية والاقتصادية الكبرى هم من الشعب قبل ان يكونوا في خدمة الشعب...
ومن نفس هذه الزاوية تماما" يمكن فهم طبيعة وهدف الحملات الاعلامية و"الهمس" الحاقد من داخل الجسم السياسي في البلاد الذي يحصر تفسير مصطلح "المخزن" في عهد محمد السادس بنفس القالب القديم الذي كان في عهد والده الحسن الثاني... علما ان الامور قد تغيرت كثيرا فإن جئنا نقول الامور بصراحة فالملك الذي يحكم في المغرب ويتابع يوميا بنفسه ملفات اساسية وامنية واقتصادية يعاونه فيها شخصيات لم يولدوا وفي في فهمهم ملاعق ذهب ولم يسكنوا ابراج عالية في الرفاهية والثروات والامتيازات فيشبابهم وطفولتهم وهذا تحديدا" ما يزعج البعض الاخر من كبار اثرياء البلاد...
باختصار فإن الملك واضح جدا في مسألة أصدقائه فهم يظهرون معه بوضوح ايضا" في رحلاته الشخصية وهم كانوا بالأمس معه في مقاعد الدراسة وهم اليوم ايضا في مناصب حساسة اليوم من حوله... أما مصيبة هذه البلاد فهي اكبر من فساد اداري وهدر ثروات الشعب وسوء تدبير الاحزاب لمنتخبيها بقدر ما هي أن البعض لم يعد يجيد خدمة بلاده وحماية منصبه وبناء نجاحاته الا عبر الترويج لاتصالاته بالملك وزياراته له وهؤلاء حتما" لا يعوّل على "خدمتهم" وخدماتهم لأنها مجرد تجارة مكشوفة تستغل اسم الملك وتنتحل صفة أصدقائه الحقيقيين... فاحذروا هؤلاء وافضحوهم متى استطعتم...
*صحافية لبنانية