السبت، 29 مارس 2014

الجزائر: محطات خاصة قلبت المشهد الانتخابي





(لطوف ــ البرازيل)
مع اقتراب السباق إلى سدّة الرئاسة من نهايته، دخلت الشاشات إلى قلب الصراع. يسعى أنصار كل مرشح إلى التأثير على الرأي العام، ووصل الأمر بالبعض إلى حد إطلاق قنوات جديدة لمساندة مرشح على
حساب آخر
زهور غربي
الجزائر | منذ 23 من الشهر الحالي، انطلقت الحملات الإعلانية للانتخابات الرئاسية الجزائرية ضمن أجواء محمومة اتسمت بتكمّ أفواه المعارضين. خلال الأيام الماضية، سجّلت منظمات حقوق الإنسان الكثير من الانتهاكات لحرية التعبير عبر تضييق الخناق على المحتجين في الشوارع، وعلى وسائل إعلام خاصة معارضة. أبرز ما قامت به السلطة تمثّل في إقفال قناة «الأطلس» الفضائية بعد مصادرة عتادها التقني وتشميع مقرّها. وعمدت إلى تقليص إعلانات بعض الصحف بدعوى «العمالة للخارج والعمل على خلق فوضى، وجرّ البلاد لما لا تحمد عقباه». الحجج نفسها حملتها رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في اليوم الوطني للشهيد التي اتهم فيها الصحافة بـ«إساءة استعمال حرية التعبير» حين قال: «هناك مآرب تتخفى وراء التعليقات باسم حرية التعبير، لها غايات خبيثة هدفها المساس بالدفاع والأمن الوطنيين». بهذا، احتكر الرئيس المشهد الإعلامي، خصوصاً مع إطلاق قنوات فضائية لمساندة ولايته الرابعة، والترويج لمشاريعه السياسية على غرار قناتي Président (الرئيس)، و«وئام».
قبل الحديث عن المعركة الإعلامية التي ظهرت أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أنّ الإعلام الجزائري ينقسم إلى حكومي وخاص. الأوّل محكوم بإرادة سلطة تريد جعله مجرّد مرآة لها، ما يجعل الكلام عن فتح الإعلام العام أمام الرأي الآخر مجرّد خطاب موجه للاستهلاك الشعبي فقط. أما الإعلام الخاص، فيتعاطى بطريقة مختلفة مع المرشحين، إذ تُبدي القنوات المستقلة (أكثر من 10 محطات) اهتماماً بأبرز المرشحين أي بوتفليقة وعلي بن فليس، في حين تتعاطى بأهمية أقل مع أنشطة باقي المرشحين الأربعة: لويزة حنون، وموسى تواتي، وعلي فوزي رباعين، وبلعيد عبدالعزيز. النتيجة ككل أنّ هناك قنوات اختارت أن تكون بوقاً للسلطة، وأخرى قرّرت مساندة أحد منافسي بوتفليقة، وأخرى تحاول الوقوف على مسافة واحدة من كل المرشحين، لاعتبارات مثل ريع الإعلانات والإعلانات الرسمية.
الملامح الأولية للحرب الإعلامية بين بوتفليقة وخصومه، تؤكد أنّه لا خيار لوسائل الإعلام الخاصة، إلا التهليل للسلطة المصممة على بقاء الرئيس الحالي. حتى تلك التي تحاول التظاهر بالحياد، فهي غير قادرة على التخلص من مخاوف الغلق والمصادرة على طريقة ما حدث لقناة «الأطلس». وفي بعض الحالات، يتجه مرشح لتأسيس قناة خاصة به تروّج لمشروعه الانتخابي كما فعل المرشح علي بن فليس الذي افتتح قناة Espoir (أمل).
في هذا السياق، يبرز رأي محمد بن عبد الله، وهو متابع للشأن الثقافي والسياسي.
يقول الأخير لـ«الأخبار» إن تناول القنوات الجزائرية للشأن السياسي عموماً، والانتخابي خصوصاً «لا يرقى إلى مستوى المهنية والاحترافية المطلوب»، مضيفاً أنّ «قنواتنا تبارك دائماً وتهلل لما تفعله السلطة ولا تتكبد عناء التأكد من المعلومات». واعتبر بن عبد الله أنّ كل الشاشات «تخدم السلطة بطريقة أو بأخرى، وتروّج لوجهة نظرها، وهذا يعود إلى احتكار السلطة لمجال الإعلام المرئي والمسموع، الذي ما زال ينتظر الإفراج عن القانون الخاص به»، مشدداً على أنّ كل التلفزيونات الجزائرية تعمل «خارج القانون». ويكمل بن عبد الله بأنّ هامش «حرية الرأي عندنا لا يزال صغيراً ومحتكراً من جهات نافذة، لا تسمح بمرور ما لا يخدم رؤيتها ومصلحتها السياسية، لذا وقفت قنواتنا ساكتة أمام ترشّح بوتفليقة رغم خرقه للقانون وعجزه عن القيام بدوره».
هنا، لا بد من الحديث عن «التلفزيون الجزائري» الرسمي واتهامه بالانحياز للرئيس بوتفليقة. إذ أصدر مناصرو المرشح علي بن فليس بياناً ندّد بالممارسات «اللامهنية للجهاز الحكومي، والخرق الصارخ لأبسط أخلاقيات المهنة وقواعد الخدمة العامة التي تُلزم المؤسسة الإعلامية». وأشار البيان إلى الآثار السلبية التي يمكن أن تترتّب على هذا «التحيز المفضوح»، خصوصاً على صدقية وسير الاستحقاق الرئاسي المقرر في 17 نيسان (أبريل) المقبل. وفي ظل انحياز التلفزيون الرسمي «الصارخ» لصالح بوتفليقة، يشيد البعض بما تقوم به الفضائيات الجزائرية، نظراً إلى أنّ تجربتها لا تزال فتية. هذا ما يؤكدّه الإعلامي الجزائري رضا شنوف لـ«الأخبار». يشير شنوف إلى أن هذه الانتخابات «تجري بمعطى جديد، ألا وهو الشاشات الخاصة التي تحضر للمرّة الأولى في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الجزائر»، لافتاً إلى أنّ «تاريخ نشأتها لا يتجاوز العام ونصف العام. وبالتالي، فإنّ تغطية وسائل الإعلام الثقيلة للحملات الانتخابية، ما عدا التلفزيون الرسمي، تكتسي «تجربة جديدة في العمل الإعلامي». أما في ما يتعلق بتغطية هذه القنوات لترشّح بوتفليقة، أو تغطية الحملات الانتخابية المساندة له من قِبل فريق من الشخصيات السياسية (جلّها يتقلد أو تقلد مناصب ومسؤوليات في الدولة)، فهي تراوح بين «الدعم المباشر» من بعض القنوات بينما تمسك أخرى العصا من الوسط، محاولةً توخي الحيادية إلى حد ما بإعطاء الكلمة للموالين لبوتفليقة وللمعارضين له أيضاً. علماً أنّ الصحافي في جريدة «الخبر» الجزائرية أشار أيضاً إلى أنّ هناك قنوات أنشئت خصيصاً لدعم الرئيس الحالي في السباق الانتخابي
.
                                                المصدر/ الاخبار اللبنانية

الجمعة، 28 مارس 2014

قصص النَّاس.. وقسوة البوح التلفزيوني



بقلم /فاطمة الافريقي 
لم تعد الدراما الباهظة الكلفة تغري صناع الفرجة التلفزيونية ، أصبحوا يفضلون قصص الناس الواقعية والطازجة والزهيدة الثمن لملأ فراغ الشاشات ..
لم يعد مُشاهد التلفزيون متفرجاًّ حالما ومتعاطفا ، فقد غدا من فرط العنف البصري ،كائنا ساديا يتلذذ بعذاب الآخرين،ينتشي بالفضائح العارية ، ويجد متعة غريبة في التلصص على أسرار الغير وحميميتهم  وهو يطل من كُوَّة الشاشة ..
لم يعد المشاهير وحدهم من يحتكرون برامج "التُولْكْ شُو" بإطلالاتهم المخملية وأحاديثهم المرتبة؛ فنجوم التلفزيون الجدد  هم أشخاص عاديون ، يتحدثون بعفوية ، يشبهون العابرين في الحارات الفقيرة ،و يطلون علينا من الشاشات بوجوه متعبة رسم عليها الزمن ندوبا تنهزم أمامها الأضواء والمساحيق..
ولم تعد البطولات والنجاحات و المؤهلات الفكرية أو حتى الشكلية شرطا لتحظى بمرور تلفزيوني ، فالضيوف المرحب بهم لرفع نسب المشاهدة هم المهمشون ، هم العفويون المتدفقون بفوضى ، هم ذوو التجارب في الهَمِّ و السوابق في الحظ العاثر ،هم أشخاص بسطاء جداًّ ، بلا مواهب ولا مؤهلات معرفية ، رصيدهم الغالي جدا في سوق الفرجة هو قصصهم المأساوية ، هو سداجتهم ، هو جرأتهم  في كشف المستور ، وهو خصوماتهم العنيفة والبليدة مع أقرب الناس إليهم،  وهو عثراتهم اللاإرادية في دروب الحياة..
ما هذه القسوة ؟..نُعرِّي الناس أمام الشاشات ، نفتح دفاترهم السرية ، نسرق حقهم في الخصوصية ، نقايض همومهم بوجبة سندويش رخيصة ، نذلهم أمام عيون الكاميرات، نستنطقهم تحت ضغط الضوء الساطع ، ننبش في جراحهم بالأسئلة العنيفة ، نلج معهم غرف النوم ،ونعرج على مطبخهم الداخلي لنفضح الأركان المتعفنة ،نصور رعشتهم ودمعهم باللقطات المقربة ، نحرضهم على الحكي وسرد كل التفاصيل بلا رحمة ،بل ونفرض عليهم إضافة مزيد من البؤس المفبرك لرفع جرعة الإثارة ، ولا نتركهم إلا بعد أن نمتص منهم آخر قطرة كرامة..
 في طريق اللهث خلف نسب المشاهدة ، تسقط القيم وأخلاقيات العمل الإعلامي ، نتخفى خلف شعارات تضليلية كالواقعية والمصالحة والتوعية والدعم النفسي ، لنتاجر ببؤس الناس البسطاء ونعرضهم بلا رحمة للهيب الفضيحة،ندوس على كرامتهم الانسانية ، ونسرق حقهم في الحميمية ،ولا نوفر لهم الحماية كأشخاص غير مؤهلين ثقافيا ومعرفيا لإدراك خطورة التشهير بتفاصيل حياتهم أمام الكاميرات وأثر هذا الفعل على عائلاتهم وعلى وضعهم الاجتماعي.
تحت جنح الصمت وحياد مؤسسات الحماية وتواطىء المشاهدين ،تتكرر كل يوم مشاهد الجلد والتقتيل الرمزي للأبرياء على شاشات الوطن ، يحكي الناس البسطاء قصصهم دون أن ينتبهوا لشَرِّ الكاميرات المتربصة، ينشرون الغسيل كاملا ، يكشفون الوجوه و المستور وكأنهم في عرض تعرِّي تحت أضواء مسرح إباحي ، يتقمصون بإتقان دورا رديئا وساقطا تحت إدارة مخرج جشع ، يقولون كل شيء ، يقولون مالا يقال مقابل لاشيء ، ويخرجون من استوديوهات التصوير مندهشين بسحر الاضواء وحسن الضيافة ، ولا يفيقون من سكرة البوح التلفزيوني اللذيذ إلا والعالم يتفرج على عريهم المفضوح..
   كل مساء يحكي الناس المهمشُّون قصصهم الغالية إنسانيا أمام التلفزيونات مجانا أو مقابل حفنة دراهم ، يملأ المنتجون المنفذون جيوبهم ، ويتوهم المشاركون الطيبون أن عثرة مرورهم التلفزي كانت مجرد حادث عابر سينساه الناس ؛لكن التلفزيونات تظل هنا تذكرهم ،تنشر غسيلهم متى شاءت ،  تتاجر بحكاياتهم البئيسة ، وتعيد بثها طازجة وحارقة في كل المواسم..

الخميس، 27 مارس 2014

الباكالوريا الفرنسية خَرق للدستور وانتهاك للسيادة الوطنية




عبد الله النملي
الثلاثاء 25 مارس 2014

الباكالوريا الفرنسية خَرق للدستور وانتهاك للسيادة الوطنية
حدث غير مرة أن غابت وسيلة التواصل بين الأقدمين باندثار لُغات الأولين، حيث اخْتَفَت اللغة المصرية القديمة، ومعها أسرار الحضارة الفرعونية، فوقف المصريون المعاصرون، ينظرون طويلا لتراث أجدادهم مشدوهين، إلى أن نجح علماء الآثار في فك طلاسم الهيروغليفية. وقد تَكَرّرت في أيامنا هذه عدة شواهد، تُنذر بنتيجة مُشابهة، قد تحل بلغة " الضاد " ببلادنا، فَتُمْسي مُجرد مادة للبحث على " أجندة " علماء الآثار. ومن هذه الشواهد ظهور مشاريع مكررة، ظاهرها الحرص على " تطوير منظومتنا التعليمية" وباطنها التمكين للغة المستعمر.لقد أصبحت العربية غريبة في عقر دارها، حتى أن العواصف الهوجاء بدأت تَقْتَلعها من جذورها، كما تقتلع الأشجار. ولعل استباحة اللغة العربية، ليس فقط من طرف الإستعمار الذي قطع أوصالها، ومزق أديمها، بل أيضا من طرف أبناء جلدتنا الذين أصبح بينهم من يحكم عليها بالموت، ويدعو إلى أن تُدفن وتُنسى إلى الأبد. 

وهل هناك مُنْكر أفظع من أن يتنكر المغربي للغته، ويتخلى عن أعظم مقومات حياته وشخصيته؟ ذلك أن الأطراف المُعادية للغة العربية، سخرت كل ما أتيح لها للوقوف أمام قوانين التعريب وإفشالها بشتى الطرق، والتماطل في البحث عن الحلول الناجعة لترقية اللغة العربية، لتجد العربية نفسها تخوض دائما حرب البقاء المشروع. وأجدُني اليوم أكثر رثاء لحال اللغة العربية وما آلت إليه بفعل أبنائها، إذ لم تَكَد الدعوة العيوشية لتدريس العامية تضع أوزارها وتجر وراءها ذيول الخيبة، بعد أن تصدى لها الكثير من الغَيارى وحُماة العربية، حتى تفجرت قنبلة تعميم الباكالوريا الفرنسية في أفق الموسم الدراسي القادم، بعد أن وقع الوزير بلمختار مع نظيره الفرنسي، فانسون بيون، اتفاقية لتعميم قرار سبق أن اتخذه الوزير محمد الوفا في عدد من ثانويات المملكة. 

والحقيقة أن قرارا مُنفردا وخطيرا مثل هذا، يدل أن جزب فرنسا مُجند دائما لتقويض دعائم العربية، الشيء الذي يجعل مسؤوليتنا جميعا، كبيرة في هذا الزمن الذي أضحت العربية فيه، في مسيس الحاجة إلى من يدفع عنها الهجمات. وفي بيان للإئتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، اعتبر فيه أن الباكالوريا الفرنسية (توجه يروم تكريس التبعية للنموذج الفرنسي، وتعميق الإرتباط بالمركز الفرنكفوني..) وأضاف البيان أنه (يشجب هذه الإتفاقية باعتبارها تراجعا خطيرا من طرف وزير التربية الوطنية الذي يفترض فيه أنه ينتمي لحكومة، أعربت في برنامجها أنها ستعمل على النهوض باللغتين الرسميتين وحمايتهما..). ومساهمة في الجدل الدائر حول الباكالوريا الفرنسية ومخاطرها وخلفياتها، يمكن أن ُأبْدي بالملاحظات التالية: 

1_ تعميم الباكالوريا الفرنسية ببلادنا، مُرتبط بنظرة بعض المتفرنسين المغاربة الذين يُجَردون العربية من أي فضيلة أو مَكْرُمَة، ويُلْصقون بها زورا كل نقيصة أو مَذَمّة، غافلين أو مُتغافلين عما تتمتع به العربية من مزايا وخصائص كلغة للدستور والهوية الوطنية، مُتناسين أن إحداث هذه الباكالوريا داخل المدرسة العمومية، هو إضعاف للشهادة الوطنية وهويتها، وخرق سافر للدستور الداعي لتحصين اللغة العربية وتقوية موقعها، وتراجع خطير عن قرار تدريس المواد العلمية والتقنية بالعربية بالثانوي منذ سنة 1990 وضرب لمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وعودة لأقسام التميز والنخبوية التي قرر الوزير الوفا إلغائها، علاوة عن أنها انتقاص للسيادة الوطنية على حساب اللغة الوطنية، لأسباب سياسية وضغوطات دولية، وإرضاء لمقررات الفرنكفونية. 

2_ الباكالوريا الفرنسية مُخالفة صريحة لمضامين الميثاق الوطني للتربية والتعليم التي بشرت منذ سنة 2000 بإحداث أكاديمية اللغة العربية (البند 113) وإلى ( الإستعداد لفتح شعب للبحث العلمي المتطور والتعليم العالي باللغة العربية ) (البند 112)، كما ذكر الميثاق أنه سيتم ( تدرجيا (..) فتح شعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني (..) على مستوى الجامعات باللغة العربية ) (البند114)، فضلا عن أن تعميم هذه الباكالوريا، يعد انتهاكا صريحا للدستور الذي ينص في فصله الخامس على النهوض والعناية باللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية، ويدعو إلى ( الإنفتاح على اللغات الأكثر تداولا) وطبعا ليست هي الفرنسية، حيث تعيش فرنسا أزمة في نظامها التربوي الذي وصفته منذ فترة قصيرة جريدة "لوموند" الفرنسية ب " المعطوب"، لأنها متأخرة على مستوى التعليم مقارنة بدول الإتحاد الأوربي، ولا تشكل نموذجا ناجحا في التعليم،وأفضل جامعاتها وصل بالكاد إلى الرتبة 37، كما تحتل الفرنسية المرتبة التاسعة عالميا من حيث عدد الناطقين بها، والذين لا يشكلون سوى 2.5 في المائة من سكان العالم، فيما تتقدم عليها العربية التي تحتل المرتبة السادسة. وقد ذكر ذ محمد كركاب في مقال له تحت عنوان " محدودية الفرنكفونية " أن ( كثيرا من التقارير والدراسات التي تُنْجَزُ وتبقى سرية، تُشير بأن فرنسا لا تريد في الواقع تنمية البلدان التي تعتبرها فرنكفونية، لأنها ستفقد فيها أسواقها، وأن ما تريده هو نشر مستوى معين وسطحي من اللغة الفرنسية لدى أصحاب القرار، لتمكينها من الإتصال بهم وبشكل مستمر، من أجل الإستحواذ على الصفقات دون اللجوء إلى طلب عروض والمنافسة الدولية لبيعهم منتوجاتها. وهو مثال المغرب التي تحصل فيه فرنسا على صفقات عمومية بطريقة مباشرة من خريجيها المغاربة، كحالة صفقات القطارات وتجهيزات الطرق و الموانئ والمطارات..). 

3_ الباكالوريا الفرنسية تأتي في إطار عقدة النقص أمام كل أجنبي غربي، والتي يعاني منها بعض من أبناء جلدتنا، ومن آثارها توهمهم أن استخدام اللغة الأجنبية في مجال العلوم تقدم وحضارة، واستخدام العربية تخلف وتأخر، وهذا لَعَمْري أمر عجيب لا يكاد يوجد في غير بلادنا، أليس عجيبا أن لغة التدريس في الجامعات التركية والسويدية والإيرانية والفيتنامية والكامبودية هي لغات تلك البلدان؟ وأنها في بلادنا هي لغات أجنبية؟ فهل اللغات التركية والفارسية والكمبودية وغيرها من لغات العالم أكثر مرونة واتساعا، وأعرق تاريخا وتجربة من لغة الضاد؟ وهل تلك الشعوب أكثر اعتزازا بلغتها وهويتها من شعوبنا؟ ولماذا تقوم كل أمم الأرض بترجمة العلوم إلى لغاتها القومية وتدريسها بها، بينما في بلادنا نريد من أبنائنا أن يتعلموا لغات أجنبية حتى يتمكنوا من تعلم العلوم؟ . 
4_ لقد أدركت دول العالم حقيقة معروفة، وهي أن أي إنسان يكون أوسع استيعابا وأسهل تعلما، وأكثر إبداعا، وأعمق فهما إذا تعلم بلغته الأم، حتى أن روسيا لم تفرض اللغة الروسية على جمهوريات الإتحاد السوفياتي، قبل تفكك الإتحاد، وأَبْقَت مناهج التعليم العلمي لكل جمهورية بلغتها القومية. وقد نشر الكاتب فهمي هويدي دراسة قامت بها مراكز بحثية مصرية، اختارت عشوائيا 1500 طالب مصري، وتابعتهم من أول المرحلة الإعدادية إلى نهاية المرحلة الجامعية، فوجدوا أن من درس العلوم في المدارس الحكومية التي تعلم بالعربية، كانوا هم أصحاب أعلى الدرجات في الجامعات، وكانوا من أكثر الخريجين نجاحا في حياتهم العملية، وتفوقوا بشكل واضح على الذين درسوا الإعدادية والثانوية في مدارس تعلم العلوم بالإنجليزية أو الفرنسية. والخلاصة أن من يتعلم بغير لغته الأم في المراحل قبل الجامعية، يفقد تَمَكُّنه بلغته الأم، ويضيع قدرته على التعبير فيها، فتضعف ملكته اللغوية بشكل عام، و لا يستوعب العلوم في هذه المرحلة بشكل جيد، لأنها تُقَدَّم له بغير اللغة التي نشأ عليها، فيصل أغلب هؤلاء إلى الجامعة بملكة لغوية ضعيفة، وزاد علمي مضطرب. 

5_ البعض يعتبر أن مجرد اعتماد لغة بلد متقدم مثل فرنسا من شأنه الرقي بالبلد، والحقيقة أن مثل هذه الطروحات عارية عن الصحة، ذلك أن اللغة مرتبطة بمستوى الفكر، فإذا كانت الأمة متقدمة على صعيد العلوم والتكنولوجيا والفنون والآداب، حتما ستتقدم اللغة بدورها ما دامت هي حاملة للفكر وأداة للتواصل، والدليل على ذلك اللغة اليابانية التي أصبحت لغة متقدمة إلى جانب عملتها الثمينة، بفضل صناعتها التقنية العالية، وسيطرتها على معظم أسواق العالم. فحضور اللغة هو المؤشر الأصدق عن قوة أصحابها، وكما يفرض المُنْتصر في الحرب شروطه لوقف القتال، يفرض المتفوقون في العمل والصناعة والإقتصاد لغتهم على المتخلفين، لذا يجب على المتمسكين بدينهم وقوميتهم من المسلمين والعرب أن يأخذوا بأسباب التقدم في شتى المجالات، والسعي لتعلم أساسيات لغتهم، والعمل على تطوير طرق تدريسها وتعميمها على الجميع، بدلا من قصرها على تخصصات قليلة، وإعفاء الباقين من دراستها. فلا يُعْقَل أن يظل تدريس العربية ببلادنا مقصورا على فئة من الطلبة، وكأنه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط على الباقين. وغير خاف في هذا الإطار أن هناك انقطاعا بين المستويات التعليمية ببلادنا في تدريس لغات المسالك العلمية. فالمعارف العلمية بالمغرب تُدَرّس باللغة العربية حتى الثانوي، وفي الجامعة بالفرنسية، وفي جامعة الأخوين باللغة الإنجليزية، مما يُحْدث بَلْبَلَة في نظامنا التعليمي، ويُزعزع ثقة الشعب في اللغة العربية، ويؤدي إلى عزوف التلاميذ عن متابعة الدراسة بالشُّعَب العلمية، فيلتجئون إلى الشعب الأدبية والإقتصادية والقانونية. ولعل قرارا حكوميا واحدا بفرض التعريب على تعليم العلوم، كفيل بأن يُحدث انقلابا هائلا في حاضر اللغة العربية بالمغرب. 

القول العربي" لا كرامة لنبي في وطنه " يَنْطَبق على حال اللغة العربية في المغرب. ومن المؤسف أن وزارة التربية الوطنية ببلادنا، تَرْكُضُ على نَحْو مُفْجع صوب تعميم الباكالوريا الفرنسية على حساب اللغة الوطنية، رغم أن من يستعملون لُغاتهم، يضربون المثل في اعتزازهم بلغاتهم وهويات شعوبهم، فهذا الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، غادر قاعة اجتماعات قادة الإتحاد الأوربي سنة 2006 ، احتجاجا على اعلان رئيس أرباب العمل الأوربيين، وهو فرنسي الجنسية، بأنه سيلقي كلمته في القمة باللغة الإنجليزية ! . 

وحيث أن اللغة الرسمية ترتبط ارتباطا بالسيادة الوطنية، وفوق اللغات الأجنبية، ومن مُقَدّسات الدولة المغربية، مثلها مثل الدين الإسلامي والنظام السياسي و الراية الوطنية والحدود الجغرافية، فهي بذلك لا يجوز أن تُقْصى وتُحْتَََقَر في منظومتنا التعليمية. ويبقى العربي الجاهل بأساسيات لغته كما قال الشاعر: 
كَالْعِيسِ فِي البَيْدَاءِ يَقْتُلُهَا الظَّمَا المَاءُ فَوْقَ ظُهُورِهَا مَحْمُولُ

الثلاثاء، 25 مارس 2014

الإعدام القادم من الشرق، أحكام إبادة الحرية في مصر



الإعدام القادم من الشرق، أحكام إبادة الحرية في مصر
لن توقفوا زحف الربيع مهما قطفتم من زهوره التي أينعت،
الخبر هو إصدار أحام إعدام بالجملة على منتسبين للثورة المصرية من التيار الديمقراطي الإسلامي من الوطنين ومن الإخوان المسلمين بمصر،
هو تصعيد جديد عنيف وغير مسبوق مغامر ومقامر، كما هي طبيعة الانقلابيين الدموية، وقد جاء في سياق حرب الكراهية القائمة والدائرة رحاها في صعيد مصر الثورة.
لقد سبق لابن خلدون أن قرر حقيقة راسخة مضمونها، أن فساد القضاء يؤذن بخراب العمران وانهيار الدولة، نعم أعلم كما الكثيرين أن دولة الاستبداد ونخبة الاستعباد والاستبلاد المسكونة بالعقلية المتغلبة العسكرتارية لن تبق ولم تدر، وانتهكت الحريات والحرمات حتى ما عاد ثمة قضاء نزيه ولا مستقل بعامة، والمناسبة تحيلني للحديث على فجيعة مصر الحالية وتورط قضاء العسكر لاصدار أحكام بالاعدام على كثير من الاحرار والثوار في محاولة لتكريس الخوف والترهيب وكجولة اضافية للمجزرة الرهيبة التي تمت في رابعة عنوان الحرية والانعتاق في العصر،
كل السياق وقساوة الاحكام، وطبيعتها الارهابية التي تكشف على المزيد من قتامة الوضع ، وفي العمق تكشف على مأزق الانقلابيين وتحالفهم البئيس المهزوم،
فإننا إزاء قرار سياسي وأمني بالغ الإثارة العنف والوضاعة والترهيب وارادة سفك مزيد من الدماء بالتحضير لابادة ثانية، إن تلك الاحكام الجائرة تطرح الكثير من الأسئلة على كل الديمقراطيين وأحرار العالم،
أسئلة تتركز أساسا و ابتداءً حول السبب العميق الذي دفع إليه، والثاوي في خلفيته، وبعد ذلك ولاحقا بما إذا كان سيجد سبيله للنفاذ المعجل أو الارجاء أو التخفيف ، أو استعمال تلك الاحكام في التفاوض مع الاخوان ومع المنتظم الدولي والاقليمي لمحاصرة دعاوي فك الانقلاب ، كل ذلك لا يهم الان.
وبصدق ، ومن جراء وقع الصدمة، لا أدري مقدار جدية الخبر المستند الى منطوق أحكام جرت على لسان منسوبين للقضاء المصري العسكري الطبيعة، الاحكام التي تداولتها وسائل الإعلام حول صدور قرار عن بعض المحاكم المصرية بإعدام (526) مواطنا من قادة ومناضلي جماعة الإخوان المسلمين، على خلفية الأحداث الجارية في مصر، يطرح السؤال مجددا : هل فعلاً تعد قرارات قضائية مستقلة من محكمة مختصة حقيقية، في مواجهة جرم أم هي عنوان لمحاكمة عسكرية سياسية في أبعادها .
أشعر أن القرار ضرب من الخيال والهبل والجنوح والجنون، ولم أستطع أن أجري عملية استقراء حول صدور مثل هذا القرار في تاريخ البشرية، لأني أعلم أنه سبق وأن صدر قرارات مماثلة قضت بإعدام مجموعات من المعارضين في عديد من الدول-من بينها المغرب في سنوات الجمر والرصاص- في مرحلة الصراع على السلطة وفي سياق استبدادي قاتم وفاقع،
وأعلم أيضا أنه سبق أن صدرت أحكام مماثلة في مواجهة الإخوان في مصر عام (1954)، وفي عام (1966) اعدام الشهيد سيد قطب رحمة الله عليه، وربما كانت كل موجة اعدام ربما تصل إلى حدود العشرة أشخاص في أكثرها عنفا واثارة، ولكن لا أعلم إصدار أحكام بالجملة على (526) شخصاً، كانوا قبل فترة وجيزة نواباً في البرلمان، وأعضاء في الوزارة وبعضهم كان رئيساً لمجلس الشعب.
أجد نفسي عاجزاً عن وصف هذا القرار، وأجد نفسي عاجزاً عن اطلاق العنان لمخيلتي في أبعاد هذا القرار، وفي أبعاد التعامل الشعبي معه ومع تداعياته على المستوى القطري والعربي والدولي بعامة ، وعلى مستوى الأحزاب والقوى السياسية بكل اتجاهتها وأفكارها، وبغض النظر عن حجم الخلاف بينها وبين الإسلاميين على وجه العموم.
أجد نفسي عاجزاً مرة أخرى أمام بشاعة الصدمة ودموية اللحظة، شعور لا يماثله الا ذاك الذي لا زال يسكنني حول الابادة التي تعرض لها أحرار وثوار مصر في ميداني رابعة والنهضة، وبشاعة الدم المسفوك هنالك على اعتاب مرحلة الردة الديمقراطية وتوليد حكم نيرون الجديد وفرعون العنيد،
عاجز عن بسط الخلاصات في وجود أشخاص يتربعون على قمة هرم القضاء والعدالة، ويمكن أن يطاوعهم ضميرهم وتخط أقلامهم مثل هذه الأحكام المعمدة بالدم والدموع والعرق، لأني أشعر بالصدمة لو أن شخصاً أطلق النار على حشرة أو حيوان، فكيف لو جمع (526) من الاحرار في صف واحد وبدأ بإطلاق نار الحقد الاسود الكريه عليها واحداً واحداً.
لا زلت أشك في قرارة نفسي فيما يسمى بمذابح النازيين، وأشك في بالأخبار التي تقول عن اعدامات جماعية بهذه الأعداد، فوقفت أمام صراع نفسي طويل حول امكانية العيش والتعايش في هذا السجن الكبير.
عندما استجاب بعض من نخب اعلام الكراهية والحقد ودق طبول الابادة والاستئصال، لمقولات مسكونة بكيل الاتهامات على الهواء مباشرة وبلا رادع اخلاقي وبنسج المبالغات في الوصف الدموي لحال مصر، وتنميق المبالغات واكراه الناس على قلب الوقائع وتزييف وعي الناس بالحقائق، والمبالغات في اطلاق الأحكام على هذا النحو المنفلت،
عند ذاك لم يخطر ببالهم أنهم بهذه الاستجابة يمعنون في اشعال نار حرب داخلية ضروس في أوساط المجتمعات العربية جميعا، ليس لها نهاية وليس لها أفق، ولن تتوقف الأمور عند هذا الحد، وإنما يعملون على حفر خنادق من نار تستعصي على الوصف، وتستعصي على الخيال.
لكن لفتة الى المضمون والسياق تنجلي بعض المعاني والمؤشرات وجب الالتفات الى بعضها ،
أولها أن كثيرا التحالف المضاد للثورة ومركباته جميعها تستعجل الزمن لوأد بواكيرها وخنق طاقاتها ورموزها قبل أن تينع وتثمر، وهم بذلك يريدون دفع قطاع من التشكيت والقوى الثورية الحالية وفي طليعتها الاسلاميين في مصر في أقل تقدير إلى نهج سبيل الكفاح غير السلمي وتوريطهم واستدراجهم لدائرة العنف اللعين من خلال الضغط عليهم قهرا واجبارا، ولكي ينضم إليهم الآخرون لاحقا،
ليكون بالإمكان الانتصار في معركة المصير والوجود بالنسبة الى الانقلابيين، وربما بث الروح من جديد في قوانين الارهاب والطوارئ من خلال استخدامها، بالشكل الذي يجعل البلاد رهينة الكبت الطغياني لفراعنة المرحلة الذين لا يمنحون فرصة الحركة لاحد، وليس ذلك سوى مؤشرا اضافيا على حالة الرعب التي تجتاح المنطقة بكليتها، ويُراد لها أن تتأكد وتتعمق كحقيقة عصية على المقاومة، من خلال وأد زمن الثورة وتدشين زمن الردة والانقلاب، أظن أن ذلك هو العمق والهدف المركزي في الجرأة على اصدار تلك الاحكام بهذا العنف والدموية .
في هذه الحالة، وإذا نجحت خطة الانقلابيين في توريط قطاعات من الثوار والمنتفضين سلميا الى دائرة الثأن والدفاع على النفس والعنف المضاد، فإن الحراك الجماهيري السلمي الذي أحرح الانقلابيين وافشل مجمل خططهم سيتوقف ميدانيا وسيتحول الى حرب أهلية في الخنتادق لا تبقي ولا تذر، تماما كما انتقلت الثورة السورية إلى الكفاح المسلح والذي جلب معه مناذير حرب أهلية مستمرة لسنوات في خضم وضع دولي موار ومتقلب وغير مستوي وفي ظل مواقف خجولة لدول عربي فقدت استقلالها ازاء القوى الدولية وباتت تتفرج على الوضع المأساوي في سوريا بلا أدنى حركة فاعلة أو انجاز يذكر لصالح قضية التحرر الوطني،
لكن يقينا أنه من غير المستبعد أن بعض النخبة القائدة من الامنيين والعسكريين –المدعومين بحلف بين من بعض أنظمة العار في دول الخليج العربي الامارات والسعودية اساسا ، وبصمت المنتظم الدولي-قد جنحوا لهته الطريقة الدموية في الحسم، تماما كما فعلوا في رابعة والنهضة، وأجروا تحليلا يفضي إلى أن الاستثمار في الترهيب والتخويف والابادة والاستئصال وتوريط بعض القطاعات في تحريف الحراك الجماهيري الشعبي المناهض للانقلاب عن طبيعته السلمية ، قلت ان ذلك التحوير والتحريف لمسار الفعاليات المناهضة للانمقلاب ستؤدي إلى وقف الاحتجاج السلمي الذي يحرجهم أمام العالم، ويربكه داخليا، وفي ذات الوقت الذي يظنون أنهم في مكنتهم ومقدرتهم محاصرة حركة استعادة الثورة 25 يناير المجهضة وأيضا لجم وضبط المجتمع المصري بكليته بالقوة الامنية القاهرة، إلى جانب حشد البلد في تحالف ضد “الإرهاب” تنسيه الفقر والتهميش والحقارة وانتهاك الكرامة ، تلك القضايا التي من أجلها ثار الناس، لكن مكؤر التاريخ ليس ببعيد اذا طالعنا التجارب تلو التجارب التي تؤكد أن حكم المتغلب الى زوال وانهيار وتفكك وأن معسكر الباطل وتحالفه الى بوار ونهاية وشيكة باذن الله .
أما في حالة إذا كان الحكم معدا للتخفيف لاحقا وليس للتنفيذ، بقصد التفاوض به مع الداخل والمحيط العربي، فهو بمثابة عملية تخويف جديدة أكثر عنفا تريد إقناع كل الديمقراطيين الوطنيين المستقلي الارادة والثوار الحقيقيين بأن لا أفق أمامهم، وأن عليهم القبول بالمتاح، والاعتراف بالوضع الجديد وعدم مناكفته، ومن ثم التعامل معه وفق سقف أدنى بكثير من ذلك الذي كان يُعرض عليهم في البداية، أي الاعتراف بخريطة الطريق ودخول الانتخابات، والحصول على كوتا محدودة لا تغير في طبيعة الحكم، بقدر ما تمنحه بعض الشرعية المنقوصة، في ظل حقيقة يعرفها الجميع، وهي أنه ما من تيار أو حزب سياسي يملك من الجماهيرية ما يملكه الإخوان، كما قال بعض الكتاب المراقبين للوضع، والمعلقين على الوضع ومنهم الكاتب ياسر الزعاترة في مقالته تعليقا على الاحكام والتي سأدرج بعضا من خلاصاتها في متن التحليل .
ومما سبق يبدو الكارثة ستكون في دفع الوضع إلى خيار اللاعودة وتوطين أسلوب الكفاح العنفي الممتنع لحد الان عن صعيد مصر الثورة والعصي عن اختراق جدارها السلمي السميك الذي تعزز مع الاسلام الوسطي المعتدل الذي تؤصل له جماعة الاخوان وتتأصل على تربته التربوية والفكرية،
أن مسارا كهذا سيكون مدمرا للعمران والبنيان والانسان، مفجرا لكيان مصر كلها،
وليس صحيحا أن خسائر النضال السلمي والمسار الجماهيري لافشال الانقلاب تساوي خسائر غيره من اليارات بل هي قضية مبدأ واختيار ومنهج في نهج أسلوب للتغيير، هذا اذا أيقننا أن المسار الأخير يوجد في مأزق حاد وليس له نجاح ولا قدرة على الحسم، حتى لو فشى وتمكن،
في ذات الوقت الذي سيخسر فيه البلد دولة ومجتمعا وتيارات وطنية ديمقراطية ووسطية معتلة، واليقيني أنه سيؤخر التغيير الحقيقي المحمول على أكتاف شهداء الثورة ومناضليها السلميين الاحرار الاوفياء .
وهنا لا بد من تقرير حقيقة، أن هذا الوضع المأساوي الذي تمر منه القضية الديمقراطية في مصر والتقلص الرهيب في ميزان الحريات والعدالة والديمقراطية في مصر، يحتاج إلى تحكيم العقل لدى كل زعيم وكل حاكم، ولدى كل صاحب مسؤولية، ولدى كل مثقف ومفكر، ولدى كل سياسي وإعلامي وصاحب قلم، لوقف هذه الحرب المجنونة، حرب الكراهية والتعتيم والتوغل في متاهات الوعي الزائف البعيد عن التعاطي مع جوهر الاشكال الذي يقيق النهضة العربية والانبثاق في العالم من جديد، تلك مسؤولية نتحملها جميعا مهما تخالفت المرجعيات والمواقع .
في ظل هذا الجنون، جنون السلطة وسفك الدم وجنوح التدمير والابادة التي تسكن قلب وعقل نيرون مصر، الذي يقف على حافة محرقتها الكبرى، والذي يعززه جموح اعلام كراهية استئصالي ومغالي، فإن سؤال المستقبل والافق في مصر بات حاضر الملحاحية والاهمية، لاسيما أن العنف قد يتدرج ليصبح مسارا، وليس بالضرورة أن يكون نتاج ارادة وقرارا.
نعلم أن الإصرار على النهج الجماهيري السياسي السلمي، يبدو دربا من التخاذل في نهج البعض من المتنطعين، لكن وجب الاعتصام بحبل الكفاح السلمي الشعبي والاصرار على نهجه ،
إن حتمية التاريخ تؤكد، وسير الثورات تجدد فينا اليقين على أن الانقلاب ماضٍ وهو في مأزق سياسي حاد بل وتفكك،
النصر صبر ساعة، لكن هو المال الطبيعي لحرة الانبياء الذي امتحنوا وصمدوا، لكن يقينهم الاكيد هو الإعداد لجولة قادة وموجة ثورية اتية لا محالة، تستعيد من خلالها مصر حريتها ودورها الوطني والاقليمي والتحرري والنهضوي بإذن الله .
وهنا لا بد من تقرير حقيقة، أن هذا الوضع المأساوي الذي تمر منه القضية الديمقراطية في مصر، والتقلص الرهيب في ميزان الحريات والعدالة والديمقراطية فيها، يحتاج إلى تحكيم العقل لدى كل زعيم وكل حاكم، ولدى كل صاحب مسؤولية، ولدى كل مثقف ومفكر، ولدى كل سياسي وإعلامي وصاحب قلم، لوقف هذه الحرب الطاحنة الرعناء المجنونة، حرب الكراهية والتعتيم والتوغل في متاهات الوعي الزائف، وذلك بالبعيد عن التعاطي مع جوهر الاشكال الذي يعيق بواكير وامال النهضة التي فجرتها ثوارات الربيع الديمقراطي، والانبثاق المبادر لعالمنا العربي في العالم من جديد ليكون لنا مكان تحت الشمس،
تلك مسؤولية نتحملها جميعا ، مهما تخالفت المرجعيات والمواقع، ومطلوب من الحركات والاحزاب والقوى والتيارات والمثقفين والادباء وقادة الرأي وصناع القرار ، أن يتخذوا لهم موقفا مما يجري في مصر لان ما يقع ليس قطريا ولا محدودا بل ان له اثارا كبير على مجمل عالمنا العربي والاسلامي 

الأحد، 23 مارس 2014

الأمازيغية بين لغات الأم و لغة الكتابة






 بقلم : مــحـمــد أقــديــم
يُحْتَفَلُ سنويا باليوم العالمي للغة الأم ،في كل يوم 21فبرايير من كل سنة، هذه المناسبة  التي أعلنتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة و العلوم (اليونسكو) في مؤتمرها العام في نوفمبر من عام 1999، و كان المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية من المؤسسات العلمية و الثقافية بالمغرب التي تولي أهمية كبيرة لهذا اليوم العالمي، من خلال تنظيم ندوات و محاضرات و أنشطة ثقافية و فنية في هذه المناسبة، من منطلق أن اللغة الأمازيغية لغة للأم ، مما يقتضي الاهتمام بها. و بهذه المناسبة سنتناول بالتحليل موضوع اللغة الأمازيغية في علاقتها بلغة الأم و بالكتابة. 

   في علاقة اللغة بالكتابة
      
      بداية لا بد من إلقاء نظرة حول اللغة بصفة عامة، وعلاقتها بالكتابة و الشفهية، حتى نتمكن من فهم الشروط الموضوعية التي تساهم في نقل لغة ما من المستوى الشفهي الطبيعي(لغة الأم) إلى مستوى التدوين والكتابة. فإذا كانت اللغة في أبسط تعريف لها ،هي  "مجموعة أصوات رمزية ضمن نظام متعارف عليه بعد اختباره من خلال الممارسة الطويلة الأمد ، من قبل جماعة بشرية في مكان وزمان محددين"(1) فهي مرتبطة بالإنسان  وقديمة قدم الإنسان ، فان الكتابة هي "أداة رمزية ثانية للأصوات باعتبارها رموزا لغوية . فهي تعتبر بذلك حدثا طارئا ولاحقا في تاريخ الإنسان. و هي لذلك تعتبر أداة أكثر اصطناعية بالمقارنة إلى اللغة المنطوقة، التي هي لغة طبيعية في الوجه الأعم من وجودها" (2).  و إذا كانت اللغة مستقلة نسبيا، وتعتمد في وجودها على وجود المجتمع المستعمل لها ، فان الكتابة ليست كذلك ، فهي مرتبطة دائما باللغة التي تعتبر أداة لتوثيقها. فاللغة عنصر ضروري في التواصل ، والكتابة تعتبر عنصرا رديفا و مساعدا ومتمما لوظيفة اللغة التواصلية، لذلك يمكن تصور مجتمعات بدون كتابة، في حين لا يمكن تصور مجتمع بدون وجود لغة منطوقة. و تتميز اللغة المنطوقة كذلك عن الكتابة  في كون اللغة لها علاقة وطيدة بالأذن لكونها أصوات مسموعة، حيث تعتمد السمع والموسيقى، و كون الكتابة مرتبطة بالعين، حيث تعتمد على الصورة و الرسم،  لكونها أشكالا مرئية و ملموسة. و قيام الكتابة بنقل اللغة إلى رسوم و رموز مرئية أو ملموسة، سمح للغة المنطوقة بالاستمرار في الزمان  والانتشار في المكان، حيث تحفظها و تصونها من الاندثار، فبعدما لم يكن للغة المنطوقة، من وسائل لصيانتها و الحفاظ عليها، إلا الذاكرة الفردية و الجماعية، وما يعتريها من عوامل النسيان والسهو والحذف و الاندثار والضياع ، فان الكتابة قد حفظتها  عبر الأزمنة(التاريخ) و على امتداد الأمكنة (الجغرافيا)(3).

لـــغة الأم:
    
   اللغة في أصلها وطبيعتها شفوية، و في تطورها اجتماعيا تبدأ بوضعية "لغة الأم"(4) حيث تشكل الأسرة البنية الاجتماعية الأولى للتواصل اللغوي الشفهي، التي تلقن فيها اللغة بشكل طبيعي، إذ يرضعها الصغار من أمهاتهم . و عبر مسار تطور الأسرة و امتدادها الاجتماعي إلى  بنيات أكبر حجما و أكثر عددا ، حيث العشائر والقبائل ، وفق الحاجة  التي تفرضها الشروط الاقتصادية  الأولية السائدة ، والقائمة قديما على وسائل إنتاج بدائية في إطار أنماط اقتصادية فلاحية، لا تتجاوز استغلال الطبيعة، من خلال الالتقاط والقنص والصيد، و ما يحتمه ذلك على الإنسان من الترحال الدائم و الانتقال المستمر، في مرحلة أولى، أو من خلال استغلال الأرض وتربية الماشية، وما تقتضيه من الاستقرار و الإعمار، أو الرعي والإنتجاع في الظروف المناخية والجغرافية القاسية والمتغيرة، في مرحلة ثانية. هذه الظروف لا يحتاج معها الإنسان إلى وسيلة جديدة للتواصل أكثر من اللغة الشفوية المباشرة. و في المرحلة الثالثة من تطور وسائل الإنتاج، وتزايد أعداد البشر، و شساعة مجال استقرارهم، و تعدد و نمو مراكز تجمعهم و تطور عمرانهم ، نشأت الحاجة إلى وسائل جديدة للتنقل و للتواصل تتجاوز الاتصال الشفهي المباشر، ثم ظهور  حرف جديدة (الصناعة اليدوية – التجارة  ومن ثمة تقسيم العمل، الذي يقتضي التنظيم و الإدارة، و ما تعنيه من مؤسسات على شكل ما يسمى ب "دولة المدينة"(5). هذه الشروط الموضوعية هي التي خلقت حاجة الإنسان إلى اختراع الكتابة. التي من خلالها يرتقي بلغة الأسرة (لغة الأم) و العشيرة و القبيلة، و المعاش اليومي، من اللغة الشفوية (الطبيعية) إلى اللغة المكتوبة(الاصطناعية) للدولة و مؤسساتها. لغة الدولة (المكتوبة) هذه، التي ستعرف تطورات كبيرة في استقلال نسبي عن لغة الأم و الأسرة و القبيلة (الشفوية).
      
    وهنا وجب الإشارة إلى أن كل تطوير و نهوض بلغة الأم (لغة الأسرة)، و إدماجها في مؤسسات الدولة( تعليم –إدارة –إعلام مكتوب ..)   سيخرجها من وضعية " لغة الأم" وينزع عنها هذه الصفة. فلغة الأم أو الأسرة بطبيعتها شفوية، أي لا تقوم على الكتابة و القراءة، فلذلك يطلق على كل من يكتفي بالشفهية في التواصل صفة " الأمي" أي لا يقرأ و لا يكتب .فالتواصل داخل الأسرة في البيت لا يكون إلا شفهيا، لكونه مباشرا، ليس في حاجة إلى التوسل بوسائط أخرى. و "الأمية" - نسبة إلى الأم- لا تعني أي شيئا أخر غير الشفهية. و دمج لغة الأم في مؤسسات الدولة هو في الواقع تفريع للغة جديدة عن لغة الأم بشكل تدريجي. هذا الفرع الذي سيعرف مع الزمن، من خلال تداوله واستعماله في تلك المؤسسات، تطورات و تغييرات تصل إلى استقلال تام عن اللغة الأصل(لغة الأم).  فكلما تم إخراج أو تطوير أو الانتقال بلغة ما من وضعية " لغة الأم" الشفهية ، أي من "أميتها" - نسبة إلى الأم – التي تقوم على التواصل الطبيعي المباشر، إلى لغة مكتوبة تعتمد أدوات و وسائط جديدة ودعامات اصطناعية في أداء وظيفتها التواصلية (- الكتابة - الحروف - الحجر - البردي - الورق – الآلة الكاتبة - الحاسوب..)، فإنها تفقد صفة "لغة الأم".         

الأمازيغية بين لغات  الأم و اللغة الممعيرة
         
     و بناء على ما سبق، فان جميع المجهودات العلمية و التربوية و الديداكتيكية التي يقوم بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية تصب في إخراج اللغات الأمازيغيات الثلاث (تشلحيت – تمازيغت – تريفيت) من وضعية "لغة الأم"، إن لم نقل القضاء عليها، لصالح بناء لغة جديدة في مختبرات المعهد في إطار ما يسمى بتهيئة اللغة. حيث يتم إعداد لغة أمازيغية ليست باللغة  الأولى التي يتعلمها الطفل الأمازيغي من أمه في الأطلس الكبير و سوس ، وفي الأطلس المتوسط، وفي الريف، فهذه الأمازيغية الافتراضية(6)، لا علاقة لها بلغات البيوت و الأمهات الأمازيغيات، حيث لا تستطيع هذه الأمهات، اللواتي لا يتقن إلا إحدى الأمازيغيات الثلاثة ، متابعة النشرات الإخبارية والجوية و بعض البرامج التي تبثها القناة الثامنة الأمازيغية، كما أنها ليست اللغة التي يكتب بها الأمازيغ إبداعاتهم ( الفنية -  الشعرية – القصصية، و المسرحية ..) ولا ينشدون بها  أهازيج " أمارك " ولا يوقعون بها  رقصات   أحواش أو  أحيدوس .  فهذه اللغة الأمازيغية الممعيرة من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ينعدم شرط التواصل الجماعي فيها، لا على المستوى القاعدي في المجتمع ، ولا على مستوى القمة (النخبة)، إذ لا يستطيع التواصل بها حتى الباحثين المختصين و المهتمين بها دراسة  وتدريسا، فغالبا ما يلجئون إلى الكتابة والتواصل إما بالفرنسية أو العربية أو إحدى الأمازيغيات الثلاثة.
       
      فبدل تركيز الجهود على تقعيد و تهيئة اللغات الأمازيغية الثلاث كل على حدا، و تعميمها في التعليم و الإعلام و الإدارة ، ومختلف المرافق العمومية، خاصة في إطار مشروع الجهوية الموسعة المنتظر تنزيله في المستقبل القريب، و عوض الاتجاه إلى تقعيد و تهيئة اللغات الثلاثة باعتبارها  لغات الأم لتتحول الى لغات مقعَّدة و مهيَّئة، انسجاما مع المواثيق الدولية، رغم ما فيه هو الآخر من تهديد للغات الأم تلك على المدى البعيد. و ذلك العمل بالطبع يحتاج إلى جهود علمية جبارة وموارد بشرية ومالية مهمة، والى عقود من الزمن،حيث سيحتاج الأمر إلى جيل أو جيلين(7) ،فان  النخبة الأمازيغية  المشتغلة بالمعهد لا تستطيع الانتظار حتى تنضج و تتهيأ هذه الشروط، و تترك  أجيال المستقبل لتجني ثمار هذا العمل، لأنها تريد أن تستفيد من ذلك العمل لنفسها أولا ، مادامت هي المؤسسة لبدايته. و هذا ما ستكون له نتائج وخيمة مستقبلا.

---------------------------
الهوامش:
-1)- عبد الصمد بلكبير – في الأدب الشعبي : مهاد نظري-تاريخي- نشر اتصالات سبو مراكش –المطبعة والوراقة الوطنية –مراكش الطبعة الأولى 2010 – الصفحة98
-2) -  نفس المرجع ونفس الصفحة.
 - 3) – نفس المرجع – الصفحة 103
-4) –جيمسو- طوليفصون – السياسة اللغوية : خلفيتها و مقاصدها – ترجمة: د. محمد الخطابي تقديم : د. عبد الغني أبو العزم – مؤسسة الغني – مطبعة المعارف الجديدة الرباط – الطبعة الأولى 2007 – ص25
Friedrich Engels – L’Origine de le famille de le propriété privée et   5)
de l’etat – traduction de Jeanne Stern , revue par Claude Mainfroy –éditions sociales paris 1983 page 91
6) – الأوراغي محمد : التعدد اللغوي : انعكاساته على النسيج الاجتماعي – منشورات كلية الآدب والعلوم الانسانية بالرباط جامعة محمد الخامس – سلسلة بحوث و دراسات رقم 36 – مطبعة النجاح الجديدة : الدار البيضاء – الطبعة الأولى  سنة 2002 – ص : 85
7) –  أقديم محمد – الوضع اللغوي بالمغرب و دسترة الأمازيغية