الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

قميص بورقيبة وحذاء بن علي


قميص بورقيبة وحذاء بن علي
ذَكَّرتُ نفسي مرات عديدة بأن رئاسيات تونس تقع داخل اتحاد المغرب العربي؛هذا إذا كان لايزال لهذا الاتحاد داخل وخارج.
رغم " رشد" الحكام و الساسة، الذي يقع دائما د ون الطفولة الأبدية للشعوب؛والذي يؤكد على أن هذا الاتحاد وُلد ميتا ؛فانه سيظل حيا في الوجدان المغاربي الطفولي،لأنه يسكن فرحة مرت من هنا، ذات صباح مراكشي جميل من سنة 1989.
لو ترجل حكامنا،منذ صباح الفرح هذا، عن قممهم الباردة ،وانغمسوا في الصخب الشعبي الدافئ،وسباق الأقدام الحافية السعيدة ،لكانت المغاربية اليوم عقيدة راسخة تؤطر جميع التفاصيل،ولكانت كل التفاصيل بهندسة أخرى،ألوان أخرى،و بطعم آخر . ما كان لأي شيء أن يقع إلا في الداخل المغاربي القوي بشعوبه ،المتفاوض حول مؤسساته ،حتى لا تشتغل إلا متناغمة،مستلهمة للثوابت المشتركة،ومنفتحة على كل التجارب الإنسانية،وبصفة خاصة الجوار الأوروبي.
في كل ما قرأت، للمحللين المغاربيين بالخصوص، عن الانتخابات الرئاسية التونسية، لم يتذكر أحد أنها انتخابات مغاربية أيضا؛وأنها يمكن أن تساعد على فتح نوافذ في الجدار، يتسلل منها الفرح مرة أخرى عائدا إلى قلوب الشعوب.
لم يتذكر أحد حتى "سذاجة" الرئيس المنصف المرزوقي ،وهو يدعوا – بكل البراءة و العفوية الشعبية- إلى لقاء مغاربي بتونس لإحياء العقيدة المغاربية. لعل "نداء تونس" غطى على" نداء المغرب العربي" الذي بَكَّر به الرئيس المناضل –وهو وحماسه ضيفان على المغرب- مُستبقا ما قد يصيب مفاصلَه من تكلس في قصر قرطاج البارد.
انهزم نداء المغرب العربي أمام نداء تونس ؛وانهزم معه كُلُّ من حلُم ،على غرار المرزوقي،ببشائر غد مغاربي جديد.
حتى الرئيس الباجي قائد السبسي لا يبدو أنه يحمل – في كل ما يحمله من أثقال السنين- أي هم مغاربي؛يُذَكِّره ،وفي أول تصريحاته،بهذا الاشتغال الرئاسي الذي باشره المرزوقي مبكرا. هكذا يتأكد أن الفرحة الشعبية التي مرت من هنا،ذات يوم ،ولم ينسها المغاربة ،لم تجد بعد موطئا تريح فيه أجنحتها ،في انتظار نبي مغاربي.
نعم لم يعد بوسعنا إلا أن ننتظر نبيا مغاربيا يُبشر بحكمة الشعوب المغاربية،وينتصر لرغباتها الطفولية المشروعة.
على من صوت البوعزيزي؟
في افتتاح الملتقى الشعري الذي جمع نزار قباني بجمهوره التونسي –منذ عشرات السنين- حيث قرأ لأول مرة رائعته:
ياتونس الخضراء جئتك عاشقا *** وعلى جبيني وردة وكتاب
إني الدمشقي الذي احترف الهوى***فاخضوضرت بغنائه الأعشاب
أحرقت من خلفي جميع مراكبي *** إن الهوى ألا يكون إِيَّابُ
يقول الشاعر،محتفيا بنثره قبل شعره – وهما سيان- "جئت إلى تونس في عربة من الكلمات.."
هكذا صارت عربة البوعزيزي ،في ما بعد،عربة للكلمات. بعد أن كانت مجرد عربة خضر متهالكة ؛تسلل إليها عنفوان الزمن العربي المنقلب على الاستبداد، ليضع ضمن حمولتها كتاب الثورة العربية،ولِيُقدر ألا أحد يفتحه قبل البوعزيزي والشرطية فادية حمدي(17دجنبر2010) .
وكما في الأساطير الهندية يُجهز البطل على الرأس السابعة للساحر الشرير،لتنتفض المخلوقات المجمدة معاودة مرحها الأول. تتفتح الأزهار من جديد ،يهب النسيم ،وتتضاحك الجداول في مجراها محتفية باندحار الشر..
هذا في الميثولوجيا الممتعة، أما في الواقع فلا يموت الشر ،هكذا بقطع رأسه السابعة،بل يولد من جديد ،ليعيش عمرا آخر بمسميات وأشكال شتى.
يمكن أن نقول،متسرعين، بأن البوعزيزي صوت لصالح المنصف المرزوقي ؛مادام يجسد حلم الشباب التونسي الثائر؛ الذي كاد يمسك بزين العابدين الهارب،لولا خفة حذائه.لكن لماذا انهزم مرشحه،ضدا على مألوف الميثولوجيا القديمة ؟هل بقيت للساحر رؤوس ؟وهل لاتزال طلاسمه محفورة على أبواب المدينة؟.لم تتفتح أزهار،ولم يغرد طائر ، ولم يضحك جدول لإرادة الحياة.
انهزم الشباب التونسي لأنهم لم يلتفتوا إلى كتاب الثورة ،وقد تناثرت أوراقه ،ضمن ما تناثر من خُضر حول العربة المُعنفة والذات المحترقة فداء .فضل الجميع الرقص خلف الرئيس الهارب،مرددين أحاديث الحذاء الخفيف، والخزائن الثقيلة ، وسيارات الروزرويس التي كانت ليلى تغيرها كما تغير جواربها. وهناك طبعا من ألقى الكتاب الذي بين يديه،إلى حين ،ليسطوا على كتاب البوعزيزي. لا كتاب اليوم يعلوا على كتاب الثورة؛ولكل زمن نبيه.
لم ينهزم المرزوقي في مواجهة"نداء تونس"؛وإنما أمام من حملوا – كاذبين-كتاب البوعزيزي على سيوفهم ليدخلوا به قصر قرطاج. إن سوار الذهب لم يُحط بالمعصم ليزينه ،بل بالعنق ليخنقه.
ويمكن لداهية تونس ،راشد الغنوشي ،أن يرتاح اليوم لانجازه الكبير ،وهو يجز رقاب خصومه العلمانيين والحداثيين ؛لكن خارج مساحات"اليوتوب".
وكما قيل "إن عليا شجاع، لكن لا علم له بالحرب؛فكذلك لا يمكن لأحد أن يطعن في صدقية ونضالية المرزوقي – التونسية والمغاربية- لكن الرجل لا علم له بالسياسة ؛خصوصا حينما يلتبس فيها الصديق بالعدو؛ويأتيك من أقصى المنفى اللندني رجل يسعى،بهسيس النمر الواثق من خَدَرِ الفريسة.
إن حركة النهضة التي حملت المرزوقي على الأكتاف إلى قصر قرطاج،ريثما تتبين الخيط الأبيض من الأسود؛كانت تدرك ،منذ البداية،أنها تحمله – ومعه الثورة التونسية كلها- إلى المقصلة؛ولايهم من سيضغط على الزر.
فعلها "نداء تونس" ، بدهاء ديمقراطي،ولولا ما جرى في مصر للإخوان المسلمين ،من شدة غرورهم وتهافتهم،لما "ناب" أحد عن حركة النهضة،في ضرب عنق الثورة.
ولما كان البوعزيزي ببصيرة نبي ،وتضحيته؛فانه لم يصوت على المنصف المرزوقي؛لأنه أبان،منذ البداية، عن تهافت كبير،وصخب ونزق ؛وهو يتسلم رئاسة يعرف جيدا أنه حُمل إليها حملا.اقتيد له الحصان ولُجِّم وأُسْرِج ،وقيل له اعتلِ الصهوة .هذا رغم كل رصيده النضالي ومجالدته للنظام السابق.
هاهو اليوم ينتبه ،متأخرا، إلى سُمِّية العسل الذي استُقبل به،ذات رقص ثوري ثَمِل، بطلا عائدا من معاركه ومنافيه ؛والى جموح الحصان الذي أسرج له،لكن ليطوح به ،بعيدا عن منافسة سياسية لا يتقنها.هذا هو الحال دائما مع المثقفين الحداثيين والعلمانيين الذين يركبون ،فقط،عربات الكلمات ليصلوا إلى كتب يكاد لايقرأها أحد،في مجتمعات ترى الأمية تاجا دينيا،ولاتُجيز تصريف "اقرأ" وكأنه أمر بخص النبي فقط.
ولما رأى ما رأى،وحصحص الحق ولعلع، لم ينتظر إلى الغد ليؤسس "حراك شعب المواطنين"؛مقدرا- عن تجربة- حجم الخطر المحدق بتونس،والذي يتجاوز مجرد فشل مترشح في رئاسيات ديمقراطية عادية.مرة أخرى يستبق – كما فعل مع إحياء المغرب العربي- دكتاتورية قادمة بحذاء خفيف.
من قال إن حذاء بن علي يصلح للهروب فقط؟
قميص بورقيبة:
على غرار معاوية بن أبي سفيان مع قميص عثمان ،الذي انتهى دوره كَسِربال لذي النورين،وارتقى إلى بساط للريح، في السباق من أجل الملك الدنيوي العضوض ،ضدا على رسالة سماوية لم يجف مدادها بعد؛بحث أصحاب "نداء تونس" عن قميص بورقيبة السحري، الذي لايرتديه أحد إلا وأوصله إلى قصر قرطاج "ولو كان عبدا حبشيا" كما تقول ديمقراطية الخوارج،حينما تفتح سدة الحكم في وجه الجميع.
مرة أخرى تحضر الميثولوجيا ،الباحثة دوما عن بطل لقتل الكائن الخرافي،وتحرير أسرى الطلاسم،والتزوج بالأميرة .
نداء تونس ،من أجل تونس؛بكل القيم والمكتسبات الحقوقية التي رسختها البورقيبية؛بما فيها طبعا مخرجات دكتاتورية البطريرك، وهو في أقصى درجات الخرف، التي أيقظت شهية من سيصبح دكتاتور تونس الصغير،صاحب الحذاء الخفيف.
بين يدي الباجي قايد السبسي اليوم كتب العهد القديم والجديد- التوراة والأناجيل – لينقذ تونس الشمال الثري والراقص،من تونس الجنوب ،حيث لايُبرعم غير الفقر والثورة.تونس الجنوب التي لايرى المرزوقي المغدور،اليوم،خريطة لمستقبله السياسي خارجها.وهاهي ذي ،من اليوم، تبادله ثورته على الهزيمة ،بثورتها على عودة الأحذية الخفيفة.
لكن هل الإطاحة بالمرزوقي هي التي تطلبت كل هذه الكتب الأرضية والسماوية التونسية؛قديمها وجديدها؟
أيكون الرجل بكل هذه القوة لتُعْجَم له عيدانُ بورقيبة ؛حتى لا يُختارَ منها غيرُ أكثرها عُتِيا ،ويُلبَسَ،فوق هذا، كل أقمصته السحرية؟
ألا يمكن للسباق أن يتم بدون أحذية الرئيس الهارب؟ إنها أسئلة أطرحها على بعض القراءات التي لم تنتبه إلى دولتين تونسيتين حوربتا –خارجيا وداخليا- في شخص المنصف المرزوقي:تونس البوعزيزي،وتونس الغنوشي.
ومن يتحدث عن نموذج الربيع العربي الديمقراطي الذي أزهر في تونس،كما لم يزهر في دول الثورات الأخرى ،يعلم،مثلي، ظاهرا من الأمر فقط.
ورغم هذا ننتظر،هذه المرة، أن تُخَففَ الأحذيةُ وطأها ،وألا يُطعَمَ أحد السمَّ في العسل.

الأحد، 28 ديسمبر 2014

دلالات تصاعد الجدل حول إصلاح الإعلام العمومي في المغرب

Résultat de recherche d'images pour "photo de l'edifice du ministre de l'information marocain"

نقلا  عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية  بالقاهرة 
عاد الجدل مجددًا حول أهمية إصلاح الإعلام العمومي في المغرب خلال الفترة الحالية، وبنفس قوة الجدل الذي أثاره تناول حكومة عبد الاله بنكيران لملف الإعلام فور توليها السلطة في البلاد، والذي دار آنذاك حول محاولة الحكومة ضم صلاحيات الملف الإعلامي لباقي صلاحياتها، وذلك بعد إصرارها على تعديل "دفاتر تحملات القنوات العمومية " التي تحدد إطار وشروط عمل القنوات التلفزيونية الرسمية وتوجهاتها، ثم تراجعها عن البنود الجديدة التي أضافتها للدفاتر بعد تدخل الملك محمد السادس في الأزمة كسلطة تحكيمية لحسم النزاع بين الحكومة المتهمة بمحاولة "أسلمة" الإعلام المغربي وإعلاميي القطاع العمومي.
وعلى الرغم من اتفاق الأطراف المختلفة على ضرورة إصلاح الإعلام العمومي، إلا أن كل طرف يتبنى رؤية تتناقض مع رؤية باقي الأطراف، وربما كان هذا التناقض هو أهم عوامل عرقلة الإصلاح المرجو حتى الآن. فمن جانبها ترى الحكومة ضرورة إصلاح الإعلام وتطهيره من الفساد، وتتهمه بالتحامل عليها وتهويل أخطائها وتهميش إنجازاتها، في حين يرى إعلاميو القطاع العمومي أن الإعلام لابد وأن يصبح أكثر استقلالية بعيدًا عن الحكومة التي باتت تهيمن عليه. بينما يؤكد المراقبون على أن ثمة إجراءات تشريعية ومؤسساتية باتت ضرورية لإصلاح الإعلام.
رؤى مختلفة:
تتسم البيئة التي يمارس فيها الإعلام عمله بالتعقيد الشديد، لا سيما علي صعيد القواعد المنظمة له، والتي ربما فرضتها طبيعة المجتمع المغربي، ولذلك جاء الرفض شديدًا لمحاولات حكومة بنكيران فرض ما يمكن وصفه بأجندة جديدة للتناول الإعلامي، بعد أن اعتبرها المعنيون بالعمل في القطاع ككل محاولة لفرض الرقابة والحد من الحريات، خاصة بعد أن طالبت الحكومة بتقليص المساحة الفرانكفونية لصالح اللغة العربية والأمازيغية.
ومن جهتها ترى الحكومة أن الإعلام يتعامل معها بشكل غير موضوعي، ويقوم بتحريض الرأى العام ضد أغلب قراراتها، وآخرها القرار القاضي برفع أسعار المحروقات، فيما وجهت قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم انتقادات قوية للإعلام العمومي، موضحة أنه بدا وكأنه "فاعل نقابي" خلال الأيام التي سبقت الإضراب العام، الذي دعت إليه ثلاث نقابات عمالية كبرى في 29 أكتوبر 2014، احتجاجًا على عدم تجاوب الحكومة مع مطالبها برفع الأجور وضبط الأسعار وتخفيض الضرائب، متخليًا عن موقف "الحياد" اللازم في معالجة مثل هذه القضايا. 
وعلى الجانب الآخر، يرى القائمون على الإعلام العمومي أن تدخل الحكومة في الإعلام بات مبالغًا فيه، مستندين في ذلك إلى تقرير الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عن الفترة من يناير إلى مارس 2014، والذي أفاد بأن الحكومة تصدرت قائمة المتدخلين في وسائل الاتصال السمعية البصرية، بنسبة 50.01%، مقابل 10.52% للأغلبية البرلمانية و12.73% للمعارضة البرلمانية. كما أوضح التقرير أيضًا أن حصة الحكومة وأحزاب الأغلبية البرلمانية تجاوزت ضعف مداخلات المعارضة البرلمانية خلافًا لمقتضيات المادة السادسة من قرار المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري رقم 46-06، وذلك حسب البيانات الصادرة من كل قناة على حدى، باستثناء قناة "العيون" الجهوية.
تعارض مصالح:
وفي هذا الإطار، يبرز أحد أسباب الجدل المستمر بين حكومة بنكيران والقائمين على قطاع الإعلام العمومي، نظرًا لتعارض مصالح كل منهما وإن اتفقا على ضرورة الإصلاح لأسباب مختلفة. فمع إصرار إعلاميي القطاع على المحافظة على استقلالية الإعلام، وفق رؤيتهم، عن الحكومة، ورغبة الأخيرة في ضبط المحتوى المقدم وفق ما تراه، وجد حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة نفسه أمام مسار إجباري للاعتماد على إعلامه الخاص، لا سيما مع اقتراب الانتخابات التشريعية المرتقبة خلال الصيف القادم، وبالتالي عمل على تطوير بوابته الإلكترونية، وخلال حفل إطلاق الموقع الجديد في منتصف أكتوبر 2014، أكد بنكيران في كلمته أمام الحضور على أهمية الاستعداد لهذه الانتخابات إعلاميًا، مبديًا رغبته في تأسيس جريدة ورقية ناطقة باسم الحزب، والتي أصبحت مطلوبة للمنافسات الانتخابية المقبلة، وفق تعبيره، فيما استغل الفرصة للهجوم على الإعلام العمومي واصفًا إياه بأنه "إعلام سيئ النية ويضرب الحزب من خلال الحملات التي تتم شنها ضده".
إجراءات لازمة:
لكن بعيدًا عن محاولات الحكومات المتعاقبة استقطاب الإعلام، ومقاومة الأخير لمحاولات إملاء أجندات معينة على ما يقدمه من محتوى، يمكن القول إن إصلاح الإعلام العمومي يتطلب ضرورة اتخاذ عدة إجراءات، لعل أهمها إصدار التشريعات الضرورية لضبط العمل الإعلامي، الذي يعاني من أزمات بنيوية تتمثل في تراجع مبيعات الصحافة المكتوبة، واستمرار تدني خدمة المرفق العام في وسائل الإعلام العمومية، والجهوية، وكذلك التشريعات اللازمة لضمان حرية التعبير عن الرأى، وضبطه، إذ لا يزال المغرب، حسب تقارير المنظمات المعنية مثل منظمة "فريدوم هاوس"، في مرتبة متأخرة من حيث حرية الإعلام، ففي تقريرها الصادر في مايو 2014، صنفت فيه المغرب في المرتبة الـ 147 من أصل 197 دولة، في حين صنفها تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادر في مطلع عام 2014، في المرتبة الـ 136 من أصل 180 دولة. وإلي جانب المدخل القانوني، تبرز أهمية المداخل المؤسساتية والمهنية، في ظل ما يعانيه القطاع من تهالك واحتياج لسياسات جديدة تستطيع تقديم محتوى إعلامي يواكب دينامية التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، في إطار تغيرات أوسع يشهدها الإقليم بصفة عامة.

الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

قناة الجزيرة و مسرحية الأيادي المتسخة لجون بول سارتر


الجزيرة الأكثر مشاهدة عربيا
بقلم /موسى المصلح 

لا يمكن للمرء إلا أن يستغرب و يطاوله الشك  . الشك في كل شيء له صلة بالأخلاق والمبادئ و  قيم الحرية والديمقراطية  المصداقية و الاستقلالية  والصدق والمروءة  .
    تصور معي قناة   بجندها وجنودها , صحفييها ومذيعيها  , ضيوف برامجها والوافدين عليها  على مدى أريع سنوات من   عمر الربيع العربي  و هي  تتباكي على  الحرية و الديمقراطية .
           لم يفتها يوم دون  نشر  فيديوهات للمتظاهرين في شوارع مصر وأزقتها وهم يصرخون ضد الانقلاب وسلطة العسكر .  ولم يمر يوم دون نشر  صور لمجزرة رابعة والنهضة . ولم يمر يوم دون مشهد لمصريين فقراء متذمرين من  وضع اقتصادي واجتماعي   صعب  .ولم يمر يوم واحد دون بث إبداع لشباب   الثورة وهم  يقارعون بالكلمة والصورة و النقد والتهكم اللاذع  قمع العسكر و تكميم الأفواه و ظلم المعتقلات .  
         اربع سنوات ولم يمض يوم دون أن نرى ونسمع ضيوفا يحللون ويناقشون  عثرات  الانقلاب وويلاته . ويتوقعون مستقبل الانقلاب ويستشرفون زواله .
       هده القناة  دخلت جل البيوت العربية  تفاعل معها  الملايين من الناس   بل منهم من كان يرى أنها  المنبر الوحيد لرؤية  لا يحجبها ضباب التزييف والاختلاق. و لم يتسلل  إليها  التزلف والنفاق .  وفجأة  غداة اتفاق  بين  الزعيم و الأمير  انقلب السحر  وتلقفت  عصا الاتفاق كل فيديوهات  القهر والآهات,  والقمع و الآهانات  . وجرف التواطؤ  المعارضون والمذيعون والمحللون . وأقفلت بالشمع الأحمر  برامج وقنوات بنات . وسيجبر  الضيوف  المعارضون  الصمت  والمحللون الى التنميق والمجاملات.  وستختفي  كلمة الانقلاب  قطعا و يضاف لقب  الفخامة و الصالح  والفذ إلى   اسم الزعيم  العسكري القائد  .
   لكن ادا بدلت فجأة  قناة جلدها .و أدارت رأسها  في انتهازية و ردة صارخة , مؤمنة   بان الرأس التي لا تدور لا تستحق  أن تكون رأسا بل تله  حسب مفهوم سياسي انتهازي وصولي ,  فان  الملايين من متابعي هده القناة قد شاهدوا  و عاينوا  لمدة أربع سنوات   القتل و الظلم  .و ترسخ  في ادهناهم  حقائق دامغة لا يمكن الالتفاف  حولها  حتى لو أبرمت  تسوية   تحت شمس ساطعة ولن   تتغير من قناعتهم شيئا . اللهم  تدبدب مالكي القناة و ارتدادهم  عن  قول الحق .وكفرهم بالديمقراطية .  لكن هل مالكو القناة  كانوا فعلا يِؤمنون بمبادئ الحرية والديمقراطية حقا ? الجواب  قطعا لا .
    دلك ما كان جليا ولكنا تعمدنا ألا نرى الحقيقة . وسوف لن نراها  شأننا في دلك شأن بطل مسرحية جون بول سارتر في مؤلفه المسرحي " الأيادي المتسخة " .

الاثنين، 22 ديسمبر 2014

إردوغان.. أتاتورك إسلامي!


1375877579587966700_0
هدى الحسيني /الشرق الأوسط
نفت أنقرة أن تكون ساعدت تنظيم «داعش» أو أن يكون انطلق من أراضيها في هجومه الأخير على كوباني. وسواء نفت أو أكدت، ففي تركيا يتحدثون عن بعض التداعيات التي ستحدث في تركيا نتيجة كوباني، ذلك أن الشرق الأوسط يشهد تغييرا جذريا، في وقت تفشل فيه الإدارات السياسية في تنظيم العملية.
هناك من يقول إن نقطة التحول بالنسبة للوضع الحالي في المنطقة بدأت عام 2003، عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية العراق، والتوقع أن التطورات ستشمل تغييرات وتعديلات على الخرائط القائمة.. قد لا تكون دولا كاملة العضوية في الأمم المتحدة، فالحديث يدور عن تقسيم فعلي في عدة بلدان، بما في ذلك سوريا والعراق وليبيا واليمن وأيضا إسرائيل وفلسطين، وهذا سيولد حروبا أهلية وخلافات داخلية، أي أن المنطقة سوف تضطر للتعامل مع الحرب دون انقطاع لمدة طويلة. يقول أحد الباحثين الأتراك: «لا أحد يستطيع تخمين النتائج، فالنظام الذي قام على أساس الحرب العالمية الأولى، ثم تم تدعيمه بإنشاء إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، لم يعد موجودا.. لكن هذا النظام لم يتم الاستعاضة عنه بنظام جديد».
لذلك اعتقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنه قد يكون هو واضع نظام المنطقة الجديدة. رفعت تركيا كثيرا سقف توقعاتها قبل زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في 22 من الشهر الماضي، كانت مقنعة بأن الرئيس باراك أوباما اتخذ موقفا أكثر انسجاما مع الموقف التركي بالنسبة لسوريا: منطقة حظر جوي، أو حتى منطقة آمنة في سوريا للاجئين، ثم إزالة نظام الرئيس بشار الأسد. بالنسبة للوفد الذي رافق بايدن في الزيارة، فقد سرب أنه شمل تركيا بجولته لتهدئة العلاقات مع إردوغان، خصوصا بعد تصريحاته في جامعة هارفارد عندما أنحى باللائمة على تركيا لصعود «داعش».. ثم إن العراق من مسؤولية بايدن في البيت الأبيض، ومن الطبيعي أن يتم إرساله لتخفيف التوتر في العلاقات التركية – الأميركية حول السياسة تجاه كل من سوريا و«داعش».
بعد يومين على مغادرة بايدن، انتقد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الولايات المتحدة، الأمر الذي أشار إلى تقدم ضئيل جدا في التوفيق بين نهجي البلدين تجاه الحرب. قال إردوغان: «ألتقي معهم دائما، لكنني أتمسك بموقفي. لديهم حساسية واحدة اسمها (النفط)». وأكد على موقف إردوغان، مسؤول السياسة الخارجية في حزب العدالة والتنمية الحاكم ياسين اكتاي الذي قال في مقابلة مع تلفزيون «هابر»: «عندما يتم التطرق إلى النفط، يبدأ الغرب في رفع صوته.. السياسة الأميركية في المنطقة فاشلة بالكامل».
مراقبون سياسيون أتراك يرددون أن الولايات المتحدة ليست بحاجة لنفط الشرق الأوسط.. فهي خلال عامين ستبدأ بالتصدير، وقد تجد حلا لاعتماد أوروبا على الغاز الروسي ونفط الشرق الأوسط في غضون سنوات، عندها ستصبح تركيا وحيدة في الشرق الأوسط. ويقول أحد الخبراء الاقتصاديين الأتراك: «الولايات المتحدة لا تحتاج للنفط العراقي، ولو كانت هذه هي الحال لكانت الآن مستهلكة لذلك النفط».
ما موقفها إذن؟ يقول: «كونها القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب، فإن عليها أن تتعامل مع المشكلات الأمنية العالمية. إذا تعطل النظام العالمي، فإن وضعها بوصفها قوة عظمى قد يصبح عرضة للخطر. أساس توجه القوة العظمى في السياسات الدولية هو التجارة الدولية، لذلك تريد أن تحافظ على كل طرق النقل مفتوحة وحرة».
لكن هل دعمت تركيا «داعش»، وهل الأسد سبب ذلك؟ حسب المراقبين السياسيين الأتراك، فإن تركيا غضت الطرف.. نظرت بعيدا عندما بدأ التنظيم يشكل خطرا. الأسد أحد الأسباب، أما السبب الآخر، فهو العقلية السياسية لهذه الحكومة المعادية للأكراد، فعلى الحدود السورية – التركية بدأت تظهر منطقة حكم ذاتي كردية يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي، ثم هناك منطقة كردية شبه مستقلة في العراق. السلطة المركزية في سوريا انهارت.. لا تستطيع أن تمارس مهامها في جميع أنحاء البلاد ولن تكون قادرة على المطالبة بالسيادة في المستقبل. وبعد زوال النظام السوري ليس من المؤكد احتمال قيام حكومة مركزية. كل هذه التطورات خلقت أرضا خصبة لنشوء كانتونات لحكم ذاتي للأكراد على الحدود التركية الطويلة مع سوريا. وخلافا لأكراد العراق، فإن الأكراد السوريين أكثر تكاملا مع الأكراد في تركيا. الدولة تدرك ذلك، وتخشى بالتالي أن يؤثر الوضع في سوريا على أكراد تركيا.. ثم إن الحركة الموالية للأكراد في تركيا عرضة لتأثير «حزب العمال الكردستاني»، و«حزب الاتحاد الديمقراطي» في سوريا امتداد لـ«حزب العمال الكردستاني».. إنهما توأم.
إن المعارضة السورية المناهضة للأسد التي تدعمها تركيا، ضد الطموحات الكردية للحكم الذاتي، وكل من يقاتل ضد الأكراد في كوباني يتلقى دعما من الدولة التركية التي يسيطر عليها بالكامل حزب العدالة والتنمية. وفي هذا المفهوم، فإن دعم «داعش» يحمل قيمة وظيفية، أي إن هذا ليس محصورا في «داعش»، لأن تركيا دعمت «أحرار الشام» عندما قاتلوا الأكراد.
رغم ضعف المعارضة التركية، فإن بعض الأتراك يتهمون إردوغان بأنه وراءها لعدم قدرتها على مواجهته، إلا أن بين المثقفين والنخبة التركية من يبقى ثاقب النظر، وينتظر تطورات قد تحدث، خصوصا أن رائحة خلافات بدأت بين الحكومة والقيادة العسكرية حول تعيين قائد جديد للقوات المسلحة التركية، وإصرار الحكومة على تطهير الجيش من كل متعاطف مع فتح الله غولن. يرى هؤلاء أن إدارة حزب العدالة والتنمية تماما مثل الإخوان المسلمين في مصر وسوريا، و«الحزب الإسلامي العراقي» في العراق، و«حزب النهضة» في تونس، وحركة «حماس» في فلسطين. هذه الجماعات والأحزاب والحركات ليست مثل «داعش»، إنما في مجال الإسلام السياسي تتحرك من دون تأشيرة.
عندما نظمت تركيا أول مجموعة معارضة سورية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2011، كان الإخوان المسلمون عمودها الفقري، وكانت التوقعات أن يشكل «لواء التوحيد في سوريا» أساس الجيش السوري الحر. ويروي لي أحدهم أن «الخلاف بين نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق وتركيا، لم يكن فقط بسبب تطرف المالكي المذهبي، بل إن الخلاف سببه (أيضا) طارق الهاشمي الذي كان يشغل منصب زعيم (الحزب الإسلامي العراقي)». وفي المنطقة ينظر إلى حزب العدالة والتنمية على أنه «إخوان تركيا». والشخص الذي خطط كل هذا هو أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي حاليا.
تزامن تشكيل تركيا للمعارضة السورية مع موجة الربيع العربي، وبروز «الإخوان» في مصر وتونس وليبيا وتحركهم في دول أخرى. كل هذا دخل رأس إردوغان وحوله من زعيم متواضع إلى متحمس جدا لأن يصبح صوت العالم العربي، والممثل الوحيد لتركيا في العالم.
يقول أحد المراقبين السياسيين الأتراك، إنه بالإضافة إلى العقد النفسية الكثيرة التي تحرك توجهات إردوغان، فإن كمال أتاتورك يبقى عقدته الأساسية، وبسبب الانتخابات التي حملته رئيسا، فإن الدولة التركية الآن مثل تركيا في الفترة ما بين 1923 و1946. إنها إدارة كماليين (من كمال).. إنما تقدم خطابا إسلاميا. ما يصفه الحزب الحاكم بالدولة الجديدة، إنما هي الدولة التي نعرفها. السياسيون ليسوا قادرين على ابتكار دولة جديدة، إنهم يعيدون صياغة الماضي بكل مؤسساته ومعالمه المعمارية والتصاميم.. الفرق الوحيد أن هذه نسخة إسلامية للدولة القديمة».
يسأل أحد الشباب الأتراك: «أين هو نيكولاي تشاوشيسكو؟ كم كان عدد غرف قصره؟» إشارة إلى القصر الجديد الذي بناه إردوغان.

الجمعة، 19 ديسمبر 2014

هل أتاكم حديثُ الرُّوس؟


هل أتاكم حديثُ الرُّوس؟
درسٌ روسِيٌّ فِي الانتمَاء والهُويَّة لقنَ لمسؤُولِين مغاربة، ومحالٌ أنْ يستوعبُوه، حينَ صاحَ بهم سفيرُ موسكُو في الرِّباط: لا أفهمُ كيفَ تطلبُونَ منِّي الحديث بالفرنسيَّة، برغم كوني في بلدٍ، تشكلُ فيه العربيَّة لغةً رسميَّة بجانب الأمازيغيَّة، حسب دستُور المملكَة.
الإحالةُ إلى كلامِ السفير الرُّوسِي، فالِيرِي فاربيُوفْ، اليوم بالمغرب، ليسَ ضربًا من الانتصار لإيديلوجيَّة ‘عروبيَّة’ أوْ نزعةٍ تنحُو لنبذِ تعددية تسمُ مجتمعنَا، كتلكَ التِي وظفهَا نظامُ الأسد الإجرامِي في سورية، بقدر ما تسائلُ محلَّ المسألة اللغوية من الإعراب عندَ مسؤولينَا، وعمَّا إذَا كانَ منْ الصواب أنْ يخاطبُوا شعبًا يدفعُ لهم الرواتب، بلغةِ شعبٍ آخر، استعمرهمْ بالأمس، وخرجَ بوطهُ العسكرِي، تاركًا عملاءهُ المخلصين يؤبدُن المصالح.
ليسَ لعاقلٍ أنْ يحقدَ على الفرنسيَّة، فللنَاس أنْ ينهلُوا من آدابهَا وفكرهَا بالصورة التي يريدُون، ويقفُوا اقتدارًا أمام هيجُو وملارمِي، وحتَّى إذَا استعصَى على ساستنَا أنْ يبسطُوا أمورًا علميَّة على نصيبٍ من الدقة، لا يتأتى في لساننَا، يبدُو الأمر مفهومًا، لكنْ ما معنَى أنْ يكون الجلساء المغاربة والمحاضرُون مغاربة، والصحافيُّون من المغاربة أيضًا، والمواضِيع من صلب دارجة هذا الشعب، فيصرُّ ‘مفرنسُو’ اللسان والانتماء، على مخاطبتنا بلغة الغير؟
إذَا بدا لهم الأمر انغلاقًا وتقوقعًا على الذَّات، فليتأملُوا مواقف ساسة دول غربيَّة، وكيفَ يحترمُ الواحدُ منهم لغة بلاده، حتَّى أنَّ وزير الخارجيَّة الألمانِي، رفض في لقاء صحافِي، ببرلِين أنْ يردَّ بالإنجليزيَّة على صحافِي للـ’بي بي سي’ "نحنُ في ألمانيَا’، كان ذاكُ الجوابُ كافيًا في بلدٍ شيدَ للعالمِين أهرامًا في الفكر والعلوم.
لربمَا كانت مناوءةُ أكاديميِّين يشتغلُون في حقل ‘العربيَّة’ للثقافة الأمازيغيَّة ورفضهم إنصافها، في فترة تاريخية، دافعًا لدَى كثيرين لمهاجمة لغة الضَّاد، كردِّ فعلٍ انتقامِي، لكنْ ما يغيبُ على كثيرٍ منَّا، أنَّ حزب فرنسا في المغرب، لا يكترثُ بأمازيغيَّة ولا بعربيَّة، وأنَّه حين يهمشُ إحداهما لا ينتصرُ للأخرى، ومستعدٌّ أنْ يأتِي على كلِّ مظهرٍ ثقافِي من صلب البلاد، لتهجينهِ ودفعه للاندثار في سبيل العمالة.
ويظلُّ الأنكَى من ضياع الاعتبار الهوياتِي، أنَّ الفرنسية نفسها لمْ تعد لغة رائدة في العالم، ولا زلتُ أذكرُ دهشتِي في فرنسا، قبل عامين، لدى مشاركتِي في لقاء بباريس، أنَّ لغة التواصل المعتمدة في التواصل إنجليزيَّة، وأنَّ الفرنسيِّين كانُوا مضطرِّين في بلادهم إلى الاستعانة بخدمات الترجمة، في الوقت الذِي لا يزَال مفرنسونَا مصرِّين على لعقِ أيادِي أسيادهم واستجدَاء رضاهم.
اللغة العربيَّة، ونحنُ في عيدها الكونِي، مع حلُول الثامن عشر من ديسمبر، ليستْ موقفًا إيديلوجيًّا متعصبًا، ولا هيَ مسؤُولة عنْ درجة الانحطاط التي بلغها العربُ، بقدر ما هيَ ضحيَّة لانكسارهم التاريخي، وتذيلهم لأمم الأرض المحترمة بوزنها السياسي والعسكري والعلمي.
اللغة العربيَّة، وخارج الحسابات الإيديلوجيَّة، وعاءٌ ثقافِي وحضاريٌّ أسهم فيه أعلامنَا، واحتضنَ أدبنَا وفكرنا، وصحافتنا، بلْ وشكل ولا يزالُ إمكانيَّة تواصليَّة مع بقعة جغرافيَّة وكتلة بشريَّة بالغَة الأهميَّة. لكنْ الأمر ليس في يدِ المسخرِين الزائلِين، لأنَّهمْ ليسُوا في نهاية المطاف سوى بيادق، تعلمتْ في الخارج، وتتطببُ في الخارج، وتقضِي عطلتها في الخارج، فلا تسرقُ ولا تأتِي حماقاتهَا سوى في الداخل، ولا أحد يلجمها فتتعقل !
لا أجدُ كلامًا أقصد للختم، من مقطعٍ في روايةٍ ‘ليُّون الإفريقي’ للفذِّ أمين معلُوف، إذْ قال ‘ستسمعُ منْ فمِي العربيَّة والتركيَّة والقشتاليَّة والأمازيغية والعبريَّة واللاتينيَّة والإيطاليَّة العاميَّة، فكلُّ اللغة وكافَّة الصلوات تنتمِي إليَّ، لكننِي إلَى أيِّ منهَا لا أنتمِي’.

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

المغرب في مقياس الديمقراطية العربي


امحمد المالكي


امحمد المالكي  /جريدة اليوم 24 المغربية
تداولت وسائل الإعلام مؤخرا خبر ترتيب المغرب في سلم مقياس الديمقراطية العربي، والحال أنه  حدث لا يمكن إلا الانتباه إليه والتأكيد على أهميته. فالمغرب اعتمد نهجاً إصلاحياً متدرجاً، وراكم، نتيجة ذلك، ممارسات وخبرات تستحق الاعتراف، والتقدير، والتشجيع من أجل الترسيخ والتطوير.
 يُذكر أن الجهة المُعدة للتقرير هي «مبادرة الإصلاح العربي»، المؤسسة سنة 2005، كشبكة مستقلة من مراكز ومعاهد بحثية عربية وأوروبية وأمريكية، وقد أصدرت حتى الآن أربعة تقارير عن مقياس الديمقراطية العربي، يُعد التقرير الحالي آخرها، وأولها بعد انطلاق الحراك العربي [2011]. أما البلدان المعنية بالدراسة، فشملت كلاً من: تونس، مصر، المغرب، الأردن، البحرين، لبنان، الكويت، الجزائر، وفلسطين. يشار كذلك إلى أن التقرير استند منهجياً على البيانات والمعطيات المستقاة من الدول المعنية، وصاغ، اعتماداً عليها، أربعين مؤشراً، تولى باحثون وخبراء ونشطاء عرب مسؤولية إعداد التقرير دون سواهم.
أما خلفية الجهة المشرفة على التقرير، فكان قصدها معرفة ما إذا حصل تقدم نحو الديمقراطية بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الحراك العربي، وما هي درجة هذا التقدم وكوابحه، من زاويتي الوسائل، أي النصوص التأسيسية والقوانين، والممارسات الحاصلة في الواقع. ولذلك، خلُص المقياس إلى نتيجة مفادها أنه «بالرغم من التقدم البطيء نحو الديمقراطية إلا أن هناك تقدماً مستمراً وملحوظاً في عملية الإصلاح الديمقراطي في المنطقة»، علاوة على أن «آلية الاحتجاج الشعبي كانت أكثر فاعلية وتأثيرا على الحكام مقارنة بجميع وسائل الضغط الأخرى لتحقيق الإصلاح». وتأسيساً على ذلك، جاء الترتيب التسلسلي للدول المعنية كالتالي: المغرب [1]، الأردن [2]، الجزائر [3]، تونس [4]، لبنان [5]، مصر [6]، الكويت [7]، فلسطين [8]، والبحرين [9].
من الطبيعي جدا أن يتساءل المرء عن المفارقات التي قد تتبادر إليه وهو يُمعن في مواقع الدول التسع المعنية بالدراسة في مقياس الديمقراطية العربي. فمن جهة، ترتبت كل من تونس ومصر في الدرجتين الرابعة والسادسة، علما أنهما شهدتا حراكاً أفضى إلى إسقاط رئيسيهما، بل إن تونس عرفت تطورات عميقة في سيرورة الانتقال نحو الديمقراطية. في حين ترتبت الجزائر في الدرجة الثالثة بالرغم من أن ملف الإصلاح الدستوري والمؤسساتي لم يبرح مكانه منذ خطاب الرئيس في متصف أبريل 2011. ثم هناك دول، خطوات الإصلاح فيها شبه جامدة بسبب ظروفها الداخلية، كما هو حال لبنان وفلسطين. أما المغرب والأردن، فقد شهدا فعلا، وإن بدرجات متفاوتة، تدرجاً سلساً في عملية الإصلاح. ومع ذلك، لابد من التأكيد على أن قراءة التقرير في شموليته، وليس بطرقة انتقائية، هو الذي يساعد على تبديد هذه المفارقات، وإسعاف القارئ في فهم مراتب الدول في المقياس.
 وبالعودة إلى حالة المغرب، نلاحظ أن التقرير رصَد مصدري قوة لتصدره المركز الأول، على الرغم من تراجعه في بعض المؤشرات بسبب تقدم دول فيها. يتعلق الأول بقوة استمرار الإصلاح حاضراً ومتدرجا ومنتظماً في أجندة السلطات وبرامج الفاعلين السياسيين ومطالبهم. بل إن المغرب، وهذه ميزة واضحة في مزاجه العام، بلد الإصلاح بامتياز، بل كما أشار، عميد المؤرخين «عبد الله العروي» في أكثر من سياق، إلى أن المغرب يجنح إلى الإصلاح ويستبعد القطائع. أما القوة الثانية، فتكمن في أن التجاوب السريع للمغرب مع مطالب الإصلاح، منذ انطلاق الحراك العربي، مكّنه من تجنيب أوضاعه العامة، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، كلفة الانعكاسات السلبية، والخطيرة في أغلب الأحيان، التي عاشتها وتعيشها بلدان عربية كثيرة.
لاشك أن المصدرين معاً حاضران في الثقافة العامة المغربية، أي في المخيال الجماعي. فالناس في عمومهم، وربما حتى في أوضاعهم الشخصية المحدودة، يهابون القادم، لاسيما إذا كان مجهولاً أو غير واضح على وجه اليقين، فيجنحون إلى تطوير الموجود ليصبح أفضل من غيره. أما الأمر الثاني، وهو الآخر مستقى من التاريخ، ففي المغرب، كما أشار العروي أيضا، ثمة ثابت  تكرر ويتكرر بانتظام منذ انهيار الدولة السعدية، مفاده أن في كل حقبة أو لحظة تاريخية تضعف فيها أوضاع المغرب، أو تتراجع وتنكمش، يظهر سلطان أو ملك مُصلح، يعيد إلى البلد توازنه وقوته، ويحافظ له على هيبته.. ومن يقرأ تاريخ المغرب منذ القرن السادس عشر، سيلمس دون شك حضور هذا الثابت في التاريخ.

الثلاثاء، 16 ديسمبر 2014

أ حرب «ذكية» أميركية - سعودية ?



بقلم /جورج سولاج--جريدة الجمهورية اللبنانية
 

أُدخل سلاح النفط بقوة الى المسرح الجيوسياسي، من الشرق الأوسط الى أوكرانيا وفنزويلا، بتحالف سرّي بين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.

كان من المفترض أن تُلهب تهديدات «داعش» والحروب والإضطرابات في سوريا والعراق وليبيا واليمن... والنزاع المتصاعد بين روسيا والغرب حول أوكرانيا والعقوبات على موسكو، أسعار النفط على غرار ما حصل إبان الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1973، وإثر اجتياح صدام حسين الكويت عام 1990، وبعد اجتياح القوات الأميركية العراق في أعقاب أحداث أيلول عام 2001 في أميركا.

إلاّ أن ما حصل هو العكس تماماً. فقد انهارت أسعار النفط أكثر من 43 في المئة حتى الآن، لسببين مُعلنين هما:

1-تطوُّر إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ما يؤدّي الى إكتفاء ذاتي.

2- تمسُّك السعودية، على عكس غالبية الدول الأخرى، بمستوى إنتاجها في اجتماع أوبك الأخير في فيينا.
هذا في الظاهر، أما في العمق، فإن هناك أسباباً استراتيجية أوسع وأكثر أهمية.

أولاً، من شأن سياسة خفض أسعار النفط أن تُبقي الضغط على إيران على طاولة المفاوضات النووية، على رغم تلقّيها 700 مليون دولار شهرياً من الأصول المالية التي فك تجميدها.

وتجدر الإشارة الى أن استطلاعاً حديثاً للرأي، أظهر أن همّ «تعزيز فرص العمل» يحتل أولوية إهتمامات الشعب الإيراني أكثر بكثير من «استمرار برنامجنا للتخصيب النووي»، إضافة الى الأعباء المالية التي تتحمّلها طهران في دعم النظامين الحليفين لها في سوريا والعراق.

ثانياً، إبقاء الضغط الإقتصادي على روسيا التي تعتبر من أكبر مُصدِّري الطاقة في العالم. وقد تجلّت النتيجة في انهيار العملة الروسية (الروبل). ويُتوقع أن يتلقى الناتج المحلي الإجمالي الروسي ضربة كبيرة، إذ إن موازنة الكرملين لعام 2014 بُنيَت على معدل 117 دولاراً لبرميل النفط، وعلى 100 دولار للعام المقبل.

وعلى رغم أن موسكو تتمتع بإحتياطات مالية كبيرة، إلّا أن انخفاض وارداتها بالتزامن مع العقوبات الغربية سيقيّد قدرة الكرملين على دعم الشركات الروسية المتضررة من العقوبات، وسيجبره على تعديل موقفه من المفاوضات الجارية حول مستقبل أوكرانيا وتلبية مطالب الغرب.

وبالفعل بدأت موسكو تشعر بخطر هروب الرساميل، ما اضطر البنك المركزي الروسي الى رفع الفائدة الى 9,3 في المئة، مقارنة مع 0,5 في المئة في أميركا وأوروبا.

ثالثاً، زادت سياسة خفض أسعار النفط من مشاكل فنزويلا الإقتصادية ما أدّى الى انهيار عملتها، من مئة «بوليفر» في مقابل الدولار في أيلول، الى 180 بوليفر، ما سيزيد الإحتجاجات الشعبية ويُهدّد الحكومة المناوئة للولايات المتحدة في الإنتخابات المقررة في العام المقبل.

أما لماذا دخلت السعودية في هذه الشراكة مع الأميركيين، فالسبب هو قلقها على استقرار دول الخليج أولاً، والخطر الذي تُمثله «داعش» والذي يفوق وزناً وأهمية الأكلاف الإقتصادية الناجمة عن خفض الأسعار.

يبقى، كيف ستردّ موسكو وطهران، متى وأين؟

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

عندما يقضي السياسيون على يد قنطرة



بقلم /موسى المصلح 

 حادثان مأساويان  حدثا بالمغرب  بفارق شهر  أوديا بحياة قياديين   سياسيين بارزين   في المغرب . الأول  قضى غرقا  والثاني دهسه قطار سريع  . والغريب أن الرجلين قضيا نحبهما في نفس المكان  .
      الأول تحت قنطرة سكة  حديد  بعد أن حاول  المرور حسب الرواية الرسمية  تحت قنطرة سكة حديد    كانت تغمرها  مياه أمطار.  والثاني   قضى   وهو يحاول تجاوز  خطي السكة الحديدية مشيا على الأقدام  رغبة في  تفقد مكان  غرق  النائب البرلماني   الاشتراكي المعروف  فدهسه قطار سريع  قادم من مدينة الدار البيضاء .
    الأول قيادي بارز  في حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي  واحد الساسة المعروفين بنزاهتة وجرأته  ومعارضته  لآمين الحزب  في قضايا حساسة  واختلاف الرؤية  في علاقة الحزب بحزب العدالة والتنمية دو المرجعية الإسلامية . .الثاني يشهد له  الخصوم قبل الأصدقاء  بحصافة الرأي  والحكمة والرزانة وعدم الانفعال  ويطلق عليه مهندس التوافق وجسر التواصل بين حزب العدل والتنمية ومعارضيه.
   الاثنان  قضيا في ظروف اقل ما يقال عنها أنها ظروف هيتشكوكية  . فالأول  سياسي بارز في هرم الاتحاد الاشتراكي  ويشغل  منصب رئيس  الجماعة  منتخب . والقنطرة  توجد في تراب  جماعته .  تردد عليها الآلاف من المرات إما  قادما للجماعة أو منصرفا  عنها و  يعرف طبوغرافيا القنطرة   كجيبه  وسبق  ان بادر إلى انقاد صحفي معروف  من الغرق  تحت القنطرة  في يوم شديد المطر . يكتب عليه الغرق في يوم عاصف   بعد أن غامر بالجواز   تحت قنطرة  يغمرها الماء لمترين او أكثر  في خطوة متهورة حسب الرواية الرسمية .
     الحادث الثاني أكثر غموضا وأكثر مأساوية  قيادي  في حزب العدالة والتنمية  ووزير دولة   في حكومة بنكيران    يأتي من بعيد  ليتفقد مكان غرق   قيادي سياسي من حزب آخر غريم , في ظلمة ليل وسواد حالك,  دون  رفقة ودون  أن يخبر احد   . يقطع خطوط السكة   دون  ضوء كشاف,   ليطل من فوق  قنطرة سكة حديد يصعب الصعود إليها نهارا  لشدة انحدار  جوانبها و تغطيتها بالأعشاب الشائكة  . فيباغت من طرف قطار سريع يدهسه ويرديه قتيلا ؟؟  .
     الكثيرون لم تقنعهم  الرواية الرسمية  التي تفيد أن  الرجلين قضيا بسبب التهور و عدم تقدير المخاطر . وتنتابهم      
أسئلة محيرة   تفرض نفسها  -
           هل  موت الرجلين  كان قضاء وقدرا لا دخل فيه لبشر ؟  أم أن وفاتهما  كانت بفعل   أيدي الغدر  ؟
         سيبقى موتهما  لغزا ينضاف إلى لغز اختفاء  المعارض الاشتراكي   المشهور  المهدي  بن بركة في 29 أكتوبر 1965  والدي لا يزال   اختفاءه    لغز لم  تفك شفرته لغاية اليوم وانا لله وانا اليه راجعون.
 




الأحد، 7 ديسمبر 2014

مبروك.. يا فخامة الرئيس مبارك !!




17096290-medium

بقلم/عبد الرحيم يجو(المغرب)
   اسدل الستار على مشهد 25 يناير 2011، وقضى القاضي بتبرئة حسني مبارك، بل قضى أيضا بعودة الأمور إلى نصابها، قائلا، لا فض فوه: "عودوا إلى مقاعدكم".
  عد أيها الرئيس العظيم الذي أسس الديمقراطية في مصر، وفتح القسطنطينية، ووقف في وجه أميركا، وكان سدا منيعا أمام إسرائيل، وأباً حنونا عطوفا على ملايين من شعب مصر، عد إلى قصر الاتحادية، حرم جلدك وعظمك على السجون التي بنيت أصلا للمجرمين، كأولئك الذين سولت لهم أنفسهم أن يطالبوا بالحرية، وارتفعت بهم همهم أن ينظروا إلى قمة أعلى من رأسك.
عذراً، أيها الرئيس، وقع خلل فني في منظومة الحياة، وقضى السيد شيئاً من الزمن في السجن، وعلا صوت العبيد الذين لولا أعطياتك، لهلكوا جوعا منذ دهر بعيد.
  ها هي الحياة تعود إلى دورتها الطبيعية، وتشرق الشمس من مشرقها، دافئة، شابة، يافعة، تبتسم لك ولبنيك ولمن تبع مذهبك إلى يوم الدين، حارقة، قاسية، مزمجرة في وجه قطاع الطريق الذين أرادوا سرقة جمهوريتك التي بنيتها بيديك السعيدتين الناطقتين بالبذل والجهد ثلاثين حولا وأكثر.
  نسي العبيد أن المملكات لا تسرق، سيدي الرئيس، إنها تورث، من الأب لابنه، منكم سعادة الرئيس إلى ابنكم جمال أو علاء أو حتى إلى حرمكم سوزان، لا مانع، فقد علمتم هؤلاء الجهال أن المرأة كالرجل، بل تفوقه ذكاء وحكمة، ما عداكم فأنتم الأعلون، سعادة الرئيس، يؤيدكم الرحمن من سبع سماوات.
   لا عليك، أيها القاضي، كانت نزلة برد أصابت الجسد، فلم تمته، وإنما زادته إحساسا بقيمة الحياة، وبعث في النفس شعورا غامرا بأهمية الكرسي، وإني ساع في عهدتي الجديدة لأربعين سنة القادمة، إلى أن أعلم هؤلاء العبيد أن قوانين الحياة لا يمكن أن يخرقها أي كان، الأسياد أسياد، والعبيد عبيد، غير أني سأدحرج بعض ممن وثقت فيهم إلى صفوف العبيد.
لا تخش على منصبك، أيها القاضي، فلست معنيا بهذا، ولكن لا تكثر الكلام، فإن الصمت من أهم لبنات قوانين الحياة. حاضر، سيدي الرئيس المفدى، تحيا مصر، عفوا يحيا الرئيس، ويعيش الصمت.

الديمقراطية العبثية



رجوى  الملوحي

رجوى الملوحي (سورية)

فعلها محمد البوعزيزي، وكان شعلة لانتفاضات الربيع العربي، حيث استطاع بلهيب جسده أن يشعل فصلاً جديداً من فصول رقعتنا العربية، الممتدة من المحيط الشاسع إلى الخليج الواسع، ويحرق جذور الاستبداد المتأصل والجاثم فوق قلوب الشعوب العربية المقهورة.
وإلى تونس، عاد الربيع إلى مهده. ولكن، هل سيعود مقتولا عبر ديمقراطية استنساخ صورة من صور النظام البائد؟ هل هو حنين الرقاب لمشنقة الديكتاتور؟ أم أن العالم العربي بينه وبين الديمقراطية سبعون خريفاً، كما قال يوما خالص جلبي؟ ماذا لو فاز الباجي قايد السبسي، ممثل نداء تونس صاحب السجل الأسود، وكان قائد المرحلة المقبلة في تونس، وبفوزه تمّ تطبيق السيناريو المصري على الشارع التونسي بغلاف ديمقراطي؟
فضيحة هي التصريحات التي أدلى بها مرشح الرئاسة الباجي قايد السبسي (87 عاما) على قناة فرنسية، بأنّ الإسلاميين هم من صوّتوا للمنصف المرزوقي، حيث وصفهم بالإرهابيين، أي وصف (مليونا و92 ألفا و418 صوتا) صوّتوا للمرزوقي بأنهم إرهابيون، وأنّه سيعمل على إقصائهم في الدور الثاني. وهذا يعني أنّ السبسي صرّح زوراً بأنه سيكون رئيسا لكلّ التونسيين. وتلك التصريحات تمثل اعترافا حقيقيا بالهدف من سعي دول عديدة إلى إنجاح السبسي، وهو إقصاء الإسلاميين صراحة عن الحكم، ولكن بسلاح ديمقراطي.
عوامل عديدة مرتبطة بطبيعة تونس وحدها، جعلتها استثناء عن بقية دول الربيع العربي، أهمها طبيعة الجيش، وطبيعة انتقال السلطة.. لتجعل من الانتخابات الفرصة الوحيدة في نظر اللاعبين الدوليين المؤثرين على الساحة التونسية، لإعادتها إلى سابق عهدها، وإقصاء "الإسلام السياسي"، تماشياً مع الموضة الرائجة التي بدأت في مصر، مروراً بليبيا، وليس انتهاءً بتونس.
الباجي أحد رموز النظام البائد الذي يجمع بين خرف بوتفليقة وخرافة السيسي، يتنقل براً بسيارات فارهة، وصلت إليه من داعميه الخارجيين، وجواً بطائرات صهر بن علي "الطرابلسي" المسخّرة لخدمته! هل سيكون عراب النزاع الأخير للثورات العربية، لتموت في مهدها؟
من سكت عن الاستبداد لا يستطيع أن يبني ديمقراطية، كما قال المرزوقي، بالإشارة إلى خصمه السبسي. فهل يستطيع التونسيون أن يصلوا إلى بر الأمان، ويوفروا عن بلادهم مآلات الاختيار الخاطئ، لتلامس ثورتهم أصابع الشمس؟
والسؤال الأهم، بعد أن تلقنا دروس الحرية، وتثقفنا في ميادينها: كيف نعود أدراجنا إلى قوقعة العبودية؟!
من هنا، ابتدأ فصل الحكاية، وإلى هنا ينتهي.
نعيش، اليوم، فصول قتل الربيع العربي، فصول الجريمة الديمقراطية، بل الجرائم الكبرى، أيام الصفحة الأخيرة من كتاب حلم الشعوب، فعلى ماذا سوف نغلق هذا الكتاب؟

الخميس، 4 ديسمبر 2014

هل ينجح الدب الروسي في احياء القطبية الثنائية وينفض عنها رماد الهيمنة الامريكية ؟


   بقلمصادق الرزيقي جريده الانتباهه السودانية   
 منذ انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالعالم وغياب القطبية الثنائية، راهنت كثير من الدول العربية ودول العالم الثالث على القطب الواحد، وكل الأزمات الدولية الطاحنة منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي حتى الحظة تعود أهم أسبابها إلى نشوء نظام عالمي جديد تهيمن عليه واشنطون وحلفاؤها الغربيون «الغريب أن مصطلح نظام عالمي جديد عندما طرح مطلع التسعينيات كان على لسان ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفيتي»، ولكن سرعان ما استطاعت روسيا الاتحادية تضميد جراحها الناتجة عن تمزق الاتحاد السوفيتي، واستطاع الاتحاد الروسي أن يبني من جديد قوة دولية ضخمة يحسب لها ألف حساب في إعادة التوازن العالمي وإنعاش كفة الميزان الأخرى التي هبط بها رجحان كفة الغرب في الميزان للسياسة الدولية.

    ولا يمكن مقارنة الوضع الدولي بما عليه الأوضاع اليوم، من حيث توالد حقائق جديدة تجعل من ضرورات النظر في الواقع الدولي أمراً لازماً يكون منجاة من أخطار تمدد وهيمنة قوى دولية بعينها وعملها على تصريف شؤون العالم والتحكم في مساراته وفي القرار السياسي الدولي ومعالجة كل الأزمات الدولية بوجهة نظر واحدة تتجاوز في كثير من الأحيان الشرعية الدولية، مثل احتلال العراق وأفغانستان وحرب يوغسلافيا السابقة.

   وكان العالم في حاجة إلى استرجاع التكافؤ في موازين القوى السياسية والاقتصادية لدى صناع القرار في العالم، وظهرت مؤشرات ذلك من خلال نهوض الدب الروسي من جديد ودخوله حلبة التأثير على مجريات الأحداث الدولية واستعادة موسكو  مكانتها الاقتصادية والسياسية في مواجهة الطغيان الغربي، وعاد الدور التقليدي لموسكو في معالجة القضايا الدولية، وأصبح لها مسار مختلف يتخذ سبيله سرباً.

   ومن اللافت أن العالم العربي الذي دهمته أحداث كثيرة وتحولات عميقة في بنيته السياسية وتماسكه القومي وتضعضع أوضاعه الأمنية وقد طاشت رؤاه ومرتكزاته الإستراتيجية نتيجة لحالة الانقسام الحاد في صفوفه نتيجة ثورات الربيع العربي وتداعياتها وحالة السيولة العارمة التي نشأت خلال السنوات الماضية، فمن اللافت أن وعياً عربياً بدأ يبرز بأهمية تمتين أواصر التعاون مع حليف تاريخي وجار للعالم العربي، خاصة أن موسكو في توجهاتها الراهنة بدت أكثر انفتاحاً ونشاطاً من أجل المصالح والمنافع المتبادلة وصياغة توجهات جديدة في علاقاتها الدولية.

   ورغم تأثيرات الموقف الروسي من الوضع في سوريا عربياً لدى بعض الدول المناهضة للنظام في سوريا والداعمة للثورة السورية عليه، إلا أن العلاقة مع موسكو ظلت خطوطها ساخنة وموصولة بين هذه العواصم العربية ولم تنقطع المشاورات، ولا يخطئ كل ذي بصيرة أن يرى التغييرات التي طرأت على المشهد العالمي وصعود وبروز قوى دولية وإحجام بعضها وانحسار أدواره في مقابل توسع مظلة الـتأثير الروسي، وقد كشفت الأزمة الأوكرانية وجزيرة القرم إلى أية أمدية يمكن لروسيا في توجهاتها الجديدة أن تمضي.

   اليوم تنتبه روسيا وينتبه العالم العربي إلى أهمية الحوار وتبادل الأفكار حول المصالح التي تجمع الطرفين وأهمية تعزيز التعاون المشترك وبناء علاقات تقوم على تقديرات صحيحة وفهم متقدم للواقع الدولي، فروسيا الاتحادية لديها علاقات تاريخية قديمة بالوطن العربي الكبير وبالعالم الإسلامي فـ 20% من سكان روسيا مسلمون، وتوجد جمهوريات بأكلمها في شمال القوقاز وحوض نهر الفولجا في سيبيريا يقطنها المسلمون الروس، كما توجد منافع حقيقية في علاقات متينة وقوية بين العرب وروسيا تفرزها حقائق الجغرافيا والتاريخ، ولم تفصم هذه عن بعضها على مدار التاريخ القريب والبعيد.

   فالحوار العربي الروسي الذي احتضنته الخرطوم أمس بحضور وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ووفد كبير من بلاده، هو خطوة إيجابية ومهمة في التواصل يؤكدها الحضور الرسمي العربي لوزراء الخارجية العرب ووزراء الدولة وممثلي الدول العربية والوفود الرسمية، فهناك الكثير الذي يجب أن يتم التفاهم والتحاور حوله في المجالات المختلفة، فنقاط الالتقاء كثيرة ومسائل الاختلاف محددة ومعلومة، وسيكون لهذا الحوار ما بعده.



الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

داعش في سيناء .. محاولة للفهم والاستقراء


 سعيد الحاج/جريدة المساء المغربية
بات التسجيل الذي بثته جماعة أنصار بيت المقدس (أو باسمها الجديد ولاية سيناء) تحت عنوان «صولة الأنصار» حديث الساعة في مصر، بل وربما الوطن العربي، لما تحمله من دلالات هامة وتأثيرات مباشرة وغير مباشرة على سيرورة الأحداث في مصر.
ومن بداهة القول إن أهمية التسجيل لا تكمن في عدد الجنود المقتولين أو العتاد الذي «غنمته» الجماعة منهم، بقدر ما يتركز في إعلان البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وزعيمها أبي بكر البغدادي تحت اسم «ولاية سيناء»، ثم تبني المسؤولية عن عدد من العمليات التي وجهت لمراكز أو وحدات أو جنود من الجيش المصري خلال الفترة الأخيرة.
مبدئياً، فجزء غير يسير من الصدى الذي حظي به التسجيل يعود لنقطتين مهمتين. الأولى تتعلق بتفاصيل أظهرت ضعف الجندي/الجيش المصري، من خوف وهروب وعدم جاهزية وقلة تسليح وضعف إعداد، أو سوء تواصل وغياب التأمين والحماية، الأمر الذي أدى – وفق التسجيل – إلى قتل العشرات من الجنود و»غنم» أسلحتهم، إضافة إلى الاستيلاء على عدد من الآلات والدبابات. أما الثانية فكانت في الخطاب الموجه لأفراد الجيش بعدم الانصياع لأوامر السيسي الذي وصف بالطاغية والفرعون، ثم التوعد بالمزيد واعتبار كل ما في التسجيل مجرد جولة أولى ولذلك أعطي اسم «صولة الأنصار».
لكن اللافت للنظر – إلى جانب التسجيل – هو حالة اللامبالاة إن لم نقل التأييد بين أطياف واسعة من الشباب المصري تحديداً، لا من باب التشفي بدماء الجنود المقتولين، ولكن من زاوية تحميل السيسي وقيادات الجيش مسؤولية ما حدث ويحدث وسيحدث، لهؤلاء الجنود وغيرهم، بسبب سياسات الدولة المتبعة إزاء سيناء خاصة ومصر عامة.
فجنود الجيش المصري وبأوامر من قياداته – وعلى رأسهم السيسي – قتلوا المصلين السُّجّد في العريش بُعيد الانقلاب، وهم أنفسهم – أو زملاء لهم – جرفوا وهدموا بيوت المواطنين في عدة مناطق (على رأسها الشريط الحدودي مع فلسطين) وهجروا أهلها. كما أن السياسات الرسمية هي من همّشت سيناء طيلة عشرات السنوات حتى شعر أهلها أنهم مواطنون من الدرجة الثانية (إن شعروا أصلاً أنهم مواطنون مصريون)، وهي من تركت سيناء خاصرة رخوة للدولة المصرية، وهي نفسها وبقرار من السيسي من دخلت في التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة أو ما يسمى الإرهاب، الأمر الذي أطلق يد الجيش أكثر وأكثر في سيناء قتلاً وظلماً وتهجيراً، وكأن المطلوب تفريغها من أهلها لتنفيذ سياسات ومصالح دولة الكيان لا الشعب المصري، فضلاً عن التضحية بالجنود المصريين في المستنقع الليبي إرضاءً «للكفيل» الخليجي.
من ناحية أخرى، يظهر التسجيل أن أعداد المشاركين في العمليات قليلة جداً وأسلحتهم غير ثقيلة ولا نوعية، وهو ما دفع العديدين – غير ملامين على ذلك ربما – للتشكك بالتسجيل وصحته، سيما أنه يحمل بعض علامات الاستفهام المتعلقة بأماكن التصوير وتوقيتاتها والمتكلمين أو المشاركين بها ولهجاتهم وتوقيت التسجيل وارتباطه بإعلان البيعة للبغدادي، إلى غير ذلك من التفاصيل التي لا يمكن الجزم بصحتها أو عدم صحتها.
علامات الاستفهام هذه لا تعني بالضرورة دقة فرضية الاختلاق أو الاختراق رغم منطقية واحتمالية ورودها، بل ربما تشير إلى إمكانية حصول نوع من التسهيل السابق على العمليات أو الاستثمار اللاحق لها، أو مزيج من كل هذه الفرضيات، لتحقيق مصالح غير خافية لنظام الانقلاب، رغم أن التسجيل ينال من سمعة وهيبة الجيش وقادته وعلى رأسهم السيسي. ذلك أن «الإرهاب» من أكثر ما ترغب به الكثير من الأنظمة والقيادات، لما توفره من دعم داخلي وخارجي ومسوغات البقاء في الحكم وتطبيق قوانين الطوارئ وما تدره من أموال صفقات السلاح وغيرها.
من هنا، لا يبدو السيسي في خشية من أي محاسبة أو اعتراض أو حتى عتب ولفت نظر لفشل الدولة والجيش في السيطرة على الأوضاع في سيناء أو حماية أرواح الجنود، فهو يملك زمام وسائل الإعلام من خلال ما يملك من آليات الترغيب والترهيب الكثيرة، وعلى ذلك لا تبدو الهيبة الضائعة للجيش ذات بال، بل قد يتم استثمار التسجيل لتحقيق عدد من الأهداف تحت سيف التخويف بما هو قادم على يد «الإرهابيين».
سيكون في إمكان السيسي لعب ورقة «العدو» ليجمع الناس خلفه مرة أخرى ويجدد ثقة الشعب به – اختياراً أو اضطراراً أو تلفيقاً – بعد تراجع شعبيته الملحوظ، وسيكون بإمكانه أن يبطش بيد أكثر حديدية وشدة بالمظاهرات المستمرة في مختلف المدن المصرية بذريعة مواجهة الإرهاب وأن «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، إضافة إلى تسويق نفسه ونظامه للولايات المتحدة الأمريكية للضلوع أكثر في الحرب على ما يسمى الإرهاب لكسب شعبية دولية أكبر ولو كان ثمنها دماء الشعب المصري وجنوده.
ولئن كانت الأحداث ما زالت غامضة والكثير من تفاصيلها طي السرية، إلا أن عدداً من السيناريوهات يلوح في الأفق، وفق معطيات الحدث الآني على الأقل:
السيناريو الأول، والأقرب للتحقق، هو ازدياد عمليات أنصار بيت المقدس أو ولاية سيناء بعد هذا التسجيل، على اعتبار أن أحد أهم الأهداف لنشر هذا النوع من الفيديوهات يكون عادة الإعلان عن الذات والدعاية بين الشباب، فيمكن لنا أن نتوقع أن يكون هناك إقبال بمستوى ما من الشباب المصري عليهم. لكن الوجهة والاستراتيجية التي يمكن أن تتبعها المجموعة تبقى محاطة بعلامات استفهام كبيرة. فمن ناحية، لا يبدو المشهد المصري قريباً من المشهد السوري أو العراقي، فما زالت القبضة الأمنية العسكرية ممسكة بزمام البلاد بدرجة كبيرة ولذلك لا يتوقع لولاية سيناء الخروج من سيناء نحو المدن المصرية إلا ما ندر وقــَرُب، فهي تنشط وتتمدد حيث تضعف الدولة المركزية وتنمو في الفراغ الحادث. وبذلك، قد تصبح المجموعة إحدى الحقائق الثابتة في سيناء دون التحرك إلى ما هو دونها، ويبقى «الاستنزاف» طويل المدى هو الذي يحكم المشهد.
السيناريو الثاني قد يظهر لنا استثماراً جيداً من النظام المصري لرسالة الخوف التي تضمنها التسجيل، بزيادة وتيرة تفريغ سيناء وتشديد القبضة الأمنية واستقدام تعزيزات لمواجهة الجماعة. وقد يكون السماح ببعض هذه العمليات (في حال كانت فرضية «التسهيل» صحيحة) مجرد مقدمة لبدء مرحلة جديدة من الصراع مع الجهاديين في سيناء أعنف بكثير من كل ما سبق وأعلى سقفاً منه.
السيناريو الثالث، وهو السيناريو الأكثر كارثية، هو تدويل القضية بدرجة أو بأخرى باعتبار أنها جزء من الحرب الدولية الحالية على «الإرهاب»، إما باستقدام قوات دولية أو بترتيبات معينة مع دولة الاحتلال وفق تعديلات معينة في اتفاقية كامب ديفيد، تؤدي إلى خسارة مصر نهائياً لسيناء وأهلها، واستهداف غزة بصورة أكبر من ذي قبل، حصاراً وإغلاقاً تاماً، أو تحضيراً لمواجهة مقبلة.
وفي كل الأحوال، يبدو المشهد ضبابياً ومكتنفاً للأسئلة أكثر من تقديمه إجابات واضحة حول المستقبل القريب. فلحظة الدهشة الأولى قد يتبعها نقاش حول مآلات الأمور، خاصة من جانب «ولاية سيناء» التي تنتمي فكرياً لتنظيم الدولة، وقد يبدو مفيداً – ومخيفاً في الوقت ذاته – تذكر كيف بدأ التنظيم في سوريا والعراق وإلام انتهى، من مواجهة النظام وامتلاك الحاضنة الشعبية إلى محاربة المعارضة وتجنب النظام وإذاقة الويلات للشعب. وعلى ذلك قد يبدو التفهم الأولي المنطلق من الغضب على سياسات الانقلاب في غير مكانه لاحقاً إذا كانت الاستجارة من رمضاء السيسي بنار «داعش» التي تحرق الجميع عادة، بادئة بالأقرب.
فالمنظومة الفكرية التي يقوم عليها التنظيم والداعية إلى تطبيق الشريعة والحدود و»الحكم بما أنزل الله» بغض النظر عن الظروف والسياقات والإمكانات تشي بسيناريو مشابه لما يتم تداوله في سوريا والعراق. بينما، من ناحية أخرى، يجب طرح أسئلة واضحة حول المسار الذي سينتهجه التنظيم في ظل ضعف احتمالات توجهه نحو العمق المصري، وفي ظل اعتباره «كل» الأنظمة كافرة لا تحكم بشرع الله إضافة إلى بدئه بالمعارك الأسهل والأكثر استراتيجية بالنسبة له، فهل يكون التوجه هو السيطرة على معبر رفح أو محاولة الانتقال – فكرياً أو واقعياً – نحو قطاع غزة؟
كلها أسئلة مشروعة ربما لن يمتلك أحد الإجابة على معظمها في الوقت الراهن، لكن الثابت والأكيد أن المشهد المصري لم يعد كما كان سابقاً، وبغض النظر أكان التسجيل صحيحاً مائة في المائة أم يكتنفه بعض الاختلاقات – من أحد الطرفين – فإن عنوان المرحلة المقبلة سيكون الحرب على الإرهاب حصراً، وهو ما سيلقي بظلاله على كل تفصيلة في المشهد، وعلى رأسها الحراك الشعبي في الشارع المصري، تماماً كما كان حمل السلاح اضطراراً في سوريا عنواناً لمرحلة جديدة حلت مكان الحراك السلمي تدريجياً (رغم الفوارق الكبيرة حالياً بين المشهدين)، وهو ما يؤكد ضرورة القيام بمراجعات وإعادة تقييم للمشهد برمته، لجهة السياقات والتمظهرات والمآلات المستقبلية، لعدم البقاء في خانة رد الفعل وامتلاك المبادرة، ولو لمرة واحدة، قبل أن تضيع الفرصة وإلى الأبد.