الأحد، 28 ديسمبر 2014

دلالات تصاعد الجدل حول إصلاح الإعلام العمومي في المغرب

Résultat de recherche d'images pour "photo de l'edifice du ministre de l'information marocain"

نقلا  عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية  بالقاهرة 
عاد الجدل مجددًا حول أهمية إصلاح الإعلام العمومي في المغرب خلال الفترة الحالية، وبنفس قوة الجدل الذي أثاره تناول حكومة عبد الاله بنكيران لملف الإعلام فور توليها السلطة في البلاد، والذي دار آنذاك حول محاولة الحكومة ضم صلاحيات الملف الإعلامي لباقي صلاحياتها، وذلك بعد إصرارها على تعديل "دفاتر تحملات القنوات العمومية " التي تحدد إطار وشروط عمل القنوات التلفزيونية الرسمية وتوجهاتها، ثم تراجعها عن البنود الجديدة التي أضافتها للدفاتر بعد تدخل الملك محمد السادس في الأزمة كسلطة تحكيمية لحسم النزاع بين الحكومة المتهمة بمحاولة "أسلمة" الإعلام المغربي وإعلاميي القطاع العمومي.
وعلى الرغم من اتفاق الأطراف المختلفة على ضرورة إصلاح الإعلام العمومي، إلا أن كل طرف يتبنى رؤية تتناقض مع رؤية باقي الأطراف، وربما كان هذا التناقض هو أهم عوامل عرقلة الإصلاح المرجو حتى الآن. فمن جانبها ترى الحكومة ضرورة إصلاح الإعلام وتطهيره من الفساد، وتتهمه بالتحامل عليها وتهويل أخطائها وتهميش إنجازاتها، في حين يرى إعلاميو القطاع العمومي أن الإعلام لابد وأن يصبح أكثر استقلالية بعيدًا عن الحكومة التي باتت تهيمن عليه. بينما يؤكد المراقبون على أن ثمة إجراءات تشريعية ومؤسساتية باتت ضرورية لإصلاح الإعلام.
رؤى مختلفة:
تتسم البيئة التي يمارس فيها الإعلام عمله بالتعقيد الشديد، لا سيما علي صعيد القواعد المنظمة له، والتي ربما فرضتها طبيعة المجتمع المغربي، ولذلك جاء الرفض شديدًا لمحاولات حكومة بنكيران فرض ما يمكن وصفه بأجندة جديدة للتناول الإعلامي، بعد أن اعتبرها المعنيون بالعمل في القطاع ككل محاولة لفرض الرقابة والحد من الحريات، خاصة بعد أن طالبت الحكومة بتقليص المساحة الفرانكفونية لصالح اللغة العربية والأمازيغية.
ومن جهتها ترى الحكومة أن الإعلام يتعامل معها بشكل غير موضوعي، ويقوم بتحريض الرأى العام ضد أغلب قراراتها، وآخرها القرار القاضي برفع أسعار المحروقات، فيما وجهت قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم انتقادات قوية للإعلام العمومي، موضحة أنه بدا وكأنه "فاعل نقابي" خلال الأيام التي سبقت الإضراب العام، الذي دعت إليه ثلاث نقابات عمالية كبرى في 29 أكتوبر 2014، احتجاجًا على عدم تجاوب الحكومة مع مطالبها برفع الأجور وضبط الأسعار وتخفيض الضرائب، متخليًا عن موقف "الحياد" اللازم في معالجة مثل هذه القضايا. 
وعلى الجانب الآخر، يرى القائمون على الإعلام العمومي أن تدخل الحكومة في الإعلام بات مبالغًا فيه، مستندين في ذلك إلى تقرير الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عن الفترة من يناير إلى مارس 2014، والذي أفاد بأن الحكومة تصدرت قائمة المتدخلين في وسائل الاتصال السمعية البصرية، بنسبة 50.01%، مقابل 10.52% للأغلبية البرلمانية و12.73% للمعارضة البرلمانية. كما أوضح التقرير أيضًا أن حصة الحكومة وأحزاب الأغلبية البرلمانية تجاوزت ضعف مداخلات المعارضة البرلمانية خلافًا لمقتضيات المادة السادسة من قرار المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري رقم 46-06، وذلك حسب البيانات الصادرة من كل قناة على حدى، باستثناء قناة "العيون" الجهوية.
تعارض مصالح:
وفي هذا الإطار، يبرز أحد أسباب الجدل المستمر بين حكومة بنكيران والقائمين على قطاع الإعلام العمومي، نظرًا لتعارض مصالح كل منهما وإن اتفقا على ضرورة الإصلاح لأسباب مختلفة. فمع إصرار إعلاميي القطاع على المحافظة على استقلالية الإعلام، وفق رؤيتهم، عن الحكومة، ورغبة الأخيرة في ضبط المحتوى المقدم وفق ما تراه، وجد حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة نفسه أمام مسار إجباري للاعتماد على إعلامه الخاص، لا سيما مع اقتراب الانتخابات التشريعية المرتقبة خلال الصيف القادم، وبالتالي عمل على تطوير بوابته الإلكترونية، وخلال حفل إطلاق الموقع الجديد في منتصف أكتوبر 2014، أكد بنكيران في كلمته أمام الحضور على أهمية الاستعداد لهذه الانتخابات إعلاميًا، مبديًا رغبته في تأسيس جريدة ورقية ناطقة باسم الحزب، والتي أصبحت مطلوبة للمنافسات الانتخابية المقبلة، وفق تعبيره، فيما استغل الفرصة للهجوم على الإعلام العمومي واصفًا إياه بأنه "إعلام سيئ النية ويضرب الحزب من خلال الحملات التي تتم شنها ضده".
إجراءات لازمة:
لكن بعيدًا عن محاولات الحكومات المتعاقبة استقطاب الإعلام، ومقاومة الأخير لمحاولات إملاء أجندات معينة على ما يقدمه من محتوى، يمكن القول إن إصلاح الإعلام العمومي يتطلب ضرورة اتخاذ عدة إجراءات، لعل أهمها إصدار التشريعات الضرورية لضبط العمل الإعلامي، الذي يعاني من أزمات بنيوية تتمثل في تراجع مبيعات الصحافة المكتوبة، واستمرار تدني خدمة المرفق العام في وسائل الإعلام العمومية، والجهوية، وكذلك التشريعات اللازمة لضمان حرية التعبير عن الرأى، وضبطه، إذ لا يزال المغرب، حسب تقارير المنظمات المعنية مثل منظمة "فريدوم هاوس"، في مرتبة متأخرة من حيث حرية الإعلام، ففي تقريرها الصادر في مايو 2014، صنفت فيه المغرب في المرتبة الـ 147 من أصل 197 دولة، في حين صنفها تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" الصادر في مطلع عام 2014، في المرتبة الـ 136 من أصل 180 دولة. وإلي جانب المدخل القانوني، تبرز أهمية المداخل المؤسساتية والمهنية، في ظل ما يعانيه القطاع من تهالك واحتياج لسياسات جديدة تستطيع تقديم محتوى إعلامي يواكب دينامية التحولات التي يشهدها المجتمع المغربي، في إطار تغيرات أوسع يشهدها الإقليم بصفة عامة.

0 التعليقات: