السبت، 30 نوفمبر 2013

لمادا يردون قتل اللغة العربية افتراء؟



 اثأر مقترح إدراج اللهجة الدارجة القديم الجديد في التعليم لغطا كبيرا وردود فعل كثيرة بين مؤيد و معارض . ونحن لا يهمنا هدا اللغط بقدر ما تهمنا الرسالة  الموجهة من وراء هدا الطلب وما تخفيه من نوايا سوداء لنقض صرح شامخ عمر أكثر من 14 قرن  في المغرب .ولعل حجة هؤلاء الواهية هي أن اللغة  العربية هي لغة ميتة  هجرها العلم و العلماء  مند زمن ولم تعد تساير  التطورات 
السريعة في عالم اليوم محملين إياها ما يعرفه المغرب خاصة والعالم العربي عامة   من تخلف عن ركب التنمية وقطار المعارف .

    الحقيقة ان هده ادعاءات ليس لها أي سند  اللهم جحد وحقد أعمى  وتحقيق أجندات سياسات غربية لا تريد للعالم العربي آن يقف على رجليه واحدا موحدا  لاستمرار الهيمنة عليه وسلب خيراته و مدخراته ٬   تطبيقا لمقولة الرائجة إن من يملك  نفط الشرق الأوسط  يملك مفاتيح السيطرة على العالم . ولا يحتاج المدقق إلى منظار رفيع ليري ما يجري في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه ٬  من حرائق لا تكاد تخمد في مكان حتى تشتعل في مكان آخر  حتى أصبحت شرور العالم وماسيه مقتصرة على هده المنطقة من العالم دون سواها..
   
   لقد استطاع الغرب  أن يجند طابورا خامس من خلال نشر ثقافة  التدجين  والتهجين    من الداخل لتحطيم الجسور و تلغيم المفاهيم وزعزعة المعتقد والهوية  . يعمل هدا الطابور  جاهدا في تبخيس ماضينا و تغريب حاضرنا ٬  يروج لكل سيئات الغرب من انحلال أخلاقي و عهر ثقافي وتعود  استهلاكي  قبيح  لا يدين إلا بدين المتعة  الممنوعة  التي تعافها النفس السليمة ٬ والجري وراء شهوات ورغبات شاذة  تقتل في الإنسان أدميته وتجعله أحط من الحيوان  تحت أسماء ومسميات كثيرة   كالحرية الفردية الجارفة والتحضر المموه  الوسخ والحداثة  العمياء التي لا يكبلها وازع من دين  سماوي أو رادع من خلق إنساني.


     ويكفي لدحض كل هده المزاعم إن نشير إلى بحث حديث  قام به أخصائيون بريطانيون في مجال المبادلات التجارية الدولية ٬ نشرت  نتائجه على صفحات جريدة الاوبسرفر اللندنية  ٬  يفيد إن   اللغة العربية الفصحى  تتقدم بمراحل على اللغة الفرنسية. وتوصي الدراسة السلطات البريطانية حث  العاملين في هدا المجال وتحفيزهم  على تعلم اللغة العربية الفصحى للاستفادة المثلى من هدا المعطي اقتصاديا وتجاريا.

    ونعود إلى العلم  فنقول أن اللغة تسمو على العلم وتسبقه  فاللغة الأصل والعلم الفرع  واللغة المجال والعلم الحيز واللغة الحاوي والعلم المحتوى . فلا يمكن لأي لغة  مقعدة  ناضجة   آن تعجز  عن حمل أي علم    لأنها تحتويه وليس يحتويها  تلبسه ولا يلبسها  .  ادن ليس العيب في  اللغة   قوالب أو مفردات أو اشتقاق  ولكن العيب في قصور الباحثين عن التوليد والتوليف  والخلق والصياغة والإبداع والابتكار   . والعيب ليس في   ضيق اللغة  العربية برحابتها الواسعة ولكن العيب في من يرى علبة صغيرة لا يسعها بيت كبير.

      إن اللغة العالمة  ليست إلا جزء من اللغة الطبيعية العفوية  السهلة  التي تخلقها الحاجات الانسانية  اليومية ٬ تم  تتدرج صعودا لتتنقح وتتنمق و تترقى من الخام الى المشكل ومن البساطة الى التعقيد والتقعيد   و لا تحتاج إلى سفسطة الفلاسفة ولا إلى قياسات العلماء ومناهجهم .  فلغة العلم  أصبحت اليوم شديدة الاختصاص  لا يتقنها ألا نخبة من الصفوة  ٬ يطوعون مفرداتها  يولدونها تارة ويقتبسون لها تارة أخرى  ليشتقوا منها ألفاظا ورموزا يطلقونها على  ما وصلوا إليه من اكتشافات ٬  ونظروا من نظريات وخلقوا من كائنات  معرفية في مختبرات أبحاثهم  وتجاربهم .. فلو كان التخلف أصله اللغة  ما سطع نجم لدولة  كألمانيا   التي لا يتكلم  لغتها  سوى  عدد  لا يذكر  آدا ما قورن بسكان  الأرض  الدين يعدون بالمليارات  . فهده الدولة الأوروبية الرائدة  لا تتعمد سوى اللغة الألمانية  في مختلف مدرج  التعليم ٬ من الروض إلى اعلي الرتب في الجامعة  ولم يمنع هدا  الصناعة الألمانية من التفوق و التميز  جودة وابتكارا . وألمانيا ليس المثل الوحيد فهناك روسيا والصين والهند   ودول أخرى كثيرة .  آدا فاللغة ليست حاجزا  في  اكتساب امة  العلم  وارتقاءها  في  مصعد  المعرفة  وإنما الحاجز  في   نظم الحكم و  نسق التيسير وطبيعة المناهج وجودة التدريس والفقر والغنى ومدى الأهمية التي يحتلها البحث العلمي في أعين نخبها وقيادييها.

    إن اللغة العالمة لغة صعبة  تزداد تعقيدا يوما يعد يوم  ويضيق افقها باستمرار  لتصبح شديدة الاختصاص ٬ وعرة المسالك ٬ مبهمة المعالم . يشغل فيها  الرمز والتجريد والإشارة  الحيز الأكبر  لبناء نسق  ووضع فرضيات  ونظريات  لا يفهمها ألا نخبة من الضالعين  في العلوم . بل قد تجد نظريات حديثه في الرياضيات والفيزياء وعلوم أخرى لا يفهمها ولا يعلمها إلا  بضعة أشخاص  في مختبرات متفرقة عبر العالم  يعملون على مشروع واحد   في سرية   وبمنهجية متباينة و لغات مختلفة و قد يصلون إلى نفس النتائج  في أبحاثهم  باستقلالية تامة عن بعضهم البعض .
 ان اللغة مهما كانت لا تؤثر في جودة الأبحاث  بل يكون الفارق في جودة المختبرات و ما رصد لها من إمكانيات   تعد غالبا بمليارات الدولارات و عبقرية الباحثين التي لا تقتصر على  عرق أو دين أو منشأ أو لغة  بل على مسار تعليمي ناجح ودربة  طويلة في مسالك البحث والتحصيل .

       إن اللغة العربية تكاد تكون اللغة الأولى في غناها المعجمي ومفرداتها الكثيرة ٬ السهلة التوليد والاشتقاق  ٬ كانت ولا تزال رافدا للعلم وحاملة لصنوف العلوم . ليس العيب فيها ولكن في تقاعس علمائنا  عن البحث والتطوير٬ وإصابة مختبراتنا بالغرز والتهميش٬ وكلياتنا وجامعاتنا بالتحجر و التكلس  . فانصرف شبابنا عن التعلم والتحصيل٬   تارة بحكم الإقصاء والسياسات التربوية الفاشلة ٬  وتارة بحكم الفرز الاجتماعي  من خلال لغات دخيلة تشكل عائقا يشل  نظامنا التعليمي  ويخلخله في غياب إرادة سياسية مستقلة وناجعة   تحرر  تعليمنا من السير في اتجاهين  أنيين متناقضين ,  يعرقلان  الترقي الاجتماعي ويبقيان  فئة طبقية صغيرة تنعم بالسبق والرفاهة ومناصب الحكم , ويفرض على الغالبية العظمى الصراع  المعيشي في آتون من الحاجة و الفقر وقلة ذات اليد .
     وتحاول نخب هده الطبقة المرفهة و النافدة أن تقنعنا في كل لحظة وكل حين   من خلال خطاب ديمغوجي   إقصائي و تفتيتي  أن اللغة العربية قد أكل عليها الدهر ولم تعد صالحة ألا   لقراءة الاوراد في  قبب  الأضرحة    و على  لحود المقابر.  تلك فرية  وما أخبثها من فرية  .  
بقلم رئيس التحرير / المصلح

0 التعليقات: