الثلاثاء، 24 مارس 2015

هل لا تزال السعودية تحمل لواء الدود عن الملة ?

Résultat de recherche d'images pour "photo de la mecque"
بقلم / موسى المصلح

لا يكاد يوم يمر دون أن تسمع أصوات نشاز  تحقر تراث الأمة  وتدعو إلى مراجعة  كتب علماء سلف السنة  . بل  و التشكيك في مصداقيتها والتبرؤ منها والدعوة  إلى إحراق ما جمع و سطر بداخلها من أحاديث  نبوية شريفة وتفسير للقران الكريم  . وأصوات أخرى  تلوي أعناق الآيات أو مقاصد الأحاديث لتحلل  حراما آو تحلل حلالا  . وقد لقي هؤلاء الأفاقون  مساحة كبيرة على فضائيات  مصرية متعددة  تابعة للنظام  وتونسية  معادية للتوجه النهضة الإسلامي  .
   ويحاول هؤلاء النيل من كل ما هو إسلامي  تحت دوافع كثيرة ونوايا خبيثة مبطنة   بدافع الغيرة و الدود عن  إسلام  " لايت " يريدونه  حسب أهواءهم راكبين   موجة محاربة    الإرهاب. وهدا  الأخير ما هو إلا حاصل  سياسات دول بوليسية  شبه  علمانية  قمعية  منبطحة  للغرب  لم تؤمن يوما  بديمقراطية آو كرامة  آو حقوق إنسان  , وإنما  ترى في مواطنيها قطعانا من  العبيد   تنام  و تصحو  على مقولة   "بالروح بالدم نفديك ياريس" . 
وادا كانت العربية السعودية   مهد الدعوة ومنطلقها  قد مولت ودعمت سقوط   حكم الإخوان في مصر وتونس  لحسابات  ضيقة  قد بات يلوح في الأفق  خطئها وخطورتها   على النظام السعودي نفسه ,  فان ما يجري اليوم من  تحقير لرموز الأمة وعلمائها من محدثين أفذاذ وفقهاء أنجاب  وقادة عظماء,  حذفت أسمائهم من منهاج التعليم  والتربية , سيجعل بلاد مهبط الوحي  في بحر من الزوابع والرياح العاتية.وستطيح أرضا  بريادة دينية  وتراث حضاري إسلامي  وطد العزم ملوك البلاد على الدود عنه  والدفاع عن بيضته . وإلا لما غيروا ألقابهم إلى خادم الحرمين الشريفين . فخدمة الحرمين الشريفين تقتضي  التدخل السريع  والتصدي لحملة التشويه التي تطال  أئمة الإسلام  والتشكيك في شيوخ  الصحيحين وأمهات الكتب ليأتي الدور على التشكيك في  القران الكريم.
  أن هده الحملات المريبة و المشككة  تفتح الطريق إلى تشجيع الارتداد عن الدين في منهجه السني الأصيل. وتسهيل التبشير والتمسح  الذي لن يدع هده الفرصة الثمينة تمر دون أن يعمل على تقوية صفوفه  وهد قلاع حصينة  استعصت عليه لقرون . أما التشيع ألصفوي فقد   لاحت طلائعه  واستشرى خطبه بعد نجاح الحوثيين في اليمن و استعلاء شيعة العراق وصمود علوية سوريا  بدعم واضح من إيران ,  التي  أصبح نفوذها  المتزايد  يشكل شوكة في حلق  السعودية  ويضعها في  كماشة قد يستعصى عليها الخروج منها إن لم تبادر اليوم قبل الغد    .
إن الأمن القومي السعودي  يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الديني  وبالمذهب السني.  وان لم تتحرك السعودية وهي التي تغدق المليارات من المساعدات على مصر وغيرها  ليغير النظام المصري  وغيره من توجهه  المحارب لثوابت ألامه ومعتقداتها  .فان حوافر الإلحاد ومعممو ا  الشيعة  و جنود العلمانية اللادينية   سيدكون كل مكان في شبه الجزيرة العربية ولن  يجد ملوك السعودية , بعد التفريط  في حمل لواء الدود عن الملة , حرما شريفا  يخدمونه .



الثلاثاء، 17 مارس 2015

ليبيا وسوء التقدير الغربي

Résultat de recherche d'images pour "image du nato en libye"
محمد هادي الحناشي
 مع حلول الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي، مازالت الفوضى تسود البلاد التي تخوض مرحلة انتقالية بلا نهاية وسط غياب الدولة واستمرار الميليشيات في جرائمها ما أدى إلى تفشي الجريمة وتصفية الحسابات السياسية. ولم يسبق أن شهدت أزمة سياسية أو عسكرية إجماعا دوليا وسرعة تحرك ميداني مثلما شهد ته الثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من فبراير2011 بمظاهرات سلمية تطورت إلى السيطرة على مناطق جغرافية والاستيلاء على ثكنات ومخازن أسلحة لتتم شهرها الأول .  وقد تم فرض منطقة حظر للطيران بموافقة دولية من مجلس الأمن وبدعم قوي من مختلف الدول الكبرى والمنظمات الإقليمية لتبدأ فعليا في التاسع عشر من مارس الضربات الجوية لحلف الناتو  التي استمرت نحو ستة أشهر انتهت بمقتل القذافي من قبل الثوار بعد استهداف موكبه بقصف جوي.
فحينما اندلعت الثورة الليبية كانت شقيقتها التونسية بصدد لملمة أوراق الإطاحة بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .وإسقاط حكومة محمد الغنوشي. ووصول السياسي المخضرم الباجي قايد السبسي للحكومة فيما كانت مصر مشغولة بثورة الخامس والعشرين من يناير والتي أدت إلى تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك.و اندلعت في مدينة درعا السورية مظاهرات أشعلت شرارة الثورة السورية ، وهي العوامل التي تتنزل في سياق أحداثها الثورة الليبية ، فالقذافي يكون وهو يواجه غضب الجماهير المتمردة في بنغازي قد خسر حلفاء رئيسيين كان وجودهم في مواقعهم سيغير من واقع الأمر. فالرئيس التونسي زين العابدين بن علي تربطه بالقذافي أواصر تمتد إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي وكان من أول المرحبين بوصوله إلى قصر قرطاج إثر إزاحة خصم القذافي العنيد الحبيب بورقيبة في السابع من
نوفمبر    1987 . وكان كل منهما ظهيرا للثاني في الأزمات خاصة تلك التي عرفتها ليبيا في التسعينيات حينما فرض مجلس  الامن الدولي حظرا جويا على ليبيا على خلفية قضية لوكربي
  الظهير الثاني كان الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي يرى فيه القذافي سندا ولاعبا رئيسيا في استقرار المنطقة على الرغم من المواقف المتباينة في أحيان كثيرة   أما الثالث فهو الرئيس السوري بشار الأسد الذي انشغل بقمع ثورة شعبه فلم يتح له مساندة القذافي رغم الدعم الذي بدأ في الأيام الأولى من الثورة الليبية وتسويق ما يحصل من خلال إعلام البلدين أن سوريا وليبيا تتعرضان إلى مؤامرة كبيرة .
الإطاحة بالقذافي
.. تختلف اسباب  هذا التحرك السريع والحماسة التي بدت في أحيان كثيرة لافتة من اجل الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي .وبدا وكأن العالم في انتظار اللحظة المناسبة للتخلص من شخص مزعج مثير للجدل .  فقد حانت اللحظة  وما تبقى هو البحث عن مبررات شرعية.  بدأت بإزاحة غطاء الشرعية عن حكمه وتحويله من زعيم إفريقيا وملك ملوكها إلى مطلوب لدى المحاكم ثم إلى قتيل تعرض جثته أمام الزوار في سوق بمدينة مصراتة . وهو المشهد الذي يختزل حجم الحقد الدفين وردود الفعل المخزنة للزعيم الليبي من عديد الإطراف .  فالغرب ممثلا في الولايات المتحدة وبريطانيا تربطه قصة طويلة من الصراع مع الزعيم الليبي تعود إلى السنوات الأولى من توليه السلطة في ليبيا بعد انقلاب على الملك إدريس السنوسي في الأول من سبتمبر عام 1969. وبعد تبني القذافي الاتجاه الناصري أيام عبد الناصر الذي وصفه بأمين القومية ، وهي الصفات التي دخلت بالقائد في صراع بدأ بإخراج القواعد الأمريكية والبريطانية من الأراضي الليبية وصولا إلى تأميم الشركات النفطية واستخدام عائدات النفط في فترة السبعينيات في تمويل حروب وقلاقل في أنحاء شتى من العالم.  فالزعيم الثوري الشاب والعسكري الطموح كان دوما مسكونا بكونه اكبر من بلد اسمه ليبيا ومطمحه فضاء جغرافي بحدود الوطن العربي. فدخل في مشاريع وحدوية خلفت له العزلة والمشاكل في أكثر من حقبة .

اتفاقات
 هذه الحسابات عجلت بالتوصل إلى اتفاقات بدت كما لو أنها جاهزة في مستوى القيادات السياسية الدولية. فباستثناء الموقف المتردد للاتحاد الإفريقي الذي قرر حل المسألة سلميا وتركيا التي تأخر موقفها قليلا بفعل حساباتها الاقتصادية تكاد الأطراف الفاعلة في العالم بأسره مجمعة على ضرورة ما تعتبره فرصة ذهبية ساهم العقيد الراحل بدور كبير في
توفيرها . وساهم النظام الذي كان يتزعمه على أسس قبلية في توفير مقومات السقوط.
 فالقذافي الذي أفرغ ليبيا من أي صوت سياسي مختلف وأي حزب سياسي باستثناء اللجان الثورية ومن غياب الإعلام سوى صوت الجماهيرية الذي يشيد بالقائد وانجازاته بدى غير مهيأ للتعامل مع أزمة بهذا الحجم .  فداخليا ، انقسمت ليبيا بين شرق وغرب بعد أن خرج الشرق الليبي بأكمله من تحت عباءة العقيد.  وفي الغرب خرجت الزنتان القبيلة العربية عن طوعه وحملت السلاح لقتال قواته.  وعلى صعيد البنيان السياسي  انشق وزراء حكومته ملتحقين بالمجلس الوطني الانتقالي الذي تم تشكيله على عجل وسارع سفراؤه في الجامعة العربية والأمم المتحدة والهند ودول أخرى كثيرة إلى التبرؤ من عقيدهم ، لتبدو الظروف مهيأة لعملية السقوط الحرّ التي لم يتمكن العقيد من إيقافها رغم سلسلة خطاباته التي أطلقها وتحذيرات ابنه  سيف الإسلام ووعيده لليبيين بأيام سوداء.  ففي هذه السياقات يكون الوضع الليبي وبنية النظام قد قدمت على طبق من ذهب إلى المجتمع الدولي الذي سارع وعلى نحو غير مسبوق في اتخاذ القرار تلو القرار ليس بهدف
إنهاء الأزمة في مهدها ولكن من اجل القضاء ونهائيا على أي أمل في تكريس لديمقراطية.
. ورطة إنتاج البدائل
    لا يخفي المجتمع الدولي إخفاق ليبيا وتحولها إلى دولة فاشلة في المنطقة تضاف بقوة إلى قائمة الدول التي تهدد استقرار العالم .  فعلى الرغم من الحماسة في الإطاحة بنظام القذافي والسرعة التي انتهى إليها أمر إيجاد سلطات جديدة, فشلت هذه الأخيرة ومعها جهود المجتمع الدولي في إعادة الاستقرار إلى البلاد رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة . ومع أول انتخابات شهدتها ليبيا في شهر يونيو 2012 استفاق العالم على حقيقة أن بديل القذافي ونظامه في ليبيا ما هو سوى جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من مليشيات إسلامية متطرفة لا تؤمن بالمشروع الديمقراطي المدني. ورغم الدعم الذي تلقته هذه الجماعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا إلا أنها أثبتت فشلا دريعا في إدارة شؤون البلاد الخارجة للتو من نظام ديكتاتوري بفرض ديكتاتورية جديدة اشد فتكا   وهي ديكتاتورية المليشيات الإسلامية المسلحة التي تصل إلى نحو 750 مليشيا وفق تقارير إعلامية متطابقة . وبدأت سياسة الإقصاء والتشفي هي الغالبة على المشهد الليبي الذي ازدادت بشاعته بإقدام المليشيات بفرض قانون الغاب .واعتقال من يخالفها وتعذيبه وقتله في سجون سرية وخارج القانون. وهو الأمر الذي نبه له مجلس الأمن في عدد من قراراته . وقد ساهم تباين المصالح وتضاربها بين هذه المليشيات وعمليات النهب الواسعة لمقدرات البلد وأمواله والأسلحة المنتشرة والتي تعد بالماليين من مختلف الأصناف والأحجام في خلق بيئة متكاملة لحرب أهلية وهي التسمية التي يتجنب المجتمع الدولي إطلاقها على توصيف ما يجري في ليبيا.
فالمليشيات في ليبيا يتوفر لها ما لا يتوفر لغيرها في العالم.
العصبية القبلية والسلاح والجغرافيا الممتدة ومقدرات دولة من موانئ ومطارات ومبان إدارية وهي العناصر الكفيلة بإطالة أمد أي حرب وتجعل من أفق الحل بعيدة المنال ، وسلوكيات هذه المليشيات وما ظهر منها من تقتيل وتنكيل ونهب وسلب وشراسة في التعاطي من الخصوم وهجمات عشوائية دفعت السفارات والبعثات والمنظمات الدولية إلى  مغادرة ليبيا على جناح السرعة لتترك الليبيين لمصيرهم المجهول ، هذا هو  المشهد الطاغي في ليبيا ما بعد القذافي بعد أربع سنوات من مقتله
 المشهد الطاغي في ليبيا ما بعد القذافي بعد أربع سنوات من مقتله



الأربعاء، 11 مارس 2015

سؤال الهوية ومن يتآمر على أمن المغرب واستقراره ووحدته؟؟

سؤال الهوية ومن يتآمر على أمن المغرب واستقراره ووحدته؟؟
توجد في دستور 2011 المغربي فصول عديدة مشرقة ومضيئة، الفقرة الأكثر إشراقا وإضاءة في الدستور هي تلك المتعلقة بإشكالية الهوية الوطنية، تعامل المشرع بذكاء وحذق في التصدير للدستور حين حدد الهوية المغربية في كونها (( عربية – إسلامية، وأمازيغية، وصحراوية حسانية، وغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية)).
بذلك، أراد واضعو الدستور للهوية المغربية أن تكون هوية جامعة لكل المغاربة، وأن تشمل في كنفها كل مكونات الأمة الثقافية والروحية وأن تضمهم إليها وتجعلهم متساويين بينهم في ظلها.
انطلق المشرع أثناء كتابة الدستور من الواقع المغربي، بكل الالتباسات المحيطة بالثقافة والتاريخ في المغرب، حين كان المشرع يحرر فصول الدستور، فإنه كان يستحضر في ذهنه من ضمن هواجس أخرى، هاجسا رئيسيا، ألا وهو كيفية مساهمة النص الدستوري في زيادة رص صفوف المغاربة، وشد لحمتهم الوطنية، وتعزيزها، وتقوية وحدتهم وتضامنهم جميعهم بالمادة الدستورية.
لو أن الدستور اكتفى كما يطالبه البعض بتحديد الهوية الوطنية في كونها أمازيغية نقية، لكان قد قفز على الحقيقة كما هي مجسدة في الواقع المغربي، ولكان قد قام بشطب باقي المكونات الأخرى لهويتنا، ولنتج عن ذلك إحساس بالحيف والإقصاء من طرف الذين لم تتم الإشارة إليهم في الهوية، ولصار الدستور لا يجسد بالنسبة لهم هويتهم كما عاشوها في تاريخهم ويعيشونها في الحاضر بوطنهم. ولكان الدستور كأنه كتب من طرف متطرفين أمازيغ لإرضاء المتطرفين الأمازيغ، على حساب باقي المغاربة: الأمازيغ منهم والمنحدرون من أصول غير أمازيغية.
الدستور الذي يحدد هوية المغاربة في كونها أمازيغية لا غير، يفتح الباب على مصراعيه أمام مطالب، لا تتوقف ولا تنتهي من طرف من يطلقون على أنفسهم النشطاء الأمازيغ. مطالبهم التي يعلنون عنها حاليا كانت ستصبح معززة بالنص الدستوري، وسيكون من حقهم أن تتم الاستجابة إليها إن أرادت الدولة أن تكون منسجمة مع قانونها الأسمى الذي هو الدستور.
أول مطلب كان سيقع التركيز عليه من طرفهم هو حذف رسمية العربية كلغة للمغرب. فالبلد الذي هويته أمازيغية صرفة، لا يجوز منطقيا أن تكون لغته الرسمية هي العربية. لغة المغاربة التي حكموا بها ودبروا بواسطتها شؤونهم الإدارية والسياسية لقرون وقرون من الزمن، ستصبح فجأة دخيلة لأنها غريبة عن الهوية الأمازيغية المنصوص عليها في الدستور.
وسيعقب ذلك المطالبة باستبدال العربية بالأمازيغية كلغة للإدراة وللسياسة وللحكم، فحتى لو دعا النشطاء الأمازيغ للاستمرار بالعمل باللغة العربية، والتعامل بها رغم الهوية الأمازيغية للمغرب، فإن البلاد ستكون وقتها ومعها هم كذلك، في تناقض صارخ. كيف يجوز لدولة تحترم نفسها ألا تكون منسجمة مع ذاتها وتستعمل اللغة التي ينص عليها الدستور والتي هي في حالتنا هنا الأمازيغية؟؟
إذا تم إقصاء العربية وصارت اللغة والهوية الأمازيغيتان هما السائدتان لوحدهما، قد يتطلب ذلك مراجعة كل تاريخنا المغربي من ألفه إلى يائه، واعتبار أن وقائعه المشرفة المنسوبة إلى السلالات الحاكمة من أصول عربية، وقائع عليها علامات استفهام كبيرة، وربما مفبركة ومصنوعة، يتعين تقوية الجانب الأمازيغي في التاريخ بالتعليم والإعلام...
الدولتان: الإدريسية والسعدية قد تزولان من مادة التاريخ، ومعهما بناء مدينة فاس ومعركة وادي المخازن، وأيضا تضحيات الحركة الوطنية، وكل تصرفات وشعائر وطقوس المغاربة المرتبطة بالعرب والعربية قد تصبح غريبة وأجنبية في المغرب، وسيمتد التغيير ليشمل التعليم، مناهج ومضامين، وسيصبح التدريس في المدرسة العمومية باللغة العربية بدعة، ما دامت هوية المغرب قد صارت أمازيغية.
ولكن بأي أمازيغية سيكون التعليم وسيتعامل وقتها المغاربة في الإدارة وفي الحكم؟ بأي لغة سيقوم الوزراء وأعضاء الحكومة بمكاتبة ومخاطبة المواطنين الذين يحكمونهم؟ هل بالريفية أم السوسية أم الأطلسية؟؟؟ الريفيون والسوسيون والأطلسيون لا يتفاهمون بينهم بلغاتهم الثلاث، وكل طرف منهم يريد أن تكون لغته هي السائدة، فبأي لغة وقتها سيتكاتب ويتحاور ويتفاهم المغاربة وتخاطبهم حكومتهم أثناء تصريفها لشؤونهم؟؟
وماذا سنفعل بالمغاربة الذين لا يجيدون أي من الأمازيغيات الثلاث؟؟ في أي من اللغات الأمازيغية سيجدون أنفسهم؟؟ هل ندعوهم للتخاطب والتفاهم بالمعيارية؟؟ فلغة الإيركام بحرف تيفيناغ ما زالت غير معروفة حتى بالنسبة للذين وضعوها ويحاولون الترويج لها، لقد فُرضت علينا، عربا وأمازيغا، من طرف أشخاص غير منتخبين، وبعضهم غير معروف إطلاقا من طرف المغاربة.
فعلى أي أساس يحق لهؤلاء فرض لغة من عندهم علينا وإلزامنا بها بحرف تيفيناغ الغريب؟؟ لغة يصفها الأستاذ عبد الله زارو بالشكلية والفلكلورية والمحنطة التي لا يتهجاها أحد (( بمن فيهم العصابة المعلومة)) طبقا لما جاء في إحدى مقالاته.
فإذن التخلي عن اللغة العربية تمشيا مع الهوية الأمازيغية للمغرب، كما يريد ذلك النشطاء الأمازيغ، كان سيؤدي إلى استبدال العربية بلغة غير محددة ومعروفة، وكان ذلك سيدخل البلاد في فوضى لغوية، سيصبح المغرب بلا لغته العربية الرسمية، وبلا أي لغة جاهزة للاستعمال الوظيفي، ستنطبق حينئذ على المغاربة نكتة الغراب الذي أراد تقليد مشية الحمامة ففقد مشيته، وصار عاجزا عن تقليد الحمام.
المشرع كان ذكيا حين وضع الهوية الوطنية في إطارها التعددي التاريخي، لو حصرها في العربية والأمازيغية، لخلق لنا ثنائية كانت قد تُستغل من طرف البعض ليعطيها طابعا له بعد استقطابي، وقد يتجه بها نحو المواجهة والتصادم بين مكونين اثنين في ذات واحدة.
فمع التعدد المبرر والمستمد من الواقع ومن التاريخ، تصبح عوامل الاستقطاب والتصادم ضئيلة ومستوعبة بين المكونات المتداخلة والمتشابكة في ما بينها. ولتعزيز هذا الاتجاه حث الدستور على تشبث الشعب المغربي (( بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء)).
المشرع حين لم يقبل بالتنصيص في الدستور على أن هوية المغاربة أمازيغية صرفة، كان يستحضر هذه العوامل وغيرها، ولم يكن الهدف من ذلك إقصاء أو تهميش أو التآمر على الأمازيغ، فمن يريد لهوية المغرب أن تكون أمازيغية صرفة خالصة، هو الذي يـتآمر حقا، بوعي منه أو بدونه، على المغاربة جميعهم، وعلى أمن المغرب واستقراره ووحدته وتعايش مكوناته، إنه هو المتآمر وليس من يسعى لجمع هذه المكونات ولمها في ذات واحدة متعايشة ومتسامحة ومتآخية.

الاثنين، 9 مارس 2015

رد علمي فقهي  مقنع بالتحريم 
  على فتوى  جواز شرب المخمر من الثمار والزرع   غير العنب  !!( فيديو)

السبت، 7 مارس 2015

حين يكون الفشل وساماً على صدر الحاكمين

إسماعيل اسماعيل أسماعيل زاير
اسماعيل زاير*
يس بوسع احد ان يتهرب من مسؤولياته الرسمية والمهنية في ظل العالم المفتوح او كما يقال القرية العالمية التي هو جزء منها ومواطن فيها. ولكن الفاشلين ينكرون على الآخرين هذه الحقيقة ويسعون الى تبرير النكوص في واجباتهم وممارستهم مستعينين بفلسفة العزلة التي يرعونها كوسيلة لضمان سلطانهم. التنمية والمبادئ الحاكمة لها وتشعباتها التقنية تقع في قلب هذا العالم الذي نحن فيه. وللأسف فإن النتائج التي تتمخض عنها القرارات التي يتخذونها والمقتربات التي يفضلون في ادارة التنمية لا يمكن، هذا اذا لم نقل من المستحيل، اخفاؤها او انكارها او التملص من عواقبها.
وفضلاً عن ذلك تتحمل الشخصيات المسؤولة التي تحتل مواقع القرار المتصل بالشأن العام، اكثر مما ذكرناه آنفاً، المسؤولية عن تبني هذا المبدأ او ذاك في الملفات التي تحت ايديهم ولا سيما تلك التي تتصل بحياة المواطنين. من هذه المقدمة نذهب الى التعامل مع المأزق الوطني الذي واجهناه بعد التدني القاتل لأسعار النفط وهبوطها من 120 دولاراً الى 50 دولاراً وأقل للبرميل. فالعراقيون عرفوا منذ وقت طويل اننا نحيا ضمن دولة نظامها الاقتصادي ريعي بالكامل، يعتمد في موارده على منتج منفرد احادي هو النفط، بما في ذلك ما قد يترتب على ذلك من مخاطر ناجمة عن تقلب ممكن ومحتمل في اسعار هذه السلعة الخطيرة.
النسبة التي يتحدث عنها الوزراء والخبراء عن دور النفط في الموازنة تصل الى 95% من الموازنة. اي ان العراق لا ينتج خارج النفط اكثر من 5% فقط. ولعلني لا اكون مخطئاً ان اذكر ان نسبة الإسهام غير النفطي في الموازنة قبل عقود من زمن وصلت الى اكثر من 25% منها. وهذه الحقيقة تستحق ان نخجل منها ولا سيما أننا نمتلك نسغ الحياة البشرية وغير البشرية: اي المياه، بما يحسدنا عليه الكثير من الأمم، فنهرا دجلة والفرات وبعدهما اهوار شاسعة تضم بين ظهرانيها حياة غنية من الثروة السمكية، ونمتلك موارد ضخمة من المنتجات النباتية والمزروعات والإنتاج الحيوي المطلوب للشعب كالقمح والشعير ناهيكم عن الرز بأنواعه الفاخرة المعروفة التي يضرب بها المثل. وفوق هذا كله لدينا عشرات الملايين من اشجار النخيل التي تنافس نوعيتها افضل انواع هذه الثمار الغالية. في البصرة وحدها لدينا تقليدياً اكثر من 20 مليون نخلة ولكننا لا نعلم اليوم كم هي.
ويذكر جيلنا ان العراق كان يملك الى جانب هذه الخيرات الكبيرة صناعات متقدمة ومنتجات متصلة بالبتروكيمياويات كالأسمدة وغيرها، وكذلك مصادر من المعادن النفيسة والمواد الخام كالكبريت والفوسفات. ان بلداً، اي بلد، يمتلك هذه الخيرات كلها لا يمكن ان يحتاج الى احد، ومهما كان مستوى الإهمال والتقصير البشريين في هذا الحقل وذلك القطاع الا ان ما لدينا يكفي لتأمين رفاهية الشعب العراقي وزرع مستقبله بالأمل الوطيد. فكيف اذاً يمكن ان نصل الى ما وصلنا اليه على يد حكوماتنا المتتالية؟ وكيف نبرر ذلك لأنفسنا بعد مرور 13 عاماً على سقوط الدكتاتور وزوال التخبط الاقتصادي الذي شاع في وقته ولا سيما في سنوات ما بعد التسعينيات؟
الحقيقة ان المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها الحكومات الماضية كبيرة ولا سيما أننا لم نجد تفسيراً منطقياً لسلوك الحكومات ذاك وتقصيرها الواضح في مجال نقل البلاد من ضفة الاقتصاد الريعي الى ضفة الاقتصاد المتنوع والحيوي الذي بوسعنا ان ننجزه ونطوره. ومع اننا لا نريد اليوم توجيه اتهامات كرّرها الكثير من الخبراء وغير الخبراء؛ نعتقد ان الخلل الحقيقي في سياسة البلاد هو خلل جوهري ومنهجي لا بد من نهج جديد لإصلاحه، نهج يستجيب لتلبية اهداف مختلفة ومحددة تتولى نهضة البلاد وانقاذ العباد.
ومن البديهي بادئ ذي بدء ان نقول: ان كل بلد بوسعه اقامة تنمية ايجابية مثمرة حتى لو لم يكن لديه نفط غزير كما العراق وغيره. ويكفي النظر الى بلدان عديدة في العالم النامي للتدليل على ما نقول. هنالك بلدان مثل ماليزيا وسنغافورة وتايلند وغيرها من نمور اسيا التي اصبحت قوة اقتصادية يُحسب لها حساب من دون لعنة النفط. ولا يتوهم احد ان القائمين على اقتصاد العراق سيهرعون الى التعلم من شعوب تلك البلدان وغيرها. فهؤلاء مثل امرأة عاقر لا امل في حملها ولا جدوى من الاعتماد عليها.
والحقيقة المرة التي تثير غضب كل وطني عراقي واجنبي هي ان هؤلاء المديرين والوزراء ورؤساء الوازات الذين اوصلونا الى هذا الدرك يستحقون جائزة عالمية بمستوى «جائزة نوبل» لخبراتهم في تخريب بلدهم وتبديد ثرواته واعاقته عن التقدم والنمو والعيش بكرامة وشرف.
كما لا نتمنى ان يخطئ احد في الاعتقاد ان المسؤولين الحاليين هم من طينة مختلفة او انهم جاهزون لتلبية نداء الشعب وتحقيق آماله في العيش الكريم ناهيكم عن الرفاهية المنتظرة والمأمولة، إذ تكفي نظرة واحدة على واقع مدن عملاقة وحواضر غنية كالبصرة وبابل وغيرهما لنذرف الدموع خجلاً مما نرى وحزناً على ما يعانيه ملايين المواطنين من عوز وتلوث وفقر وحاجة شاملة.
ويمكن لبعض ساستنا التذرع بواقع الإرهاب وانعكاساته على البلد، ولكن هذا قد ينطبق بدرجة ما على بغداد وبعض المدن التي عاث القتلة وبقايا البعث والظلاميون بها فساداً، ولكن من الذي اعاق المسؤولين في المدن الجنوبية المظلومة؟
اليوم نرى عشرات الوطنيين العراقيين يشدون الرحال الى الخارج؛ لأنهم غير قادرين على ممارسة تخصصاتهم التي يغلق الجهلة والدخلاء من انصار الكتل السياسية باب الأمل في إسهام كريم لهم في بناء البلد. وهنالك غير ذلك ملايين العراقيين الاعتياديين الذين باعوا الغالي والنفيس ورحلوا الى دول الجوار بانتظار الحصول على ملجأ لهم ولأطفالهم وعائلاتهم. ومن المنتظر ان يتزايد عدد المغادرين الى تركيا والإردن ولبنان في الظروف الراهنة. ولن نتحدث عن الواقع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء وقسوة الحياة عليهم مما يضطرهم الى اعمال مخزية ومهينة لكرامتهم.
ان انتظارات مئات الالاف من العراقيين في المدن التركية والاردنية، التي لا تخلو من امتهان منهجي لكرامتهم تطول سنوات قبل ان تشفق عليهم مؤسسات الأمم المتحدة وتقبل ايواءهم في بلدان الغرب النائية حيث لا يبقى لهم من العراق سوى ذرف الدموع. وتصعيد الحسرات القاتلة على ما بقي من عراقهم من ذكريات حميمية.
ماذا نفعل إذاً نحن اصحاب القلم والكومبيوتر؟ ولا سيما أن الساسة يحتقرون الإعلام ولا يسمعونه او يروه. واذا شاهدوه غضوا الطرف او حذفوا المشهد وتجاهلوه؟ ولكن احزاننا لا تتوقف عند هذا المصاب بل ان من بقي منا على ارض العراق يتلقى الصفعات كل يوم ويستمع الى القطط السمان التي تحتل واجهات التلفزيون وشاشاته وهي تتشدق بمنجزاتها وتتفاخر بكياناتها. هذا زمن عبعوب الجميل والغاوي الذي يريدنا ان نصدق اننا بخير وألف خير.
*رئيس التحريرالصباح الجديد العراقية

الأحد، 1 مارس 2015

المغرب : مفارقات لغوية

avatar
قلم :عبدالصمد بنشريف
في المغرب لا نفهم مطلقا أي لغة تكتسي طابع الدستورية، فالواقع ينطق بممارسات مغايرة بشكل جذري لما هو موجود في الوثيقة الدستورية، ذلك أن اللغة الفرنسية هي أداة التعامل الرسمية، في الإدارة وأغلبية القطاعات، وليس هناك من المسؤولين والموظفين ، من لا يتواصل ويتخاطب بلغة موليير، بل تجد من يحقق ذاته وكينونته الاجتماعية، عبر هذه اللغة الجميلة والشاعرية.
فالمسألة ليست مقتصرة فقط، على خيار لغوي معين، فرضته ظروف وسياقات تاريخية وتعليمية، بل هناك إرادة معلنة لدعم اللغة الفرنسية، وجعلها لغة الحياة اليومية والتواصل في كل المؤسسات. مع العلم أن تمركز هذا السلوك اللغوي "الفرنسي"، يوجد بكيفية خاصة في ما يعرف بالمغرب النافع، وتحديدا الدار البيضاء والرباط، وبطبيعة الحال، ليس كل سكان هذا الشريط، يتحدثون اللغة الفرنسية. أما المغرب الآخر، فله نظامه اللغوي، الذي ربما يبدو بالنسبة لنخب الرباط والدار البيضاء، الناطقة بالفرنسية، متخلفا ولا يرقى إلى مستوى الأنظمة اللغوية، التي تتوفر على مقومات الإبداع، والسلاسة في التعبير، والدقة في القصدية، والسهولة في التواصل، والوفرة في المصطلحات، إلخ
لكن الجديد في الأمر، هو أن المفارقات اللغوية، أخذت منحى عبثيا، وبعدا شعبويا في المغرب، وانطلقت المبادرات الساعية إلى دعم العامية المغربية، وتحويلها إلى لغة الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب.
ويبدو أن شعار" تدريج" الفضاء اللغوي في المغرب، والانتصار لخيار العامية، ليس بريئا ، فهو وإن كان يتذرع بمبدأ تحقيق التواصل، وتمكين المغاربة من فهم بعضهم البعض، ومنحهم شرطا من شروط الاندماج في الفضاءات اللغوية النقية والمتقدمة، فإنه ـ أي خيار دعم العامية ـ لا ينفصل عما تتزعمه مجموعة من المؤسسات الغربية، وما تقوم به من تبشير لغوي، يوهم بأنه في صالح الحداثة اللغوية ومع تكسير الطابوهات المقدسة، التي كرست الانغلاق والجمود والتخلف
بصراحة شديدة، أعتقد أن هذا الرهان خاسر، وغير مقنع، ويدفع بنا إلى الوراء. ليس بهذه السهولة، يمكن أن نحل الإشكال اللغوي، إذ لا بد من مقاربة شمولية، ولابد من قرارات وإرادات، فاللغة تتطور وتتقدم باستعمالها في كل المجالات، وأنا هنا، لا أقصد بالضرورة اللغة العربية، بل أي لغة. كما أن الحد الأدنى من احترام حق المواطن، في التواصل بلغته، يعطي للغة عمرا إضافيا
فكيف يعقل أن لايعرف المواطن، الذي لا يعرف أو لا يتقن الفرنسية، ما تحتوي عليه علب الأدوية والمواد الغذائية، والصناعة الإشهارية، والمذكرات والمراسلات، والوثائق البنكية
أنا أتحدث هنا بعيدا عن أي تعصب أو شوفينية لغوية، وأردت فقط أن أشير إلى عدم عقلانية ما يطرحه المتشددون الجدد، في تيار الدفاع عن خيار العامية ، ضاربين بمنطقهم التجاري والربحي، مصداقية أي نقاش يمكن أن يثيروه حول الحق في اللغة واللغة التي يجب أن نتواصل بها دون أن نشعر بالنقص أو نساهم في إنتاج اللاتواصل وتجزيئ المجتمع إلى جزر لغوية.
. فسطوة وهيمنة اللغة الفرنسية أصبحت معطى ملموساً، وأنصارها يتناسلون ويتزايدون بأعداد هائلة، لأن الكل مدرك أنه بدون التحدث باللغة الفرنسية، ربما سينظر إليه نظرة ناقصة، وقد لا يجد له مكاناً في سلم الرقي الاجتماعي والقيم المشتركة بين الكتلة الناطقة بالفرنسية، خصوصاً أن الدولة المغربية لا تتعامل في مجمل مرافقها ومؤسساتها ومراسلاتها سوى بالفرنسية، وحتى الخطب والتقارير التي تحدد الاختيارات وترسم الاستراتيجيات الكبرى تحرر بالفرنسية، ثم تترجم إلى العربية، من أجل ذر الرماد في عيون شرائح واسعة من المجتمع.
ومعظم الخطب التي يلقيها العديد من الوزراء في بلد كالمغرب تلقى بالفرنسية، وكأنها موجهة إلى جمهور فرنسي. وعندما يدلي هؤلاء بتصريحات إلى وسائل الإعلام، خاصة التلفزيون، فإنهم يحرصون على أن يفعلوا ذلك بفرنسية تنم عن تشبثهم بشروط ومعايير الانخراط في صف الحداثة والديمقراطية!
هذا «السلوك» اللغوي يثير حفيظة الأغلبية الساحقة في المجتمع المغربي، لأنها ترى فيه استهتاراً بمكونات الهوية الثقافية والحضارية المغربية، التي تعتبر العربية إلى جانب الأمازيغية، إحدى مقوماتها الأساسية، وتشعر هذه الأغلبية بأقصى درجات الاستفزاز عندما تلاحظ أن «فرنسة» الحياة في المغرب، عوض تعريبها أو تمزيغها ليست صدفة أو بالأمر الغريب، بل هي إجراء وخيار منهجي مفكر فيه، يبتغي الحفاظ على مواقع وامتيازات وروابط نخبوية، لكنها تقليدية، مع صناع القرار السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي في فرنسا.
وليس مفارقة أن ينخرط رجال الأعمال المغاربة حتى النخاع في المناخ الفرنسي، فهم حسموا خياراتهم اللغوية والثقافية، وباتوا يتواصلون في اجتماعاتهم وعلاقاتهم، حتى خارج مقرات عملهم، باللغة الفرنسية، بل يرفضون مبدئياً التحدث بالعربية أو حتى العامية المغربية .
واللافت للنظر أيضاً أن صناعة الإعلان في المغرب يهيمن عليها بشكل يكاد يكون مطلقا، المنتصرون لـ «خيار فرنسة المغرب»، فالإعلانات التي يبثها التلفزيون أو تلك المثبتة فوق جدران البنايات، أو المنتشرة في أهم شوارع المدن المغربية، معظمها مكتوب بالفرنسية، باستثناء بعض المواد الاستهلاكية الأساسية التي يفترض أنها موجهة إلى عموم الشعب، وكأن هذه الإعلانات تستهدف الفرنسيين، وهذا ما يمثل سلوكاً تجارياً وتواصلياً ينطوي على كثير من الانتهازية لأنه يستغبي المواطن برأي بعض المراقبين ويحتقره، علما أن هذا المواطن هو المستهدف تجارياً وتواصلياً واقتصادياً.
وحتى المستشفيات التي يفترض أن تعتبر مؤسسات إستراتيجية من الدرجة الأولى، لا تجد فيها أثراً للغة غير الفرنسية، وكأن جحافل المرضى القادمين من المناطق النائية، يتحدرون من باريس أو بروفانس أو كيبيك. والشيء نفسه ينطبق على المؤسسات المصرفية، فكل الوثائق مهما صغرت قيمتها، تنجز باللغة الفرنسية، رغم أن جزءاً كبيراً من الزبائن لا يلمون بهذه اللغة.
وأسوأ ما في الأمر أن الموظفين وأصحاب الوظائف العليا والأطباء والصيادلة والمهندسين ومدراء الشركات والجيل الجديد من التكنوقراطيين، يميلون بكل حماس إلى تداول اللغة الفرنسية. ولا يحرج هؤلاء في شيء أن يتجاهلوا مواطنيهم ومقتضيات التواصل مع محيطهم. ويكتفون بإجابة واحدة عندما تثور في وجوههم أسئلة من هذا النوع، مفادها أن المسألة تتعلق بعادة لغوية، أي أن الموظفين والمسؤولين مهما علت أو دنت مراتبهم تعودوا على الحديث بالفرنسية، لا أقل ولا أكثر.
وتبقى النقطة التي تتمحور حولها كل الأسئلة المقلقة، وهي الاختلالات التي أنتجتها الخيارات التعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي دافعت عنها النخب الحاكمة منذ عقود عدة، لأنها لمست أن مصلحتها وهيمنتها الطبقية، تكمن في انتعاش واتساع رقعة محيط لغوي يتداول الفرنسية، وينتمي شكليا إلى القيم الفرنسية.إضافة إلى هذا، لم تكن هناك سياسة لغوية حقيقية قائمة على مخطط محدد الأهداف، مما أحدث اعوجاجاً وتشوهاً في المنظومة التربوية، ووجد الطلاب أنفسهم في متاهة لا بداية ولا نهاية لها، بل أفرزت تجارب التعريب في المغرب حالة من الانفصام في صفوف الأجيال الجديدة، خصوصاً تلك التي تنتمي إلى الأوساط الشعبية.
أما المنتصرون لخيار فرنسة المغرب والدوائر المرتبطة بهم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، فإنهم لم يواجهوا إشكالية تربوية أو لغوية من هذا القبيل، لأنهم ببساطة يدرسون في مدارس البعثات الأجنبية، والفرنسية تحديداً، وبعد ذلك يواصلون تعليمهم في المعاهد والجامعات الغربية، وعندما يعودون إلى المغرب متوجين بشهادات عليا في مختلف التخصصات، يجدون المناصب في انتظارهم، لأنه تمت تهيئتهم أصلا ليتولوا تدبير الشأنين العام والخاص، ولا يقض مضجعهم شبح البطالة كما هو الشأن بالنسبة لنظرائهم الذين درسوا في مؤسسات التعليم العمومي، والذين يقضون الآن معظم أوقاتهم في الاعتصام والاحتجاج أمام البرلمان .إن الذين يظهرون اليوم قلقا على المستقبل اللغوي في المغرب، ويتألمون لما يلاحظونه من تيه وشيزوفرينا لدى المغاربة، هم من يجد لذة استثنائية في التحدث باللغة الفرنسية، وعندما يرافعون من أجل استعمال الدارجة المغربية، فإنهم ينافقون، فهم أصلا لا يتحدثون بها، أو يعتبرونها لغة غير راقية وغير حية، ومن ثم، فهي لاتليق بلسانهم.
والغريب في الأمر، هو ما ذا يمثل هؤلاء أشخاصا ومؤسسات؟ ولماذا يختزلون أزمة التعليم في الجانب اللغوي؟وهل يملكون من الشرعيات ما يجعلهم يتبنون طرح إشكالية اللغة في المغرب؟
أعتقد أنه، ولكي لانضيع الوقت في سجالات ومزايدات لاطائل من ورائها تغذي الصراعات وتنتج عدم الاستقرار، يجب التفكير في تنظيم استفتاء شعبي يحسم في اللغة التي ينبغي أن تكون لغة التعليم والتعامل والإعلام في المغرب.