ادب وفن






عَوْدَةٌ إِلىَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّة وإلى أوراشها فِى يَوْمِهَا العَالَمِيّ

عَوْدَةٌ إِلىَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّة وإلى أوراشها فِى يَوْمِهَا العَالَمِيّ
كان يوم 18 ديسمبر المنصرم- كما هو معروف- يوماً عالمياً للّغة العربية، يُحتفىّ بها فى هذا اليوم من كل سنة، كلغة عالمية، رسميّة، متداولة، ومُستعملة في جميع المحافل الدّولية، ولم يأتِ هذا التتويج عبثاً أوإعتباطاً ، بل جاء بعد نضالٍ متواصل، وجهودٍ متوالية إنطلقت منذ أواسط القرن الفارط،، بعد أن أقرّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو ذلك في الدورة الثانية والتسعين لمجلسها التنفيذي المنعقد عام 2012، حيث طفق هذا المّحفل الدّولي فى الاحتفال لأوّل مرّة بهذا اليوم في ذلك العام، قبل أن تقرّر الملحقية الاستشارية للخطة الدّولية لتنمية الثقافة العربية المعروفة ب (أرابيا) المنبثقة عن اليونيسكو هذا اليوم عنصراً أساسيّاً في برنامج عملها المتواتر فى هذا المجال .
ويشير الخبراءُ المتخصّصون فى هذا الميدان أنّ قرار اليونيسكو جاء في سياق سلسلة من القرارات الدولية الأخرى للأمم المتحدة، ومنظماتها حول اللغة العربية، من بينها القرار(878) الصّادر عن الدّورة التاسعة للأمم المتحدة المنعقدة عام 1954، والذي كان قد أجاز الترجمة التحريرية لوثائقها إلى اللغة العربية، لتقرّر منظمة اليونسكوالعالمية عام 1966 إستخدامَ اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي يتمّ تنظيمها في البلاد العربية، بالإضافة إلى إجازة المنظمة ترجمة الوثائق والمنشورات الصّادرة والمنبثقة عنها إلى اللغة العربية، ثم قرّرت اليونسكو كذلك فى نفس هذه السّنة تقوية، وتعزيز إستعمال العربيّة في أعمالها من خلال إقرار خدمات التّرجمة الفورية من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات الأخرى والعكس في جلساتها العامة، وعند مشارف عام 1968 تمّ إعتماد العربية لغة عملٍ في هذه المنظمة الدولية، مع ترجمة مختلف وثائق العمل، وكذلك المحاضر إليها فضلاً عن توفير، وتأمين الترجمة الفورية بصفة نهائية...وهكذا حتى نصل إلى قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بجعل اللغة العربية لغة عمل بصفةٍ رسمية بين مختلف اللغات الحيّة الأخرى المعتمدة في الجمعية العامة وهيئاتها المختلفة،وأخيراً الإعلان عن اليوم العالمي لهذه اللغة فى الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام كلغة رسمية متداولة فى مختلف الهيئات، والمنظمات، والمحافل الدّولية.
ومع ذلك ما زالت تترى وتتوالى الدّراسات، وتتعدّد وتتنوّع النقاشات،وتُطرح التساؤلات،والتخوّفات في المدّة الأخيرة عن اللغة العربية، وعن مدى قدرتها على إستيعاب علوم الحداثة، والعصرنة،والإبتكار، والتجديد الذي لا تتوقّف عجلاته ولا تني ،وتخوّف فريق من عدم إمكانها مسايرة هذا العصر المتطوّر والمذهل، كما تحمّس بالمقابل فريق آخر فأبرز إمكانات هذه اللغة، وطاقاتها الكبرى مستشهداً بتجربة الماضي، حيث بلغت لغة الضاد في نقل العلوم وترجمتها شأواً بعيداً، كثر الكلام في هذا المجال حتى كاد أن يُصبح حديثَ جميع المجالس، والمنتديات،والمؤتمرات في مختلف البلدان العربية ،فهل تعاني العربيّة حقا من هذا النقص..؟ وهل تعيش نوعاً من العزلة لدرجة أنّها في حاجة الى حماية ودفاع ومناقشات من هذا القبيل ..؟
الواقع أنّ اللغة العربية فى العمق ليست في حاجة الى إرتداء ذرع الوقاية يحميها هجمات الكائدين، ويردّ عنها شماتة التخوّفين، إذ تؤكّد كلّ الدلائل،والقرائن قديماً وحديثاً أنّ هذه اللغة كانت وما تزال لغة حيّة ، اللهمّ ما يريد أن يلحق بها بعض المتشكّكين من نعوت، وعيوب،كانت قد أثارتها فى الأصل زمرة من المستشرقين في منتصف القرن المنصرم ،حيث إختلقوا موضوعات لم يكن لها وجود قبلهم ،وما كانت لتعدّ مشاكل أونواقص تحول دون الخلق والتأليف والإبداع، وإنما كان الغرض من ذلك إثارة البلبلة بين أبناء هذه اللغة، وبثّ الشكوك فيما بينهم حيالها، وهم أنفسهم يعرفون جيّدا أنّها لغة تتوفّرعلى جميع مقوّمات اللغات الحيّة المتطوّرة الصّالحة لكل عصر، ثمّ هم فعلوا ذلك متوخّين إحلال محلّها لغةَ المستعمِر الدخيل،ومن المشاكل المفتعلة التى أثيرت فى هذا المضمار: الحرف العربي ، والنحو العربي، وشكل الكلمات، والعاميّة والفصحى.. إلخ .
الحرف العربيّ
أمّا بالنسبة للحرف العربي ومعه الخطّ - الذي إحتفلت اليونسكو بهذه المناسبة فى 18 ديسمبر المنصرم به، وبجماليته، وطواعيته، وفنيته، وإبداعاته- فقد تعدّدت نداءات محاولات إصلاحه، وتحسينه، ولكنّها باءت بالفشل الذريع ، وظلّت الغلبة للأشكال المتوارثة التي كتبت بها عشرات الآلاف من الكتب في مختلف الميادين العلميّة والفلسفية والأدبية ...وسواها، زعموا أنّ شكل الحرف العربي الرّاهن وتركيبه لا يتّفق مع العصر، وأنّ رصف صفحة بالخط الفرنجي يعادل في الزّمن رصف صفحتين بالخط العربي لتزايد عيون الحرف العربي التي تتعدّد وتتغيّر بتغيير مواقعها فى الأوّل أو الوسط أو الأخيروهكذا...فقدّم لنا بعضُ الباحثين أشكالاً متباينة لخطّ جديد تشبه الى حدّ بعيد رسوم الخط الفرنجي، غير أنّ القارئ يكتشف منذ الوهلة الأولى أنها فى غالبيتها أشكال غريبة عليه يمجّها ذوقه السليم، بل إنها فى بعض الأحيان تكلّفه عناء شديدا في هجاء حرف واحد منها ،والحقيقة أنّ جمالية الخط العربي أو حرفه لا تبارى ، فقد ثبت الآن أنه حرف مثالي في جمال تكوينه، وشكله، وتنوّعه، والتوائه، واستوائه، وتعريجاته، واختصاره، وإن الصفحة الواحدة من الكتاب العربي لو كتبت بالحرف اللاتيني لاحتاجت إلى صفحتين على الأقل، فالكتاب المؤلف من مائة صفحة بهذا الخط الجميل لا يمكن رصفه بأقل من مائتي صفحة بالحرف اللاتيني، ثم إن تطوّر وإستعمال الحواسيب الإلكترونية المتطوّرة الحديثة تتّجه سريعا نحو أساليب جديدة مبتكرة للكتابة ،ومعنى ذلك هو العدول بالتدريج عن أسلوب الرصف الحرفي واختصار القوالب،وقد توصّل بعض العلماء إلى إبتكار رسوم حديثة للحرف العربي لا تخرجه عن شكله، ولا تبعده عن أصله ومع إستعمال الكومبيوتر وإحتضانه،وإنتشاره وقبوله للحرف العربي بسهولة ويُسر بنجاح باهر و بنتيجة مُذهلة سقطت دعوى الداعين إلى إستبداله بالحروف اللاتينية، وبذلك يفقد خصوم هذه اللغة هذه المعركة.
حقّا إنه لمن السّخف أن نجد بين ظهرانينا من تسمح لهم أ نفسهم الدعوة إلى إستبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني، متّخذين ممّا إبتدعه مصطفى أتاتورك للّغة التركية مثالا يُحتذى، وكذلك بدعوى السهولة واليسر وضبط الكتابة، وإبراز حركات الحروف، وهذه الدعوى باطلة من أساسها ، تحمّس لها بعض خصوم هذه اللغة عرباً كانوا أم أجانب . ومن بين المفكرين الذين كانوا قد تحمّسوا لهذه الدعوى ذوي الثقل الخاص في القرن الماضي الكاتب سلامة موسى فى مصرالذي دافع عن هذه الفكرة ، وقدّم تبريرات ومقترحات فى شأنها ، يقول فى ذلك :"هذا السّخط الذي يتولانا كلما فكّرنا فى حالنا الثقافية وتعطيل هذه اللغة لنا عن الرقيّ الثقافي، تزيد حدّته كلما فكّرنا وأدّى بنا التفكير الى اليقين بأن إصلاحها مستطاع ، والقلق عام ولكنّ الجبن عن الإبتكار أعمّ .ولذلك قلّما نجد الشجاعة للدّعوة إلى الإصلاح الجريئ إلاّ فى رجال نابهين لا يبالون بالجهلة والحمقى مثل قاسم أمين ، أو أحمد أمين في الدعوة إلى إلغاء الإعراب، ومثل عبد العزيز فهمي حيث يدعو إلى الخطّ اللاتيني وهو وثبة المستقبل لو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التى أغلق عليها هذا الخطّ أبواب ماضيها وفتح لها أبواب مستقبلها" .
ولقد قدّم سلامة موسى بعض المقترحات نجملها فيما يلي: " الحاجة إلى إلغاء الإعراب ،وميزاته أوّلا : الإقتراب من التوحيد البشري لأنه وسيلة للقراءة والكتابةعند الذين يملكون الصناعة ، أيّ العلم والقوّة والمستقبل.وهذا الخط تأخذ به الأمم التي ترغب فى التجدّد كما فعلت تركيا ، ومن المرجّح أن يعمّ هذا الخط العالم كله تقريبا.
ثانيا:حين نصطنع الخط اللاتيني يزول هذا الإنفصال النفسي الذي أحدثته هاتان الكلمتان المشؤومتان : شرق وغرب،ويضمن لنا أن نعيش العيشة العصرية ،ولابد أن يجرّ هذا الخط فى أثره كثيرا من ضروب الإصلاح الأخرى مثل المساواة الإقتصادية بين الجنسين، و التفكير العلمي، والعقلية بل والنفسيّة العلمية أيضا،إلخ .
وثالثا ورابعا وخامسا: إننا عندما نكتب الخط اللاتيني نجد أن تعلّم اللغات الأروبية قد سهل أيضا،فتنفتح لنا آفاق هي الآن مغلقة."ويختم سلامة موسى بالتساؤل التالي :وبالجملة نستطيع أن نقول إن الخط اللاتيني هو وثبة في النور نحو المستقبل ،ولكن هل العناصرالتي تنتفع ببقاء الخط العربي والتقاليد ترضى بهذه الوثبة ؟.
لا شك أن القارئ يلاحظ كم في هذه الدعوة من مغالاة ، كما يتبيّن له ولا ريب أنّها لا تسنتد إلى أساس سليم تُبنى عليه، لا ترمى سوى إلى تشتيت التراث العربي وتشويهه. ولم يُكتب النجاح لدعوة سلامة موسى ودعوات غيره من أمثال أمين شميل ، وعبد العزيز فهمي، وقبلهما الدكتور سبيتا ،وويلمور، ووليم ويلكوكس ، وسواهم، وظلت السيطرة للحرف العربي إلى اليوم ، ثم ماذا كان سيفعل هؤلاء في كثير من الحروف العربية التى لا تجد لها رسما سوى فى النطق العربي كحروف : الحاء، والغين ، والعين، والذال، والضاد، والطاء، والقاف،والثاء ،والهاء..إلخ. ثم ماذا سيكون موقفهم من التراث العربي الزاخر المكتوب بحروف عربية..؟ وهكذا وئدت هذه الدعوة في مهدها .
النّحو العربيّ
إنّ النشء من متعلّمي اللغة العربية يشكون من صعوبة نحوها ،وقد ختم الأستاذ البّاحث أحمد عصيد مقاله الأخيرحول (اللغة العربية فى يومها العالمي..الأوراش الكبرى المؤجّلة) المنشور فى منبر"هسبريس" بتاريخ 24/12/ 2014،الذي لا يخلو من إشارات حاذقة،وموفية، وعميقة فى هذا المنوال، ختمه بالإشارة أو التذكير بما سمّاه "الصّعوبات الجمّة" لهذا النّحو، حيث يقول فى ذلك :( ..ونعتقد أن الأوراش الكبرى للغة العربية والتي يعيها الأخصائيون في هذه اللغة وعيا تاما تتعلق أساسا بضرورة النظر في النحو العربي وتحديثه بسبب الصعوبات الجمة التي يصادفها الأطفال والكبار على السواء في تعلمه، وكذا النظر في الإملاء وتنميطه تنميطا حديثا..).
والحقّ أنه ما من " نحو " في أيّ لغة من لغات الأرض إلاّ ويعاني أصحابها من هذه الشكوى . ولقد أصبح " نحو " اللغة الألمانية مضربَ الأمثال فى الصّعوبة والتعقيد، على أن قواعد اللغة العربية ليست أشدّ صعوبة من هذه اللغة أو تلك، يقول الدكتور محمد كامل حسين عن النحو العربي:" الواقع أن قواعد اللغة العربية بسيطة جدا يمكن الإلمام بها بعد درس غير مرهق ، ولا يحتاج المتعلّم بعد ذلك إلاّ الى المران على تطبيق هذه القواعد الشاملة فيستقيم بذلك لسانُه دون عناء كبير". إن الخطأ الفادح الذى يقع فيه واضعو مناهج التعليم كونهم يلقنون القواعد في صورتها الجافة قبل النصوص ،فى حين نجد القائمين على مناهج التعليم فى المدارس الأوربية على إختلافها يعوّدون التلميذ على التعامل مع النصّ فى المقام الأول، فهو يقرأ ويعيد ويحفظ من غير أن يكون ذا إلمام بعلم النحو ، ثم يطبّق بعد ذلك ما قرأه على القواعد فإذا أردنا الخروج بنحونا من صلابته علينا أن نكثر في المراحل الأولى من مناهج تعليمنا من النصوص فالتعامل مع النصّ يكسب الطالب أو المتعلّم سليقة فطرية ،ويعوّده بطريقة تلقائيةعلى أشكال الحروف وبنائها وتراكيبها وتعدّد أساليبها ، فقد وجدت النصوص مذ كانت العربية ،أمّا النحو" كعلم قائم مدوّن" فلم يوضع إلاّ فى زمنٍ متاخّر، أيّ فى القرن الأوّل الهجري على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي.
لقد كانت العرب إذن تنطق بالسليقة ، ولا تخطئ أبدا فى كلامها من غير أن تعلم لماذا كان الفاعل مرفوعا ولا المفعول منصوبا،كما أنّ كثيرا من علماء العربية وواضعي معاجمها المشهورة كانوا يقصدون الأعراب فى البوادي حيث العربية سليمة نقيّة غير مشوبة فيأخذون عنهم النطقَ الصحيح،ومعروف عن الزّمخشري، والأصمعي، والكسائي ،وابن خالويه،وأبي عليّ الفارسي، وابن جنّي وسواهم كانوا يؤمّون البوادي ويسجّلون المعاني المستعملة عندها.
إذن فالشكوى من النحو هي شكوى من قواعده الجافة الموضوعة في قوالب مملّة شأنها شأن القوانين الجامدة، اما اللغة العربية فالدليل قائم – قديما وحديثا - على أنّ المران والممارسة يكسبان دارسيها مهارة فائقة على التركيب السليم والنطق الصحيح ،وكم من متعلم أو كاتب لم يدرس القواعد ومع ذلك يستطيع أن يكتب ويؤلف نتيجة الممارسة والقراءة المتواصلة، القول المعرب إذن قوامه القراءة الكثيرة، والخوض فى النصوص ، وهذا ما نرجو أن يتمّ ويعمّم فى مناهج تعليمنا ، أيّ مضاعفة حصص النصوص، وحسن اختيارالقواعد. وانطلاقاً من النصّ ودراسته نستنتج القاعدة التى بني عليها هذا النصّ،وهذا معناه التطبيق الفعلى للدراسة النظرية. وقديماً قيل : وَلسْتُ بنحويٍّ يلوكُ لِسانُه/ ولكنْ سليقيٌّ أقول فأُعْرِبُ
وكم من محاولات لتبسيط النحو العربي التي تقدّم بها غير قليل من الدارسين ظلت حبراً على ورق دون أن تغيّر شيئا من المشكلة القائمة، أما مسألة الشاذ في اللغة الذي يخرج عن المألوف والإستعمال يظلّ صورة متحفية لنطق بعض القبائل العربية القديمة لا ينبغي أن نأخذ به، فالشاذ أو الشارد أو النادر لا حكم له كما يقال. ولعلّك لا تتّفق مع القائل : خطأ مشهور ، خير من صواب مهجور !.
وتنبثق عن النحو العربي مسألة اخرى يرى فيها البعض مشكلة قائمة بذاتها وهي مسألة" الشّكل" شكل الحروف العربية تفاديا للغموض واللبس والإبهام. وهناك إتهام مشهور يوجّه لأبناء اللغة العربية، في هذا الصدد، وهو أنه حتى كبار دارسيها يحارون أو يتعثّرون فى بعض الأحيان عند قراءة نصّ من النصوص العربية مخافة الخطأ او اللحن ومن أجل شكلها شكلاً صحيحاً. على حين أننا نجد القارئ الفرنسي، أو الإسباني –مثلا- حتى وإن كان دون مستوى مرحلة الثانوية العامّة يقرأ النصوصَ فى لغته بطلاقة من غير أن يرتكب خطأ واحداً، وهذه من أخطر الإتهامات التي توجّه للغة العربية، ويرى فى ذلك الباحثون رأيين إثنين، يقول الأوّل:أن اللغة العربية ليست صعبة كما يدّعون، بل إنّ النقص كامن فيمن لا يجيدها حقّ الإجادة،وإذا كان المرء عالما بأصولها، مطلعا على أسرارها ، دارسا لقواعدها، ملمّا بأساليبها فإنّه لا يخطئ أبدا، في حين يذهب الرأى الآخر أن العربية فعلا تشكو من هذه النقيصة ،ففيما يخصّ شكل الكلمات على الأقل. هناك كلمات يحار المرء فى قراءتها القراءة الصحيحة وقد يقرأها على غير حقيقتها ، وهناك أخرى يمكن نطقها على خمسة أو ستة أوجه، وهذه مشكلة فى حدّ ذاتها ، ولكن كما أسلفتُ آنفا فإنّه مع المران والقراءة المتعدّدة وتتبّع السياق كل ذلك يساعد على تفادى أمثال هذه الأمور التي لم تحلّ أبداً دون التأليف والخلق والإبداع المستمرعلى إمتداد التاريخ العربي الحافل بجليل الآثار فى كل علم.
الفُصحىَ أم العاميّة
وفي منتصف القرن الماضي حار قوم فى إستعمال الفصحى أم العامية ؟. ولقد تعدّدت الدراسات فى هذا المجال بين مؤيّد للعامية متعصّب لها بدعوى التبسيط والسهولة واليُسر ، وبين مستمسكٍ بالفصحى لا يرضى بها بديلا . والحقيقة التى أثبتتها السّنون أن الغلبة كانت للفصحى على الرغم من هذه الدعوات والمحاولات، فكم من كاتب نادى وتحمّس للعاميّة وعمل على نشرها وتعميمها ،ثمّ عاد يكتب بفصحى ناصعة صافية نقيّة، وفى فترة مّا من فترات حياة أديبنا المرحوم محمود تيمور كان قد تحوّل عن الفصحى إلى العامية بل ّنه كتب قصصاً بها غير أنه سرعان ما عاد كاتباً عربياً مبيناً ، بل ومتحمّساً كبيراً للفصحى ومدافعاً عن لوائها كعضو بارز فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة . ودعوات الأديب اللبناني الكبير سعيد عقل الذي خطفته منّا يدُ المنون مؤخراً رحمه الله ، وسواه من الكتّاب إلى إستعمال العامية معروفة وسال من أجلها حبر غزير.
هذا وقد أثير فى المغرب مؤخّرا نقاش حام حول هذا الموضوع سرعان ما خبا أواره، وخمدت ناره، حيث دعا بعضُهم إلى إستعمال " الدّارجة" (العاميّة) بدل الفصحى فى بعض مراحل التعليم ،وعزا هؤلاء عن غير رويّة، ولا بيّنة ولا علم ولا برهان المشاكل التي يتخبّط فيها التعليم فى هذا البلد وسواه إلى هذا الأمر ، ولكن هذه الدعوة الواهية سرعان ما وئدت هي الأخرى فى مهدها .
العربيّة واللّغات الأخرى
الدّفاع عن لغة الضاد التي أصبحت اليوم فى نظر البعض من مكوّنات هويّات البلدان العربية، إلاّ أنّ هذا الدفاع لا ينبغي أن يثنينا أو يبعدنا عن العناية، والإهتمام، والنّهوض، والدّفاع كذلك بشكلٍ متوازٍ عن عناصر هامّة، وأساسيّة أخرى فى المكوّنات الأساسية للهوية الوطنية فى هذه البلدان ، وفى حالة البلدان المغاربية على سبيل المثال ، فإنّ اللغات الأمازيغية الأصليّة فيها قد تعايشت مع لغة الضّاد منذ أقدم العصور فى هذه الرّبوع والأصقاع،فى مجتمعات تتّسم بالعدّد والتنوّع والإنفتاح ،ليس على لغاتها ولهجاتها الأصلية المتوارثة وحسب، بل وحتى على اللغات الأجنبية الأخرى الدخيلة كالفرنسية، والإسبانية ،والإنجليزية، والإيطالية وسواها، وحسبي أن أشير فى هذا الصّدد إلى التعايش المتناغم الذي كان قائماً بين هذه اللغات برمّتها،والذي لم يمنع أبداً فى أن يكون هناك علماء أجلاّء فى هذه اللغة أو تلك من مختلف جهات ومناطق هذه البلدان،سواء البلدان المغاربية أو خلال التواجد الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية وبشكل خاص فى الأندلس،حيث تعايشت كل من اللغتين العربية والامازيغية جنباً إلى جنب،بل لقد كان لهما تاثير بليغ فى لغة سيرفانطيس ، وبحكم هذه المعايشة يرى المُستشرق أمريكُو كَاسْترُو أنّ معظمَ الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ، والقياس، والأكل ،والسّقي ،أو الريّ،والبناء،كلها من أصل عربي ، فَمَنْ يبني البِنَاء ؟ ألبانييل Albañil(بالإسبانية) وهو البَنَّاء ،أو الباني،وماذا يبني؟ القصرAlcázar، القبّة Alcoba ، السّطح Azoteaأو السقف (وهي بالتوالي تُنطقُ فى الإسبانية : ألكَاسَرْ،ألْكُوبَا،أسُوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرضَ؟ بالسّاقية Acequia، والجُب Aljibe ، وألبِرْكَة Alberca (وهي تُنطق فى الإسبانية):أسِيكْيَا،ألْخِيبِي،ألبيركَا. وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّرAzúcar، الأرزArroz ،النارنج Naranja ،الليمون Limón، الخُرشُف Alcachofa،التّرمُسAltramuces ، السّلق Acelgas، السّبانخ Espinacas(و هي تُنطق فى الإسبانية بالتوالي: أسوُكار،أرّوث،نارانخا،الليمون ،الكاشُوفا، ألترامويسيس ،أسيلغا، إيسبيناكاس).وبماذا تزدان بساتيننا، أوتُزَيَّنُ حدائقنا..؟ بالياسمين، Jazmín والزّهرAzahar، والحبَق Albahaca، وتُنطق بالإسبانية: أثهَار، خَاثْمين، وَألبَهاَكا،) بالإضافة إلى العديد من الكلمات الأخرى التي لا حصر لها كلّها دخلت وإستقرّت فى هذه اللغة، وما فتئت الألسنُ تلوكها ،والمعاجم تثبتها ،وتنشرها ،وتتباهى بها والكتب والتآليف والمجلدات والأسفار والوثائق والمظانّ تحفل بها بدون إنقطاع إلى اليوم سواء فى إسبانيا، أو ما وراء بحر الظلمات فى مختلف بقاع، وضِيَع، وأصقاع العالم الجديد.
كلمات أمازيغية
وهناك كذلك العديد من الكلمات الأمازيغية التي إستقرّت بدورها فى اللغة الإسبانية مثل (تَزَغّايثْ) أو الزغاية Azagaya (وتعني الرّمح الكبير) وقد أثبتها المُستشرق الهولاندي الشهير"دُوزي" فى معجمه ككلمة تنحدر من أصل أمازيغي بربري، وإستعملها كولومبوس فى يومياته، بصيغة الجمع Azagayas ( الزغايات) وهي موجودة، ومُدرجة فى معجم الأكاديمية الملكية للّغة الإسبانية بهذا المعنى،وغير موجودة فى المعاجم العربية لا" لسان العرب"،ولا"مقاييس اللغة" ولا "الصّحاح
في اللغة " ولا " القاموس المحيط " ولا " العُباب الزّاخر " لا فى صيغة المفرد ، ولا فى صيغة الجمع ،مِمّا يدلّ الدلالة القاطعة على أصلها وأثلها الأمازيغي حسب ما يؤكّد المستشرق الهولاندي الثقة المعروف الآنف الذكر (رَيِنْهَارْت دُوزِي ـ (Reinhart Dozy) (ليدن، هولندا، 21 فبراير 1820 ـ والإسكندرية، مصر، 29 أبريل 1883) ، وكلمة (آش) تُجمع ب "أشّاون" وتعني القرون ومنها إسم مدينة (الشّاون) فردوس الجبل الجميلة، ويؤكّد صاحب " الإحاطة فى أخبار غرناطة " إبنُ الخطيب أنّ النّهر الوحيد فى شبه الجزيرة الإيبيرية الذي يحمل إسماً أمازيغياً هو"مدينة آش" ،ونهر"وادي آش" أيّ وادي القرن وهو فى الإسبانية "Guadix "، أو "río de Acci"، "Wadi Ash"،" río Ash " بالقرب من مدينة غرناطة.إلخ (وهكذا الأمر مع العديد من الأسماء المتعلقة بالقبائل وبعض الضّيع والمدن مثل مدينة Teruel الإسبانية (بالقرب من سراقسطة) المقتبسة من إسم مدينة " تِرْوَال" المغربية بالقرب من وزّان ( وهي من قبائل بربرصنهاجة)، ومدينة Albarracín بالقرب من ترويل الإسبانية، ويرجع إسم هذه المدينة الى القبيلة البربرية "بني رزين" التي عاشت بها وإستقرت في ربوعها في القرن الثالث عشر، وآخر ملوكها حُسام الدّولة الرزيني، وهي تنحدرمن" بني رزين " وهي قرية أمازيغية جبلية مغربية والكائنة فى الطريق السّاحلي الرّابط بين تطوان والحسيمة .ومنها كلمات مثل Gomera من "غمارة" وهي عند الإسبان إسم جزيرة فى الأرخبيل الكناري، de Gomera Vélez وهذه الكلمة من إسم " بادس" وهو(إسم شبه الجزيرة المحتلة من طرف الإسبان الكائنة بجوار شاطئ " قوس قزح" وبني بوفراح ونواحيها بإقليم الحسيمة)،وإليها يُنسب الوليّ الصّالح أبو يعقوب البادسي،الذي ذكره إبن خلدون فى مقدمته بكل تبجيل،كما تحمل إسمَه الكريم أعرقُ ثانوية فى مدينة الحسيمة، وإسم بادس مُستعمَل بكثرة فى إسبانيا مثل:Vélez Rubio, Vélez Malaga,Velez Benaudalla,Velez Blanco ,Rio Vélez, إلخ . وفى دارجتنا المغربية نجد العديد من الكلمات الأمازيغية(سوسية، وشلحية، وريفية) مبثوثة فيها ، نسوق واحدةً منها فقط على سبيل المثال وليس الحصر لضيق الوقت،(لعلّها تفي بالغرض لمدلولها العميق فى حياة المغاربة ! ) وهي كلمة" تاغنّانت" ألتي إستقرّت فى العامية بإسم "أغنان" والتي يقابلها فى العربية كلمة "العِناد" !،ولا وجود لكلمة(أَغْنَانْ أو غَنَنَ) فى المعاجم العربية بهذا المعنى.
ناهيك عن أسماء المنتوجات التي أدخلها المسلمون إلى أوربا فى مختلف الحقول والمجالات . ويصل "أمريكو كاسترو" إلى نتيجة مثيرة فيقول: " إنّ فضائلَ الأثر والعمل عند المسلمين ،والثراء الإقتصادي الذي كان يعنيه هذا العمل وهذا الأثر كلّ ذلك قُدِّمَ قُرْباناً وضحيةً من طرف الحكّام الكاثوليك والإسبان". ويختم "كاسترو" بكلماتٍ مغلّفةٍ بسخريةٍ مُرّة من بني طينته مُشيراً :" أنّ ذلك الثّراء ، وذلك الرّخاء ، لم يكونا يساويان شيئاً إزاء الشّرف الوطني ."..!!!.
وكان "العربيّ" فى هذه الرّبوع، والضّيَع، والبقاع، والأصقاع فى هذا السّياق يفتخر ويتباهى بإخوانه من البربرالأمازيغ ، والعكس صحيح، قال قائلهم فيهم :
وأصبحَ البِرّ من تكراره عَلَماً... على الخَيْرِ والنّبلِ والمَكْرُمَاتِ.
والبِرّ(بكسر الباء) الذي يعني الخير والإحسان إذا كرّر أصبح (بِرّبِرّ) .
وهذا شاعرآخر من "الرّيف " فى شمال المغرب يُنشد متحسّراً على مدينته التي إندرستْ، إندثرتْ، وتلاشتْ بعد التعايش والإزدهار الذين عرفتهما من قبل، مستعملاً ثلاث لغات فى بيتٍ واحدٍ من الشّعر وهي : العربيّة ، والرّيفيّة، والسّودانية، فقال:
أثادّرث إينو مَانيِ العُلُومُ التي ذَكَم.ْ.... قد إندرستْ حقّا وصَارَتْ إلى يَرْكَا . وقيل إنّ " يَرْكَا " باللغة السّودانية تعني الله، وبذلك يكون معنى البيت : أيا دارِي أين العلومُ التي كانت فيك..... قد إندرست حقّا وصارت إلى الله .
لغة الضّاد والمستشرقون
العالم يركض ويجري من حولنا ، والحضارة تقذف إلينا بعشرات المصطلحات والمستجدّات يومياً.والإختراعات تلو الإختراعات تترى فى حياتنا المعاصرة..ونحن ما زلنا نناقش ونجادل فى أمور كان ينبغى تفاديها أو البتّ فيها منذ عدّة عقود ، ترى كيف يرى كبار المستشرقين الثقات هذه اللغة بعد إنصرام هذه القرون الطويلة التي لم تنل من قوّتها و زخمها وعنفوانها وشبابها المتجدّد حبّة خردل..؟ إنها ما زالت كما كانت عليه منذ فجرها الأوّل لم يستعص عليها دينٌ ولا عِلمٌ ولا أدبٌ ولا منطق، إنّها ما زالت مشعّة، نضرة، حيّة، نابضة، خلاّقة، مطواعة معطاء، لقد شهد لها بذلك غير قليل من الدّارسين والمستشرقين ، وإعترفوا بقصب السّبق الذي نالته على إمتداد الدّهور والعصورفى هذا القبيل . يقول المستشرق الفرنسي" لوي ماسّنيون" فى كتابه ( فلسفة اللغة العربية) : "لقد برهنت العربية بأنّها كانت دائما لغةعلم ، بل وقدّمت للعلم خدمات جليلة باعتراف الجميع، كما أضافت إليه إضافات يعترف لها بها العلم الحديث ، فهي إذن لغة غير عاجزة البتّة عن المتابعة والمسايرة والترجمة والعطاء بنفس الرّوح والقوّة والفعالية التى طبعتها على إمتداد قرون خلت،إنها لغة التأمل الداخلي والجوّانية ، ولها قدرة خاصّة على التجريد والنزوع إلى الكليّة والشمول والإختصار..إنها لغة الغيب والإيحاء تعبّر بجمل مركزة عمّا لا تستطيع اللغات الأخرى التعبير عنه إلاّ في جُمَلٍ طويلة ممطوطة". إنّه يضرب لذلك مثالاً فيقول:" للعطش خمسُ مراحل فى اللغة العربية ،وكلّ مرحلة منه تعبّر عن مستوى معيّن من حاجة المرء إلى الماء ،وهذه المراحل هي: العطش، والظمأ، والصَّدَى،والأُوّام، والهُيام ، وهو آخر وأشدّ مراحل العطش، وإنسان "هائمٌ" هو الذي إذا لم يُسْقَ ماء مات"، ويضيف ماسّينيون :"نحن فى اللغة الفرنسية لكي نعبّر عن هذا المعنى ينبغي لنا أن نكتب سطراً كاملاً وهو"إنه يكاد أن يموت من العطش" ولقد أصبح "الهيام"(آخر مراحل العطش وأشدّها) كناية عن العشق الشّديد. وآخر مراحل الهوى، والجوى، والوله، والصّبابة.
يرى "بروكلمان" أنّ معجم اللغة العربية اللغوي لا يضاهيه آخر في ثرائه. وبفضل القرآن بلغت العربية من الاتّساع إنتشاراً تكاد لا تعرفه أيُّ من لغات الدنيا. ويرى "إدوارد فان ديك": أنّ العربية من أكثر لغات الأرض ثراءً من حيث ثروة معجمها و إستيعاب آدابها".
المستشرق الهولاندي "رينهارت دوزي" (صاحب معجم الملابس الشهير): يقول" إنّ أرباب الفطنة والتذوّق من النصارى سحرهم رنين وموسيقى الشّعر العربي فلم يعيروا إهتماما يُذكر للغة اللاتينية، وصاروا يميلون للغة الضاد، ويهيمون بها."
"يوهان فك": يؤكّد أن التراث العربي أقوى من كلّ محاولة لزحزحة العربية عن مكانتها المرموقة فى التاريخ". جان بيريك:" العربية قاومت بضراوة الاستعمار الفرنسي في المغرب، وحالت دون ذوبان الثقافة العربية في لغة المستعمر الدخيل". "جورج سارتون":" أصبحت العربية في النّصف الثاني من القرن الثامن لغة العلم عند الخواصّ في العالم المتمدين". وهناك العشرات من أمثال هذه الشهادات التي لم تُخْفِ إعجابها الكبير بلغة الضاد يضيق المجال لسردها فى هذا المجال.
جهود عربيّة
وتجدر الإشارة فى هذا الصّدد أن العديد من الأدباء، والشعراء،والباحثين، والعلماء العرب من مسلمين، ومسيحيين على حدّ سواء فى العصر الحديث، قد لعبوا دوراًكبيراً فى الحفاظ على اللغة العربية ونشرها،والإبداع فيها وبها،منذ عقود،وعهود عديدة خلت، ويرجع الاهتمام بلغة الضاد ومحاولة إحيائها،وتطويرها لحركة النهضة العربية في القرن التاسع عشر التي ترجع بذورها إلى ما قبل ذلك، ويمكن تتبّع آثارها بفعالية، وجهود حثيثة في مصر ، وسورية، ولبنان،والعراق، والأردن،والمغرب والجزائز،وتونس، وسواها من البلدان العربية الأخرى ،ففى لبنان على سبيل المثال وليس الحصر نجد أعمال المطران جرمانوس فرحات من القرن الثامن عشر ، الذي وضع مؤلفات عديدة وقيمة في النّحو والصّرف والإعراب ، لعلّ أهمّها "بحث المطالب"، الذي يعتبره البعض أوّل كتاب وُضع في ضبط قواعد الصرف والنحو للغة العربية. ولقد بذل هؤلاء العلماء وسواهم فى هذا البلد الجهودّ المتوالية فى هذا الشأن منهم الأديب والشاعر اللبناني ناصيف اليازجي الذي نبغ كثير من أفراد أسرته في الفكر والأدب، والذي إضطلع بدور كبير في إعادة إستخدام اللغة الفصحى بين العرب في القرن التاسع عشر،بل إنّه أخذ على عاتقه تهذيب اللغة وتشذيبها، وعمل على تقريب متناولها فحبّبها إلى القلوب، وعمل على الإسهام في إحياء تراث اللغة ونشره،ومن الأسماء البارزة فى هذا القبيل نسوقها عرضاً كذلك ،المعلم بطرس البستاني،ويعقوب صروف،ولويس معلوف، وخليل خوري، والأب أنستاس الكرملي،والأب لويس شيخو، وجبران خليل جبران،وجورجي زيدان، وفيليب حتي،وأمين الريحاني ، وسليم البستاني ، وبطرس البستاني صاحب "روضة الادب في طبقات شعراء العرب" و "نهاية الأرب في أخبار العرب"، وأمير البيان شكيب أرسلان،وفارس الشدياق ، وحنّا الفاخوري وسواهم،وهذا ليس سوى غيض من فيض منهم،وهم كُثر، وبعض كتب ومؤلفات هؤلاء العلماء يتمّ تدريسها فى مناهج التعليم فى مختلف البلدان العربية،بما فيه المغرب، فكتاب "تاريخ الأدب العربي" الشهير لحنّا الفاخوري الذي ظهرت طبعته الأولى سنـة 1951، كان من مقرّرات الباكالوريا عندنا، كِدْتُ أحفظه عن ظهر قلب من شدّة إعجابي به،ورجوعي إليه !.
العربية إذن لغة غير عاجزة عن المتابعة، والمسايرة، والترجمة، والعطاء بنفس الرّوح، والزّخم، والفعالية التى طبعتها بإستمرار،وربما كان العجز كامناً، وساكناً، ومقيماً فى أصحابها، وذويها، وأهلها،ومتعلّميها، وأنّ ما يدّعيه البعضُ من مشاكل،أو نقائص فى هذه اللغة ليست سوى إدّعاءات واهيّة .
* عضوالأكاديمية الإسبانية- الأمريكية للآداب والعلوم (كولومبيا).

هذه لغتي العربية...فأروني من لغاتكم مثلها

هذه لغتي العربية...فأروني من لغاتكم مثلها
ثلاث نماذج أريد من كل محب للغته في العالم أن يأتيني بمرادف لهذه الكلمات بهذه الدقة وبهذا الشمول والتنوع والروعة، نموذج لأسماء ساعات النهار وساعات الليل متسلسلة على مدار أربع وعشرين ساعة، ونموذج عمر الإنسان من النطفة إلى الممات ثم نموذج متنوع عشوائي في الأولاد وأوائل الأشياء وصغارها وفي الأمور العظيمة والكثيرة والألوان ونحوها،
أسماء ساعات الليل والنهار:
أورد الثعالبي(رحمه الله ) في كتابه "فقه اللغة وسر العربية"أربعة وعشرين لفظا يمثل كل واحد منها مقطعا زمنيا لإحدى سَاعَاتِ النَّهارِ أواللَّيل وهي كما يلي:
الشُرُوقُ ، ثُمَّ البكورُ ،ثُمَّ الغُدْوَةُ ،ثُمَّ الضُّحَى، ثُمَّ الهاجِرَةُ، ثُمَّ الظَهِيرَةُ، ثُمَّ الرَّوَاحُ، ثُمَّ العَصْرُ، ثُمَّ القَصْرُ، ثُمَّ الأصِيلُ، ثُمَّ العَشِيُّ، ثُمَّ الغُروبُ، ثم الشَّفَقُ، ثُمَّ الغَسَقُ، ثُمَّ العَتَمَةُ، ثُمَّ السُّدْفَة، ثُمَّ الفَحْمَةُ، ثُمَّ الزُّلَّةُ، ثُمَّ الزُّلْفةُ، ثُمَّ البُهْرَةُ، ثُمَّ السَّحَرُ، ثُمَّ الفَجْرُ، ثُمَّ الصُّبْحُ، ثُمَّ الصَّباحُ .
عمر الإنسان وأحواله:
وأورد في ترتيب عمر الإنسان وأحواله التي ينتقل فيها،فمَا دَامَ فِي الرَّحِمِ فَهُوَ جَنِينٌ. فإذا وُلدَ فَهُوَ وَليدٌ. وَمَا دَامَ لَمْ يَسْتَتِمَّ سَبْعَةَ أَيام فهو صَدِيغٌ . ثُّمَّ مَا دَامَ يَرْضعُ فهو رَضِيعِ. ثُمّ إذا قُطِعَ عَنْهُ اللَّبَنُ فَهُوَ فَطِيم. ثُمَّ إذاَ غَلُظَ وَذَهَبَتْ عَنْهُ تَرَارَةُ الرَّضَاعِ (امتلاء الجسم وتروي العظم) فهُوَ جَحْوَشٌ ثُمَّ هُوَ إذا دب ونما فهو دَارِج. فَإِذا بَلَغَ طُولُهُ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ فَهُوَ خُمَاسِي. فإذا سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ (ثنيتاه) فَهُوَ مَثْغور . فإذا نَبَتَتْ أسْنَانُهُ بَعْدَ السُّقُوطِ فَهُوَ مُثَّغِر بالثّاءِ . فإذا كَادَ يُجَاوِزُ العَشْرَ السِّنِينَ أوْ جَاوَزَهَا فَهُوَ مُتْرَعْرعٌ وَنَاشِئ. فإذا كادَ يَبْلُغُ الحُلُمَ أوْ بَلَغَهُ فهو يافِع وَمُرَاهِق. فإذا احْتَلَمَ وَاجْتَمَعَتْ قُوَّتُهُ فَهُوَ حَزَوَّر وَحَزْوَرٌ. واسْمهُ في جَمِيعِ هَذِهِ الأحْوَالِ الّتي ذَكَرْنَا غُلام. فإذا اخضَرَّ شارِبُهً وَأَخَذَ عِذَارُهُ يَسِيلُ قِيلَ: بَقَلَ وَجْهُهُ. فإذا صَارَ ذَا فَتَاء(شباب) فهو فَتًى وَشَارِخ. فإذا اجْتَمَعَتْ لِحْيَتُهُ وبلغ غايةَ شَبابِهِ فَهُوَ مُجْتَمِع. ثُمّ مَا دَامَ بين الثَلاَثِينَ والأَرْبَعِينَ فَهُوَ شَابّ. ثُمَّ هُوَ كهْل إلى أن يَستَوفِيَ السِّتَينَ.ثم يُقَال شَابَ الرَّجُلُ. ثًمّ شَمِطَ (شعر أبيض يخالطه سواد). ثُمّ شَاخَ. ثُمَّ كَبِرَ. ثُمَّ تَوَجَهَ. ثُمَّ دَلَفَ. ثُمَّ دَبَّ. ثُمّ مَجَّ. ثُمَّ هَدَجَ(مشى رويدا في ضعف). ثُمَّ ثَلَّبَ(منتهى الهرم وتكسر الأسنان). ثُمَّ المَوْتُ.
وفي المرأة يقولون:هِيَ طِفْلَة مَا دَامَتْ صَغِيرَةً. ثُمَّ وَليدَةٌ إِذَا تَحَرَّكَتْ. ثُمَّ كَاعِب إذا كَعَبَ ثَدْيُهَا. ثُمَّ نَاهد إذا زَادَ. ثُمَّ مُعْصِر إذا أَدْرَكَتْ. ثُمَّ عَانِس إذا ارْتَفَعَتْ عَنْ حَدِّ الإعْصَارِ. ثُمَّ خَوْد إذا تَوَسَّطَتِ الشَّبَابَ. ثُمَّ مُسْلِف إذا جَاوَزَت الأرْبَعِينَ. ثُمَّ نَصَف إذا كَانَتْ بَيْن الشَّبَاب والتَّعْجِيزِ. ثُمَّ شَهْلَة كَهْلَة إذا وَجَدَتْ مَسَّ الكِبَرِ وَفِيهَا بَقِيَّة وَجَلَدٌ. ثُمَّ شَهْبَرَة إِذَا عَجًّزَتْ وَفِيها تَمَاسُك. ثُمَّ حَيْزَبُون إذَا صَارَتْ عَالِيَةَ السِّنِّ نَاقِصَةَ القوَّةِ. ثُمَّ قَلْعَم وَلطْلِطٌ إذا انْحَنَى قَدُّهَا وَسَقَطَتْ أَسْنَانُهَا.
نماذج متنوعة:
يقول العرب في أولاد مختلف الأصناف ما يلي:فوَلَد كُلِّ بَشَرٍ ابْن وابْنَة،وَلَدُ الفِيلِ دَغْفَل. وَلَدُ النَّاقَةِ حوَارٌ. وَلَدُ الفَرَسِ مُهْر. وَلَد الحِمَارِ جَحْشٌ. وَلَدُ البَقَرَةِ عِجْل. وَلَدُ البَقَرَةِ الوَحْشِيَّةِ بَحْزَجٌ وَبَرْغَز. وَلَدُ الشّاةِ حَمَل. وَلَدُ العَنْزِ جَدْي. وَلَدُ الأسَدِ شِبْل. وَلَد الظَبيِ خَشْفٌ. وَلَدُ الأرْويَّةِ وَعْل وَغًفْر. وَلَدُ الضَّبُع فُرْعُلٌ. وَلَدُ الدُّبِّ دَيْسَمٌ. وَلَدُ الخِنْزِيرِ خِنَّوْص. وَلَدُ الثَّعْلَب هِجْرِسٌ. وَلَدُ الكَلْبِ جَرْو. وَلَدُ الفَأْرَةِ دِرْصٌ. وَلَدُ الضَّبِّ حِسْل. وَلَدُ القِرْدِ قِشَّةَ. وَلَدُ الأرْنَبِ خِرْنِق. وَلَدُ الببر خِنْصِيصٌ . وَلَدُ الحيّةِ حِرْبِشٌ. وَلَدُ الدَّجَاجِ فَرُّوجٌ. وَلَدُ النَّعامِ رَأْلٌ.
وفي أوائل الأشياء:الصُّبْحُ أوَّلُ النَّهارِ. الغَسَقُ أوَّلُ اللَّيْلِ. الْوَسْمِيُّ أوَّلُ المَطرِ. البَارِضُ أوَّلُ النَّبْتِ. اللُّعَاعُ أوَّلُ الزَرْعِ . واللِّبَأُ أوَّلُ اللَّبنِ. السُّلافُ أوَّلُ العَصِيرِ. البَاكُورَةُ أوَّلُ الفَاكِهَة. البِكْرُ أوَّلُ الْوَلَدِ. الطَّلِيعَةُ أوَّلُ الجَيْشِ. النّهَلُ أوَّلُ الشُرْب. النَّشْوَةُ أوَّلُ السُّكْرِ. الوَخْطُ أوَّلُ الشَّيْبِ. النُّعَاسُ أوَّلُ النَّوْم. والفَرَطُ أوَّلُ الوُرّادِ وفي الحديث: "أنَا فَرَطُكُمْ على الحَوْض" أي أوَّلُكُمْ. والزَّفيرُ أوَّلُ صَوْتِ الحِمَارِ والشَهِيقُ آخِرُهُ . والعِلْقَةُ أوَّلُ ثَوبِ يُتَّخَذُ للصَّبيِّ . والاسْتِهْلالُ أوَّلُ صيَاحِ المولودِ إذا وُلِدً. والعِقْيُ أوَّلُ ما يَخْرُجُ من بَطْنِهِ. النَّبَطُ أوَّلُ ما يَظْهَرُ مِنْ ماءِ البئْرِ إذا حُفِرَتْ. والفَرَعُ أوَّلُ ما تُنْتِجهُ الناقَةُ ..
وفي تفصيل صغار الأشياء:الحَصَى صِغَارُ الحِجارَةِ. الفَسِيل صِغَارُ الشَّجرِ. الاشَاءُ صِغَارُ النَخْلِ. الفَرْشُ صِغَارُ الإبِلِ . والنَّقَدُ صِغَارُ الغَنَمِ. والحَفَّانُ صِغَارُ النَّعام والبَهْمُ صِغَارُ أوَّلادِ الضأنِ والمَعِزَ. والحَشَراتُ صِغَار دَوابِّ الأرْضِ. الدُّخَّلُ صِغَار الطَيْرِ. والغَوغاءُ صِغَارُ الجَرَادِ. والذَر صِغَارُ النَّمْلِ. والزَّغَبُ صِغَارُ رِيشِ الطَّيْرِ. واللَّمَمُ صِغَارُ الذُّنُوبِ وبَنَات الارْضِ الأنْهارُ الصِّغَارُ ..
وفي الأمور العظيمة:العاقِرُ الرَّمْلُ العَظِيمُ . الشَّارِعُ الطَّرِيقُ العظيمُ . السُّورُ الحائِطُ العَظِيمُ. الرِّتاجُ البَابً العَظِيمُ. والصَّخرَةُ الحَجَرُ العَظِيمُ. والفَيْلَقُ الجَيْشُ العَظِيمُ. والدَّوْحَةُ الشَّجَرَةُ العَظِيمَةُ والثُّعبانُ الحَيَّةُ العَظِيمَةُ. والمِعْوَلُ الفَأْسُ العَظِيمَةُ. والمَلْحَمَةُ الوَقْعةُ العَظِيمَةُ. والرَّقُّ السُّلَحْفاةُ العَظِيمَةُ. والدُّلْدُلُ القُنْفُذُ العَظِيمُ. والفادِرُ الوعِلُ العَظِيمُ...
وفي الكثرة:الدَّثْرُ المَالُ الكَثِيرُ. الغَمرُ المَاءُ الكَثِيرً. المَجْرُ الجَيْشُ الكَثِيرُ. العَرْجُ الإبِلُ الكَثِيرَةُ. الخَشْرَمُ النَّحْلُ الكَثِيرَةُ. الدَّيْلَمُ النَّمْلُ الكَثِيرُ والجُفَالُ الشَّعْرُ الكَثِيرُ. الغَيْطَلُ الشَّجَرُ الكَثِيرُ. الكَيْسُومُ الحَشِيشُ الكَثِيرُ والحشْبَلَةُ العِيَالُ الكَثِيرَةُ ..وامْرَأَةٌ نَثُورٌ كَثِيرَةُ الأوْلادِ . امرَأَة مِهْزَاق كَثِيرَةُ الضَّحِكِ. وعَيْن ثَرَّةُ كَثِيرَةُ المَاءِ . وبَحْرٌ هَمُوم كَثِيرُ المَاءِ. وسَحَابَةٌ صَبِيرٌ كَثِيرَةُ المَاءِ . وشَاة دَرُورٌ كَثِيرَةُ اللَّبَنِ. ورَجُلٌ لَجُوج ولَجُوجَةٌ كَثِيرُ اللَّجَاجِ.
وفي القلة:نَاقَة عَزُوز قَلِيلَةُ اللَّبَنِ. شَاة جَدُود قَلِيلَةً در اللبن. امْرأَة نَزُور قَلِيلَةُ الوَلَدِ. امْرَأَة قَتِين قَلِيلَةُ الأكْلِ. وشَاةٌ زَمِرَةٌ قَلِيلَةً الصُّوفِ. ورَجُل زَمِر قَلِيلُ المُرُوءَةِ. رَجُل جَحْد قَلِيلُ الخَيْرِ. رَجُل أَزْعَرُ قَلِيلُ الشَّعْرِ...
وفيما يتساقط من الشيء بحسب نوعه:بُرَايَةُ العُودِ. بُرَادَةُ الحَدِيدِ. قُرَامَة الفُرْنِ. قُلاَمَةُ الظُّفْرِ. سُحَالَة الفِضَّةِ والذَّهَبِ. مُكَاكَةُ العَظْمِ. فًتَاتَةُ الخُبْزِ. حُثَالَةُ المَائِدَةِ. قُرَاضَةُ الجَلَمِ(الصوف). حُزَازَةُ الوَسَخَ.
وفي تقسيم الحسن وشروطه حدث ولا حرج:فالصَّبَاحَةُ في الوَجْهِ. والوَضَاءَةُ في البَشَرَةِ. والجَمَالُ في الأَنْفِ. والحَلاوَةُ في العَيْنَيْنِ. والمَلاحَةُ في الفَمِ. والظَّرْفُ في اللِّسَانِ. والرَّشَاقَةُ في القَدِّ. واللَّبَاقَةُ في الشَّمَائِلِ. وكَمَالُ الحُسْن في الشّعر.
وانظر إلى تصنيف الأموال:فإذا كانَ المَالُ مَوْرُوثاً فهو تِلاَدٌ. وإذا كانَ مكْتَسَباً فهو طَارِف. وإذا كان مدفونا فهو رِكَاز. فإذا كَانَ لا يُرْجَى فهو ضِمَار. فإذا كانَ ذَهَباً وَفِضَّةً فهو صَامِتٌ. فإذا كانَ إِبلاً وغَنَماً فَهُوَ نَاطِق. فإذا كانَ ضَيْعَةً ومُستَغَلاً فهو عَقَارٌ.
وفي الشجاعة التي لا نعرف منها في الغالب غير شجاع وبطل نجد في العربية ترتيبا عجيبا"شجاع ثم بطل ثم بهمة ثم ذمر ونكل ثم نهيك ومحرب ثُمَّ حَلِسٌ وحَلْبَسٌ ثمَ أهْيَسُ أليس ثُمَّ غَشَمْشَم وأيْهَمُ." وفي الجبن والخوف: رَجُل جبَانٌ وهَيَّابَة. ثُمَّ مَفْؤُود إذا كانَ ضَعِيفَ الفُؤَادِ. ثم وَرع ضَرِع. ثُمَّ فَعْفَاع وَوَعْوَاع وَهَاع لاع إذا زَادَ جُبْنُهُ وضعْفُهُ. ثُمَّ مَنْخُوب ومُسْتَوْهِل إذا كانَ نِهَايةً في الجُبْنِ. ثم هَوْهَاة وهَجهَاج إِذا كانَ نَفُوراً فَرُوراً . ثُمَّ رِعْدِيدَة ورِعْشِيشَة إِذا كانَ يَرْتَعِدُ ويرتَعِشُ جُبْناً. ثُمَّ هِرْدَبَّة إذا كانَ مُنْتَفِخَ الجَوْفِ لا فُؤَادَ لَهُ ...
وفي معاني الملء والامتلاء يقال: فُلْكٌ مَشْحُونٌ. كَأْس دِهَاق. وَادٍ زَاخِر. بَحْر طَام. نَهْر طَافِح. عَيْن ثَرَة. طَرْفٌ مُغْرَوْرِق. جَفْن مُتْرَعٌ. فُؤَاد مَلأًنُ. كِيسٌ اعْجَرُ. جَفْنَةٌ رَذُوم. قِرْبَةٌ مُتأَقَة. مَجْلِسٌ غَاصّ بأهْلِهِ. جُرْح مُقَصَّعٌ إذا كانَ مُمْتَلِئاً بالدَّم . دَجَاجَة مُرْتِجَةٌ ومًمْكِنَة إذا امْتَلأ بَطْنها بَيْضاً ...
وفي معنى الخلاء:أَرْض قَفْر . و دار خاوية . وغَمَام جَهَام لَيْسَ فِيهِ مَطَرٌ. وبِئْر نَزِح لَيْسَ فِيهَا مَاء . وإنَاءٌ صُفْر لَيْسَ فِيهِ شَيْء. وبَطْن طَاوٍ لَيْسَ فِيهِ طَعَام. ولَبَنٌ جَهِير لَيْسَ فِيهِ زُبْد . وبسْتَان خِمٌّ لَيْسَ فِيهِ فَاكِهَة . وشُهْدَة هِفّ لَيْسَ فِيها عَسَل . وقَلْب فَارِغ لَيْسَ فِيهِ شُغْل. وخَدٌ أمْرَدُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَعْر. وامْرَأَة عُطْلٌ لَيْسَ عَلَيْهَا حُلِيٌّ. وبَعِير عُلُطٌ لَيْسَ عَلَيهِ وَسْم. ومَحْبُوس طَلْق لَيْسَ عَلَيهِ قَيْد. وشَجَرَة سُلُب لَيسَ عَلَيها وَرَقٌ...
وخذ في الألوان فقط مثال ترتيب درجات البياض وتنوع أسمائه بحسب المجال لتندهش من هذا التفصيل والبيان فيقال:أَبْيَضُ. ثُمَ يَقِقٌ. ثمَّ لَهِقٌ. ثُمَّ واضِح. ثُمَّ نَاصِع. ثم هِجَان وخَالِص. ويقال في البياض أيضا:رَجُل أَزْهَرُ. امرأة رُعْبُوبَةٌ. شَعْر أشْمَطُ. فَرَسٌ أَشْهَبُ. بَعير أَعْيَس. ثَوْر لَهِق. بَقَرَةٌ لِياحٌ. حِمَار أَقْمَرُ. كَبْشٌ أَمْلَحُ. ظَبْيٌ آدَمُ. ثَوْب أبْيَضُ. فِضَّة يَقَقٌ. خُبْز حُوَّارَى. عِنَب مُلاحِي. عَسَلٌ مَاذِي. مَاء صَافٍ..ويقال:السَّحْلُ أي الثَّوبُ الأبْيَضُ . والنَّقا الرَّمْلُ الأَبْيَضُ . والصبير السَّحابُ الأبيضُ . والوثِيرُ الوردُ الأبيضُ ، والقَشْمٌ البُسْرُ (تمر) لأبْيَضُ الَّذِي يُؤْكَلُ قَبْلَ أَنْ يُدْركَ وهُوَ حُلْو. الخًوْعُ الجَبَلُ الأبْيَضُ . والرِّيمُ الظَّبْيُ الأبْيَضُ. واليَرْمَعُ الحَجَرُ الأبْيَضُ. والنَّوْرُ الزَّهْرُ الأبْيَضُ. والقَضِيمُ الجلد الأبيض..وذكر الثعالبي في أشكال البياض التي تعتري الفرس أكثر من أربعين اسما..
وانظر إلى اليد وهي تباشر الأشياء المختلفة، تَقُولُ العَرَبُ: يَدِي مِنَ اللَحْمِ غَمِرَة(من دسم اللحم). ومنَ الشَّحْمِ زَهِمَة. ومِنَ السَّمَكِ صَمِرَةٌ. وَمِنَ الزَّيْتِ قَنِمَة. وَمِنَ البَيْضِ زَهِكَة. وَمِنَ الدُّهْنِ زَنِخَةٌ. ومِنَ الخَلِّ خَمِطَة. وَمِنَ العَسَل والنَّاطِفِ لَزِجَة. وَمِنَ الفَاكِهَةِ لَزِقَة. وَمِنَ الزَعْفَرَانِ رَدِعَة. وَمِنَ الطِّيبِ عَبِقَةٌ. وَمِنَ الدَّم ضَرِجَة. وَمِنَ المَاءِ لَثِقَة. وَمِنَ الطِّينِ رَدِغَة. وَمِنَ الحَدِيدِ سَهِكَة. وَمِنَ العَذِرًةِ طَفِسَة. وَمِنَ البَوْلِ وَشِلَة. وَمِنَ الوَسَخِ دَرِئَةٌ. وَمِنَ العَمَلِ مَجِلَة. وَمِنَ البَرْدِ صردة...
ويقال في كلُّ ضارب بِمُؤخّرِهِ يَلسَعً كالعقربِ والزُّنبُورِ. وكلُّ ضاربٍ بِفَمِهِ يَلْدغُ كالحَيَّةِ وسامّ أبرصَ. وكلَ قابض بأسنانِهِ ينهشُ كالسَّباعِ.
وخِلْفُ النَّاقَةِ بِمَنْزِلَةِ ضَرْعِ البَقَرَةِ وثَدْيِ المَرْأَةِ. و الكَرِشُ مِنَ الدَّابةِ كالمَعِدَةِ مِنَ الإنسانِ والحوْصَلَةِ مِنَ الطّائِر.
والوُعورَةً في الجبَلِ كالوُعُوثَةِ(المكان السهل الدهس تغيب فيه الأقدام) في الرَمْلِ. العَمَى في العَينِ مثلُ الْعَمَهِ في الرَّأي.
ولا يُقالُ كأسٌ إلاّ إذا كان فيها شَرَاب وإلا فهي زُجَاجة. ولا يُقَالُ مائدةٌ إلاّ إذا كان عليها طَعَامٌ وإلاّ فهي خِوَان. ولا يُقالُ قلَمٌ إلاّ إذا كانَ مبريًّا وإلاّ فهو أُنْبوبَة. ولا يُقالُ فَرْوٌ إلاّ إذا كانَ عَلَيْهِ صُوف وإلاّ فَهُوَ جِلْد. ولا يُقال رُمْح إلاّ إذا كانَ عَلَيهِ سِنَانٌ وإلا فهو قناة.لا يُقالُ نَفَقٌ إلاّ إذا كان له مَنْفَذ وإلاّ فهو سَرَبٌ(الطريق تحت الأرض). ولا يُقَالُ عِهْن إلاّ إذا كان مَصْبُوُغاً وإلا فهو صُوفٌ. ولا يُقالُ لحم قديدٌ إلاّ إذا كان مُعالجاً بتوابِلَ وإلاّ فهو طَبِيخٌ.ولا يُقالُ ثَرًى إلاّ إذا كان نَدِيًّا وإلاّ فهو تُراب. لا يُقالُ للمرأةِ ظَعينةٌ إلاّ ما دامَتْ راكِبةً في الهَوْدَج(مركب للنساء).ولا يُقالُ للسَّرِيرِ نَعْش إلاّ ما دامَ عليهِ الميَتُ.لا يُقالُ للعَظْمِ عَرْق إلا ما دامَ عليهِ لَحم.لا يُقالُ للثًوبِ حُلَّة إلاّ إذا كانَ ثَوبَيْنِ اثنينِ منْ جِنْس واحدٍ.لا يُقالُ لِلقَوم رُفْقةٌ إلاّ ما دَامُوا مُنْضَمِّينَ في مَجْلِس واحدٍ أو في مَسِيرٍ واحدٍ فإذا تَفَرَّقوا ذَهَبَ عَنهُمً اسمُ الرُفقَة.لا يُقالُ لِلحجَارَةِ رَضْف إلا إذا كانَتْ مُحْمَاةً بالشَّمسِ أوَ النَّارِ.
لماذا الاستمرار في إهانة العربية؟
فهذه مجرد نماذج يسيرة وقليلة جدا من لغة أكرمها الله بوفرة عظيمة في مفرداتها وكلماتها، ففي أحدث مقارنة دولية جاءت العربية أولا رغم تعطيل أهلها لها في القرون الأخيرة وتخلفهم عن ركب المدنية وتوليد الأسماء للمخترعات الجديدة فقد أحصوا لها من غير تكرار أكثر من مليون مفردة:جاء في الموسوعة العربية العالمية ما يلي:"يُعَدُّ مُعجم العربية أغنى معاجم اللغات في المفردات ومرادفاتها (الثروة اللفظية)؛ إذْ تضُمُّ المعاجم العربية الكبيرة أكثر من مليون مفردة. وحَصْرُ تلك المفردات لا يكون بحَصْر مواد المعجم؛ ذلك لأن العربية لغة اشتقاق، والمادة اللغوية في المعجم العربي التقليدي هي مُجرَّد جذْر، والجِذْر الواحد تتفرَّع منه مفردات عديدة، فالجذْر ع و د مثلاً تتفرَّع منه المفردات: عادَ، وأعادَ، وعوَّدَ، وعاودَ، واعْتادَ، وتَعوَّدَ، واستعادَ، وعَوْد، وعُود، وعَوْدة، وعِيد، ومَعَاد، وعِيادَة، وعادة، ومُعاوَدَة، وإعادة، وتَعْوِيد، واعتِياد، وتَعَوُّد، واسْتِعَادَة، وعَادِيّ. يُضاف إليها قائمة أخرى بالأسماء المشتقَّة من بعض تلك المفردات. وكلُّ مفردة تؤدِّي معنًى مختلفًا عن غيرها."
وجاءت بعدها الإنجليزية بفارق كبير في المفردات 600.000 وبعدها اللغة الفرنسية ب150.000 ثم الروسية ب130.000 مفردة، فالعربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، وعلى سبيل المثال، يحوي معجم لسان العرب لابن منظور من القرن الثالث عشر أكثر من 80 ألف مادة، بينما في اللغة الإنجليزية فإن قاموس صموئيل جونسون، من القرن الثامن عشر، يحتوي على 42 ألف مادة. وللعربية تأثير كبير في كثير من لغات الدنيا(أكثر من 30% من المفردات) وهي:
الأردية والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والإسبانية والصومالية والسواحيلية والتيغرينية والتجرية والأورومية والفولانية والهوسية والمالطية والبهاسا وديفيهي (المالديف) وغيرها.بعض هذه اللغات ما زالت يستعمل الأبجدية العربية للكتابة ومنها: الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية والتركستانية الشرقية والكردية والبهاسا (بروناي وآتشيه وجاوة).ودخلت كلمات عربية كثيرة في الأمازيغية ولغات أوروبية مثل الألمانية، الإنكليزية، الإسبانية، البرتغالية، والفرنسية، وذلك عن طريق الأندلس والتثاقف طويل الأمد الذي حصل طيلة عهد الحروب الصليبية.(انظر موسوعة ويكيبيديا(لغة عربية)) فاللغة العربية إحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة، ويحبها أكثر من مليار ونصف من المسلمين ويتمنون التمكن منها،وهي إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأمم المتحدة، ويُحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر كذكرى اعتماد العربية بين لغات العمل في الأمم المتحدة.
فبأي حق تهان هذه اللغة العظيمة في بلادنا وتداس كرامتها وتنتهك حرمتها وتحارب في الإدارة والاقتصاد والإعلام والتعليم وتقصى من ميادين شتى من ميادين الحياة ولا يفتح لها المجال في التعليم العالي في المواد العلمية والتقنية،وتفضل عليها لغات أخرى أقل شأن منها بكثير، لغة أكرمها الله بأن جعلها لغة وحيه ودينه فكيف تعجز عن استيعاب كلام البشر واختراعاته، فهذه لغتي العربية...فأروني من لغاتكم مثلها؟

قراءات نقدية في الأبعاد الفكرية والجمالية لرواية بابنوس لخريس

9999463820
 جريدة الف ياء العراقية
  قالت الناقدة د. رزان إبراهيم:»أن رواية بابنوس واحدة من الروايات التي تثبت إمكانية أن يكون الروائي ممثلاً للضمير الإنساني، قرأت بإقتدار مواضيع ألم وخلل يعيشها العالم اليوم وقدمته دون تجميل، طامحة في تحريك إنسانية قارئها والرفع من مستوى أحاسيسه تجاه ما يحدث في العالم».
وأضافت د. إبراهيم في اللقاء الذي نظمه منتدى الفكر العربي أول من أمس بعنوان «الأبعاد الفكرية الإنسانية في الخطاب الروائي العربي (رواية بابنوس نموذجاً)» أن الرواية منذ البداية وحتى النهاية ترافقها لازمة (أسود/ أبيض)، (عاج/ أبنوس)، وتبقى متحلقة حولها في إطار حلقات وبني دائرية تتفرع لتعود لها من جديد، لدينا شجرة البابنوس حيث يختلط في ساقها لحاء رمادي ومشحة بنية، وتنقلنا الرواية بعدها من الطبيعي البشري إلى الفتاة بابنوس (ولدت لأم سمراء وأب بلون أزرق إفريقي)، لتكون عروقها كما هذه الشجرة، إذ تجري فيها عروق شمس إفريقيا الحارة».
وبينت د. إبراهيم في اللقاء الذي تحدث فيه كل من د. الصادق الفقيه امين عام المنتدى والروائية والأديبة الزميلة سميحة خريس، والمدير التنفيذي لمنتدى الرواد الكبار الشاعر والناقد عبد الله رضوان، وادارته د. جودي البطاينة أن :»الرواية تريد أن تقول: الأرض كما الناس كما السماء لا شيء ثابت أو متجانس ومن هنا حضرت شخوص الرواية في إطار ثنائي (حيث تحضر الشخصية باعتبارها نقيضاً للأخرى في بعض الجوانب تكملها ولا تزيحها أو تحل مكانها)».
ووصف امين عام المنتدى د. الصادق الفقيه رواية «بابنوس» بأنها غنية بالصور الجمالية وبالبُعد المعرفي حول المكان الجغرافي الذي تدور فيه أحداثها، وفيها كثير من الاقتراب المعرفي حول حياة أهل دارفور، ويحسب للرواية وكاتبتها إثراء العمل بجوانب متنوعة في السرد والتقاط التفاصيل.
ومن جهتها قالت الروائية الزميلة سميحة خريس:»لقد تصديت لقضية خطف الأطفال وبيعهم في محاولة لإثارة مسألة الرق عبر العصور، خشيت أن أتحول إلى شاشة فضية جديدة تعرض المعاناة التي نراها، ثم يمكننا تناول عشاءنا ونحن نراقب القرى تحترق، والجثث تنتشر والصغار يضيعون، هذا ما دفعني إلى شقلبة الرواية، فبدلاً من الدخول مباشرة إلى الحدث مهدت في استطراد طويل لحياة هؤلاء الناس الذين حاولوا أن يختلفوا، ومثلوا لوناً بريئاً من بشر ينعزلون عن كل ما من شأنه أن يجعلهم عدواُ أو هدفاً أو طرفاً في صراع، بشر يبحثون عن مدينتهم الفاضلة، ونحن نرى أمثالهم كل يوم في نشرة الأخبار، لكننا ننفعل لحظتها ثم ننسى.. لكم نحن ننسى».
وزادت خريس أن «بابنوس» مثلت تحدياً من نوع خاص، لقد شعرت معها أني أقشر جلدي الذي أعرفه ويعرفني، وأقفز إلى مجاهل تطالبني بمعرفتها قبل التصدي لها، لا من حيث توفر المعلومة بقدر ما هو الفهم العميق لذلك الأفق المختلف».
وتناول الناقد والشاعر عبد الله رضوان في قراءته السوسيوتاريخية لرواية بابنوس دراسة في البنية، الملخص الحكائي، قراءة في الخطاب الروائي، البعد المعرفي الأنثروبولوجي، والبعد السياسي،حيث يمثل البعد المعرفي في هذه الرواية بعداً مركزياً شديد الحضور، ولعل من أهم أسباب ذلك أن الروائية تنشئ من خلال روايتها مجتمعاً بشرياً افتراضياً جديداً أسمته مجتمع «الخربقة»، والخربقة لعبة شعبية سودانية تسود بين الرجال في منطقة دارفور تشبه لعبة السيجة في قرى بلاد الشام


*********************************************************
السينما اللبنانية هي الانعم والتونسية والمغربية والجزائرية هي الاروع والارقى
الثلاثاء، 13 أيار، 2014
السينما هي احدى لغات التواصل بين المجتمع والانسان فمن خلالها يمكن معرفة الكثير من الاحداث التي تجري في المجتمع بصورة مباشرة عبر العدسة لذا فأن السينما وسيلة ذات تقنية علمية عالية لمعرفة مدى ثقافة الافراد في المجتمع فأينما وجدت دور عرض سينمائية كثيرة معنى هذا ان هنالك قاعدة جماهيرية كبيرة تتابع كل جديد المعرفة والثقافة والفكر عن طريق الشاشة العريضة .....
فهنالك اختلاف شاسع بين الثقافة السينمائية وبين كل المجالات الاخرى المتعلقة بالابداع الانساني فالكتابة شعرا وقصة ومقالة اضافة الى محطات الاذاعة والتلفزة ودور النشر والطباعة بضمنها المؤسسات الصحفية التي تصدر المجلات والصحف كل هذه الاشياء في كفة والسينما في كفة اخرى وذلك يعود لهذه الاسباب .....
1-      الكتابة بصورة عامة كالشعر والقصة والمقالة هي حالة فردية تنبع من ذاكرة المبدع وهذه الحالة غير ملزمة بأحداث تغير جذري للجمهور بل تحدث تغيرات على المستوى الابداعي لمن يمتلك حس وذوق عالم الكتابة مبدعين كانوا او افرادا عاديين .
2-      محطات الاذاعة والتلفزة هي ايضا حالة فردية لكل محطة اذاعة سياستها الخاصة بها تحاول من خلالها تجميل الصورة وابرازها كمعجزة مرئية وسمعية لمن لا يستطيعون الخروج عن المألوف الذين يعتقدون ان هذا العالم هو الوحيد الذي يرضي رغباتهم وخير دليل على ذلك ان البعض يتابع محطات واذاعات معينة دون الاخذ بنظر الاعتبار ان هنالك مساحات شاسعة في هذا العالم يمكن التعرف فيه على ثقافات الغير لذا فالانسان العادي ينظر في زاوية ضيقة لهذا العالم بينما المثقف يتابع كل ما يجري في هذا العالم المرئي والسمعي اي كل تفكيره يصب في التنوع وبالتالي زيادة الوعي والادراك وهذا يعني التغيير في نمط الحياة .
3-      دور النشر والطباعة والمؤسسات الصحفية قبل ثورة المعلومات والتكنولوجيا كانت الرائدة ولكن في هذا العصر اصبحت علامة بارزة لتأريخ عظيم من الابداع فالكتاب لوحده غير قادر على تغير المجتمع والفرد والاسرة لأنه يعتبر عبء ثقيل لمن لا يعلم القيم الثقافية والمعرفية ومثلها الصحف والمجلات فالفرد العادي ليس بأستطاعته ان يقرأ كتاب ويقلب صفحاته لساعات لأنه غير مؤهل وذلك يعود لأسباب متعلقة بالنشأ والبيئة المحيطة به بينما نحن المثقفين والادباء والمفكرين بأستطاعتنا ان نمضغ صفحات الكتاب في ساعات معدودة فهذه هي المتعة اننا قادرون على التعمق في الفكر والفلسفة والادب لأننا مبرمجون ابداعيا والاهم من هذا ثقافيا .
فأنا اتذكر سطور وخيوط من طفولتي حيث كان ابي العظيم يأخذني برفقته لدور العرض السينمائية في يوم اجازته حينها تعرفت على هذا العالم المتألق اضافة الى استضافته لي في طفولتي للدخول الى مكتبته هنا ما بين هذين العالمين تعلمت الكثير من الاشياء والامور اهمها ان الابداع الانساني يصنعه القلم على صفحات الصحف والمجلات والكتب بينما الثقافة تصنعها السينما وهذا اسمى مراتب الابداع فنحن المبدعون يجب ان نشكر الثقافة لأنها صنعتنا فالشاعر لن يكون شاعرا دون ان يكون مثقفا والكاتب والقاص والفنان التشكيلي يجب ان تتوفر صفة الثقافة في هؤلاء لكي يستحقوا هذه الصفة والتسمية .....
فالسينما هي روح حائرة تبحث عن ملجىء لمن يبحث عن حقيقة المجتمع فمما لا شك فيه ان السينما العربية والعالمية تملك لغة التواصل بين الانسان والمجتمع في اي بقعة من الارض ومحور الحديث هنا هو حول السينما العربية دون الدخول في متاهات ودهاليز السينما العالمية الامريكية والالمانية والايطالية والفرنسية والروسية فالسينما العربية يمكن تقسيمها الى عدة اقسام منها .....
1-      السينما الخليجية التي تعتبر شحيحة في اعمالها وان وجدت فلا تملك ذاك الحس المرهف والذوق الرفيع .
2-      السينما المصرية سينما ذات قاعدة جماهيرية واسعة ويمكن القول انها سينما عامة الناس تدون كل التفاصيل التي تحدث في المجتمع وفي اي المجالات سياسية كانت اواقتصادية اواجتماعية اي هي حاضنة لكل شيء يدونه عقل الكاتب دون الدخول في فلسفة السينما .
3-      السينما اللبنانية انها السينما الناعمة وفي نفس الوقت فيها ملامح كثيرة من ثقافة الحرب فهي تجسد روح الفلسفة السينمائية صورة وصوتا ويمكن مقارنتها بالسينما الفرنسية حيث انهما يمتلكان ذات الحس الفني في التعاطي مع الواقع والماضي .
4-      السينما التونسية والمغربية والجزائرية انها السينما الاروع والارقى على المستوى الابداعي والانساني فهي سينما ممنوعة من العرض في مجمل اعمالها لأنها تنقل الحدث بتفاصيلها الحية دون وضع معيار اجتماعي لقيم العادات والتقاليد التي تدير معظم المجتمعات العربية .
لذا دائما اقول ان من يتذوق السينما كلغة فهو بلا شك يمتلك وعي وادراك متكامل يكفي لكي يدخل في قوقعة الحياة في هذا العصر فالسينما حالة عامة وهذا هو الرائع فيها والجانب المشرق الذي يجب ان تترجم فلسفته للأجيال القادمة فما دام هنالك سينما فمعنى هذا ان هنالك روح وهذه هي ثورة الحضارة .....

  KITABATE   REVUE IRAQUI

==================================================



 رحيل الكاتب المخضرم غابريال غارسيا ماركيز 
المصدر/اخرساعة الجزائررية



توفي الروائي الكولومبي الحائز على جائزة نوبل غابريال غارسيا ماركيز، أول أمس الخميس، في مكسيكو سيتي عن 87 عاما. وقدمت الأعمال الروائية لماركيز أميركا اللاتينية لملايين القراء في العالم، ووضعت الواقعية السحرية على خريطة الأدب العالمي.وسيتم حرق جثمان ماركيز، الذي أعلنت المكسيك وكوبا وكولومبيا الحداد 3 أيام على وفاته، بناء على وصيته، بحسب ما ورد في بيان من عائلته قرأته أول أمس شقيقته عايدة عبر محطة “أونيفيزيون” وتم توزيعه على وسائل الاعلام، وقالت فيه أنه سيتم دفن رماده في كولومبيا لأنه كولومبي.وماركيز أحد المدافعين الرئيسيين عن الواقعية السحرية وهو أسلوب أدبي قال إنه أسلوب يجمع بين “الأسطورة والسحر وغيرها من الظواهر الخارقة للعادة”.والعمل الرئيسي لماركيز، الذي بدأ عمله مراسلا صحفيا، هو روايته الملحمية “مئة عام من العزلة”، التي نال عنها جائزة نوبل في الأدب في عام 1982.وقال مصدر مقرب من عائلة ماركيز إنه توفي في بيته في مكسيكو سيتي. وعاد إلى البيت من المستشفى الأسبوع الماضي بعد ما قال الأطباء إنها نوبة التهاب رئوي.ويعد ماركيز، الذي اشتهر بين أصدقائه ومعجبيه باسم “جابو”، أشهر روائي في أميركا اللاتينية، وبيعت عشرات الملايين من نسخ كتبهوكافح ماركيز لسنوات كي يصنع اسمه كروائي رغم أنه نشر قصصا ومقالات وعدة روايات قصيرة في الخمسينات والستينات أشهرها “عاصفة الأوراق” و«ليس لدى الكولونيل من يكاتبه”.وحقق اسمه كروائي على نحو مثير في روايته “مئة عام من العزلة” والتي نال شهرة كبيرة بعد نشرها مباشرة في عام 1967، وباعت الرواية أكثر من 30 مليون نسخة في أنحاء العالم وأعطت دفعة لأدب أميركا اللاتينية.وفي الرواية الشهيرة، يمزج ماركيز الأحداث المعجزة والخارقة بتفاصيل الحياة اليومية والحقائق السياسية في أميركا اللاتينية.وذكر ماركيز أنه استلهم الرواية من ذكريات الطفولة عن القصص التي كانت ترويها جدته التي يغلب عليها التراث الشعبي والخرافات.وقالت الأكاديمية الملكية السويدية عند منحه جائزة نوبل في عام 1982: “يقودنا في رواياته وقصصه القصيرة إلى ذلك المكان الغريب الذي تلتقي فيه الأسطورة والواقع”.وعلى الرغم من أن رواية “مئة عام من العزلة” هي أشهر أعماله، إلا أن ماركيز كتب أعمالا أخرى نالت شهرة مثل “خريف البطريرك” و«الحب في زمن الكوليرا” و«وقائع موت معلن”.   ومما   قد لا يعرف المعجبون به، ولا معظم المطلعين على سيرته الذاتية، أن أرملته التي تعرف إليها حين كان عمرها 13 سنة هي مصرية- لبنانية الأصل، كأبيها الذي أبصر النور مثلها في كولومبيا.كانت لماركيز الذي توفي بعمر 87 عاما في المكسيك، حيث كان يقيم منذ 1975 مع زوجته ميرسيدس بارشا باردو، علاقة بطريقة ما، ويومية مباشرة، بالثقافة العربية وتقاليد الشرق من الجذور.. كان ذلك في مطبخ بيته وفي ما كان يسمعه من أمثال وحكايات من أرملته المصرية- اللبنانية، ونرى ذلك واضحا في بعض روايته، وأهمها “مائة عام من العزلة” التي نال عنها في 1982 جائزة نوبل.



النص الشعري عند ظبية خميس

فاطمة الشيدي                                                                                                                                               


مدخل مفتتن:
أن تجرد قلمك للكتابة عن ظبية خميس؛ فهي حالة تشبه حالة الاستعداد للمشي على الماء أو على النار، أو كلاهما معا وفي ذات الوقت، فتلك الـ(ظبية) الفارة من تخوم القبيلة إلى حواف الفكرة، إلى منتهى الرفض اللغوي والشعري والثقافي والفكري، هي حالة جديرة بالتأمل أكثر منها بالكتابة، المرأة الذاهبة بكلها باتجاه اللغة والإبداع والثقافة والفكر.
"ظبية خميس" التي ضربت بأجنحتها كيمامة لتفر من قيد مسبق الصنع في مجتمعات قطيعية لا تؤمن بالمختلف، مجتمعات عمياء لا ترى من وظائف المرأة إلا الوظائف الجسدية بمختلف تجلياتها وحضورها، "ظبية خميس" المتوهجة في الكتابة، والتحصيل الأكاديمي، والعمل في مختلف مجالات الفكر والثقافة والسياسة والأدب، والتي أصدرت -وهي لا تزال في قمة عطائها الإبداعي- ما يربو على ثلاثين كتابا منها ستة عشر ديوانا شعريا وهي:(خطوة فوق الأرض 1980- أنا المرأة الأرض كل الضلوع1982- صبابات المهرة العمانية1984- قصائد حب 1985-السلطان يرجم امرأة حبلى بالبحر 1988 -جنة الجنرالات1993- موت العائلة 1993 - انتحار هادئ جداً 1994-القرمزي1994-المشي في أحلام الرومانتيكية 1995 –تلف 1996- البحر، النجوم ، العشب في كف واحدة 1997- خمرة حب عادي 2000 - درجة حميمية 2002 - شغف2005 - روح الشاعرة 2005).
ظبية خميس التي تتقدم شاعرة(بكل قيمتها ومكانتها) مجاورة للجميع، ومنتمية للمشهد بشكل طبيعي خارج مطاولة القامات، فلا تأنس بالقمم، بل وتقدم الآخر، وتهاجم الشللية وعصبة المتجمهرين، ولا تؤمن بالأبراج والقواقع لذا تجد نصوصها وحواراتها في المنتديات والمدونات (مدونتها الخاصة وصفحة الفيس بوك) بكل تواضع ومحبة.
وفي هذه السطور أستحضر ظبية خميس -وهي المتعددة- الشاعرة فقط؛ لأساءل نصها الشعري المتمكن من شعريته، وأحفر مكنوناته الموغلة في الصورة والحلم والمخيلة، وأحاور تجلياته الذاهبة نحو الذاتي والإنساني بذات النسق واليقين.
إن الشاعرة التي تصنع نصها (بامتداح الصنعة) بحرفية صانع متمكن من مزاوجة الثنائيات النقيضية، من القريب والبعيد، ومن المتخيل والواقعي، ومن الحسي والمجرد معا، تستحضر فيه تجليات الروح، وتستلف مفرداته وحنينه من تفاصيل الحياة اليومية، ومن ذاكرة حبلى بالأرض والوطن، ومن مغريات الشفهي اليومي، من المطارات والحنين المتربص، لتذهب به إلى أقصى آفاق المخيلة في البناء والتجريب، ثم ليصب في فكرة الانتصار للإنسان، ولليومي، وللهامشي من الحياة، ولكأنه الحياة ذاتها..
فلسفة النص: 
يصدر نص ظبية خميس عن فلسفة عميقة، وإحاطة جذلى بالأعمق من الأشياء، بالنقطة اللامعة في بؤبؤ الحقيقة، وصدر المتصدر منها، ولب البذرة الموغلة في التخفي والركون، إنه النص الأركيولوجي الذي يحفر بؤرة الكامن والتاريخي والبعيد، بشهوة النفض والفض، وبمبحثية الموغل في تاريخ الفكرة والكتابة والميثولوجيا، والذاهب نحو التربص والبحث والتنقيب عن الأبعد والأشهى والأصدق من المعاني والأفكار، فهو نص لغة وفكرة ومعنى، وهو بذلك نص إنساني حميمي وثوري ومتعدد، ولا يصلح أن يكون نصا حياديا أو جزئيا أو ثابتا أو متكررا.
تقول في نص.. شجرة التين
جاء السد إلى الباب
فكسرته.
بعد ذلك دخلت السيول 
سيلاً ، سيلاً
خلفت الندوب وراءها
اجترحت الطوب والصخور
أخذت معها كائنات وبشر
وتركت وراءها الكثير من الوحل والطين.
إن هذه الكتابة التي تناوش الفكرة واللغة، وتسير في فلسفتها الخاصة نحو هدم السائد من التقديم للمعنى، تفصح عن شاعرية لا جاهزة، وتخاطر بخلق جلبة تعددية في ذهن المتلقي للشعرية بحساسيتها الجدية والجديدة، ولا نبلها في تقديم السريع والمباشر من المعاني، وبث بعض القلق الذي يؤهل المتلقي المجازف لتتبع مفاد الفكرة البعيدة، والسعي نحو تأسيس وعي قرائي جديد، أو قارئ جديد، يستشعر ضعف الإنسان في هذه المتاهة الكونية، بغاباتها ووحوشها وحروبها، وبداياتها ونهاياتها، كل شيء يذهب بهذا الكائن نحو الضعيف منه، ونحو رعب طافر وحتمي.
تقول أيضا: 
صفقت للنادل كي يجيء 
وبدلاً منه
جاء قطيع من الأسود 
يبحث عن سرب من الظباء.
لا تحتمل المسألة كثيراً من
النقاش
بين أن تختار أن تكون
القاتل أو المقتول.
إن المعنى الذي يقشّر المعتم من الدلالة، ويسرف قي تقصي الإحالات الدافعة نحو بلاغة القراءة الحادة، والجارحة، يجبرك أن تمضي حافي الروح، مستفز الوعي في مناطق السؤال والبحث.
ماذا يريد أن يقول النص؟
هذه لك! أيها القارئ المختلف، أيها الحامل إزميل المعنى، وشمعة التدبر لتسقط الكلام عن عروشه الثقيلة والهشة، وتبحث عن مناورة ألذ، ومعنى أكثر خمولا، وركودا في مخيلة العام، وأكثر استباقا وانتصارا للشعرية في مخيلة الشعر، فـ"الأسود" في كل مكان، و"الظباء" معنى مناسب لنحمّله كل جمال محاصر، والنقاش حلبة الصراع المستعرة، و"القاتل" و"المقتول"، قصة ملتبسة منذ الغراب وهابيل وقابيل.
وتقول في نص.. دار غربة، مستفيدة من المعاني الدينية التي تستند عليها ذاكرتها في بدئية تكوينها المعرفي الجمعي، وموغلة في صناعة معانيها الجديدة من الفلسفة والمنطق، إلى العبثية واللاجدوى.
الدنيا دار الالتهام
الصخر يلتهم الحجر
والبحر يلتهم النهر
الريح تلتهم النسيم
والفيضان يلتهم الكواكب والنجوم.
لا شي على حاله
الحروب من الدغل إلى ناطحات السحاب
والجثث .... الجثث في كل مكان
تحت الأرض ، وفوق الأرض
وفي النفوس ، والأحلام ، وفي 
أرصدة البنوك.
دار غربة هي الدنيا
بعوضة تقتل فرعوناً
وبشر يقتل أمماً
وأمم تندثر إلى ما وراء المغيب.
قناص يطارد فريسته
وفريسة تلتهم قناص.
إن هذا النص الذي يجبر القارئ (الذي هو أنا) على عدم اجتزاءه ليشهد القارئ(الذي هو أنت) على انفلات المعنى من قبضة الكلام، ومن سطور اللغة المخاطبة، إلى الحضور الصادم، وإلى المعاني المتوالدة والمنشطرة في لجج وقحة وفجة تجبرنا (أنا وأنت) على متابعة تلك الولادات الحرائقية السريعة والمتداخلة، والعميقة في سيرورتها التشابكية نحو رحم الفكرة المشتقة والخارجة على مدلولات الكلام.
الصورة التي لا تحتفل بالمنطقي، ولا تتورع في بث مرموزاتها في أثير الهواء الرطب الحافل بالشر والشرر، لتقول وتقول، إنها لا تكتفي من التأمل والتأويل، ولا تشبع من فتح الجراح، ولا يرعبها حزن القارئ على ماتبثه من صور غرائبية، تشعل خوفه من الموت والهزيمة والانكسار والرعب الكوني في الغابة البشرية.
الصورة المؤنثة غير النمطية:

نص ظبية الذي يخرج بعسر وليونة من رحم الأنثى الأكثر مرحا من الحياة، والأكثر مكرا من طفلة مدللة، والأكثر محبة من السماء عندما ينزل المطر، ويفيض بالرغبة في السرد والحكي والغناء كالأنثى المشتعلة بالعشق، أو المكتحلة بمهد صغيرها لأول وهلة، يحكي عن الطفولة المتعثرة في أهداب السقوط بفستان أطول من الخطوة، وعن رعشة الموج تسري في الجسد فيخضرّ الربيع على أحراشه وموانيه، وتفتح أدراج الذاكرة بقسوة، وتفض أقفال الفراغات بلا حذر ولا مواربة، وكأنها لم تكن إلا لهكذا دور مفتوح النهايات خلقت.. 
تقول في نص .. أصداف ــ رنين ــ وقطيع ماعز
(3)
أجهل ما أصبو إليه
أحلامي ساذجة وبسيطة
معقدة ومركبة
وأتخلى عنها مثل فراشة
كل ما لامست النار - تحترق.
(4)
لوحدتي صهوتها
وجوادها ولجامها
ولوحدتي
براري تركض فيها - ولا تتوقف.
(7)
عبثي أن أبني تماثيل رمل
لبشر حين يمرون عليها
لا يدركون أنها هم.
(9)
كيف يمكن
أن لا تكون الروح
مجرد الروح
كل شيء !
(13)
أريد قطيعاً من الماعز
وصحراء شاسعة
وعصى أرعى بها.
وأن أسير وأسير
حتى أعرف الرسولة تلك
التي كانت تنثر من جوفها
كل ذلك المطر.
هكذا تخرج الكلمات من ذات أنثى مؤمنة بالذات بالوحدة، مجروحة بالوعي القابض على منابت الروح، إلى مناطق الرفض والإنكار المنكّهة بالسخرية والعبث والرغبة في العودة للبدائي من الإنسان، للروح وللمراعي وللذات المتأملة الصامتة فقط.
الهم الإنساني صرخة النص:
يشكل نص ظبية خميس في الواضح منه وفي الموارب من معانية، صرخة حادة لظلم الإنسان وظلمته، صرخة ضد العنصرية والتحيز، وضد القهر والفقر، حتى أشد القضايا إيغالا في المصير لتجعل النص قيمة وقضية، وصرخة علنية لا تقبل الهدنة والصمت أو المساومة والرضوخ، وليس أدل على النزعة النصية القتالية ضد القهر والظلم من نص "الزنزانة" الذي تصور فيه الشاعرة باقتدار وصف السجين في الليل والنهار منطلقة من الخاص والداخلي نحو الحميمي الجارح في الذاكرة، ونحو الخارجي الآخر (السجان) بقسوته وظلاميته ، في نص منونودرامي، ورسم متكامل للمشهد..
تقول: "في الليل.. أكاد أجن.. تماما أطفىء الأضواء.. أتغطى جيدا.. أضع المخدّة على رأسي.. ولكن كل شيء يستيقظ ويحيل ذلك السبات.. إلى كابوس أشعث.
أحتمل الجدران في النهار.. أحتمل الصمت.. أحتمل (( أبو بريص )) وهو يتنزه في الغرفة.. أحتمل اللون البني.. أحتمل تلك القضبان لنافذة زجاجها بني هو الآخر.. وستائرها كذلك. أستطيع أن أستمع إلى العصافير التي لا أراها.. وأتخيل الشمس التي لا أحسها.. وأنسى كل شيء آخر.
في الليل تستيقظ الأسئلة.. وفي النهار تصمت الأجوبة.. وبينهما.. أمضي وأجيء.. أخربش على الحيطان.. وأرسم بقلم الكحل وجوها على الدولاب.. وأغطية السرير.. والمخدات.."
إنها ظلال الحكمة الداخلية، وفروضات التأمل المتسامقة الظل في التيه، والغروبات المتكررة التي احترفتها ظبية وعلمتها معنى وقيمة الإنسانية، والغيابات الآثمة التي أخذتها نحو الغربة الإنسانية المستفحلة الوهج والوجع، بمعايشة جميع أطياف الظلم الاجتماعي في المجتمعات العربية وغير العربية.
وهي صبوة الكتابة، وصبابة الروح القائمة على الهدم ونزعة التفكيك، ثم البناء والترميم بالقريب والمستحيل من الرمزي واللغوي في صنعة شعرية مدهشة واستحضارات تشكيلية جمالية وتعاليات شعرية مبدعة.
تقول: 
قل للغريب في جوف أرضه
تموت بين غدين وبين زمنين
وتأكلك الأرض ، ولا تأكلها.
أودعت الخزائن أسراري
وأوسدت جثماني التابوت
وحين ختم الصمت على شفاهي المطبقة
ذهب السر الأكبر معي
تاركاً لهم أهداب خيوط تذوب
بين الدهور وبين كلماتهم.
أن في موتي، موتهم
وإن يدفنوني بالأمس
لا يدفنون في موتي، موتهم.
إنها الكتابة الذاهبة نحو النفي والموغلة فيه، والمدشنة لحالة تضامن قصوى مع الكائن بإقصاءاته حتى من قبل ذاته، والمنتبهة بالحس الواعي لفردانية الذات في خضم الجمع، ولخصوصية الصوت وسط الضجيج المتعالي. 
الكتابة القائمة على قيمة الحلم في مواجهة الواقع، وقيمة الشعر في تجسير اللغة نحو اللاأيدلوجي، مع ربط حثيث وضمني للشعري مع الأنثروبولوجي والاجتماعي والسياسي والبعد عن غلواء التهويم واللامنطقي من المعاني.
المكان الأرض والوطن:
ولأن الشعر هو حالة إفصاح الذات عن مخزونها العاطفي والثقافي والوجدي والوجعي والشهوي، وكل ما يعتمل في تلك الذات المتجالدة على خارجها، المنسابة مع نصها يأتي نص ظبية خميس مفعما برائحة الذات، والأرض في تناسقية كلية، والتحام ممتزج وكأن لاشيء يقف حاجزا ضد ألم الغربة، إلا الوعي بقيمة الذات، وتهوين حالة الغربة بالوعي بقيمة الأشياء حتى في أبشع أبعادها، فالفلسفة التي تعطي للحجر قيمته، تعلي من قيمة الاغتراب في رسم ملامح الذات المراهنة على الاختلاف أصلا، ولكن الوجد لا يجد مبرراته الكافية للحالة ..
تقول في نص بضاعة النفس
أتراها الأمكنة 
تلك التي تفضح شحوبنا
ورغبتنا في الإياب
أتراها الأمكنة
تلك التي نتوق للانعتاق منها
التي تتخذ طعماً ما في حلوقنا فيما بعد
عندما نتذكرها
الأمكنة تصنع أشواقنا ، تكشف خبايانا
تعرفنا على من نحن بقسريتنا
المفاجئة ، وميولنا التي لم نعترف بها ،
انتماءنا المحدد للأشياء ، والأماكن ، 
والأصدقاء.
بضاعتنا القديمة التي ردت لنا عبر 
الرحيل.
إنها الذات المخلصة للإنصات، وللتأمل الحميمي للداخل والخاص، مستفيدة من الوحدة والفراغ، ومستثمرة كل وظائف الحواس في قراءة تلك الذات، وموظفة كل أدواتها في التدقيق فيما يعتمل في معملها لإنتاج نصها المختلف ..
في نصها (المخالصة) تقول..
أن تملأ الفراغ بالثرثرة
أصوات تسمعها ، تحدثها
أصوات في الرأس
أصوات في الأذن.
أن تفر من لحظة المخالصة
اللحظة تلك
بلا صوت يمتلكك أو تمتلكه.
الإدراك اللحظي للفراغ الكوني الكبير
للصورة ووهمها
للصور المتحركة للعارض ، والمتحول ،
وللزوال كما يحدث لك في كل يوم.
إنها حالة الجني لثمار التأمل، ولحصيلة التجربة في حكمة الكائن التي يسرف تقصي الذات، وتغيراتها، وثباتها ورعونتها، وحالة قسوتها على ملامح الفرح الداخلي، والدهشة الحميمة لصالح الصمت والركون..
نتجنب أقوالنا المكررة ،
بالصمت 
نتجنب حركاتنا التي تضرب في الهواء
بالثبات مثل صنم شرقي.
لا يصبح للماضي وجود
ولا للمستقبل
فقط اللحظة ، اللحظة التي تعبر سريعاً
إلى مصيرها.
إنها تهرّب للنص كل ذلك الخوف المريع من تلبس الكائن بذاته، وانفصاله عن كل ما هو خارجه، الخوف من الغربة القصوى، بأن تصل لحالة تجريد ذاتك عن ذاتك، ومخاطبتها ككائن خارجي منفصل، يرعبك بصمته، ويفضحك باستجلاء حالته خارجك ..
نراها أشباحنا ، آئنذاك
تلك التي كناها
وهذه التي تتلبسنا في موقف التبديل.
ومثل قمر يضيء لليلة واحدة
نكتشف أنه نحن
ومثل شهاب ولد للتو
نكتشف أنه نحن.
لا ضوء في القنديل
يخبرنا عن حيواتنا ، الآتية.
إنها حالة حميمة وشهية من السرد الخارجي المنفصل عن الكائن، وكأنها الكتابة من مرآة شقية تعكس صورة الذات في حزنها وغربتها خارج الكائن نفسه، مرآه قاسية تضع التفاصيل الدقيقة للكائن الداخلي في مستوى النظر، ثم تعمد لتجسيرها مع صورته الأخرى الخارجية ضمن مجتمعه لتشعره بالخيبة والهزيمة، وهل الكتابة إلا ذلك؟؟ 
صمت
عندما نقضم الغضب نجده مراً
وقاسياً كالحجارة.
لاشك أن إخراجه من أمعائنا
يكون صعباً، أيضاً.
ولكي لا نمضغ حجارة الغضب
يتوجب علينا التنفس عميقاً
وتذكر أن "هذا سوف يمضي، أيضاً ".
هكذا تسير قصيدة ظبية خميس محفوفة بصوت الذات المتهدج في صلاة داخلية حميمة، وبـ"الصمت" و"الغربة" و" الغضب" ، "الحزن" و"العشق"، موازية في نصها بين حالات الكائن الداخلية والخارجية، وبين امرأة حكيمة تسير بوعيها بثقل التجربة، وطفلة فراشة تطير بخفة فوق ينابيع الماء لترتوي من جماليات الحياة التي لم ترتوِ منها، ولن تفعل، بين كائن مشغول بكتابة ذاته بمواجدها وأحلامها الصغيرة والكبيرة، وكائن يسمع ويرى استفحال الغابة والشر والجوع والموت المجاني؛ فيحمّل نصه عبء صرخة غصة مستديرة في حنجرته. 
وأخيرا لعلها فقط إنها الكتابة بالدم التي يحبها نيتشه إذ يقول:"من كل ما يكتب لست أحب ألا ما يكتبه الإنسان بدمه, اكتب بالدم تجد أن الدم هو الروح" (هكذا تكلم زرادشت)
إن نص "ظبية خميس" الشعري نص عميق ومستفز، فهو نص تأويلي؛ يطرح على كل قارئ مداخله الخاصة للقراءة البعيدة النصية أو الماورائية، ويجبره أن يستكشف بؤرته الباطنية الأعمق، وغاياته غير المباشرة، وتفاصيله المتشعبة ليبلغ لب المعنى، ويتحرك منه في إدراك الفهم، إنه نص جدير بقراءات هرمينوطيقية وأنطولوجية عديدة، تبحث في خصائص هذا النص الجاذبة للمتلقي، واقتراح قراءات متعددة له.

**النصوص من مدونة الشاعرة، ومن دواوينها المنشورة الكترونيا.. 

0 التعليقات: