الثلاثاء، 17 مارس 2015

ليبيا وسوء التقدير الغربي

Résultat de recherche d'images pour "image du nato en libye"
محمد هادي الحناشي
 مع حلول الذكرى الرابعة لثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام معمر القذافي، مازالت الفوضى تسود البلاد التي تخوض مرحلة انتقالية بلا نهاية وسط غياب الدولة واستمرار الميليشيات في جرائمها ما أدى إلى تفشي الجريمة وتصفية الحسابات السياسية. ولم يسبق أن شهدت أزمة سياسية أو عسكرية إجماعا دوليا وسرعة تحرك ميداني مثلما شهد ته الثورة الليبية التي اندلعت في السابع عشر من فبراير2011 بمظاهرات سلمية تطورت إلى السيطرة على مناطق جغرافية والاستيلاء على ثكنات ومخازن أسلحة لتتم شهرها الأول .  وقد تم فرض منطقة حظر للطيران بموافقة دولية من مجلس الأمن وبدعم قوي من مختلف الدول الكبرى والمنظمات الإقليمية لتبدأ فعليا في التاسع عشر من مارس الضربات الجوية لحلف الناتو  التي استمرت نحو ستة أشهر انتهت بمقتل القذافي من قبل الثوار بعد استهداف موكبه بقصف جوي.
فحينما اندلعت الثورة الليبية كانت شقيقتها التونسية بصدد لملمة أوراق الإطاحة بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي .وإسقاط حكومة محمد الغنوشي. ووصول السياسي المخضرم الباجي قايد السبسي للحكومة فيما كانت مصر مشغولة بثورة الخامس والعشرين من يناير والتي أدت إلى تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك.و اندلعت في مدينة درعا السورية مظاهرات أشعلت شرارة الثورة السورية ، وهي العوامل التي تتنزل في سياق أحداثها الثورة الليبية ، فالقذافي يكون وهو يواجه غضب الجماهير المتمردة في بنغازي قد خسر حلفاء رئيسيين كان وجودهم في مواقعهم سيغير من واقع الأمر. فالرئيس التونسي زين العابدين بن علي تربطه بالقذافي أواصر تمتد إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي وكان من أول المرحبين بوصوله إلى قصر قرطاج إثر إزاحة خصم القذافي العنيد الحبيب بورقيبة في السابع من
نوفمبر    1987 . وكان كل منهما ظهيرا للثاني في الأزمات خاصة تلك التي عرفتها ليبيا في التسعينيات حينما فرض مجلس  الامن الدولي حظرا جويا على ليبيا على خلفية قضية لوكربي
  الظهير الثاني كان الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي يرى فيه القذافي سندا ولاعبا رئيسيا في استقرار المنطقة على الرغم من المواقف المتباينة في أحيان كثيرة   أما الثالث فهو الرئيس السوري بشار الأسد الذي انشغل بقمع ثورة شعبه فلم يتح له مساندة القذافي رغم الدعم الذي بدأ في الأيام الأولى من الثورة الليبية وتسويق ما يحصل من خلال إعلام البلدين أن سوريا وليبيا تتعرضان إلى مؤامرة كبيرة .
الإطاحة بالقذافي
.. تختلف اسباب  هذا التحرك السريع والحماسة التي بدت في أحيان كثيرة لافتة من اجل الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي .وبدا وكأن العالم في انتظار اللحظة المناسبة للتخلص من شخص مزعج مثير للجدل .  فقد حانت اللحظة  وما تبقى هو البحث عن مبررات شرعية.  بدأت بإزاحة غطاء الشرعية عن حكمه وتحويله من زعيم إفريقيا وملك ملوكها إلى مطلوب لدى المحاكم ثم إلى قتيل تعرض جثته أمام الزوار في سوق بمدينة مصراتة . وهو المشهد الذي يختزل حجم الحقد الدفين وردود الفعل المخزنة للزعيم الليبي من عديد الإطراف .  فالغرب ممثلا في الولايات المتحدة وبريطانيا تربطه قصة طويلة من الصراع مع الزعيم الليبي تعود إلى السنوات الأولى من توليه السلطة في ليبيا بعد انقلاب على الملك إدريس السنوسي في الأول من سبتمبر عام 1969. وبعد تبني القذافي الاتجاه الناصري أيام عبد الناصر الذي وصفه بأمين القومية ، وهي الصفات التي دخلت بالقائد في صراع بدأ بإخراج القواعد الأمريكية والبريطانية من الأراضي الليبية وصولا إلى تأميم الشركات النفطية واستخدام عائدات النفط في فترة السبعينيات في تمويل حروب وقلاقل في أنحاء شتى من العالم.  فالزعيم الثوري الشاب والعسكري الطموح كان دوما مسكونا بكونه اكبر من بلد اسمه ليبيا ومطمحه فضاء جغرافي بحدود الوطن العربي. فدخل في مشاريع وحدوية خلفت له العزلة والمشاكل في أكثر من حقبة .

اتفاقات
 هذه الحسابات عجلت بالتوصل إلى اتفاقات بدت كما لو أنها جاهزة في مستوى القيادات السياسية الدولية. فباستثناء الموقف المتردد للاتحاد الإفريقي الذي قرر حل المسألة سلميا وتركيا التي تأخر موقفها قليلا بفعل حساباتها الاقتصادية تكاد الأطراف الفاعلة في العالم بأسره مجمعة على ضرورة ما تعتبره فرصة ذهبية ساهم العقيد الراحل بدور كبير في
توفيرها . وساهم النظام الذي كان يتزعمه على أسس قبلية في توفير مقومات السقوط.
 فالقذافي الذي أفرغ ليبيا من أي صوت سياسي مختلف وأي حزب سياسي باستثناء اللجان الثورية ومن غياب الإعلام سوى صوت الجماهيرية الذي يشيد بالقائد وانجازاته بدى غير مهيأ للتعامل مع أزمة بهذا الحجم .  فداخليا ، انقسمت ليبيا بين شرق وغرب بعد أن خرج الشرق الليبي بأكمله من تحت عباءة العقيد.  وفي الغرب خرجت الزنتان القبيلة العربية عن طوعه وحملت السلاح لقتال قواته.  وعلى صعيد البنيان السياسي  انشق وزراء حكومته ملتحقين بالمجلس الوطني الانتقالي الذي تم تشكيله على عجل وسارع سفراؤه في الجامعة العربية والأمم المتحدة والهند ودول أخرى كثيرة إلى التبرؤ من عقيدهم ، لتبدو الظروف مهيأة لعملية السقوط الحرّ التي لم يتمكن العقيد من إيقافها رغم سلسلة خطاباته التي أطلقها وتحذيرات ابنه  سيف الإسلام ووعيده لليبيين بأيام سوداء.  ففي هذه السياقات يكون الوضع الليبي وبنية النظام قد قدمت على طبق من ذهب إلى المجتمع الدولي الذي سارع وعلى نحو غير مسبوق في اتخاذ القرار تلو القرار ليس بهدف
إنهاء الأزمة في مهدها ولكن من اجل القضاء ونهائيا على أي أمل في تكريس لديمقراطية.
. ورطة إنتاج البدائل
    لا يخفي المجتمع الدولي إخفاق ليبيا وتحولها إلى دولة فاشلة في المنطقة تضاف بقوة إلى قائمة الدول التي تهدد استقرار العالم .  فعلى الرغم من الحماسة في الإطاحة بنظام القذافي والسرعة التي انتهى إليها أمر إيجاد سلطات جديدة, فشلت هذه الأخيرة ومعها جهود المجتمع الدولي في إعادة الاستقرار إلى البلاد رغم مرور أربع سنوات على اندلاع الثورة . ومع أول انتخابات شهدتها ليبيا في شهر يونيو 2012 استفاق العالم على حقيقة أن بديل القذافي ونظامه في ليبيا ما هو سوى جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من مليشيات إسلامية متطرفة لا تؤمن بالمشروع الديمقراطي المدني. ورغم الدعم الذي تلقته هذه الجماعة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا إلا أنها أثبتت فشلا دريعا في إدارة شؤون البلاد الخارجة للتو من نظام ديكتاتوري بفرض ديكتاتورية جديدة اشد فتكا   وهي ديكتاتورية المليشيات الإسلامية المسلحة التي تصل إلى نحو 750 مليشيا وفق تقارير إعلامية متطابقة . وبدأت سياسة الإقصاء والتشفي هي الغالبة على المشهد الليبي الذي ازدادت بشاعته بإقدام المليشيات بفرض قانون الغاب .واعتقال من يخالفها وتعذيبه وقتله في سجون سرية وخارج القانون. وهو الأمر الذي نبه له مجلس الأمن في عدد من قراراته . وقد ساهم تباين المصالح وتضاربها بين هذه المليشيات وعمليات النهب الواسعة لمقدرات البلد وأمواله والأسلحة المنتشرة والتي تعد بالماليين من مختلف الأصناف والأحجام في خلق بيئة متكاملة لحرب أهلية وهي التسمية التي يتجنب المجتمع الدولي إطلاقها على توصيف ما يجري في ليبيا.
فالمليشيات في ليبيا يتوفر لها ما لا يتوفر لغيرها في العالم.
العصبية القبلية والسلاح والجغرافيا الممتدة ومقدرات دولة من موانئ ومطارات ومبان إدارية وهي العناصر الكفيلة بإطالة أمد أي حرب وتجعل من أفق الحل بعيدة المنال ، وسلوكيات هذه المليشيات وما ظهر منها من تقتيل وتنكيل ونهب وسلب وشراسة في التعاطي من الخصوم وهجمات عشوائية دفعت السفارات والبعثات والمنظمات الدولية إلى  مغادرة ليبيا على جناح السرعة لتترك الليبيين لمصيرهم المجهول ، هذا هو  المشهد الطاغي في ليبيا ما بعد القذافي بعد أربع سنوات من مقتله
 المشهد الطاغي في ليبيا ما بعد القذافي بعد أربع سنوات من مقتله



0 التعليقات: