السبت، 7 مارس 2015

حين يكون الفشل وساماً على صدر الحاكمين

إسماعيل اسماعيل أسماعيل زاير
اسماعيل زاير*
يس بوسع احد ان يتهرب من مسؤولياته الرسمية والمهنية في ظل العالم المفتوح او كما يقال القرية العالمية التي هو جزء منها ومواطن فيها. ولكن الفاشلين ينكرون على الآخرين هذه الحقيقة ويسعون الى تبرير النكوص في واجباتهم وممارستهم مستعينين بفلسفة العزلة التي يرعونها كوسيلة لضمان سلطانهم. التنمية والمبادئ الحاكمة لها وتشعباتها التقنية تقع في قلب هذا العالم الذي نحن فيه. وللأسف فإن النتائج التي تتمخض عنها القرارات التي يتخذونها والمقتربات التي يفضلون في ادارة التنمية لا يمكن، هذا اذا لم نقل من المستحيل، اخفاؤها او انكارها او التملص من عواقبها.
وفضلاً عن ذلك تتحمل الشخصيات المسؤولة التي تحتل مواقع القرار المتصل بالشأن العام، اكثر مما ذكرناه آنفاً، المسؤولية عن تبني هذا المبدأ او ذاك في الملفات التي تحت ايديهم ولا سيما تلك التي تتصل بحياة المواطنين. من هذه المقدمة نذهب الى التعامل مع المأزق الوطني الذي واجهناه بعد التدني القاتل لأسعار النفط وهبوطها من 120 دولاراً الى 50 دولاراً وأقل للبرميل. فالعراقيون عرفوا منذ وقت طويل اننا نحيا ضمن دولة نظامها الاقتصادي ريعي بالكامل، يعتمد في موارده على منتج منفرد احادي هو النفط، بما في ذلك ما قد يترتب على ذلك من مخاطر ناجمة عن تقلب ممكن ومحتمل في اسعار هذه السلعة الخطيرة.
النسبة التي يتحدث عنها الوزراء والخبراء عن دور النفط في الموازنة تصل الى 95% من الموازنة. اي ان العراق لا ينتج خارج النفط اكثر من 5% فقط. ولعلني لا اكون مخطئاً ان اذكر ان نسبة الإسهام غير النفطي في الموازنة قبل عقود من زمن وصلت الى اكثر من 25% منها. وهذه الحقيقة تستحق ان نخجل منها ولا سيما أننا نمتلك نسغ الحياة البشرية وغير البشرية: اي المياه، بما يحسدنا عليه الكثير من الأمم، فنهرا دجلة والفرات وبعدهما اهوار شاسعة تضم بين ظهرانيها حياة غنية من الثروة السمكية، ونمتلك موارد ضخمة من المنتجات النباتية والمزروعات والإنتاج الحيوي المطلوب للشعب كالقمح والشعير ناهيكم عن الرز بأنواعه الفاخرة المعروفة التي يضرب بها المثل. وفوق هذا كله لدينا عشرات الملايين من اشجار النخيل التي تنافس نوعيتها افضل انواع هذه الثمار الغالية. في البصرة وحدها لدينا تقليدياً اكثر من 20 مليون نخلة ولكننا لا نعلم اليوم كم هي.
ويذكر جيلنا ان العراق كان يملك الى جانب هذه الخيرات الكبيرة صناعات متقدمة ومنتجات متصلة بالبتروكيمياويات كالأسمدة وغيرها، وكذلك مصادر من المعادن النفيسة والمواد الخام كالكبريت والفوسفات. ان بلداً، اي بلد، يمتلك هذه الخيرات كلها لا يمكن ان يحتاج الى احد، ومهما كان مستوى الإهمال والتقصير البشريين في هذا الحقل وذلك القطاع الا ان ما لدينا يكفي لتأمين رفاهية الشعب العراقي وزرع مستقبله بالأمل الوطيد. فكيف اذاً يمكن ان نصل الى ما وصلنا اليه على يد حكوماتنا المتتالية؟ وكيف نبرر ذلك لأنفسنا بعد مرور 13 عاماً على سقوط الدكتاتور وزوال التخبط الاقتصادي الذي شاع في وقته ولا سيما في سنوات ما بعد التسعينيات؟
الحقيقة ان المسؤولية الأخلاقية التي تتحملها الحكومات الماضية كبيرة ولا سيما أننا لم نجد تفسيراً منطقياً لسلوك الحكومات ذاك وتقصيرها الواضح في مجال نقل البلاد من ضفة الاقتصاد الريعي الى ضفة الاقتصاد المتنوع والحيوي الذي بوسعنا ان ننجزه ونطوره. ومع اننا لا نريد اليوم توجيه اتهامات كرّرها الكثير من الخبراء وغير الخبراء؛ نعتقد ان الخلل الحقيقي في سياسة البلاد هو خلل جوهري ومنهجي لا بد من نهج جديد لإصلاحه، نهج يستجيب لتلبية اهداف مختلفة ومحددة تتولى نهضة البلاد وانقاذ العباد.
ومن البديهي بادئ ذي بدء ان نقول: ان كل بلد بوسعه اقامة تنمية ايجابية مثمرة حتى لو لم يكن لديه نفط غزير كما العراق وغيره. ويكفي النظر الى بلدان عديدة في العالم النامي للتدليل على ما نقول. هنالك بلدان مثل ماليزيا وسنغافورة وتايلند وغيرها من نمور اسيا التي اصبحت قوة اقتصادية يُحسب لها حساب من دون لعنة النفط. ولا يتوهم احد ان القائمين على اقتصاد العراق سيهرعون الى التعلم من شعوب تلك البلدان وغيرها. فهؤلاء مثل امرأة عاقر لا امل في حملها ولا جدوى من الاعتماد عليها.
والحقيقة المرة التي تثير غضب كل وطني عراقي واجنبي هي ان هؤلاء المديرين والوزراء ورؤساء الوازات الذين اوصلونا الى هذا الدرك يستحقون جائزة عالمية بمستوى «جائزة نوبل» لخبراتهم في تخريب بلدهم وتبديد ثرواته واعاقته عن التقدم والنمو والعيش بكرامة وشرف.
كما لا نتمنى ان يخطئ احد في الاعتقاد ان المسؤولين الحاليين هم من طينة مختلفة او انهم جاهزون لتلبية نداء الشعب وتحقيق آماله في العيش الكريم ناهيكم عن الرفاهية المنتظرة والمأمولة، إذ تكفي نظرة واحدة على واقع مدن عملاقة وحواضر غنية كالبصرة وبابل وغيرهما لنذرف الدموع خجلاً مما نرى وحزناً على ما يعانيه ملايين المواطنين من عوز وتلوث وفقر وحاجة شاملة.
ويمكن لبعض ساستنا التذرع بواقع الإرهاب وانعكاساته على البلد، ولكن هذا قد ينطبق بدرجة ما على بغداد وبعض المدن التي عاث القتلة وبقايا البعث والظلاميون بها فساداً، ولكن من الذي اعاق المسؤولين في المدن الجنوبية المظلومة؟
اليوم نرى عشرات الوطنيين العراقيين يشدون الرحال الى الخارج؛ لأنهم غير قادرين على ممارسة تخصصاتهم التي يغلق الجهلة والدخلاء من انصار الكتل السياسية باب الأمل في إسهام كريم لهم في بناء البلد. وهنالك غير ذلك ملايين العراقيين الاعتياديين الذين باعوا الغالي والنفيس ورحلوا الى دول الجوار بانتظار الحصول على ملجأ لهم ولأطفالهم وعائلاتهم. ومن المنتظر ان يتزايد عدد المغادرين الى تركيا والإردن ولبنان في الظروف الراهنة. ولن نتحدث عن الواقع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء وقسوة الحياة عليهم مما يضطرهم الى اعمال مخزية ومهينة لكرامتهم.
ان انتظارات مئات الالاف من العراقيين في المدن التركية والاردنية، التي لا تخلو من امتهان منهجي لكرامتهم تطول سنوات قبل ان تشفق عليهم مؤسسات الأمم المتحدة وتقبل ايواءهم في بلدان الغرب النائية حيث لا يبقى لهم من العراق سوى ذرف الدموع. وتصعيد الحسرات القاتلة على ما بقي من عراقهم من ذكريات حميمية.
ماذا نفعل إذاً نحن اصحاب القلم والكومبيوتر؟ ولا سيما أن الساسة يحتقرون الإعلام ولا يسمعونه او يروه. واذا شاهدوه غضوا الطرف او حذفوا المشهد وتجاهلوه؟ ولكن احزاننا لا تتوقف عند هذا المصاب بل ان من بقي منا على ارض العراق يتلقى الصفعات كل يوم ويستمع الى القطط السمان التي تحتل واجهات التلفزيون وشاشاته وهي تتشدق بمنجزاتها وتتفاخر بكياناتها. هذا زمن عبعوب الجميل والغاوي الذي يريدنا ان نصدق اننا بخير وألف خير.
*رئيس التحريرالصباح الجديد العراقية

0 التعليقات: