الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

خطأ وخيانة في صنعاء؟!!!


أحمد منصور/جريدة الشبيبة العمانية   

لم تسقط صنعاء في يد الحوثيين يوم الأحد قبل الماضي ولكنها سقطت بأيديهم قبل عدة أشهر وتحديدا في شهر مارس حينما وصلوا إلى عمران ثم بدأ بعدها مسلسل الأخطاء و الخيانة بترتيبات بين الداخل والخارج، وكان واضحا أن الأطراف المتواطئة مع الحوثيين سوف تمهد وصولهم إلى صنعاء للقضاء على التحالف القائم بين التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون في اليمن) والرئيس هادي والقوى الوطنية التي قامت بالثورة اليمنية وأطاحت بعلي عبدالله صالح، ولأن الإخوان المسلمين في اليمن أو التجمع اليمني للإصلاح كان رأس هذا التحالف فقد كانت الإطاحة بهم هدفا تريده قوى داخلية على رأسها علي عبد الله صالح وقوى خارجية على رأسها دول اقليمية يدعم بعضها الحوثيين و يسعى بعضها الآخر إلى دعم القضاء علي الثوارات العربية والنتائج التي جاءت بها.
بدأت معالم هذا التحالف تتضح من خلال الموقف الضبابي للرئيس هادي من الحوثيين وعدم الحسم العسكري ضدهم، وبدا وكأنه وسيط بينهم وبين الدولة وليس أنه رأس الدولة، كما أن تغلغل أركان الدولة العميقة أو رجال الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح
في أركان الدولة والجيش والأمن على وجه الخصوص وإفساحهم الطريق أمام الحوثيين دون قتال وتسليمهم الأسلحة الثقيلة في المعسكرات مثل الضربة القاصمة في اقتراب الحوثيين من صنعاء مما جعل السيناريو يتضح بجلاء أنهم يريدون تدمير صنعاء على رؤوس من فيها في مواجهة أخيرة بين الحوثيين وحلفائهم، وبين الإصلاحيين وداعمي الثورة اليمنية، أضف إلى ذلك الدعم الخارجي الكبير الذي جاء للحوثيين من أطراف كانت تلعب بالنار وتدرك أنها تحرق نفسها قبل أن تحرق صنعاء وأهلها، وفوق هذا وذاك الموقف الدولي الداعم للحوثيين والذي ظهر جليا في الاتفاق الذي وقع ليلة سقوط صنعاء بأيديهم، والذي باركته دول في المنطقة، والعجيب أن الرئيس الذي يتحدث عن المؤامرة على صنعاء هو الذي وقع على الاتفاق.
القصة الكاملة لسقوط صنعاء بيد الحوثيين لم يتم روايتها بعد، لكن اللواء علي محسن الأحمر المستشار العسكري لرئيس الجمهورية والذي انحاز للثورة اليمنية وكان انحيازه أحد أسباب نجاحها والذي تمكن من الخروج من اليمن، لديه تفاصيل كثيرة لم يروها بعد، كما أن رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي لديه تفاصيل أكثر لأن الهدف كما ذكرت كل الروايات التي خرجت حتى الآن كان توريط التجمع اليمني للإصلاح في الدفاع عن العاصمة صنعاء ومن ثم إحاطتهم بالحوثيين وحلفائهم من رجال علي عبد الله صالح وقادة الجيش المتعاونين والمتواطئين والمتحالفين مع الحوثيين في الجيش والدولة، وبالتالي يتم التخلص من حزب الإصلاح في معركة إبادة أسوأ من معركة عدن التي وقعت في العام 1986 حينما اختلف الشيوعيون مع بعضهم البعض، لكن قادة التجمع اليمني للإصلاح كانوا أكثر حكمة حينما أفشلوا هذا المخطط وقرروا عدم المواجهة فأسقط في يد الجميع حتى الحوثيين الذين فوجئوا بأن صنعاء مفتوحة أمامهم دون قتال، وترك التجمع اليمني للإصلاح الحوثيين يعيثون فسادا في ممتلكاتهم وبيوتهم ومدارسهم وجامعاتهم ووسائل إعلامهم دون أن يردوا عليهم مما أظهر الوجه الطائفي للحوثيين، لكنه ترك الوضع في حالة ترقب لما سوف يمكن أن يحدث إذا واصل الحوثيون انتهاك البيوت والمساجد والمدارس والتجاوز على الناس وحقوقهم في بلد قبلي تحكمه الأصول والأعراف واحترام خصوصيات الناس وبيوتهم، هناك أخطاء و خيانة وقعت في صنعاء وهناك مستقبل مخيف وسيناريوهات مؤلمة في اليمن بل في المنطقة كلها.

الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

الوهابية على خطى الخوارج.. داعش ودم البعوض!!

Résultat de recherche d'images pour "‫صورة لدعلم داعش‬‎"
 عباس البغدادي /جريدة المجد الاردنية

         رُويَ ان أحد الخوارج سأل عبد الله ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب، هل ينجّسه؟ فقال ابن عمر: ”انظروا إلى هذا، يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم”!
     لم يكن حينها صادماً هذا التزييف في الوعي، والتشبث بالهوامش على حساب وأد الأسئلة الكبرى والاستفهامات المصيرية، اذ بات مسلكاً انحرافياً وبائياً له امتداده المجتمعي، يفضي في أغلب الأحيان الى نتائج كارثية، تنوء من عواقبها الشعوب والأجيال، مثلما وصلتنا موجاته المدمرة، وأمسى واقعاً معاشاً بين ظهرانينا!
فلا السائل عن نجاسة دم البعوض يجهل ما اقترفه، أو يجهل تجرؤه على الدين والأحكام الشرعية في ممارساته، ولا من أشاع هذه المنهجية وحشّد لها وأراد أن يتعبّد بها الأتباع بغافل عن خطورتها! وحينما نصف هذا المسلك بأنه (وبائي) فهذا ليس تهويلاً البتة، إنما واقع عاشته الأمة وتجرعت ويلاته ومرارته، مثلما تعيشه اليوم بأوضح صوره.
     لقد سطّر لنا التاريخ الاسلامي تناقضات مفزعة وجنونية، أبطالها من عيّنات ذلك الخارجي المذكور في الرواية، ونقل لنا هذا التاريخ عن (دواعش) أمويين قطّعوا الجسد المقدس للإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة كربلاء، بينما كانوا قبل سويعات قد أتمّوا صلاتهم جماعة! فلا مجال للتوهم بأن ذلك الخارجي المتوجس من نقض وضوئه مثلاً بسبب دم البعوض هو منسلخ عن سياق حاضنته الفقهية، حينما أفتت له في أمور هي أهم وأخطر من نقض الوضوء، وتخوض في دماء المسلمين على أوسع نطاق، وبأفضع الوسائل، لمجرد انهم اختلفوا معهم! ولكن الوسيلة الأمضى التي هيمنت على منهجية الانحراف والانقلاب كانت عمليات غسيل الأدمغة، التي مورست بإتساع واحترافية، قل نظيرها وهي كبيرة الشبه بما يشهده العالم الاسلامي، وخصوصاً من جهة الحواضن التي وَفّرت البيئة والدعم المطلوبين لأنشطة خط الانحراف والفتنة.
وهذا قد ساهم حينها في إعادة هيكلة مكعبات السلّم القيَمي للعقيدة الاسلامية الحقّة، بما يتماشى مع أهداف ومآرب تلك الجماعات، وعاثت فساداً في تلك القيم تمهيداً لإفساد الواقع العام برمّته مثلما نشهده اليوم، فتجعل المحرمات والكبائر ضرباً من (المسلّمات) التي يتلقاها الأتباع بسلاسة وطقس تعبّدي، فتنتج بدم بارد مجازر ومشاريع إبادة بحق المسلمين وغير المسلمين ممن يخالفون انحرافهم ومنطقهم التكفيري المنفصل تماماً عن الإسلام المحمدي الأصيل أولاً، وعن الواقع ثانياً، فيصبح اقتراف تلك المجازر والفضائع المؤطرة دينياً أمراً مقبولاً ومندوباً ومستحسناً بل و(جهاداً) يُثاب عليه من اقترفه!
وعليه، تكون هذه (المسلّمات) أمراً حياتياً معاشاً يسري في دماء الأتباع بما لا يستدعي من متبنيها الاضطرار الى الوقوع في نوع من (الإشكالات) الفقهية! وحينها يكون من غير المنطقي سؤال المشايخ عن (شك) فقهي في تطبيق تلك الأحكام المنحرفة والخطيرة! بينما تصبح نجاسة دم البعوض مسألة شرعية موضع ابتلاء الأتباع، تستدعي اللجوء الى الفقهاء لتبيان (الحكم الشرعي الصحيح)! بموازاة ذلك لا ضير في عقيدة الانحراف، ان يُشرّع فقههم مقتل سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام الحسين (ع)، ويعتبره من (المسلّمات) الفقهية التي لا تحتاج الى (مراجعة) ولا تثير (إشكالية) عقائدية، ولإسباغ المشروعية على الجريمة، ينبري فقهاء الفتنة ووعاظ السلاطين الى (تكييف) الحكم الشرعي، لجعل الضحية هو المدان، وانه (قام على إمام زمانه)!
هذا النوع من التزييف الممارس منذ تلك الحقبة ووصل الى خوارج العصر، من وهابيين تكفيريين، ودواعش سلفيين، كان مفتاحاً لأوسع عمليات مدروسة في غسل أدمغة الأتباع، والتي أذهلت كل من تابعها.
      لقد استسهل خوارج العصر هؤلاء تحريف أولويات الأمة وبوصلة عقائدها وتطلعاتها في عالم محفوف بالتحديات والصراعات والاستحقاقات، كما استسهلوا إهالة التراب على كل المعطيات التي أفرزتها طبيعة التدافع البشري في هذه المرحلة، والتي كانت نتيجتها وقوع العالم الاسلامي تحت وطأة تكالب استكباري قل نظيره في تاريخ البشرية، فكان مصحوباً بتهديد وجودي، غذته نظرية (صراع الحضارات) الأميركية، والتي أنتجت فيما أنتجت نظرية (الفوضى الخلاقة) التي تجري فصولها في منطقتنا!
لقد أسهمت تلك الحقائق، بشكل أو بآخر في إذكاء الانحراف العقائدي والمنهجي، المدعوم بمخططات خارجية تستهدف العالم الاسلامي كياناً وعقيدة، وتم استدعاء نظرية (الضد النوعي) في الواقع الاسلامي المتأزم، لتكون أفضل من يسّهل تدمير خلايا الجسد الاسلامي من الداخل، بواسطة خلايا سرطانية، تعمل فتكاً وانتشاراً في بيئة محتقنة أساساً بعوامل الوهن الذاتي والمحمّل.
    تعبّد السلفيون، وعلى رأسهم شيوخ الفتنة، بالخارجي (المتحرج) من دم البعوض، وكانوا نسخة محدّثة عنه، فطوّروا هذا الاستعراض (التقوائي) الذي نشهده، وجعلوه يتناسب -أو هكذا ظنهم- مع تفاصيل المرحلة، ولكن هذا النهج ما كان له أن يبقى قائماً الى اليوم لولا الإمكانيات المادية المهولة، بهوية بترودولارية ضختها وتضخها دول الخليج، والتي تم توظيفها في مجالات شتى لخدمة المشروع الوهابي السلفي، وكان أهمها الجانب الإعلامي، مصحوباً بشراء الذمم على أعلى المستويات، حيث تُدار بخيوط خفية من (رابطة العالم الاسلامي) السعودية، وكانت الحملة، ولا زالت قائمة على قدم وساق لطمس معالم الإسلام المحمدي الأصيل، واستبداله بإسلام موازٍ، تكرسه اليوم على أرض الواقع زمر المشيخة الوهابية ونبتهم الشيطاني المتمثل بالقاعدة وداعش.
     دخل السلفيون التكفيريون منذ فترة مرحلة (التمكين)، التي سبقهم الى طرحها فكر الإخوان المسلمين، وشهد الجميع بعد هذا التمكين حجم الانحراف، وغسيل الأدمغة الممارس،مع الشحنات التدميرية للوباء السلفي الوهابي. وكان مثال (التحرج من دم البعوض) الواجهة التسويقية لـ (تقوائية والتزام) هؤلاء بالشرع الاسلامي، فالخارجي المستدعى من ثنايا تلك الرواية كان يُفاضل في التقصي عن الحكم الشرعي، اذ يهتم بأن يسأل عن نجاسة دم البعوض، ولكنه غير معني أو غير مهتم أساساً في التقصي عن (شرعية) إرواء سيفه بدماء المسلمين! وأضحى الخوارج الجدد يجاهرون اليوم بأن ذبح المسلم (وغير المسلم) المخالف للفكر السلفي التكفيري تقرباً الى الله، وتطبيقاً (مثالياً) لأحكام الشريعة، وإعلاءً لشأن الإسلام واستعادة عزته! كما ان تفجير الأبرياء من المدنيين -وفيهم الأطفال والنساء- هو ذروة (الجهاد) وتلبية لدعوة تناول الغداء أو العشاء مع الرسول صلى الله عليه وسلم!
      لقد شهد العالم أجمع مدى وحشية السلفيين من دواعش ونظائرهم، حينما يبسطون سيطرتهم على المدن والقرى، وما تصاحبه من مجازر مروعة وممارسات فظيعة يندى لها جبين الإنسانية، والأنكى هو تأطير هذا السلوك الهمجي بإسم الإسلام (الضد النوعي حاضراً)، وهو نتاج النهج التكفيري وعلى مدى عقود طويلة، حيث دأب -ولا يزال- على تقويض ثوابت الإسلام نهجاً وعقيدة، ويتجاوز بفهمه المنحرف على كل ما هو متجانس مع فطرة الإنسان وسماحة الدين الحنيف.. هل (التحرج) من دم البعوض يمكن إسقاطه على السلفيين التكفيريين فقط، أم يتعداهم الى مهندسي (الفوضى الخلاقة)؟
لم يمر يوم الاّ ونشهد ذلك التناقض المدوي للسلوك الأميركي في الساحة الدولية، وخصوصاً إزاء العالم الاسلامي، فحرق الأوطان والتكالب على الشعوب الآمنة بذريعة (مكافحة الارهاب) ونشر الديموقراطية، لا يهز شعرة لدى سادة القرار الأميركي، ومثالنا الحيّ ما يحدث في غزة بفعل العدوان الإسرائيلي الوحشي، وبدعم أميركي، فهل أسر جندي اسرائيلي معتدٍ سيحرك البيت الأبيض للسؤال من مجلس الأمن عن (نجاسة دم البعوض)
                                    تنبيه /  المقالات  تعبر عن راي اصحابها وليس بالضرورة عن راي الجريدة.
                    

في ذكرى تفجيرات نيويورك.. اسمي لورين وأنا مسلمة أيضا


2014.09.11 - أخر تحديث : الخميس 11 سبتمبر 2014 - 11:41 صباحًا
في ذكرى تفجيرات نيويورك.. اسمي لورين وأنا مسلمة أيضا
* لورين بوث*/  مغرب تلغراف 
كلما تجولت بين القنوات التلفزيونية هذه الأيام، أعدت نفس الجملة “ها هو الأمر يتكرر من جديد.” فجميعها يبدأ نشراته بالكلمات التي تتكرر مؤخرا وأبرزها “الدولة الإسلامية” و”الجهادي القاتل.” ولم تكن مشاهدة التلفزيون مثيرة للإحباط لدى المسلمين بقدر ما أصبحت عليه في الأسبوع الذي أعقب هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك.
ولدي نفس هذا الإحساس المغرق كلما وقع عمل وحشي في “العالم المسلم” بسبب أنني “لورين وأنا مسلمة أيضا.” وما يحبطني باعتباري “متحولة” للإسلام (وهناك مسلمون يعتبرون أنّ كل واحد يولد بديانته) هو أن أرى هذه النزعة الشبيهة بالسير أثناء النوم صوب وسم جميع المسلمين-بغض الطرف عن المكان الذي نعيش فيه والحياة التي نحياها- على أنهم متماثلون ولا فرق بينهم.
وفي الوقت الذي تعاين فيه المجموعة الأكبر هذا الإيماء الخطير وهو ينكشف، من المهم أن لا يكون السؤال بشأن المسلمين البريطانيين أو المسلمين الأمريكيين “كيف يمكننا مواجهة هذا التحدي معا” ولكن “ماذا يمكن فعله بشأن التطرف في المحيط الذي نعيش فيه؟” هذا السؤال يدفع بالملايين منا خارج تيار المجتمع محدثا شروخا في الأماكن التي توجد فيها أصلا خطوط خاطئة.
وتقريبا قبل عقد، عندما كان “الدماغ” المسيحي هو الذي يجري الحوارات في “قناة الإسلام” في بريطانيا، وضعتني وظيفتي على اتصال ببعض أبرز أئمة الإسلام وزعماء وقياديين. لقد قادني اتصالي-بالعديد من الأشخاص النبلاء كانوا يهدونني لطفا بالغا وغذاء وملجأ- إلى البحث في أسرع عقيدة انتشارا في العالم، ونجحت في أن ألامس فكرتها الأساسية: “وحدانية الخالق .”
في ذلك الوقت، زرت فلسطين بصفتي مراسلة صحيفة، وحياتي المهنية في الإعلام الغربي لم تجهزني للتجربة. وانتهى بي المطاف لأن أقتنع بأنه لم يتم إرشادي بالكيفية المثلى حول الإسلام والمسلمين من قبل التعويذة السياسية التي شعارها “إذا لم تكن معي فأنت ضدي.”
في يوم من الأيام، عندما كنت أعمل مراسلة من داخل نخيم للاجئين في غزة، اقتادتني مجموعة من الأطفال الحفاة إلى غرفة مظلمة لا تضيئها سوى بعض الشموع بسبب انعدام الكهرباء. تقدمت مني عجوز وقدمت لي الشاي ثم وجدت نفسي وجها لوجه مع شاب يرتدي الجينز وتوجه لي بكل حزم “أنت الآن في منزل الجهاد الإسلامي.”
انتبهت ساعتها إلى أنني كنت سافرة وأن ذراعي مكشوفتين وأرتدي ما اعتدت عليه في لندن، وأضاف “ألست خائفة” فأجبته “لأن والدتك تعدّ لي الشاي.”
واصل الشاب حديثه بالقول إنه مهما كانت ديانتي، مسيحية أو يهودية أو علمانية أو أمريكية، مادمت قد قدمت لفلسطين بطريقة سلمية فإنه ورفاقه سيتولون حمايتي ويفتدونني حتى بحياتهم وأنهم سيعاملونني –أنا أخت زوجة طوني بلير-غير الصديق للإسلام- على أنني ضيفتهم المبجلة .
لقد ظلت تلك التجربة الأفضل في حياتي المهنية طيلة عقد. وقد أجريت لقاءات مع رجال من حزب الله وحركة حماس وكتائب شهداء الأقصى وجميع من التقيت عبّروا عن نفس الموقف المؤكد لحمايتي وتحملهم مسؤولية سلامتي .
ذلك الشاب في غزة لا يختلف عن أي مسلم عادي في لوس أنجلوس أو لندن أو ليل من حيث نظرته إلى ما يطلق على نفسه “الدولة الإسلامية. والغريب أنه ينظر للمسلمين –بغض الطرف عما إذا كانوا ينتمون لحركة المقاومة في غزة أو يعدون أنفسهم للذهاب إلى المدرسة في مدينة غربية.
ومن الضروري التذكير بأنّه، رغم وحشية قتل الصحفيين الغربيين، ركز تنظيم داعش، مثل جميع الجماعات المتطرفة، تركيزه على قتل المسلمين أولا وعلى الأغلب. كما دعونا نذكر أنفسنا أنّ أحدث تقرير موثوق خلص إلى أنّ المسلمين شكلوا ما بين 82 و97 بالمائة من ضحايا هذه الجماعات خلال السنوات الخمس الماضية.
لذلك فإنني أسألكم، هل تعتقدون حقا أننا لا نهتم بالتطرف؟ أو أنه أمر لا علاقة له بواقعنا أو غير مهم لمجتمعاتنا؟
ويوميا، يكون مسلمون في أسواق مثل كابول أو الموصل عرضة للتفجير من قبل “جهاديين” وفي نفس الوقت نكون نحن في الغرب بصدد حبس أنفاسنا انتظارا للحملة المقبلة لوكالة الاستخبارات الأمريكية أو أجهزة الاستخبارات الغربية واليت تستهدف مواطنين فقط على أساس الديانة أو العرق.
وهناك مخبرون يرتادون مساجدنا في الغرب يقولون لنا إنهم يشاركوننا عقيدتنا ثمّ يغادرون صوب مكاتب أجهزة الاستخبارات لنقل الإخباريات للأجهزة السرية.
لذلك من غير المفاجئ أن ينظر الناخب المسلم لأجهزة الحكومات على أنها معادية له ولذلك خلص تقرير أيضا إلى أنّ 55 بالمائة من المسلمين العرب الأمريكيين عانوا في حياتهم من تجربة خضعوا فيها للتمييز وأن 71 بالمائة منهم يخشون مزيدا من التمييز في المستقبل.
في هذه الأثناء، في بريطانيا، يستخدم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عبارات تصب الزيت على نار التوتر في الشوارع ومسلمون أصبحوا هدفا لجرائم كراهية متزايدة لا تحصى في عدة مدن أوروبية وبريطانية.
وعناوين الأخبار التي تتحدث عن “اقتلاع التشدد” و”الحملات” تعني ببساطة أنّ المسلم الذي لا يشرب الخمر وأنا أيضا، ينبغي أن نستعد لعمليات تجسس على هواتفنا وعلى زيارات مفاجئة من عناصر الأجهزة السرية ومزيدا من المتاعب في المطارات.
أما بالنسبة إلى اليافعين الذي لديهم تخبط في الرؤية أو مدمني مخدرات أو مشاكل صحية عقلية، تدفعهم للالتحاق ببعض الجماعات المجرمة تحت شعار أنّ “الغرب يحطّ من قدرك ومن قدر محيطك.”
لذلك ما الذي يجعل السياسيين يعتقدون أنّ الحل في المراقبة والملاحقات الجماعية؟
هناك وصفة من أجل حل طويل الأمد لعمليات غسيل الأدمغة التي يتعرض عدد قليل من الشباب اليافع، وغابت مرة أخرى عن خطابات السياسيين هذا الأسبوع: إنها “العدل والإنصاف” داخل أراضي المسلمين وخارجها.
وربما هناك من سيرد بأنّ صور مسلمين يحملون السكاكين ويقطعون الرؤوس ربما تتعارض مع ذلك المبدأ، لكن تذكروا أنّ ملايين المسلمين شعروا بنفس الإحساس وهو يشاهدون بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001 ما جرى في باغرام وغوانتنامو. أليس لنا بصفتنا بشرا جميع الحقوق؟
والآن تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لإعادة دخول العراق جوا وربما برّا، وإنها فرصة ماثلة لاقتراح استراتيجية ملائمة تتطلب أن لا تتعاد تسمية القتل الجماعي للمدنيين المسلمين “أضرارا هامشية” في حرب ليسوا طرفا فيها.
وعلى تلك الاستراتيجية أن تتضمن نقاشات نزيهة وحرة بين تجمعات المسلمين والحكومات حول مسائل مثل السياسة الخارجية وإجراءات مكافحة الإرهاب، من دون إثارة الخوف على أمننا وسلامتنا وحريتنا. سيكون ذلك أمرا راديكاليا فعلا وبالمعنى الصحيح.
                          *مذيعة لبرنامج “توكينغ بوث” للتلفزيون البريطاني

الأحد، 21 سبتمبر 2014

داعش وامريكا هل انتهى زواج المتعة؟



داعش.. اليافطة التي تظهر تحتها أمريكا/ بقلم: سليمان ابو ارشيد


سليمان ابو ارشيد / جريدة عرب نت 
      "لا يأتي شيء من الغرب يسر القلب"، مثل حفر اسلافنا في وجدان الموروث الشعبي وفي نفوس السلف الصالح ليختصر علاقتنا بالغرب الاستعماري على اختلاف عصورها، بدءًا بالحملات الصليبية وصولا الى الاستعمار القديم بزعامة بريطانيا وانتهاء بالاستعمار الحديث الذي تتصدره أمريكا وما زال يهيمن على بلداننا وخيراتنا.









لا حاجة بنا الى التفتيش كثيرا في بطون التاريخ لإثبات ذلك، فأمثلة العراق وافغانستان وليبيا ما زالت ماثلة أمامنا، ومثلما جندت أمريكا العالم وفي مقدمتهم العرب العاربة ودمرت بلدًا عربيًا هو العراق وبلدًا اسلاميًّا هو افغانستان، تحت يافطة محاربة القاعدة غير آبهة بقتل ملايين البشر من الاطفال والنساء والرجال خدمة لمصالحها الاستعمارية وحماية لأمن ربيبتها اسرائيل، ها هي تعود بعد أن تعافت من آثار حروبها تلك الى المنطقة وهذه المرة تحت يافطة محاربة إرهاب داعش.

ها هو التاريخ يعيد نفسه في نفس الجغرافيا فأمريكا التي أنشأت تحالفًا عالميًّا، تحت ستار محاربة القاعدة ووظفته لتدمير بلد عربي وتحطيم هياكل دولته الحديثة واعادة هيكلتها على أسس طائفية مذهبية تعيد الكرة مرة أخرى، وهي تنشئ تحالفًا عالميًّا يتقدمه أيضا العرب العاربة، ويتستّر بمحاربة داعش هذه المرة، في حين أن مهمّته الأساسيّة هي استكمال مخططها ضد المنطقة عبر اتمام مهمة تحطيم الدولة السورية وتقسيمها مذهبيًّا، الأمر الذي سيمتد تلقائيًّا الى لبنان في اطار بلقنة الشرق الأوسط وهو المخطط الذي استغل ما يسمى بالربيع العربي لتنفيذه وجاري العمل عليه في المشرق العربي عبر بؤرة العراق – سوريا وفي المغرب العربي عبر بؤرة ليبيا.

وفي ليبيا فقد رأينا وما زلنا بأم أعيننا نتيجة التدخل الأطلسي الذي رعته أمريكا وماذا جرى لليبيا بعد قطع رأس الدولة وتحطيم هياكلها وتحويلها الى قبائل و"عصابات كل مين أيده إله". لقد جرى ذلك تحت ستار"هدف نبيل"، لأول وهلة، وبطلب وإجماع جامعة الدول العربية لإنقاذ الشعب الليبي من "براثن الطاغية القذافي" ونصرة لـ"الثورة الليبية". وبالمحصلة كم قتل القذافي؟ وكم قتلت بوارج أمريكا وقاذفات الأطلسي خلال العدوان على ليبيا، وكم "نهب القذافي" وكم نهبت أمريكا ودول الأطلسي من خيرات النفط الليبي؟ وكيف كانت ليبيا في عهد القذافي وكيف هي ليبيا اليوم؟.

ليبيا اليوم هي مرتع للعصابات المسلحة التي تقوم على أساس مناطقي وقبلي وهي بؤرة يراد لتداعياتها أن تمتد الى مصر والجزائر وتونس لتخريب المغرب العربي وتفتيته، مثلما أريد لبؤرة العراق- سوريا أن تمتد الى لبنان والأردن، واليمن فيها ما يكفيها، لتخريب وتفتيت المشرق العربي على طريق تحويل الوطن العربي الكبير الى طوائف وقبائل سابقة على عهد الجاهليّة.

داعش هي اليافطة التي تظهر تحتها أمريكا، المستدعاة هذه المرة من "العرب" أنفسهم، تظهر بمظهر مخلص العرب من "جاهليتهم" الداعشية أو "اسلامهم الداعشي" الذي يذبحهم بسكينهم باسم الدين وباسم دولة الخلافة. طائرات الأطلسي وبوارج أمريكا ستدخل هذه المرة "بحر العرب" وبرهم لإنقاذهم من "دينهم وديدنهم" لا لتأخذ دينارهم ونفطهم. تماما كما تم الاستنجاد بها بليبيا لإنقاذ " الثورة".

بعد سنوات من الاستنكاف "رغم الاستنجاد والاستغاثة" ستدخل بوارج أمريكا وطائرات الأطلسي لإنقاذ ما لم تنقذه خلال احتلالها للعراق وانقاذ ما لم يتم انقاذه بعد في سوريا، وحاشا أن نقول الإجهاز على ما تبقى من العراق والاجهاز على ما لم يتم بعد الإجهاز عليه بعد في سوريا.

وكما حدث خلال الحرب على العراق حيث العرب يحطمون "الهتهم بايديهم"، يقف شركاؤهم وأعداؤهم ومنافسوهم في المنطقة، رغم التفاوت والتباين وطبيعة العداوات والصداقات، تركيا، اسرائيل وإيران متفرجين رافضين أو مرفوضين، من التدخل بانتظار أن تضع هذه الحرب أوزارها ليروا كيف سيتم توزيع غنائمها.علما أن إيران التي استفادت من احتلال العراق بانزياح دولة اقليمية مجاورة ومنافسة ومعادية لها الأمر الذي ساهم موضوعيًّا في تعظيم دورها في المنطقة ومد نفوذها داخل العراق المحتل، تقف هذه المرة في الطرف الخاسر ربما بفقدان دولة حليفة لها مثل سوريا وتداعيات ذلك على لبنان وحزب الله، الأمر الذي يهدد بتحجيم دورها في المنطقة.

اسرائيل هي الرابح الأكبر هذه المرة أيضا، مثلما كانت الرابح الأكبر في الحرب الأولى، وهذه المرة قد تتخلص من سوريا وحزب الله ومن "العالم العربي كله" بضربة واحدة والى الأبد. أما تركيا التي رفضت توظيف أراضيها واجوائها لصالح هذه الحرب مثلما فعلت في الحرب على العراق فإن أمريكا ستقوم نيابة عنها بما عجزت به خلال سنوات ثلاث بتخليصها من نظام بشار الأسد وتسييدها ربما على العراق وسوريا بعد تحويل اراضيهما أو أجزاء منها الى محميّات عثمانيّة.

واذا كان هناك من يعتقد أن أمريكا تنشئ تحالفًا دوليًّا وتحشد بوارجها وطائراتها وتضع نطاقا زمنيًّا يصل الى ثلاث سنوات لحربها الجديدة لتنفيذ بضع ضربات جوية ضد داعش فهو ساذج.

الجمعة، 19 سبتمبر 2014

فانوس امريكا السحري لصناعة الدواعش

بقلم / موسى  المصلح 
هل  باتت  لعبة  أمريكا "الفوضى الخلاقة "  على وشك الانتهاء أم ان اللعبة مازالت مستمرة  حتى انجاز سايس بيكو جديد.  آم   أن المارد الذي خرج بحك  المخابرات الأمريكية  على  قنديل الشرق الأوسط السحري    لن يطاوع  ويعود إلى داخل القارورة  كما هو الشأن دائما مع الولايات المتحدة  . فتجربة هده الأخيرة  ورعونتها وأطماعها    واضحة للعيان في الصومال و أفغانستان   والعراق  , حيث  ابتدأت بالإشاعات الكاذبة والملفقة    والعبث في مكونات ومقومات الدول  المستهدفة   تحت مسميات وشعارات  شتى كالديمقراطية والحداثة, ولم  تترك ورائها  سوى انهيار الدولة و الخراب والقتل والتشريد  لشعوب هده الدول  بعد أن تصل إلى مأربها الامبريالي   . التجارب المتتالية أبانت  على إن  النقمة  الامريكية  ما  إن تصب  بلدا إلا خربته ومزقته اشد ممزق. فهي تتصرف كفيل  في متجر للخزفيات وضع فيه كيس عشب  لا يصل إليه إلا بعد تدمير محتويات المتجر عن أخره .

   قنديل الولايات المتحدة الأمريكية  السحري  مليء بالعفاريت  المحلية والإقليمية والدولية  التي لا تنتظر سوى حكة  أمريكية على القنديل لتخرج    وتشكل تنظيمات  تمول وتدرب وتسلح بسخاء و  بدولارات تحمل بقعا ورائحة النفط الخليجي . وداعش هي أخر طبعة  للمارد  مصنوعة أمريكيا  .زجت به مخابرات  القوة العظمى في أتون الصراع  الشرق أوسطي  بين إيران  وحليفتها سوريا  وتابعها حزب الله  بدعم  روسي وصيني و العربية السعودية وما يدور في محيطها من دول الخليج , والكل يدور في سرك العجلة الدوارة للولايات المتحدة الأمريكية .  ويبقى البانتغون الأمريكي غير بعيد  حاملا هراوته كلما شرد المارد وتمرد على صاحب النعمة الأمريكي وتجاوز  الخطوط الحمراء .أو رفض  إنها ء المهمة  المسطرة له والعودة إلى قارورته السحرية  في انتظار تعليمات وتنفيذ مخططات جديدة  لمصلحة أمريكيا  . ولا ضير في أن تجيش الولايات المتحدة الأمريكية  جيوش دول أخرى حليفة .  وتنشا الأحلاف من الشرق والغرب للقضاء على ماردها المارق  الذي صنعته بأيد مخابرات أمريكية وقوت من شوكته بالمال  المدفوع من جيوب الآخرين وبالسلاح   المصنع في أمريكا.  وهيأت له عبر مختلف السبل  من يحارب حتى الموت ويقتل بأبشع الطرق  تحت لواء اسود  دو واجهتين  واجهة  ظاهرة تحمل قولة لا اله ألا الله والواجهة الخفية تحمل علم الولايات المتحدة دو الخمسين نجمة  .
  
ولعل الملقي  نظرة سريعة  على حال على العالم العربي  اليوم  يدرك  أن  قنديل أمريكا السحري مليء بالدواعش من كل الديانات والملل  و المذاهب والنحل    .  فهم باليمن والسودان و ليبيا  وتونس ومصر  ودول الساحل الأفريقي لا ينتظرون سوى حكة العم سام على القنديل السحري  للخروج والتمدد والتكاثر كالفطر.  والحلم من بعد دلك في القتال حتى   "الاستشهاد " في الحلبة التي تسطرها وتشرف عليها  بمكر  الولايات والمتحدة ودول الغرب والظفر  بحوريات  تشبه الأمريكيات الشقراوات في حسنهن وجمالهن  كجزاء  على  تنفيذ أجندات ومخططات   طبخت في دهاليز المخابرات الأمريكية ببهارات الدين والعقيدة  وتخدم  بالأساس  مصالح الولايات المتحدة الامبريالية وحلفاءها الغربيين . 
                                                         *عمل الفانوس للنحات محمد غني في العراق

عودة السعودية إلى العراق وسوريا تقلق إيران!

19 أيلول 2014
    من الرسائل المشوشة والمختلطة التي وجّهتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى الإدارة الأميركية، واحدة ترحِّب بالتعاون في مكافحة إرهاب الإسلاميين التكفيريين الإرهابيين الذين يشكِّل تنظيم "داعش" أبرزهم، وتبدي الاستعداد للاشتراك بعناصر نظامية تعمل مع عناصر أميركية على أرض العراق. وأخرى تشير إلى أنها غيّرت رأيها ولن تشارك في التحالف الدولي بقيادة أميركا لمواجهة "داعش" والإرهاب عموماً. هذا التناقض أو التغيير في المواقف ما هي أسبابه؟

      المسؤولون المعنيون الأميركيون يعيدونه إلى هوية أعضاء التحالف الدولي، وخصوصاً الذين منهم سيفرزون مجموعات عسكرية وأمنية سواء للتدريب أو للمشاركة مع الثوار المعتدلين في التخطيط وربما للإشتراك معهم في القتال إذا دعت الحاجة. فهؤلاء ينتمون، والمقصود هنا العرب والمسلمون منهم، إلى الإسلام السنّي الذي يشكِّل غالبية في العالَمَين العربي والإسلامي. وبما أن الصراع في المنطقة اتخذ منحىً مذهبياً خصوصاً في العراق وسوريا، فان القيادة الإيرانية بدأت تخشى أن يسفر عمل التحالف في النهاية أي بعد نجاح تدخله عن وضعين لا ترتاح إليهما على الإطلاق. الأول، خسارتها السيطرة أو الهيمنة التامة على العراق بمكونيه الشيعي والسنّي، واستفادة واشنطن من ذلك لتعزيز التحالف مع المكوِّن الكردي المتمتع بالحكم الذاتي على نحو يشعر قادته وزعماؤه أن التخلُّص من دور طهران ونفوذها ومصالحها من الصعوبة في مكان. والثاني، نجاح التحالف في ملء الفراغ في سوريا، بعد القضاء على "داعش" والتنظيمات الإرهابية المماثلة له، وبعد انهيار أو على الأقل بعد إصابة النظام السوري الحليف بضعفٍ شديد جرّاء فشله في استعادة السيطرة على جغرافيا بلاده رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها روسيا بالسلاح، وإيران بالسلاح والمال والخبراء وكذلك بالمقاتلين، ولكن من دول أخرى في مقدمها لبنان ثم العراق.

      والأمران المشار إليهما غير مستبعَدين. ذلك أن الإدارة الأميركية لم تخفِ يوماً، وخصوصاً منذ النجاحات "الداعشية" التي فرملت إلى حد ما النجاحات "الأسدية" في سوريا ووجهت ضربة قوية للنجاحات الإيرانية في العراق، لم تخفِ أنهما الهدفان اللذان تسعى إلى تحقيقهما. ولعل أكثر ما أثار ويثير قلق إيران هو أن المملكة العربية السعودية، "الغريم" الأبرز اليوم للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخليج بل في العالَمَين العربي والإسلامي، ستخرج من حرب الإتحاد الدولي الذي يُشكَّل الآن بنفوذ كبير اقليمياً وإسلامياً وتحديداً في العراق وسوريا. وطهران ترفض هذا النفوذ أو لا تريده وكذلك نظام الرئيس بشار الأسد.

طبعاً تُلقي مصادر أميركية متابعة مزيداً من الضوء على أسباب الرسائل المشوَّشة والمختلطة الإيرانية لإدارة أوباما بعد نجاح "داعش" في العراق. فظهور الحاج قاسم سليماني في العراق، بعد بدء عملية مواجهة "داعش" ونجاحها في تحرير بلدة "آمرلي" بين الناس وعلى طبيعته أكد وجود نوع من التفاهم المبدئي بين واشنطن وطهران على التعاون. علماً أن هذا الرجل الذي تعرّض أربع أو خمس مرات للاغتيال لم يكن يستعمل "الخليوي" حتى في طهران حرصاً على أمنه وبتعليمات من قيادته. لكن بدء حلفاء إيران من الشيعة العراقيين في الإعتراض على أميركا وتدخُّلها ثم في رفض عسكرها على أرضهم أشار إلى أن القيادة الإيرانية عادت عن التفاهم الذي لن يمكِّنها من الحصول على اعتراف العالم بدورها الأول في المنطقة، والذي سيجعل السعودية على قدم المساواة معها تقريباً. فضلاً عن أن ما حصل لها في العراق كان ضربة مفاجئة لم تستطع الردّ عليها خصوصاً بعد انهيار حلفائها، ولم تكن أصابع العالم المذكور و"حلفائه" في المنطقة بعيدة عنها، ولذلك انتقلت إلى الرد غير المباشر لأن حاجتها إلى أميركا مستمرة كما حاجة أميركا إليها. فكان تصعيد الحوثيين الشيعة في اليمن، ثم كانت العقوبات الأميركية الجديدة على إيران رغم الوعود السابقة بالتوقف عن فرضها ريثما ينتهي التفاوض النووي بينها وبين المجموعة الدولية 5+1.

ماذا عن النظام في سوريا ورئيسها الدكتور بشار الأسد؟ هل أرسل الأخير، مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية رسائل إلى الولايات المتحدة فيها تشوُّش واختلاط وربما تناقض؟ في البداية رحَّب باستعمال أميركا سلاحها الجوي لضرب التكفيريين الإرهابيين في مناطق سيطرتهم ووجودهم، لكنه بعد التشاور مع حليفيه إيران وروسيا عاد عن ترحيبه هذا. ما هي أسباب العودة؟
                                      جريدة النهار  اللبنانية 

الخميس، 18 سبتمبر 2014

اللغة والاستبداد


اللغة والاستبداد
ما علاقة اللغة بالاستبداد؟ وهل يمكن الحلم بتنمية اللغة وتطويرها في جو القمع والتحكم؟ أم أن اللغة شأن عرضي خارج أجواء التجاذب السياسي والفكري؟
في الوقت الذي يحشد العالم الغربي وأذنابه القوات لضرب العراق وسوريا، وفي أوج الأزمة التي حرقت بلاد الشام وغيبت معالمها الحضارية والإنسانية يصل هذا الخبر: "وزير التربية في الحكومة السورية يشرف على فعاليات المسابقة الوطنية للتمكين للغة العربية في دورتها الخامسة التي تقيمها منظمة اتحاد شبيبة الثورة بالتعاون مع وزارة التربية مشيرا إلى أهمية تفعيل اللغة العربية في الميدان التربوي عن طريق الإخلاص في تدريسها وغرس محبتها وأهميتها في نفوس الطلاب والطالبات من قبل المعلمين والمعلمات...".
وتسائل نفسك: هل الحديث عن سورية الجريحة التي يقتل الناس فيها لمجرد التعبير والتظاهر أم عن سورية المتخيلة التي عاش ويعيش نظامها في أوهام السلطنة والمنعة المتوهمة؟ الخبر مفرح لبعض المنافحين عن العربية وقد تجد من يطبل للأمر ويتغنى به دفاعا عن لغة الضاد وعن منجزات النظام السوري المؤمن، عن حق، بجوهرية العربية في بناء الأمة. لكن هل تستقيم النهضة اللغوية المنشودة مع القمع والقتل والتضييق على الحريات؟ هل يمكن الحديث عن التمكين للغة في جو الدم والقتل والاستبداد؟
الأمر لا يتوقف في سورية، إذ يمتلئ الفضاء الإعلامي بدعوات وأخبار عن ندوات ومؤتمرات تعقد في ربوع الوطن العربي، تحت رعاية أمير أو ملك أو حاكم أو وزير، وتنظم تحت إشراف مؤسسات عربية حكومية أو أكاديمية او أهلية أو منظمة من منظمات العمل العربي المشترك، وتخرج جلها بتوصيات وقرارات هامة، وبعضها يصل إلى درجات عليا من التنفيذ، ويتفق المجتمعون المنتقون من بلاد كل العرب على مخطط نهضوي للخروج من حالة الوهن اللغوي ... لكن كل شيء يبقى خارج دائرة التأثير في مسار التغيير. ويبدأ النقاش الأزلي عن الخلل وجلد الذات هل المشكلة في اللغة أم في مستعمليها أم في مسيري الشأن العام؟ وقد يستمع حاكم لفكرة عن انتمائه العربي خاصة حين يحتضن أحد هذه الأنشطة فيثور ويرغد ويطالب بالاهتمام بلغة أجداده وقد ينشئ لذلك مؤسسات ومراكز ومجامع ويتحرك الأمر لمدة محددة ويبقى الحال على ما هو عليه. وعلى لقاء في العام المقبل. هكذا هي الصورة العامة للحالة العربية.
لا يمكن فصل السياسي عن اللغوي. ولو عاش الكواكبي إلى وقتنا لغير قوله في طبائع الاستبداد: "المستبد لا يخشى علوم اللغة، تلك العلوم التي بعضها يقوِّم اللسان وأكثرها هزل وهذيان يضيع به الزمان، نعم لا يخاف علم اللغة إذا لم يكمن وراء اللسان حكمة حماس تعقد الأولوية، أَو سحر بيان يحل عقد الجيوش". فقد اثبتت الأحداث أن السؤال اللغوي يأتي في عمق الاهتمام السلطوي. فاللغة مظهر من مظاهر السلطة وتجل من تجليات تدبيرها. ويمكن البقاء في النموذج السوري: ففي سنة 2003 حين تحسنت العلاقة مع فرنسا صارت اللغة الفرنسية لغة اجبارية بخمس حصص في الاسبوع في سوريا، وبعد اغتيال الحريري في 2004 تعقدت العلاقة مع فرنسا فتم تقليص حصص لغة موليير الى حصتين لنفس المنهاج كاملا.
وحين تطورت العلاقة مع تركيا في 2010 أحدث قسم اللغة التركية في الجامعة. أما اللغة الفارسية عنوان العلاقة مع إيران فكانت تعلم كمادة في قسم اللغة العربية بالاختيار مع العبرية او السريانية ثم تم تخصيص قسم كامل للغة الفارسية وقريبا جدا سيتم تعليمها بالمدارس. وهكذا غدت اللغة صورة لتقلبات السياسة والتحالفات الاستراتيجية، وأصبحت عنوان الانتماءات القطرية للدول. وما قيل عن سوريا يصدق على كل الدول في تعاملها مع اللغات الكولونيالية.
يخطئ من يتصور تطويرا للغة الضاد واعتمادا لجوهريتها في ظل أنظمة شمولية ترى اللسان جزءا من تدبيرها اليومي لمسار إخضاع المجتمع لإرادة النخبة المتحكمة. فاللغة قضية حرية. لذا كان عنوان الاستبداد السياسي هو الإجهاز على مقومات الأمة المشكلة لعمقه الحضاري وتقديم قيم بديلة تضمن له حصاره لمطامح المواطنين بشعارات الحداثة والعلمنة. فكانت العربية على الدوام لغة التخلف والتأخر ويطلق العنان لدعاة العامية والفرنكفونية. وبتعبير الرئيس التونسي الدكتور المرزوقي: "من بين أخطاء الاستبداد وخطاياه (باستثناء واحد هو الاستبداد السوري) اعتبار العربية غير قادرة على أن تكون لغة العلم، والحال أنه لا توجد أمة ازدهرت بلغة غيرها". لذا كانت العربية دوما محاصرة وعندما يختار الشعب يختار العربية والانتماء العربي في واقع الحرية والديمقراطية.
لذا يتعمد الاستبداد توجيه الاهتمام اللغوي نحو فرض رؤية معينة لأجيال المستقبل تؤمن لها الدوام ورضا الخارج. فهل مفاجئا أن يكون دوما ملف التعليم خارج الاستشارة الشعبية؟ وهل غريبا ان تتعثر كل مشاريع الإصلاح اللغوي وتتجمد مؤسساته؟ وهل صادما أن تكون اللغة سرا من أسرار الدولة يلجأ فيه إلى الحكم بدل الشعب؟ إنه الخوف من اللغة التي يمكن للمجتمع الاحتماء بها والتعبير بها عن مكنوناته وما يخالجه، مع ما يتبع ذلك من دمقرطة وحرية وتنمية. لذا كان انهيار حلم الرئيس التونسي بموقع للغة الضاد في جيل العرب الجدد مع الأجواء الانقلابية إيذانا بانقلاب على مقدرات الأمة المختلفة.
فمضمون التحول الديمقراطي الذي هبت نسائمه على الوطن العربي لا يمكنه أن يتحقق دون تحقيق إصلاح لغوي يوازي الإصلاح السياسي. فحين يختار الشعب بكل حرية ودون رقابة مسبقة أو توجيه سلطوي فإنه سيختار العربية وعمقه العربي الإسلامي. لذا تبقى كل الآمال التي تنبعث من هنا وهناك، من هذا المؤتمر وذاك، من هذا اللقاء وذاك، مجرد استهلاك للزمن وتوظيف للباحثين لا أثر في مستقبل الإنسان العربي.
في التجارب العالمية تحضر اللغة دوما باعتبارها جوهر الإصلاح السياسي. فالنظام القائم على الحقوق وفتح الفضاءات الإعلامية والسياسية والاجتماعية أمام جميع المواطنين يفرض معالجة القضية اللغوية ليست باعتبارها قضية ثانوية يترك بسببها أبناء الوطن في فوضى وتجاذبات هوياتية، كأنها شأن فوقي بل ينبغي أن تعد جزءا من وجود الدولة والشعب. والاستبداد ليس مجرد شكل من أشكال الحكم بل هو منطق في التفكير ايضا قد يعتمده حتى من يتغنى صباح مساء بالحرية والحقوق والديمقراطية.
ففي ندوة نظّمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية خلال شهر رمضان حول القانون التنظيمي الخاص بترسيم الأمازيغية دعا أحد المتدخلين إلى جعل هذا القانون فوق السلطتين التشريعية والتنفيذية. ومن المعلوم أن الأمازيغية قد دبرت على الدوام بمنطق التحكم بعيدا عن المجتمع وخياراته، وحين يستشار الشعب تثور ثائرة المنتمين للحركة الأمازيغية كما هو حال الرجة التي أحدثوها خوفا من نتائج الإحصاء العام للسكان.
والمتأمل في مسار الأمازيغية وطريقة تدبيره منذ فرض الحرف وصولا إلى الترسيم يلاحظ مسارا جوهره تغييب للمجتمع وفرض لرؤية أحادية في النقاش اللغوي. وهذا لا يعني أن الأمازيغية ليس لها وجود بل طريقة تدبيرها على الدوام هي طريقة تحكمية الاستبداد. وفي منطق التحكم يكون الرفض النفسي هو رد المجتمع قبل أن يكون له رد آخر حين تتاح أمامه الفرصة.
اللغة شأن مجتمعي وينبغي أن تدبر في ظل شروط الحرية والاختيار الشعبي. وكيفما كان إيماننا بلغتنا ودفاعنا عنها، لا يمكن لها أن تأخذ موقع الريادة إلا إن كانت شأنا مجتمعيا ديمقراطيا. لأن المجتمع هو الفيصل في النهاية.

الدكتور فؤاد بوعلي  رئيس جمعية اللغة العربية

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

تاج الانقلاب لا يحمي من الصداع


تاج الانقلاب لا يحمي من الصداع
مازالت الزيارة المحتملة لرئيس مصر الجديد السيسي للمغرب تثير جدلا كبيرا بين أوساط المتقفين والسياسيين .فبالرغم من نفي السفارة المصرية الخبر ما زالت ردود الفعل تتأرجح بين مؤيد وبين معارض ،ولكن وللأمانة التاريخية فما حصل بهذا البلد الشقيق من أحداث درامية لا يمكن لعاقل مهما بلغ من النباهة أن يمر عليها مرور الكرام وينسى ما آلت إليه الثورة المصرية .لا يمكن لعاقل أن يخالف ضميره ويمحو من ذاكرته فترة تاريخية كادت أن تنقل مصر من مرحلة اتسمت بالديكتاتورية العسكرتارية إلى مرحلة الديمقراطية.
لفد دوخ السيسي ثوار مصر و قادة الإخوان بدينار جبهته، فظنوا أنهم أمام تقي ورع سيخدم مشروعهم ويكون رَجلهم وقدمهم في الجيش.. ومرت الأيام ما بين لقاء وخصام كما قالت كوكب الشرق .. ففتح العالم عينيه على البيان رقم واحد.
ثم أرجعَ البصر مرتين فانقلب البصر خاسئا وهو حسير .. إذ غدا الإخوان "إرهابيين" في عرف "العسكر" وأدبياته .. و"العسكر" كلمة رفضها السيسي قائلا إن اسمه : جيش مصر "العظيم".
لقد فات جيش مصر "العظيم" أن يعلم أنه مهما أله المصريون قادتهم وزعمائهم وفراعينهم يظل وعيهم الجماعي في قبضة الدين .. فقد قضوا سنوات طويلة وهم يقدسون جمال عبد الناصر لكنهم كفروا به عند أول هزيمة فعلية في عام 67، فبُني بعد ذلك من المساجد ما لم تشهد له مصر مثيلا حتى سميت القاهرة مدينة الثلاثين ألف منارة، وقويت شوكة الإسلاميين وما زال يوصي بهم السادات حتى ظننا أنه سيورثهم.
وآلية الدين يجمع المهتمون بالشأن السياسي ببلداننا العربية على دورها المحيي المميت في دغدغة المشاعر، والعواطف الروحية، بل وتعد قبلة الحياة أو رصاصة الرحمة سواء لاستمرار الحكومات أو حياة الأنظمة.
إنها آلية لا يستطيع أيا كان المرور عليها مرور الكرام .. وقد يقول المحسوبون عن التيار الليبرالي بعكس ذلك ولكن لنا في التاريخ الإنساني عبر كثيرة لمن يعتبر أو لا يعتبر.فطبيعة تكوين العقل العربي وطبيعة المجتمعات العربية عموما تجسد معاني الدين بمختلف تجلياته .وما جرى ببلدان الربيع العربي يؤكد هذه الحقيقة التي يصعب على أي كان استبعادها أو القفز عليها، أما المراهنات التي تصدر عن البعض من هنا وهناك من أجل تغييب هذا العامل فإنها غالبا ما تبوء بالفشل.
لا نأتي بجديد إن قلنا إن الشعور الديني يزدهر عادة في خضم الأزمات، والرموز هي الأخرى تدور في هذا الفلك: بمعنى آخر تقوى الرمزية في خضم الأزمات وتتغول إلى درجة يصعب مع أي ملاحظ أن يتكهن بمآلها، والإنسان المصري بطبيعته ميال إلى التدين لكن عندما يرى نفسه مستضعفا، فإن الغريزة تدفعه، آجلا أو عاجلا، إلى اقتفاء أثر أي شيء لتجاوز الأوقات العصيبة.وهنا لابد للمرء أن يتذكر أن العقاب الجماعي المسلط لا بد وأن يولد أوتوماتيكيا عنفا جارفا. فالاستفزاز لا يولد إلا الاستفزاز وهي قاعدة لا تبقي ولا تذر.
إن ما يقلق كل أحرار العالم اليوم هو أن ما جرى بمصر هو انقلاب تماما كما كان عليه الحال في تايلاند .. وهو اغتصاب لشرعية أسس لها الشعب المصري من خلال انتخابات تاريخية. والانقلابيون ومعهم الرعاع وشهود الزور الذين يؤازرونهم ليسوا إلا "لصوصا" أخرجوا بواسطة صندوق الانتخاب ودخلوا من النافدة عنوة وهذا سلوك لا يمكن لشعب مصر ولا لأحرار العالم ولا للسيد إردوغان أن يستسيغوه.وتصريف العدوانية من طرف قادة عسكريين تجاه فصيل هنا وهناك من شعب مصر من شأنه أن يعجل بنخر كيانهم بل وإنهاء وجودهم إن آجلا أم عاجلا.
كل هذا يذكرني بحكاية عن شيخ قبيلة أعماه تسلطه وهواه فأعجب بامرأة جميلة وأراد أن يتزوجها عنوة في حين أنها على ذمة رجل فقير. ووصل الأمر إلى السلطان فقيل له إنها زوجة الشيخ، لكنه بعث أحد القضاة ليستطلع، فما كان من شيخ القبيلة إلا أن أتى بعشرة من شهود الزور لكي يدعموه في قضيته . توجه القاضي إلى منزلي الرجلين ومعه كل أطراف القضية .فطلب من امرأة الزاهد أن تتوجه إلى بيت الشيخ، وما إن وصلت إلى الباب حتى تصدى لها كلب الحراسة بالنباح ،فتراجعت المرأة من شدة الخوف.فأمرها القاضي بأن تتوجه نحو بيت الرجل الفقير .هذه المرة استقبلها كلب حراسة منزل زوجها الحقيقي بفرحة عارمة. حينها ابتسم القاضي وقال للشيخ والشهود: "ألا تخجلون من أنفسكم ؟ شهادة الكلاب أشرف من شهادتكم ؟؟...
فأمر بسجن الشيخ المفتري وشهود الزور الذين آزروه .
لقد فهم العالم أن أقصى ما يمكن لهؤلاء الانقلابيين أن يفعلوه هو أن يصنعوا العبث لمدة قد تقصر أو تطول .ولكن في النهاية ومن حيث لا يدرون فإنهم ينصبون مشانقهم بأيديهم وما يؤكد ذلك هو التآكل الذي أصبح يتراءى للجميع من خلال التخبط الذي وقعوا فيه، فالتعثرات التي تواجههم على أكثر من مستوى فالسيسي لا يمتلك خطابا سياسيا واضح المعالم لتدبير المرحلة الراهنة ولرسم آفاق واضحة يمكن أن يستشعر فيها المواطن المصري المقهور مكتسبات التغيير الذي طالما حلم به .فوجود نظامه قد يطول أو يقصر ويبقى مرهونا بالداعمين الأمريكي والخليجي ما لم تحدث متغيرات جديدة تخلط الأوراق من جديد في المنطقة،ولكن وللأمانة التاريخية فالانقلاب هو الانقلاب ومن يبتغ غير هذا المفهوم معنى فلن يقبل منه.

الثلاثاء، 2 سبتمبر 2014

ليبيا ولعبة الامم القدرة


 بقلم/ موسى المصلح -
لم يعرف بلد من بلدا ن الربيع العربي تهافتا لدول طامعة ومتناقضة في رؤاها ومقاصدها  كليبيا بعد الثورة  . فمن التدخل المباشر لبعض الدول ,  إلى تدخل  هواة الحروب بالوكالة , مرورا  بنشاط شبكة  عالمية واسعة من الجواسيس  والمنظمات الإرهابية المدفوعة الأجر التي تعمل  تحت الطلب , بالرموت كنترول.  إلى  تجار البشر وتجار السلاح والمخدرات.  .

    وتختلف أهداف كل هؤلاء. فمن  راغب في موضع قدم  يمكنه من  الحصول على نصيبه  من كعكة النفط. ومن راغب في الاستفادة من الفرص الاقتصادية  من اعمار وتشييد البنيات التحتية , في بلد  يكاد يخلو من كل شيء  ويتوفر على إمكانيات هائلة  وفرص اقتصادية واعدة. إلى الباحث عن متنفس    تحت ذريعة الأمن القومي  وجرعة هواء تمكنه من  التخفيف من الضغط الشعبي و الكدر السياسي والاجتماعي التي تعيشه بلاده . إلى  دول غربية تعتبر هدا الجزء من العالم كملكية  خاصة محجوز ة   بحكم تاريخ كولونيا لي طويل  يشرعن لهم وضع اليد على منطقة يمكن  نهب خيراتها.  واستعمالها كحاجز ضد أمواج من المهاجرين الفارين من جحيم  الفقر والحروب الاثنية والعرقية  , حروب يتفنن الغرب في إضرام نيرانها  وتأجيجها كلما خبت  لاستغلال  ثروات افريقيا الظاهرة والخفية .

   وبغض النظر عن رغبة  الولايات المتحدة التي  لا تخفى على احد في تشكيل الشرق الأوسط الجديد وشمال إفريقيا, والتي تمسك كل خيوط الصراع في يدها.   فانه على المستوى العربي يبقى الصراع مثيرا  بين الإمارات والسعودية من جهة  وقطر من جهة أخرى, كدول تتدخل عن بعد كل حسب أجندة تخدم مصالحه المعلنة وغير المعلنة   . من صراع البرستيج  والبحث عن مساحة نفوذ  إلى تناطح على  الهوى الديني والعقائدي , وتنافس في تسليح وتمويل فرقاء الصراع الليبي  .
   ويبقى الصراع الخفي بين مصر والجزائر هو الأهم وان بدا هادئا,  لأنه يخفي  نارا ملتهبة تحت الرماد.  فادا كانت مصر تسعى لتحقيق مصالحها في الحصول على جار يوجه بوصلته نحو القاهرة ,  باحثا عن الاحتماء تحت جناح الأخ الأكبر.  فان القاهرة ترى   ايضا  احقيتها في نصيبها من الكعكة الليبية و أن سقوط نظام القذافي ,الذي تبنا لعقود الفكر الناصري ,  يسمح لها بالشفعة والاستفادة من نفط ليبي هي في اشد الحاجة إليه ,  والى تصريف عمالة تختنق في ظل اقتصاد مصري على وشك الانهيار  , و  احتواء ليبيا وحمايتها من كل نظام يشم فيه  بقية من رائحة  الفكر الأخواني المعتدل  . ولا ضير في أن يكون  الماسك بزمام الامور في ليبيا سلفيا وهابيا إرضاءللسعودية  عراب الثورة المصرية المضادة   ومن يدور في فلكها من دول الخليج..
  
  وينظر قصر المرادية في الجزائر  في المقابل بعين الريبة والحذر  إلى الأطماع  المصرية . لاسيما بعد مقولة السيسي الشهيرة"   إن احتلال الجزائر لا يتطلب سوي سويعات ومسافة السكة "  . ولعل قصف مواقع ثوار فجر ليبيا من طرف طائرا ت إماراتية وتحت إشراف  مصري   يزكي مخاوف الجزائر . وان السيسي لم يكن يتكلم في الخواء وهو يهدد أصحاب القرار في الجزائر باحتلال سريع . لان مصر والإمارات كانتا قد قررتا وخططتا لضرب مواقع في ليبيا  لمساند ة حليفهم حفتر.  ولجس نبض رد فعل الجزائر التي تعتبر ليبيا مكونا أساسيا في دول المغرب العربي . وعمقا حيويا وعازلا استراتيجيا للجزائر ضد كل عدوان توسعي مصري في الشمال الإفريقي .

   
   فهل تتمكن السعودية وحلفاءها من هزم قطر وتحقيق نصر ساحق لقوات حفتر لإنهاء  الصراع على الأرض وهو آمر تكذبه الوقائع على الأرض. أم  تسمح الجزائر لمصر بالهيمنة على المغرب الأدنى وهي التي حاربت المغرب لعقود  طويلة   و لا زالت.  لا لشيء إلا  لثبتت لنفسها و للعالم أنها البلد الأقوى والمهيمن الدي يسعى الى سطع شمس الجزائر على كل ربوع    المغرب العربي وحمل مشعل الريادة فيه  .هدا ما سيجيب عنه صراع الأخوة الأعداء على ارض ليبيا  في لعبة الأمم القذرة.

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

ملحمة غزة.. وسقوط الرهانات والأقنعة

Résultat de recherche d'images pour "‫د.عبدالله الأشعل‬‎"
د.عبدالله الأشعل -جريدة  عمان 

من حق إسرائيل أن تفخر بأنها الكيان المدمر وبطولته هي إبادة الجنس البشري، وسجلها في المنطقة شاهد وشهادة على استحقاق إسرائيل الجائرة الكبرى في مجالات عديدة، أولها التفنن في تدمير كل المقدسات الدينية والتاريخية وكل المحظورات من أرواح الأبرياء إلى حرمان الأحياء من مقومات الحياة، وحرمان القتلى من الأكفان والمدافن، وحرمان الجرحى من التعلق بالحياة وأدوات إنقاذهم وإسعافهم.من حق إسرائيل أن تفخر بأنها أعدت العدة كاملة عسكريا وسياسيا واقتصاديا حتى ينفرد الجزار بالضحية وهي تعد حلفاءها بنصر سريع واقتلاع نهائي لهذا الصداع الذي حرصت على اجتثاثه. فقد سكتت الدول العربية والإسلامية على عمليات القتل والتدمير وخرست جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي ومليارات العرب والمسلمين لم تعرف طريقها إلى سكان غزة أو مقاومتها. وعبر 51 يوما من المعاناة، صمدت المقاومة رغم حصار غزة وتجريم المقاومة في بعض المحاكم العربية، وتمكنت المقاومة من أن تكون ندا لإسرائيل وانتزعت نصرا عظيماً، ولا شك عندي في أن الله سبحانه أراد أن تكون معجزة في زمن لا يعرف المعجزات ووسط بيئة أتقنت إسرائيل إعدادها للملحمة.
لقد راهنت إسرائيل على انكسار المقاومة، فإذا المقاومة هي التي ترفض شروط التهدئة التي فرضتها إسرائيل. راهنت إسرائيل على خيانة المقاومة، فإذا الخونة يشنقون في الميادين تحت القصف والرصاص الإسرائيلي. راهنت إسرائيل على تفرق الصف الفلسطينى والصراع بين حماس وفتح، فإذا الفلسطينيون لهم صوت واحد وموقف واحد لم يترك متسعا لمؤامرات أو تراجعات. راهنت إسرائيل على تخويف الشعب ، فإذا الشعب يصر على أن يموت في أرضه ولم يفر منها، ولم يكن معبّر رفح وإغلاقه سببا واهيا لمنع احتلال غزة لسيناء، وإنما ضرب الفلسطينيون للمرة الألف أنهم يحفظون سيناء وليسوا هم الذين يتربصون بها كما ردد المرجفون. سقط رهان الإعلام المصري وبعض السياسيين، وبلغ السقوط مبلغه من الذين أيدوا إسرائيل. سقط الرهان العربي على المقاومة وسقوطها وضعفها وهشاشتها، فقد هزمت المقاومة الجيش الذي قهر الجيوش العربية الكبيرة التي سجلت في التاريخ الهزائم والانكسار دون أن يكون في المقاومة جنرالات الحرب الوهمية. سقط رهان البعض في مصر على تجريم سلاح المقاومة واعتبار مد المقاومة به تهريبا، بينما تتزود إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والذخائر. سقط رهان الغرب على إسرائيل، ولذلك سيكون لانتصار غزة ما بعده، كما سقط رهان الصهاينة العرب وعجائز المسلمين على انتصار إسرائيل وإعادة احتلال غزة وتسليمها إلى عملائهم. أعادت المقاومة الاعتبار لثورات الربيع العربي التي أحبطها عملاء إسرائيل وخدم واشنطن بثورة مضادة يرتبط مصيرها بمصير إسرائيل.
لقد سقط رهان اليهود على جيش الإبادة الذي قامت دولتهم على جانبيه، وكلما أمعن هذا الجيش في أعمال الإبادة، كان ذلك ضمانة نفسية لمواطني إسرائيل، واليوم تهتز قوة هذا الجيش مرة أخرى، كانت الأولى في حرب التحرير في أكتوبر حيث لقنه أسود أكتوبر درسا دفع إسرائيل إلى التآمر على هذا الجيش في كامب ديفيد، وكانت المرة الثانية عندما طردت المقاومة اللبنانية إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 ثم كانت المرة الثالثة عندما أدخلت المقاومة اللبنانية عام 2006 معادلات جديدة مع إسرائيل.
ولذلك راهنت إسرائيل على الصداقات العربية وانشغال المقاومة اللبنانية في الساحة السورية بمخطط حلفاء إسرائيل من العرب، وقد أكد رئيس إسرائيل السابق أن معركة غزة تخوضها إسرائيل لأول مرة بالتعاون مع حلفائها العرب، وقالت تسيبي ليفنى كلاما مماثلا ولها صداقات متينة وعلاقات أخرى معروفة مع مسؤولين عرب لم تتوان هي في الكشف عن بعضهم.
وكما سقطت الرهانات، سقطت الأقنعة، فليس صحيحاً أن العرب ضحوا من أجل فلسطين بل كانوا هم الذين عوقوا القضية، واتسع الملف الفلسطيني لقدر هائل من النفاق، وكم حاول زعماء عرب إكساب استيلائهم على السلطة بشرعية القضية الفلسطينية، بل إن النظم العسكرية العربية بررت القهر ومحاربة الديمقراطية بأنه في سبيل الإعداد السريع العسكري لتحرير فلسطين، بل إن الرئيس صدام حسين خلال غزوه للكويت كان يبرر هذا الغزو بأنه في سياق الإعداد لتحرير القدس فكأن القدس تمر بالكويت مع أن الغزو جعل استرداد القدس من رابع المستحيلات، وقال: إنه لن ينسحب من الكويت إلا إذا انسحبت إسرائيل من فلسطين، لكن دمر العراق وأعدم صدام وازدهرت إسرائيل وتقهقرت فلسطين والفلسطينيون، ويباعد البون بين القدس والتحرير.
فهل انتصر محور المقاومة على المحور الذي لا تزال قاعدته إسرائيل وأمريكا، وينضم إلى الطرفين إيران ودول عربية؟
قلنا مراراً إنه يجب عزل قضية إسرائيل عن كل الملفات الأخرى، فالمشروع الصهيوني ومقاومته أو دعمه بشكل مباشر أو غير مباشر هو المحك. فالدول العربية وغير العربية التي تحاربت بما يقوي إسرائيل أو شغلت محور المقاومة لأي سبب ساندت إسرائيل، والدول التي ظلت محايدة في الصراع غير المتكافئ بين إسرائيل أقوى قوة في المنطقة، ومقاومة غزة. ولكن نريد أن نعيد النظر في كل الملفات المرتبطة بالصراع. فلا بد أن يتحول الصراع مرة أخرى من كونه فلسطينياً – إسرائيلياً إلى صراع عربي – إسرائيلى، ولا بد من إعادة اللحمة العربية واللحمة الفلسطينية، ذلك أن انتصار غزة ليس نهاية القصة، وإنما سوف لن تركن إسرائيل إلى فشلها في تحقيق أهداف عملية غزة. ولا بد أن تنشط البيئة الدولية لإشعار إسرائيل بأنها كيان ضد الإنسانية بما يترتب على ذلك من آثار سياسية وجنائية. ولا بد من رفع حقيقي للحصار وفتح المعابر وإعادة إعمار غزة، ولا بد أن تعود مصر إلى دورها المرتبط بأمنها القومي والتأكيد على أن الخلافات السياسية شيء عابر وأن مصلحة مصر القومية هي دعم جوارها الفلسطيني وإضعاف إسرائيل المهدد الحقيقي لأمنها.
الباب مفتوح لعودة الذين أسرفوا على أنفسهم من العرب قبل فوات الأوان، كما أن القضية الآن ليست تسوية مع إسرائيل وإنما هي إزالة احتلال إسرائيل ووقف مشروعات الاستيطان ولا بد من أن يهب الفلسطينيون جميعاً لاستعادة أرضهم، وعلى القوى الإسلامية، أن تدرك أن انصرافهم إلى قضايا وهمية هو الطريق إلى ضياع القدس وهم ينظرون.
أن انتصار المقاومة في غزة لا يعني زوال الخطر الإسرائيلي ولا يعني انتهاء المؤامرات على فلسطين وإنما يعني من باب أولى أن ذلك كله سوف يوضع في إطار جديد وسوف تصر إسرائيل على خطتها الأولى عندما بدأت عمليتها في غزة وهي انتهاء المقاومة والطريق إلى ذلك هو إيجاد المقاومة وتجفيف طرق تسليحها وسوف تصر إسرائيل في المرحلة المقبلة على أن وجود المقاومة في غزة هو أكبر تهديد لأمنها خاصة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية وعد الشعب الإسرائيلي بالأمن الكامل حتى لو كانت صواريخ المقاومة غير مؤثرة في حياة الإسرائيليين، فهم قوم يحرصون على الحياة كاملاً ولكنهم يشعرون بأنهم لصوص وأن وجودهم عابر مهما طال الزمن، مقال شعب من تراب المنطقة يتمسك بحقه في الحياة التي أنكرت عليه فيطلبون الموت حتى توهب لهم الحياة. وقد أدركت إسرائيل أن الشعب الفلسطيني وبسالته هو الأحق بهذه الأرض وليس الغاصب الذي يعتمد على معونات مختلفة. ولو قدر لإسرائيل بكل قوتها دون إمداد خارجي أن تواجه المقاومة الفلسطينية بكل ما يحيط بها من ظروف سلبية، فإن المقاومة تستطيع أن تنهي أسطورة إسرائيل التي روجت لها قصص الفشل في المواجهات الرسمية العسكرية معها. وأظن أن الوقت لا يزال مبكراً لكي يشعر المواطن الإسرائيلي بأن جيشه لم يعد قادراً على توفير الأمان والحياة التي يريدها. وقد برع الإعلام الإسرائيلي في تصوير التقابل بين الفتى الفلسطيني الذي يفجر نفسه في ملهى ليلي إسرائيلي يمارس الشباب اليهودي فيه مختلف أنواع المجون وبين الشاب الإسرائيلي المتمسك بالحياة. فالأول عندهم يسعى للموت ويلتقي في لحظة إنسانية نادرة مع الشاب اليهودي الذي يهرب من الموت. وخلص الإعلام الإسرائيلي بأن الشاب الفلسطيني مدمر بطبيعته أما الشاب اليهودي فمحب للحياة. وهذه قراءة معكوسة لأن الشاب الفلسطيني الذي خصمت حياته وأرضه وكرامته لصالح الشاب اليهودي ترخص عنده حياته هذه الذليلة لكي ينتقم من غاصبيه. وهذه لقطة أظهرتها فترة العمليات البرية القصيرة في المواجهة غير المتكافئة بين إسرائيل والمقاومة في ملحمة غزة الأخيرة.
الكاتب مصري و أستاذ القانون الدولى والعلاقات الدولية فى الجامعة الأمريكية والبريطانية و جامعة القاهرة