الثلاثاء، 25 مارس 2014

الإعدام القادم من الشرق، أحكام إبادة الحرية في مصر



الإعدام القادم من الشرق، أحكام إبادة الحرية في مصر
لن توقفوا زحف الربيع مهما قطفتم من زهوره التي أينعت،
الخبر هو إصدار أحام إعدام بالجملة على منتسبين للثورة المصرية من التيار الديمقراطي الإسلامي من الوطنين ومن الإخوان المسلمين بمصر،
هو تصعيد جديد عنيف وغير مسبوق مغامر ومقامر، كما هي طبيعة الانقلابيين الدموية، وقد جاء في سياق حرب الكراهية القائمة والدائرة رحاها في صعيد مصر الثورة.
لقد سبق لابن خلدون أن قرر حقيقة راسخة مضمونها، أن فساد القضاء يؤذن بخراب العمران وانهيار الدولة، نعم أعلم كما الكثيرين أن دولة الاستبداد ونخبة الاستعباد والاستبلاد المسكونة بالعقلية المتغلبة العسكرتارية لن تبق ولم تدر، وانتهكت الحريات والحرمات حتى ما عاد ثمة قضاء نزيه ولا مستقل بعامة، والمناسبة تحيلني للحديث على فجيعة مصر الحالية وتورط قضاء العسكر لاصدار أحكام بالاعدام على كثير من الاحرار والثوار في محاولة لتكريس الخوف والترهيب وكجولة اضافية للمجزرة الرهيبة التي تمت في رابعة عنوان الحرية والانعتاق في العصر،
كل السياق وقساوة الاحكام، وطبيعتها الارهابية التي تكشف على المزيد من قتامة الوضع ، وفي العمق تكشف على مأزق الانقلابيين وتحالفهم البئيس المهزوم،
فإننا إزاء قرار سياسي وأمني بالغ الإثارة العنف والوضاعة والترهيب وارادة سفك مزيد من الدماء بالتحضير لابادة ثانية، إن تلك الاحكام الجائرة تطرح الكثير من الأسئلة على كل الديمقراطيين وأحرار العالم،
أسئلة تتركز أساسا و ابتداءً حول السبب العميق الذي دفع إليه، والثاوي في خلفيته، وبعد ذلك ولاحقا بما إذا كان سيجد سبيله للنفاذ المعجل أو الارجاء أو التخفيف ، أو استعمال تلك الاحكام في التفاوض مع الاخوان ومع المنتظم الدولي والاقليمي لمحاصرة دعاوي فك الانقلاب ، كل ذلك لا يهم الان.
وبصدق ، ومن جراء وقع الصدمة، لا أدري مقدار جدية الخبر المستند الى منطوق أحكام جرت على لسان منسوبين للقضاء المصري العسكري الطبيعة، الاحكام التي تداولتها وسائل الإعلام حول صدور قرار عن بعض المحاكم المصرية بإعدام (526) مواطنا من قادة ومناضلي جماعة الإخوان المسلمين، على خلفية الأحداث الجارية في مصر، يطرح السؤال مجددا : هل فعلاً تعد قرارات قضائية مستقلة من محكمة مختصة حقيقية، في مواجهة جرم أم هي عنوان لمحاكمة عسكرية سياسية في أبعادها .
أشعر أن القرار ضرب من الخيال والهبل والجنوح والجنون، ولم أستطع أن أجري عملية استقراء حول صدور مثل هذا القرار في تاريخ البشرية، لأني أعلم أنه سبق وأن صدر قرارات مماثلة قضت بإعدام مجموعات من المعارضين في عديد من الدول-من بينها المغرب في سنوات الجمر والرصاص- في مرحلة الصراع على السلطة وفي سياق استبدادي قاتم وفاقع،
وأعلم أيضا أنه سبق أن صدرت أحكام مماثلة في مواجهة الإخوان في مصر عام (1954)، وفي عام (1966) اعدام الشهيد سيد قطب رحمة الله عليه، وربما كانت كل موجة اعدام ربما تصل إلى حدود العشرة أشخاص في أكثرها عنفا واثارة، ولكن لا أعلم إصدار أحكام بالجملة على (526) شخصاً، كانوا قبل فترة وجيزة نواباً في البرلمان، وأعضاء في الوزارة وبعضهم كان رئيساً لمجلس الشعب.
أجد نفسي عاجزاً عن وصف هذا القرار، وأجد نفسي عاجزاً عن اطلاق العنان لمخيلتي في أبعاد هذا القرار، وفي أبعاد التعامل الشعبي معه ومع تداعياته على المستوى القطري والعربي والدولي بعامة ، وعلى مستوى الأحزاب والقوى السياسية بكل اتجاهتها وأفكارها، وبغض النظر عن حجم الخلاف بينها وبين الإسلاميين على وجه العموم.
أجد نفسي عاجزاً مرة أخرى أمام بشاعة الصدمة ودموية اللحظة، شعور لا يماثله الا ذاك الذي لا زال يسكنني حول الابادة التي تعرض لها أحرار وثوار مصر في ميداني رابعة والنهضة، وبشاعة الدم المسفوك هنالك على اعتاب مرحلة الردة الديمقراطية وتوليد حكم نيرون الجديد وفرعون العنيد،
عاجز عن بسط الخلاصات في وجود أشخاص يتربعون على قمة هرم القضاء والعدالة، ويمكن أن يطاوعهم ضميرهم وتخط أقلامهم مثل هذه الأحكام المعمدة بالدم والدموع والعرق، لأني أشعر بالصدمة لو أن شخصاً أطلق النار على حشرة أو حيوان، فكيف لو جمع (526) من الاحرار في صف واحد وبدأ بإطلاق نار الحقد الاسود الكريه عليها واحداً واحداً.
لا زلت أشك في قرارة نفسي فيما يسمى بمذابح النازيين، وأشك في بالأخبار التي تقول عن اعدامات جماعية بهذه الأعداد، فوقفت أمام صراع نفسي طويل حول امكانية العيش والتعايش في هذا السجن الكبير.
عندما استجاب بعض من نخب اعلام الكراهية والحقد ودق طبول الابادة والاستئصال، لمقولات مسكونة بكيل الاتهامات على الهواء مباشرة وبلا رادع اخلاقي وبنسج المبالغات في الوصف الدموي لحال مصر، وتنميق المبالغات واكراه الناس على قلب الوقائع وتزييف وعي الناس بالحقائق، والمبالغات في اطلاق الأحكام على هذا النحو المنفلت،
عند ذاك لم يخطر ببالهم أنهم بهذه الاستجابة يمعنون في اشعال نار حرب داخلية ضروس في أوساط المجتمعات العربية جميعا، ليس لها نهاية وليس لها أفق، ولن تتوقف الأمور عند هذا الحد، وإنما يعملون على حفر خنادق من نار تستعصي على الوصف، وتستعصي على الخيال.
لكن لفتة الى المضمون والسياق تنجلي بعض المعاني والمؤشرات وجب الالتفات الى بعضها ،
أولها أن كثيرا التحالف المضاد للثورة ومركباته جميعها تستعجل الزمن لوأد بواكيرها وخنق طاقاتها ورموزها قبل أن تينع وتثمر، وهم بذلك يريدون دفع قطاع من التشكيت والقوى الثورية الحالية وفي طليعتها الاسلاميين في مصر في أقل تقدير إلى نهج سبيل الكفاح غير السلمي وتوريطهم واستدراجهم لدائرة العنف اللعين من خلال الضغط عليهم قهرا واجبارا، ولكي ينضم إليهم الآخرون لاحقا،
ليكون بالإمكان الانتصار في معركة المصير والوجود بالنسبة الى الانقلابيين، وربما بث الروح من جديد في قوانين الارهاب والطوارئ من خلال استخدامها، بالشكل الذي يجعل البلاد رهينة الكبت الطغياني لفراعنة المرحلة الذين لا يمنحون فرصة الحركة لاحد، وليس ذلك سوى مؤشرا اضافيا على حالة الرعب التي تجتاح المنطقة بكليتها، ويُراد لها أن تتأكد وتتعمق كحقيقة عصية على المقاومة، من خلال وأد زمن الثورة وتدشين زمن الردة والانقلاب، أظن أن ذلك هو العمق والهدف المركزي في الجرأة على اصدار تلك الاحكام بهذا العنف والدموية .
في هذه الحالة، وإذا نجحت خطة الانقلابيين في توريط قطاعات من الثوار والمنتفضين سلميا الى دائرة الثأن والدفاع على النفس والعنف المضاد، فإن الحراك الجماهيري السلمي الذي أحرح الانقلابيين وافشل مجمل خططهم سيتوقف ميدانيا وسيتحول الى حرب أهلية في الخنتادق لا تبقي ولا تذر، تماما كما انتقلت الثورة السورية إلى الكفاح المسلح والذي جلب معه مناذير حرب أهلية مستمرة لسنوات في خضم وضع دولي موار ومتقلب وغير مستوي وفي ظل مواقف خجولة لدول عربي فقدت استقلالها ازاء القوى الدولية وباتت تتفرج على الوضع المأساوي في سوريا بلا أدنى حركة فاعلة أو انجاز يذكر لصالح قضية التحرر الوطني،
لكن يقينا أنه من غير المستبعد أن بعض النخبة القائدة من الامنيين والعسكريين –المدعومين بحلف بين من بعض أنظمة العار في دول الخليج العربي الامارات والسعودية اساسا ، وبصمت المنتظم الدولي-قد جنحوا لهته الطريقة الدموية في الحسم، تماما كما فعلوا في رابعة والنهضة، وأجروا تحليلا يفضي إلى أن الاستثمار في الترهيب والتخويف والابادة والاستئصال وتوريط بعض القطاعات في تحريف الحراك الجماهيري الشعبي المناهض للانقلاب عن طبيعته السلمية ، قلت ان ذلك التحوير والتحريف لمسار الفعاليات المناهضة للانمقلاب ستؤدي إلى وقف الاحتجاج السلمي الذي يحرجهم أمام العالم، ويربكه داخليا، وفي ذات الوقت الذي يظنون أنهم في مكنتهم ومقدرتهم محاصرة حركة استعادة الثورة 25 يناير المجهضة وأيضا لجم وضبط المجتمع المصري بكليته بالقوة الامنية القاهرة، إلى جانب حشد البلد في تحالف ضد “الإرهاب” تنسيه الفقر والتهميش والحقارة وانتهاك الكرامة ، تلك القضايا التي من أجلها ثار الناس، لكن مكؤر التاريخ ليس ببعيد اذا طالعنا التجارب تلو التجارب التي تؤكد أن حكم المتغلب الى زوال وانهيار وتفكك وأن معسكر الباطل وتحالفه الى بوار ونهاية وشيكة باذن الله .
أما في حالة إذا كان الحكم معدا للتخفيف لاحقا وليس للتنفيذ، بقصد التفاوض به مع الداخل والمحيط العربي، فهو بمثابة عملية تخويف جديدة أكثر عنفا تريد إقناع كل الديمقراطيين الوطنيين المستقلي الارادة والثوار الحقيقيين بأن لا أفق أمامهم، وأن عليهم القبول بالمتاح، والاعتراف بالوضع الجديد وعدم مناكفته، ومن ثم التعامل معه وفق سقف أدنى بكثير من ذلك الذي كان يُعرض عليهم في البداية، أي الاعتراف بخريطة الطريق ودخول الانتخابات، والحصول على كوتا محدودة لا تغير في طبيعة الحكم، بقدر ما تمنحه بعض الشرعية المنقوصة، في ظل حقيقة يعرفها الجميع، وهي أنه ما من تيار أو حزب سياسي يملك من الجماهيرية ما يملكه الإخوان، كما قال بعض الكتاب المراقبين للوضع، والمعلقين على الوضع ومنهم الكاتب ياسر الزعاترة في مقالته تعليقا على الاحكام والتي سأدرج بعضا من خلاصاتها في متن التحليل .
ومما سبق يبدو الكارثة ستكون في دفع الوضع إلى خيار اللاعودة وتوطين أسلوب الكفاح العنفي الممتنع لحد الان عن صعيد مصر الثورة والعصي عن اختراق جدارها السلمي السميك الذي تعزز مع الاسلام الوسطي المعتدل الذي تؤصل له جماعة الاخوان وتتأصل على تربته التربوية والفكرية،
أن مسارا كهذا سيكون مدمرا للعمران والبنيان والانسان، مفجرا لكيان مصر كلها،
وليس صحيحا أن خسائر النضال السلمي والمسار الجماهيري لافشال الانقلاب تساوي خسائر غيره من اليارات بل هي قضية مبدأ واختيار ومنهج في نهج أسلوب للتغيير، هذا اذا أيقننا أن المسار الأخير يوجد في مأزق حاد وليس له نجاح ولا قدرة على الحسم، حتى لو فشى وتمكن،
في ذات الوقت الذي سيخسر فيه البلد دولة ومجتمعا وتيارات وطنية ديمقراطية ووسطية معتلة، واليقيني أنه سيؤخر التغيير الحقيقي المحمول على أكتاف شهداء الثورة ومناضليها السلميين الاحرار الاوفياء .
وهنا لا بد من تقرير حقيقة، أن هذا الوضع المأساوي الذي تمر منه القضية الديمقراطية في مصر والتقلص الرهيب في ميزان الحريات والعدالة والديمقراطية في مصر، يحتاج إلى تحكيم العقل لدى كل زعيم وكل حاكم، ولدى كل صاحب مسؤولية، ولدى كل مثقف ومفكر، ولدى كل سياسي وإعلامي وصاحب قلم، لوقف هذه الحرب المجنونة، حرب الكراهية والتعتيم والتوغل في متاهات الوعي الزائف البعيد عن التعاطي مع جوهر الاشكال الذي يقيق النهضة العربية والانبثاق في العالم من جديد، تلك مسؤولية نتحملها جميعا مهما تخالفت المرجعيات والمواقع .
في ظل هذا الجنون، جنون السلطة وسفك الدم وجنوح التدمير والابادة التي تسكن قلب وعقل نيرون مصر، الذي يقف على حافة محرقتها الكبرى، والذي يعززه جموح اعلام كراهية استئصالي ومغالي، فإن سؤال المستقبل والافق في مصر بات حاضر الملحاحية والاهمية، لاسيما أن العنف قد يتدرج ليصبح مسارا، وليس بالضرورة أن يكون نتاج ارادة وقرارا.
نعلم أن الإصرار على النهج الجماهيري السياسي السلمي، يبدو دربا من التخاذل في نهج البعض من المتنطعين، لكن وجب الاعتصام بحبل الكفاح السلمي الشعبي والاصرار على نهجه ،
إن حتمية التاريخ تؤكد، وسير الثورات تجدد فينا اليقين على أن الانقلاب ماضٍ وهو في مأزق سياسي حاد بل وتفكك،
النصر صبر ساعة، لكن هو المال الطبيعي لحرة الانبياء الذي امتحنوا وصمدوا، لكن يقينهم الاكيد هو الإعداد لجولة قادة وموجة ثورية اتية لا محالة، تستعيد من خلالها مصر حريتها ودورها الوطني والاقليمي والتحرري والنهضوي بإذن الله .
وهنا لا بد من تقرير حقيقة، أن هذا الوضع المأساوي الذي تمر منه القضية الديمقراطية في مصر، والتقلص الرهيب في ميزان الحريات والعدالة والديمقراطية فيها، يحتاج إلى تحكيم العقل لدى كل زعيم وكل حاكم، ولدى كل صاحب مسؤولية، ولدى كل مثقف ومفكر، ولدى كل سياسي وإعلامي وصاحب قلم، لوقف هذه الحرب الطاحنة الرعناء المجنونة، حرب الكراهية والتعتيم والتوغل في متاهات الوعي الزائف، وذلك بالبعيد عن التعاطي مع جوهر الاشكال الذي يعيق بواكير وامال النهضة التي فجرتها ثوارات الربيع الديمقراطي، والانبثاق المبادر لعالمنا العربي في العالم من جديد ليكون لنا مكان تحت الشمس،
تلك مسؤولية نتحملها جميعا ، مهما تخالفت المرجعيات والمواقع، ومطلوب من الحركات والاحزاب والقوى والتيارات والمثقفين والادباء وقادة الرأي وصناع القرار ، أن يتخذوا لهم موقفا مما يجري في مصر لان ما يقع ليس قطريا ولا محدودا بل ان له اثارا كبير على مجمل عالمنا العربي والاسلامي 

0 التعليقات: