الثلاثاء، 23 يونيو 2015

مصر حصاد عام مُر


حصاد عام مُر

 بقلم / احمد ماهر غنيم
إذا أردت أن تلخص هذا العام المنصرم من حكم الجنرال، فما عليك إلا أن تذهب في زيارة عابرة إلى باب سجن طرة وتقف لتتأمل طوابير الزيارات المليئة بأطفال وشباب ونساء لم يتخيلوا يوما أن يقضوا ساعات وأيام من أعمارهم في طوابير مع أهالي سجناء جنائيين مدانين في قضايا قتل واغتصاب وسرقة لزيارة ذويهم الذين لا جريمة لهم إلا إنهم اختلفوا مع هذا الحاكم في ما يروه انقلابا على حياة ديمقراطية حلم بها جيل كامل.

ثم تذهب لتتسائل وأنت تنظر لوجوه الأطفال وهم شاردي النظر فيما يفكرون؟! وأي مستقبل يمكن أن ينتظرهم؟! ولا تملك وقتها إلا أن تدعو الله أن ينقذ هذا البلد من دوامة صعبة ومعقدة حال استمرت سياسات هذا النظام التي لا يمكن إلا أن تخلق جيلاً جديدًا فاقد الأمل ولا يشعر بمعني الوطن ولا يتنفس إلا ظلم وفساد وقهر.

إذا أردت أن تجمل بعبارة واحدة هذا العام من حكم الجنرال  فهو باقتدار (عام الحصاد المر).. عام نكسة للمسار الديمقراطي وموت للحريات ومحاصرة للصوت الحر وتفشي للظلم وتأزم في الوضع الاقتصادي وتقليل لمكانة مصر الإقليمية وزيادة لإرهاب بغيض واتساع لشرخ مجتمعي خطير.

هو عام إعدام المئات في جلسة واحدة بتهم خزعبلاية والإفراج عن من قتل 37 إنسانًا في عربة الترحيلات، عام اعتقال رموز يناير وإلقائهم بالسجون وعدم المساس بإعلاميّ النظام ممن صدر ضدهم أحكام بالحبس، عام الإعدام لأول رئيس مدني منتخب حكم البلاد لسنة واحدة.. والإفراج عمن دمر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في 30 سنة من عمر البلاد.

عام بيع الوهم للمصريين من مشاريع لا وجود لها، لعلاج لا أصل علمي له، لمدينة مليونية غير موجودة على الخريطة ولم يُبن منها حجر، لحديث عن الفقراء في الصباح وفي الليل تُفرض الضرائب ويُلغي الدعم.

عام من الفشل على المستوى الاقتصادي، والتعامل الأمني الجنوني مع الخصوم السياسين، عام الحرب على ثورة يناير والسير بأستيكة على كل خطوة لها والانتصار لدولة العادلي ومبارك.

كل هذا والجنرال يعتقد هو ومن حوله في الحكم أن بهذه السياسات يستطيع أن يسجن وطن فيستتب له الأمر وتنتهي القصة، هكذا يتصور، ورغم أنه "طبيب تسمع له الفلاسفة" إلا أنه محدود القراءة في تاريخ الأمم والممالك المختلفة، ولتربيته العسكرية البعيدة عن الحياة المدنية لا يفهم جيدًا حجم التغير الكبير الذي حدث لشباب هذا الوطن بعد ثورة يناير.

هؤلاء الشباب الذين استطاعوا أن يوقفوا عجلة الاستبداد التي كانت تسير نحو جعل مصر دولة ملكية، وتنفسوا طوال سنتين ونصف نسيم الحرية، وشعروا بأنهم مالكين لزمام أمر بلادهم بعد أن كانت حكرًا على أسرة محددة، لا يمكنهم أن يفرطوا في هذا الحلم أبدًا وبأي حال من الأحوال، بل سيظلوا متمسكين بيناير الأمل والحلم والحياة، وبمسارهم النضالي السلمي، وسيبذلوا الغالي والنفيس من أجل إزاحة هذا الكابوس الجاثم على صدور ملايين المصريين.

شباب يناير استوعب الدرس جيدا هذه المرة، عرف خطورة التضحية بمسار ديمقراطي أيًا كانت أخطائه لصالح فاشية عسكرية مستبدة لا تعي حق الإنسان في الحياة، وهم الآن يستعدون ويلملمون جراحهم ويراجعون مواقفهم ويستعدون لبناء مستقبلهم الذي لا يمكن أن يكون له وجود في ظل هذه السلطة الحالية.

تعلموا أن إزاحة النظم ستكون عبر صناديق الانتخاب، وأن ضغط الميدان لن يسمح بأن يقفز عليه أحد، وتعلم من كان في الحكم أن البلاد لا يمكن أن تحكم بفصيل واحد، وأن التشاركية السياسية ستكون عنوان بداية مصر الجديدة، وأن تنوع مصر حصانة لها ولمسارها الديمقراطي.

تعلمت قطاعات عديدة من الشعب أيضًا خطورة التوقيع على بياض لشخص أو مؤسسة مهما كانت درجة الثقة بها، وتعرفوا جيدًا خلال تلك الفترة الصعبة على حقيقة النخب التي تدعي تمثيلهم، كشفت الأقنعة عن وجوه عديدة ظن الكثيرين فيها خيرًا وعند أول محك وجدهم يختاروا مصلحتهم الضيقة على مصلحة ثورة كاملة وأحلام جيل كامل.

عام الحصاد المر ذهب وربما تأتي أوقات أشد منه صعوبة خلال الفترات القادمة، لكن نهاية طريق مقاومة الظلم والاستبداد يبزغ فيه طاقة نور تضيء بالأمل لأيام وسنوات أفضل لمصر، تليق بها وبشعبها العظيم، مما يحتم علينا أن يتملكنا للحظة اليأس فهو خيانة لدماء الشهداء ولأحلام جيل كامل لا يستحق منا إلا العمل بكل قوة لإرساء دولة الديمقراطية والحرية.

0 التعليقات: