الاثنين، 27 يوليو 2015

العقل المهاجر إلى الأزمنة المفقودة

 Résultat de recherche d'images pour "‫لكاتب د. نارت قاخون‬‎"

د. نارت قاخون

يلحظ الراصد لتجليات العقل العربي حاضراً، سواء كان فقهيّاً أم حداثيّاً أم يساريّاً أم سلفيّاً أم وسطيّاً، أنّه عقل "مهاجر" إلى التاريخ "ساكن" فيه، على اختلاف مرجعياته وتجليّاته. إذ إن "الحاضر" دوماً هو "فرع لتاريخ ما"؛ فـ"الخير" و"الشرّ" معاً ليسا إلا "ثمرة" من "خير قديم" أو "شرّ قديم". وما اختلاف تجليّات العقل العربيّ حاضراً، إلا في اختلاف مرجعيّة نظرهم لـ"أصل الخير القديم" أو "أصل الشرّ القديم". 
فالاتجاهات المسماة "سلفيّة"، مثلاً، ترى الخير في "فئة مخصوصة" من أهل القرون الماضية "احتكر خيرها" في الأزمنة التالية فئة تُسمى "أهل الحديث"، ثمّ أعاد تجديد احتكارها "ابن تيميّة" ثم "محمد بن عبدالوهاب وأتباعه"؛ فما يزال أتباع هذا الاتجاه يصنّفون "الخير" و"الشرّ" وفق "تأصيل" هذا الاتجاه المختار، داعمين فكرة "تفرّدهم بالصواب" و"احتكارهم لمقياس الخير والشرّ" بجيش من "المرويات" القلقة معرفيّاً وعلميّاً وتاريخيّاً وواقعاً. وهم في نظرتهم للواقع والحاضر، لا يخرجون عن قياس "ما يجب أن يكون في الحاضر" بـ"ما كان في الماضي". و"الماضي" عندهم ليس كلّ الماضي والتاريخ، بل هو "تاريخ مخصوص" يختارونه وفق سلسلة من "التكرار" و"إعادة الإنتاج" و"الانتقاء والإقصاء"، لتأكيد امتلاكهم "الأصل النقي الصحيح" الذي يحتكر "الخير" أصلاً وفرعاً. وكأنّ حركة الزمان والمكان الممتدة قروناً، والخبرة الإنسانيّة المتراكمة المتغيّرة، بل المتقلّبة، لا تشكّل أكثر من "حاشية تاريخيّة" ليس لها أثر في "الأصول" و"نموذج النّظر والاحتكام"، جاهلين أو متجاهلين أنّ "الأصل التاريخيّ" الذي سكنوا إليه وجعلوه "ثابتاً قارّاً أصلاً" لكلّ ما يتلوه، هو "حدث في التاريخ" أيضاً، و"حالة من السيولة في سيرورة التاريخ"، حاولت أن تستجيب لآفاق عصرها بما تستطيع من إجابات، وهي حجة -إن كانت حجة- على زمانها وتاريخها، لها ما لها وعليها ما عليها في زمانها ومكانها اللذين أثرا فيها وأنتجاها.
هذا السكون إلى "التاريخ" والهجرة إلى "الماضي" تفسيراً للحاضر، ورسماً له على قدّ "التاريخ الموهوم"، ليس سمة فريدة خاصة بالاتجاهات الموسومة بـ"السلفيّة الدينيّة"، بل هو حاضر بالقوة نفسها عند كثير ممن يقدّم نفسه "تجديديّاً عقلانيّاً" مثلاً، أو "حداثياً ليبرالياً" أو "ثوريّاً يساريّاً"؛ فهؤلاء -في أغلب تجليّات عقلهم وفكرهم- يهاجرون إلى التاريخ ويسكنون فيه أيضاً، وما الاختلاف إلا في أمرين:
1. اختلاف في "اللحظة التاريخيّة"؛ زماناً ومكاناً وشخوصاً من تلك التي تنتمي إلى "تاريخنا" وتُرسّم "مرجعاً وأصلاً ونموذجاً". فإذا كانت "السلفيّة" ترى في ما يُعرف بـ"أحمد بن حنبل" و"أهل الحديث" و"ابن تيميّة" و"محمد بن عبدالوهاب"، نموذجاً وسلسلة مقدّسة ذهبيّة، فإنّ جمعاً من "أهل التجديد" وجدوا في "المعتزلة" نموذجاً تاريخياً وأصلاً مرجعيّاً يُعاد إنتاج "بعض مقالته" لمواجهة "العصر وتحديّاته"، تحت إغراء "المقابلة" الاختزاليّة تاريخيّاً وحاضراً بين "العقل والنقل" وأهلهما.
والدارس للتاريخ وتاريخ الأفكار بما هو تاريخ، يعلم أنّ "المعتزلة" حالهم كحال أيّ "استجابة تاريخيّة" قدّمت حلولاً ناجعة في أبواب، وأنتجت في الوقت نفسه "مشاكل مؤرّقة" في أبواب أخرى. وهذه ليست مزيّة أو عيباً في "المعتزلة" أو غيرهم من المذاهب إذا ما نظرنا إلى نتاجهم الفكريّ في ظلّ "الشروط التاريخيّة والحضاريّة" التي أنتجت هذا الفكر. لكن المشاكل تتفاقم، والمنافع تتضاءل، حين يصرّ أبناء "الحاضر" على "استعارة" هذه النماذج التاريخيّة "نماذج اختزاليّة" تتحكّكم بما هو "خير وشر" وتحتكر "النموذج التأصيليّ" الذي لا يكون "الواقع والحاضر" إلا فرعاً عنها وثمرة لها بالضرورة.
2. تزاحم في "اللحظة التاريخيّة" المنتقاة والمطوّبة "أصلاً ونموذجاً" بين لحظة تنتمي إلى "تاريخنا" وأخرى تنتمي إلى "تاريخ غيرنا". فتجد "الحداثيين" و"اليساريين" و"الليبراليين" وغيرهم، مسكونين بتاريخ "خليط" بين "تاريخ غيرنا" و"تأويل تاريخنا" يجعلونه "الأصل" و"النموذج" الذي لا يُمكن قراءة "الحاضر" من دون "القياس عليه"، فيتحدّثون عن حاجتنا إلى "ثورة بروتستانتية" تحاكي ما يُسمّى بـ"ثورة الإصلاح الديني في الغرب"، جاهلين أو متجاهلين أنّ لهذه "الثورة" سياقات ماديّة وبيئية وجغرافيّة واقتصادية وثقافية ودينية وسياسية وحضارية لا تتطابق بالضرورة وسياقات سيرورتنا وحاضرنا، من دون أن يعني ذلك أنّ الواقع الإسلاميّ وامتداده التاريخي والمستقبليّ يمثّل حالة "فريدة خاصة" لا تقبل التقاطع مع غيرها؛ فكثير من العوامل الماديّة والعوامل الحضاريّة تتجاوز خصوصيّة التجربة الثقافيّة وانحيازاتها، إلى أفق التجربة الإنسانيّة والخبرة الجمعيّة القابلة للبقاء والاستثمار في الأزمنة المتوالية. ومن دون أن يعني ذلك، أيضاً، أنّ "إصلاح العقل الدينيّ" ليس مطلباً ضروريّاً في السياق الإسلاميّ؛ بل تظهر أسباب هذا الإصلاح ومسوّغاته في اللحظة الراهنة أكثر من أي وقت سابق، لكنه إصلاح ينطلق من واقع الخبرة الدينيّة المسلمة، مستلهماً تاريخنا وتاريخ غيرنا من دون إسقاط وتحكّم يجعلان "الواقع" أقلّ أطراف المعادلة حضوراً. 
والمشكلة أنّ "العقل المهاجر إلى التاريخ"، على اختلاف تجليّاته مع اتّفاق آلياته، يستطيع لعوامل كثيرة أن يقدّم مشروعيّته في الزمن الحاضر؛ فهو عبر "تأويل التاريخ" و"تأويل الواقع" يُعيد تشكيلهما ليكون "الثاني" فرعاً عن "الأوّل" بالضرورة. لذلك، يصبح التأويل كما هو في تجربتنا الفكريّة، بل في التجربة "الهرمينوطيقية" الغربيّة، وسيلة "لاستعادة الماضي" نصّاً وحدثاً، لتحقيق معادلة تسهل حيناً وتصعب أحياناً، تنتهي إلى "المواءمة والتواطؤ" بين ما كان وما هو كائن ويكون. وهذه التأويليّة تمتح عناصر قوّتها من تلك الرغبة الكامنة في العقل الإنسانيّ عموماً بدوام "الوصل التاريخيّ"، وصيانة "السلالة التاريخيّة الفكريّة" من الانقطاع و"الطفرات" و"النبت الشيطانيّ" الذي لا آباء له ولا أجداد؛ فالفكر الإنسانيّ يميل عموماً إلى المماهاة بين "تاريخ الإنسان" و"تاريخ الأفكار"، فكما لكلّ إنسان "سلالة" ينتمي إليها تحدّد "هويته" و"انتماءه" و"شرعيّة حاضره ومستقبله" فكذلك الأفكار. وهذا من وجهة نظري تماهٍ "تأويليّ" يملك من مقومات الخطأ والمغالطة مثل ما يملك من مقومات الإغراء والجاذبيّة. فهل نستطيع أن ننفك عن هذه "الرغبة" في الوصل التاريخيّ لنؤسّس "عقلاً" لا يسكن في التاريخ، بل يسكن حيث هو فعلاً؛ أي في الحاضر بما هو حاضر، فيه من "بقايا التاريخ وثماره"، لكن فيه ما هو "نبت زمانه" الذي لا أصل له في الماضي بالضرورة؟
هل نستطيع أن نرى "الواقع" في ظلّ إمكانيّة الحاضر أن ينشئ "وقائع جديدة" و"شروطاً مستجدّة"؟ هل يُمكن للعقل العربي الفقهي والحداثي والسياسيّ والعلمانيّ أن يجترح فكره وعقله من دون أن يظلّ مسكوناً بنماذج "تاريخيّة" أو "تكراريّة" لا ترى جديداً تحت الشمس؟
قد يسهل على الإنسان عموماً أن يقبل في "العلم المجرّد" مثل هذه الانقطاعات والتحولات الجذريّة، بل الانقلابات. لكن يصعب عليه متى كان الأمر متماساً مع ثقافته، بمكوناتها الدينيّة والمعرفيّة والاجتماعيّة، أن يتحمّل عبء "المفاصلة" و"الانقطاع" و"الانقلاب". فالصواب القيمي وعيار الخيريّة والشريّة ما يزال يُنظر إليه من منظور "المطلق المتجاوز للزمان والمكان"، وهو منظور احتيالي يجعل "الماضي" عياراً، متجاهلاً أنّ "الماضي" نفسه كان حاضراً ومستقبلاً لماضٍ غيره، ثمّ يهرب إلى الوراء أكثر فأكثر، حتى يهرب خارج "الزمان والمكان" زاعماً أنّ عيار "الخير والشرّ" مطلقان يعودان بأصليهما إلى "مطلق كلّي" يتجاوز الزمان والمكان وشروطهما متناسياً أنّ "الإنسان" بما هو إنسان قابل للانفكاك عن آبائه وأجداده في "صلاحه" و"فساده"، فكيف بأفكاره وحلول مشاكله؟

الخميس، 23 يوليو 2015

تجار السلاح و.بارونات المال والاعمال .يقودون العالم الى دمار شامل ووشيك وقيامة انسانية مستعجلة !!!



في خطاب  للرئيس الامريكي  دفيد ايزنهاور  القي في  17 يناير 1961   ابان انتهاء ولايته الرئاسية قال بالحرف "  في الاجتماع الوزاري  يجب ان نحتاط  من محاولة    القطاع الصناعي -العسكري  التغول وكسب  قوة مؤثرة غبر مشروعة   بصفة ارادية اوغير مقصودة   فخطر استحودهما على السلطة والقرار  خطر موجود وسيستمر "
وزير الدفاع الكندي الاسبق  بول هيللير يستشهد بهدا الخطاب و   يكشف عن مؤامرة عالمية امتدت لعقود ولزالت  خيوطها تحاك  حتى اليوم  للسيطرة على العالم من طرف  قلة قليلة من  النافدين والاثرياء  عبر التحكم في  الابناك الكبيرة و احتكار التكمنولوجيا  الدقيقة والصناعات الحربية وبيع الاسلحة  في شره  يزداد بصورة  مرعية  وجنونية قد تعصف بالوجود الانساني وتعجل  قيامته  سريعة ورهيبة  -موسى المصلح 

الأحد، 12 يوليو 2015

حداثات ضد الحداثة

حداثات ضد الحداثة

رشيد المومني
غير بعيد عن تجليات تلك الخلافات الحادة والشرسة القائمة بين مختلف أصناف وأنماط الحداثات الموجودة فينا وحولنا، وهي بالكثرة التي يشيب من غرائبها الولدان.
سنكتفي بالإشارة إلى ذلك الفرق الشاسع والفاصل بين الحداثة القائمة على أرضية التغييب التام لسلطة المقدس، وتلك التي تعتمده رافعةً مركزيةً لها، حيث يصبح الاختلاف هنا ذا طبيعة جذرية، من منطلق أنه اختلاف يخص مكونا مؤسسا وفارقا بالنسبة لقيمِ شعوبٍ، وحضاراتِ أُممٍ، ومن منطلق أن الهوة ستظل حاضرة وبقوة في أي مشروع تواصلي يُحتمل تحقيقه بين التوجهين. ذلك أن الحداثة المحروسة بسلطة المقدس، تنتقد الحداثة العلمانية من منطلق سوء تمثلها التاريخي له، ومن تأويل تنكرها الصارم لقيمه الروحية على قاعدة افتقارها للشروط الاجتماعية والأخلاقية الكفيلة باستمرارية حضوره، حيث ترى أن واجبها الأخلاقي والإنساني يلزمها بدعوة الآخر/ العلماني/ اللآئيكي، إلى وجوب تبني قيمها الدينية الكفيلة وحدها بإنتاج «حداثة حقيقية»، يتكامل فيها الدنيوي بالقداسي. وهو ما يبدو من وجهة نظر الحداثة العلمانية، التي لا تجد أي حرج من المجاهرة بنفورها من كل ممارسة دينية تحد من حرية العقل والجسد، مجرد دعوة لا تاريخية، ينبغي إخلاء المشهد من أي أثر لحضورها، وهو إخلاء غالبا ما يأخذ شكل انتقام لا مشروط من سلطة سبق لها أن مارست ولعدة قرون، هيمنتها الساحقة على الأجساد والأرواح . كما يأخذ شكل استدراك أهوج لأزمنة ظلامية، كانت السيادة الكاملة فيها للاضطهاد العقلي والفكري، بفعل إكراه الشعوب على تبني شرائع كانت – من وجهة نظر الحداثة المتدينة- على درجة كبيرة من الانحراف والضلال. وكما هو واضح فإن الأمر يتعلق بإقصاء متبادل بين الحداثتين، أساسه التباين الكبير في تقييم كل منهما لعلاقة الآخر بالمعتقد الذي يتبناه، حيث يصبح الصراع مقترنا بالجوهري وليس بالعرضي، ولو أن هذا الجوهري لا يعلن عن نفسه دائما.
بمعنى أن المسألة الدينية تكون نسبيا مغيبة في خطاب الحداثة المتدينة، كي لا تتهم بانحيازها إلى السلفية والتخلف، إلا أنها ومع ذلك، تتصدى بالنقد الصارم لمجموع القيم السائدة لدى الحداثة العلمانية، من خلال التركيز على فساد ما تتداوله من قيم منافية للأخلاق وللمسلكيات السوية والطبيعية. كما أنها تتصيد وقوع الكثير من الهزات اللاأخلاقية التي تؤثر بشكل مباشر، على المشهد السياسي، فتعمل على تضخيمها باعتبارها سببا وجيها من أسباب الانتكاسات المستشرية فيه، خاصة حينما يتعلق الأمر برموز سياسية، أو اقتصادية لها وزنها الخاص في عالم المال والأعمال. وفي الجهة المقابلة نجد الحداثة العلمانية تجنح إلى تأويل كل مظاهر التردي الاجتماعي والاقتصادي لدى غريمتها، بوقوع شعوبها تحت رحمة السلط الدينية، كما لو أنها تقوم بعملية إسقاط لماضيها الشخصي على حاضر هذه الشعوب المتدينة. والغريب في الأمر، أن عنف المسألة الدينية لا يناقش عالميا على أرضية التدين العام، بل تتم مركزته في مضارب الخيام الإسلامية، وهو ما يمنح للحداثة السياسية، مبررها المكشوف في الظهور بتلك القدرة الخارقة على اختلاق الأعذار التي تصب في مصلحة هذا أو ذاك، انسجاما مع رؤيتها لمنطق الغلبة. اختلاق أعذار الإطاحة بك من حيث أنت، واختلاق أعذار تكريس الذئب راعيا لقطعان الروح. وكما هو معلوم فإن اختلاق الأعذار هذا أصبح علما له منهجياته، ومدارسه ونظرياته وخبراؤه وضحاياه أيضا، إذ بهذا العلم فقط، يمكن تدبير حركية العالم وفق ما تقتضيه المصالح العليا للمراكز المستفردة بسلطة القرار. إن شراسة الانتقاد الذي تتعرض له الحداثة المتدينة من قبل الحداثة العلمانية، لا يعتمد على المعايير العقلانية التي توظفها هذه الأخيرة في تفسير الأزمات الاقتصادية التي تحدث أن تقع فيها شعوبها، فالأزمة ذاتها التي يمكن أن يتعرض لها الشمال والجنوب في لحظة تاريخية معينة، تؤول بالنسبة للشمال تأويلا تقنيا وعلميا وعقلانيا، لكنها تؤول بالنسبة للجنوب، على ضوء الديني الذي ترى فيه السبب المباشر في ما تسميه بالتخلف الحضاري، وليس مجرد أزمة موضوعية ذات مرجعية اقتصادية أو سياسية. إن التضاد في آلية التحليل والتفسير، يؤدي إلى الكيل بمكيالين من قبل الجهتين المتنحارتين، كما يؤدي إلى التوظيف المغرض والملتبس للمفاهيم. إن هذا التضاد الذي يعلن باستمرار وبصيغه المختلفة عن تفاقمه، يحبط كل أمل في ردم تلك الهوة الفاصلة بين الحداثات، وفي أقل تقدير يحاول حجبها بغبار التسامح الذي لا يلبث أن يتبدد، كي تظل الهوة حاضرة وملحة على الإعلان عن تنامي تداعياتها.
وبقليل من التأمل وإعمال الفكر، يمكن أن نخلص إلى حضور حالة رهاب مزمنة لدى الحداثة العلمانية في ردمها المطلق لمرجعياتها الدينية، وفي تنكرها لذلك الامتداد الديني الخفي الحاضر في كثير مشاريعها الفكرية والتنموية..
إن الإلحاح على دفن المرجع الديني يعفي الجسد من تكريس أي طاقة منه ومهما كانت يسيرة، لصالح هذا المرجع، في حين أن زمن الحَدَثِ أمسى ضيقا، لا مجال فيه للمغامرة بانتظارات أخرى غير انتظارات هذا الجسد، حيث لا وقت للالتفات أبعد مما تقدمه لك المائدة من أطاييب. لقد أمسى الاهتمام كله منصبا على تكييف الأسئلة، كي تُمركِز اندماجها في العابر دون المقيم، في المتلاشي دون الممانع. لذلك سيكون من الصعب الامتثال إلى كينونة برأسين، إحداهما متجهة للآخرة والثانية تعيش حيرتها وارتباكها هنا. إن الزمن الديني أمسى بالنسبة للحداثة العلمانية وحاشياتها، موضوع شبهة وريبة، لأنه زمن أمسى قادرا وقابلا لهدم منجزاتها! إنه يذكرها بزمن الحجر على مفكريها ومبدعيها، على امتداد تاريخ طويل من الصدام المؤدي أحيانا إلى الحوار، وأيضا من الحوار المؤدي إلى إشعال فتيل أكثر من حرب ومن إبادة. لذلك فإنها تمارس سياسة الأرض المحروقة التي لا يمكن أن تسمح له بالإقامة في أي شبر من مساحتها، كي لا يحتفظ سوى بمشروعية حضور منذور لغيابه العاجل. إن هذا الاجتثاث يتم عبر تحويله إلى موضوع للسخرية للضحك، وعبر تظليم ما يبدو غامضا فيه، وكذلك عبر تضخيم بعض الممارسات اللادينية، من أجل تأليب عشيرته عليه. وباسم الحرية واللائيكية تُقدَّم القيم الأخلاقية كقرابين على مذبح السوق الكبير. كما تدشن المزيد من أسواق التحرر العام. إنها الحرية المطلقة لغيلان التجريب المختبري، والتجريب هنا -الذي لا علاقة له بالتجريب الإبداعي الخلاق – يتمتع بحظوة مطلقة لا تتردد في إخضاع الممكن والمستحيل لخبرتها .إذ سيكون بإمكان الخبير أن يتحول إلى شبه إله يتحكم في ما تطوله كفاياته المعرفية والتقنية من عوالم وكائنات، حيث لا حدود للعبة التجريب التي يكون فيها الجسد هو اللاعب الكبير/العقل/ والمخيلة أيضا، لعبة يُرفع أمامها كل حظر وكل منع .غير أن المأساة الكبرى، تكمن في كون الحداثة العلمانية، ومن خلال تفوقها في تخليص مجتمعاتها من سلطة المقدس ورهبوته، قد أفلحت تماما في تحويل هذه الشعوب إلى مجرد عبيد، يأتمرون بتشريعات سلطات أسطورية ولا مرئية، ذات مرجعية استهلاكية، تكرس غواية الإدمان على امتلاك كل ما هو آيل حتما إلى فنائه، حيث البقاء للعابر وحده دون غيره .
شاعر وكاتب من المغرب
رشيد المومني

الخميس، 9 يوليو 2015

الثقافة العربية بين أزمة الآخر والبديل: الاعتقاد بأصولية الفكر الشرقي أدى للتنافر بينه وبين الفكر الغربي

باسم توفيق/القدس العربي 
في بعض الأحيان تكون الإجابات على الأسئلة البديهية البسيطة مستحيلة وغير ممكنة، على الرغم من بساطة هذه الأسئلة التي نطرحها وبشكل مستمر، وهذا ينطبق بشكل حصري على الثقافة العربية وآلياتها، فالمطروح فيها من أسئلة بديهية وبسيطة أصبح من المستحيل الرد عليه وأصبحت البلبلة وانحسار الرؤية أحد سمات استطلاع هذا المشهد الثقافي العربي بشكل عام، ومن دون استثناءات مسبقة.
وربما أسباب التباس المشهد الثقافي العربي واضحة وجلية، لكنها بحاجة لتفنيد وتصنيف لأن المعروف هنا في منطقتنا العربية أن فوضى التفسير وعدم أخذنا بمبدأ التأطير يجعل من الحقيقة المطروحة لغزا تائها وعصيا على الفهم.
منذ أكثر من ثلاثة عقود وأخبار الثقافة العربية عالميا لا تقدم لنا أي دليل على أن منطقتنا العربية، بل ربما معظم العالم الشرقي يسير في اتجاه صحيح نحو فكرة ثقافية متماسكة ومتجذرة ولها قيمة، أي أن المسألة الفكرية في وطننا العربي تسير بخطى قوية نحو اللاقيمة والأدلة على ذلك كثيرة ومتنوعة، ويأتي على رأسها إقصاء الفكر الشرقي بشكل صريح عن ساحة الجدل العالمي وتحييد الطرح الفكري العربي بوصفة متطرفاً يحمل بذور الصراع الدموي الذي يغذي التطرف، باعتبار أن الفكر الديني الأرثوذوكسي هو الجذر الأصلي للفكر الشرقي، والمقصود بالأرثوذوكسي هنا ليس المسيحي، كما قد يعتقد البعض، بالطبع لا لأن كلمة أرثوذوكسي تعني الأصلي او المستقيم أو السلفي .. ومن هنا فإن السلفية الإسلامية تعتبر أرثوذكسية بالمقارنة مع ليبرالية الفكر الإسلامي الحديث، كذلك الأرثوذكسية المسيحية تعتبر أرثوذكسية بالنسبة للمسيحية اللاحقة، سواء كاثوليكية أو بروتستانتية.. من هنا يعتبر الغرب أن الفكر الشرقي، سواء الذي يعتقد أن الإسلام السلفي هو الملهم لها، أو سواء اعتقد أن المسيحية الأرثوذكسية هي النبع الذي يغذية بضوابط وحدود، سواء هذا أو ذاك فإن الفكر الغربي يميل أكثر لإقصاء الفكر الشرقي عن ساحة الجدل بوصفة قاسما مشتركا في عالم واقعي يعيشه.
من هنا بدأت الفكرة الثقافية العربية تنمو في معزل عن التنظير تجاه الآخر، أي الفكر الغربي، ولعل هذه الحساسية في ضمير الفكر الشرقي باعتباره مقصى عن شواغل الآخر هذا الاقصاء زرع فكرة عداء الآخر ولو في اللاوعي، من هنا أصبح معظم الإنتاج الفكري العربي يعتبر الآخر الغربي عدوا أو منوطا بتفكيك أصالته وهذه هي أولى الأسباب التي خلقت التشويش في المشهد الثقافي العربي، من حيث أنها جعلته دائم التحفز تجاة الآخر، ومن ثم استحالة التلاقي الخلاق الذي يخلق إبداعا حقيقيا.
ولعل أهم أسباب انحسار الرؤية في المشهد الثقافي العربي هو انشغال المنطقة بتحديد المصير، فأي أمة تمر بظروف سياسية صعبة ولحظات تحديد المصير تتراجع فيها الهمم الثقافية والفكرية بشكل ملحوظ، على اعتبار أن تقرير المصير السياسي وربما الكيان القومي أهم من مسألة الطرح الثقافي، والتاريخ أكبر مثال على ذلك، فمثلا أثينا تقوضت دعائمها بوصفها منارة الفكر في العالم القديم منذ بدأ حروب البوليبونيسوس بين دويلات البحر الأيجي، التي انتهت بوقوع أثينا في يد الغول المقدوني فيليب الثاني والد الإسكندر الأكبر.. ومن ثم انتقلت الريادة الفكرية للاسكندرية في ما بعد.. والأمثلة كثيرة. من ثم فإن أمتنا العربية وانهماكها في تقرير مصيرها كأمه تعاني قصورا سياسيا كبيرا جعلها في مؤخرة الأمم المعنية بوجود مشهد ثقافي متماسك ومتمازج يتقبل الأخر بل ويعترف بالأغيار. هناك أيضا مسألة تحديد الهوية الفكرية من حيث هي دوغماوية أي تستمد ثقلها من فكرة دينية أو فكرة تحررية بحتة تعتبر الطرح الديني هامشا في فكرها وليس متنا، وهذه القضية من أخطر القضايا التي ربما تقوم عليها أنساق فكرية لأمم، وربما تموت الفكرة الثقافية عند حدها القاتل.. فالفكرة الدينية أو العقائدية ووجودها الدائم في ضمائر الشعوب الشرقية جعل منها في أحايين كثيرة عائقاً نحو تكوين مشهد ثقافي متسق، وليس ذلك إنكارا للفكرة الدينية كمحرك مهم، لكن هذه القضية بالتحديد تعول على كيفية استخدامنا للفكرة الدينية داخل العمل الإبداعي والرؤية الثقافية، فهي إذا تم استخدامها بشكل صحيح أصبحت محركا قويا، وإذا أخطأنا طريقة استخدامها أصبحت معولاً لهدم البناء الثقافي كله، وهذه الفكرة بالتحديد تقودنا لأهم عنصر في ضبابية المشهد العربي الفكري عامة، وهي فكرة غياب التنوير التي في الأساس تعول على مسألة الفكرة الدينية.
فالتنوير بالأساس هو وجود القدرة الحقيقية ووجود منطق عقلاني لتطوير الخطاب الديني، بحيث إذا تهيأ لنا الوصول بالخطاب الديني للشفافية التي تؤهلة لتدعيم روح العصر، مع الاحتفاظ بأصالته كانت هذه هي نقط البدء في وجود تنوير شامل للفكر عامة، ولعل استقراء التاريخ يقدم لنا المثال في ذلك، فمثلا عصر النهضة الذي ملأ العالم ثقافة وفنا وعلما لم يبدأ إلا عندما تراجعت العصور الوسطى بفكرها السوداوي والانهزامي، الذي استخدم الخطاب الديني في التخويف وجعله عقابا وليس ترويحا، كما يجب أن يكون، وبمجرد سقوط فكر العصور الوسطى أمام ظهور التنوير في الخطاب الديني على يد فرانسيس الأسيزي وتوما الأكويني وغيرهما الكثير، بدأ عصر النهضة يطرح ظلام العصور الوسطى وظهر مشهد ثقافي غاية في الروعة والاتساق، وليس التنوير العربي ببعيد عنا، فنحن نعرف أنه بظهور الخطاب الديني التنويري على يد رفاعة الطهطاوي والإمام محمد عبدة، ثم أمين الخولي وغيرهم ظهر المشهد الثقافي العربي في وقت قياسي كند قوي ونظير متماسك للفكر الغربي، وكان العقاد المثقف الهاوي وطه حسين المثقف المحترف وتوفيق الحكيم المبدع المتبحر ولويس عوض الأكاديمي المتمكن، كل هؤلاء وغيرهم كثيرون كانوا فخر المشهد الثقافي العربي الذي ناظر الغرب عقوداً وقدم لهم الند والنظير، والدليل على أن تطوير الخطاب الدوغماوي بكافة آلياته هو المحرك الأقوى لخلق مشهد ثقافي متسق وواضح هو ان معظم من أخذناهم أمثلة نشأوا في بيئات دينية متفاوته وانفتحوا على الآخر ونهلوا من عصارة التنوير الذي بدأه الجيل الذي سبقهم .
إن التخبط في إيجاد جذور أصيلة للفكرة الثقافية العربية أدى لهذه الحالة من التشويش والالتباس، فنحن نتأرجح بين أصالته من حيث هو شعبوي ديني قومي راديكالي مذهبي …. إلخ مع استحالة ضم معظم هذه الجذور في سلة واحدة كاستحالة استنبات نبات واحد من عدة بذور، ومن ثم هناك مسؤولية كبيرة على الأكاديميين والمثقفين الفعليين في توضيح كيفية خلق جذور بنائه لتكوين مشهد ثقافي حقيقي ومتماسك، بل ووضع خطة جادة لتلقين الأجيال الجديدة أسس التفكير والتنظير بشكل حيادي بعيدا عن تشنجات التعصب.
كاتب مصري
باسم توفيق