الوحدة العربية باتت مصطلحاً غريباً على أسماعنا ، بعيداًعن أهدافنا وأولوياتنا، فقد نسينا أن هذا المصطلح كان لسنوات خلت شعار المرحلة، وأحد أهم أدبيات قوانا وتنظيماتنا الشعبية.
نكتب عن الوحدة العربيةّ ! وهل الظروف الموضوعية التي تعيشها البلدان العربية هذه الأيام تتناغم وتتماشى وهذا الشعار ؟! أم أن الواقع المتردي يشهد أن هذا الشعار بات من مفردات الماضي؟ فالتمزق والديكتاتورية والطعن في الظهر والطائفية وشبح الإنقسام كلها قد فتكت بالأمة العربية فتكاً لا يمكن الانفلات منه ! والوحدة العربية لا يمكن أن تتحقق في مثل هذه الأوضاع المهشمة.
الوحدة العربية تتحقق بتحرر الدول العربية قاطبة، وليس أجزاء منها، وهذه هي أول الشروط لتحقيقها، فالبلدان العربية ما زالت بلداناً مستعمَرة رغم استقلالها الشكلي، فمصر أم الدنيا صاحبة أضخم ثورة عرفها التاريخ، إثنا عشر مليون ثائر، تتقاذفها قوى سياسية متناقضة سلفية/قومية/ليبرالية/ يسارية/ وقوى محسوبة على النظام الأسبق، عدا التدخلات غير المباشرة عربياً وأجنبياً، وجارتها السودان التي ابتليت بالفاقة والمرض والجهل والنزاعات العرقية والنزاعات القبلية لفترات طويلة أسفرت عن انقسامات داخلية وضياع الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية.
 أما العراق وإعادة الاستقرار! فحدث بلا حرج، فلم تقرر أمريكا وحلفاؤها الانسحاب منه إلا بعد تدميره والتاكد من خلوه من أسلحة الدمار الشامل، تاركة وراءها أسلحة فتاكة متطورة تستخدم وقوداً في النزاعات الداخلية، وليست لصد الاعتداءات الخارجية، كلّ هذا للدفاع عن إسرائيل وعن أمنها وهو مربط الفرس.
أما سوريا فحدث أيضاً بلا حرج، فما تزال أمريكا تفعل بها كما فعلت بالعراق بل وأكثر وتسعى للقضاء على السلاح النووي تحديداً، وذلك لضمان أمن إسرائيل والحيلولة دون قيام نظام ما على حدودها، فالنظام المراد أن يكون في سوريا وفي دول المنطقة من الضروري أن يكون موالياً للغرب أو مرضيا عنه على أقل تقدير.
أما اليمن السعيد ! فيا لسعادته ! وحدث بلا حرج أيضاً، فهو بلد يكسو سماءه دخان الحروب القبلية، ولم تسعفه اختلاف المذاهب لتكون عاملاً من عوامل التوحد لا عاملاً من عوامل التنافر والتنازع، فطالما أن اليمنيين العرب الأقحاح ! أصحاب تاريخ واحد ولغة واحدة ومستقبل واحد فقد كان أولى بهم أن يستثمروا هذا التعارض الثانوي لا الرئيسي لتشكيل نواة اتحاد عمودها الأساسي الأحزاب المدنية بدلاً من الأحزاب العقائدية، ففصل الدين عن الدولة كان لابد أن يكون النتاج الطبيعي للقومية الواحدة ، ولكن هكذا رسم وخطط لهذا البلد السعيد ,أما بقية البلدان العربية كالبحرين وليبيا وتونس والجزائر وغيرها فتجلس على فوهة بركان لا ندري قذائفه وحممه إلى أين ستؤدي، فارتفاع وتيرة الاحتجاجات والغليان الشعبي واحتدام الصراع خاصة بين الأجنحة المتعددة داخل السلطة في الجزائرهي أكثر مثال على الحال الذي وصلت إليه البلاد العربية.
أما موضوع فلسطين قلب الأمة فحدث بلا حرج كذلك ! فيهودية الدولة (بعد زيارة كيري للمرة العاشرة للمنطقة) هي آخر تقليعة ابتدعتها أمريكا ! وماذا عن الدولة الفلسطينية وحق العودة والقدس والمستوطنات والمياه الوحدة العربية موضوعنا لا يمكن أن تطرح على الطاولة، خاصة أن خارطة جديدة للمنطقة تفصل على قياس الغرب وإسرائيل ! فإما أن تستيقظ الشعوب العربية وتتبين المؤامرة، وتعيد النظر، وتتوحد، وإما أن تتمزق وتتراجع إلى الخلف لعقود عديدة، فأمريكا والغرب ما زالوا يتربصون بالأمة و»الحبل على الجرار»، وإن فكرنا في الاعتماد على غيرنا ! فلم يتبق في الأفق إلا الدول النامية والناشئة اقتصادياً كدول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وهذه الدول ما زالت مصالحها مرتبطة بالدول الكبرى وما زال استقلالها نسبياً! ولم يبق في الميدان لنا سوى سواعدنا ووعي بصيرتنا.
                                                                     * كاتبة  اردنية /جريدة الراي الاردنية