الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

نظام دولي متغير يفتقد إلى القواعد المستقرة


د. بشير موسى نافع
تستدعي نهاية العام وبداية عام جديد، أحياناً، وليس دائماً، على أية حال، تأمل نظام العالم الذي نعيشه. وإن لم يكن ممكناً، في هذه المساحة الصغيرة، تناول جوانب متعددة من الشأن العالمي، فربما يمكن على الأقل الإشارة إلى واحد من هذه الجوانب الهامة: ما تعارف عليه دارسو السياسة والتاريخ والعلاقات الدولية بمصطلح النظام الدولي. والمصطلح، كما العلوم الحديثة التي أعطته تعريفه وشرعية استخدامه، هو مصطلح غربي أصلاً، تطور في مرحلتين رئيسيتين: ولادة نظام وستفاليا في القرن السابع عشر، وصعود الإمبرياليات الأوروبية الغربية في القرن التاسع عشر.
قبل ذلك، كما في النظام الروماني أو الإسلامي، ارتبط تصور العالم بالتصور الاخلاقي والقانوني للذات. رأى الرومان أن العالم ينقسم إلى مجالين متناقضين، وربما حتى متصارعين: مجال السلم الروماني ومجال البرابرة. أما المسلمون، الذين يبدو أنهم استعاروا شيئاً من التصور الروماني، فرأوا العالم في ثلاث دوائر رئيسية: دار الإسلام، ودار الكفر، ودار المعاهدة.
بعد حرب الثلاثين عاماً، 1618 ـ 1648، التي اندلعت من الانقسامات الدينية وتحول الإقطاعيات إلى سلالات ملكية متجذرة، ومن الضعف المتزايد للكنيسة والإمبراطورية الرومانية المقدسة، أسس صلح وستفاليا لمفهوم الحدود والسيادة والدولة الحديثة. وانقسمت أوروبا بالتالي إلى دول وإمارات، مثلت النسخة الأولى للقارة المثقلة بالحروب والصراعات التي نعرفها اليوم. بمعنى أن وستفاليا وضع قواعد نظام وعلاقات الكيانات الأوروبية المختلفة والمتصارعة؛ وهي القواعد التي يعاد استدعاؤها من وقت لآخر، للتوكيد على عدم شرعية تغيير حدود الدول أو انتهاك سيادتها بالقوة. خلال القرنين التاليين، استخدمت قوى أوروبية معينة، وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، تقدمها الصناعي الحثيث، وقدرتها المتزايدة على تطوير وسائل الفتك والحرب والإبادة، لبناء إمبراطوريات واسعة فيما وراء البحار؛ وبدأ بالتالي عصر الاستعمار الغربي الحديث. ولأن السعي لبناء إمبراطوريات على مستوى العالم باسره ولد صراعات بين القوى الإمبريالية الغربية، عملت هذه القوى، من خلال سلسلة من المعاهدات والمؤتمرات والتحالفات، على احتواء عوامل الصدام قبل وقوعها وتنظيم العلاقات بينها، على أساس من توازن القوى والمصالح.
وكان من الطبيعي أن يؤدي انهيار توازن القوى، أو تحدي قوة ما للمنظومة المستقرة للعلاقات، إلى اندلاع الحرب، تماماً كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية. في نهاية الحرب الثانية، التي شهدت مقتل عشرات الملايين من البشر، ودماراً أوروبياً غير مسبوق، سعت القوى الغربية إلى بناء النظام العالمي من جديد، على أساس من توازن القوى بين كتلة شرقية، يقودها الاتحاد السوفياتي، وكتلة غربية، تقودها الولايات المتحدة. قسمت القارة الأوروبية في يالطا بين الكتلتين؛ ولكن مناطق النفوذ في العالم لم تحدد بصورة مستقرة وواضحة. وهذا ما ولد الحرب الباردة، التي دارت رحاها بصورة مباشرة أو غير مباشرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، بينما حافظت القارة الأوروبية على سلم قلق، ومسلح، من خلال توازن قوى نووي مرعب. في نهاية الثمانينات، ولعوامل اقتصادية وسياسية وثقافية، خسرت الكتلة الشرقية الحرب الباردة، وتعرضت لانهيار هائل، طال في النهاية ليس دول حلف وارسو وحسب، بل وحتى الاتحاد السوفياتي نفسه.
للوهلة الأولى، بدا أن نظاماً عالمياً جديداً سينجم عن نهاية الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية والاتحاد السوفياتي، نظام تقوده الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة. وكان ثمة عدد من العوامل والأدلة التي عززت هذا التصور للعالم. كانت الولايات المتحدة، ولم تزل، الدولة الوحيدة التي تستطيع نشر القوة على مستوى العالم كله، الدولة التي جعلتها الجغرافية الأكثر أمناً بين كل الدول الكبرى في تاريخ العالم الحديث، والدولة التي يبلغ نصيبها 25 بالمئة من الناتج العالمي. من جهة أخرى، وبالرغم من احتفاظها بمقدراتها النووية، انكفأت روسيا الاتحادية على نفسها، محاولة الخروج من أزمة اقتصادية بالغة الوطأة، والتعامل مع حركات تمرد وانشقاقات داخلية؛ بينما لم يكن واضحاً بعد ما إن كان النمو الاقتصادي المتسارع سيجعل من الصين قوة يعتد بها على الساحة الدولية. وبالرغم من أن أوروبا سارعت الخطى نحو الانتقال بالسوق الأوروبية المشتركة إلى كيان أوروبي موحد، إلا أن شكوكاً عميقة حفت بالمشروع الأوروبي وقدرة منظومة الوحدة الأوروبية على بلورة إرادة سياسية مشتركة. أوروبا، على أية حال، ومع بعض التذمر هنا أو هناك، ارتضت القيادة الأمريكية للعالم، ولم تكن غير سعيدة بتحمل الولايات المتحدة أعباء هذه القيادة. خلال التسعينات ومطلع القرن الحادي والعشرين، توسع حلف الناتو بصورة حثيثة، ليحيط بروسيا الاتحادية، خاضت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة حرب الخليج الأولى وحروب البلقان بدون اكتراث يذكر بموقفي موسكو وبيكين، وأعادت إنتاج سيطرتها على النظام الاقتصادي العالمي من خلال منظمة التجارة العالمية وتوكيد التحكم في صندوق النقد والبنك الدوليين.
بيد أن نظام القطب الواحد لم يعش طويلاً. ويمكن القول أن العام 2008، سيما النصف الثاني منه، مثل المنعطف الذي انتقل فيه العالم من نظام القوة المتفردة إلى نظام يغلب عليه اللانظام وغياب القواعد المستقرة أو شبه المستقرة للتنافس بين القوى الدولية والإقليمية. في 2008، كانت روسيا استعادت التقاط أنفاسها الاقتصادية بفعل ارتفاع كبير في أسعار موارد الطاقة، قضت بالقوة على الحركات الانشقاقية في القوقاز، وبدأت محاولة الوقوف في مواجهة زحف الناتو المتسارع في وسط وشرق أوروبا. وربما كان الغزو الروسي لجورجيا في أغسطس/ آب 2008، أول مؤشر على سياسة إعادة توكيد الذات الروسية. لم يكن لروسيا أن تعاود الظهور على المسرح العالمي بدون الإخفاق الكبير لسياسية الحرب الأمريكية في الشرق، التي انتهت إلى تكاليف باهظة في الأرواح والأموال، وبدون الصعود الصيني الاقتصادي الكبير وبداية التوافق الروسي – الصيني. في الوقت نفسه، برزت قوى اقتصادية جديدة، أصبحت مراكز جذب لفائض المال العالمي، نافست الأسواق الغربية التقليدية. ومع نهاية العام، عصفت بالاقتصاد الغربي أزمة مالية/ اقتصادية طاحنة، لم تخرج أغلب الاقتصادات الأوروبية منها بعد.
فما هي صورة الوضع العالمي الجديدة، وما الذي تعنيه لدول المشرق العربي – الإسلامي. من السذاجة بمكان تصور الوضع الدولي باعتباره نسخة جديدة من نظام الأقطاب المتعددة الذي عرفه القرن التاسع عشر. لم تزل الولايات المتحدة القوى الأكبر في العالم، بمقدرات تفوق مجموع القوى التالية لها مجتمعة. ولكن إدارة أوباما تعلمت حدود القوة، والتكاليف الباهظة للتصرف كقوة منفردة، وعدم الاكتراث بقوى العالم الأخرى من الدرجة الثانية. أصبحت الولايات المتحدة أقل تدخلية مما كانت عليه، وأكثر تركيزاً على جهود الحفاظ على عوامل التفوق واحتواء الطموحات المتزايدة لدول مثل الصين وروسيا. روسيا، من جهتها، أضعف بكثير من تبوؤ الموقع الذي احتله الاتحاد السوفياتي؛ وبالرغم من محاولتها الرد على التوسع الغربي وتوكيد دورها في دول مثل سوريا وأرمينيا ودول وسط آسيا، فإن اهتمامها الأكبر يتعلق بخارجها القريب، سيما في أوروبا والقوقاز، حيث تتهددها المخاطر بدون أن تعرف كيفية احتواء هذه المخاطر. الصين، من جهة أخرى، ولعوامل هيكلية وطبيعية، تكاد تصل إلى نهاية طريق النمو الاقتصادي الكبير؛ وهي لا ترغب، على أية حال، في خوض صراع مباشر وواسع النطاق مع القوى الغربية، التي لم تزل تتحكم في النظام الاقتصادي العالمي. أما أوروبا، فلم تزل حائرة بين طريق الوحدة والحفاظ على هوية وسيادة الدولة القومية، والتكاليف التي يفرضها كل من الخيارين.
أفسح هذا الوضع الدولي القلق مساحة كافية لأن تلعب القوى الإقليمية دوراً متزايداً في تحديد مصير جوارها؛ وأجج بالتالي حجم وحدة الصراعات بينها. وهذا ما يتجلى بصورة واضحة في أزمات العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا؛ حيث لا تصطدم الإرادات الإقليمية وحسب، بل وتسعى قوى إقليمية إلى استدعاء القوى الكبرى من جديد للعب دور أكثر فعالية في المنطقة. وما لم تكتسب القوى الإقليمية شيئاً من العقلانية، يؤهلها للتوافق على حدود مصالح كل منها، كما حاولت أوروبا أكثر من مرة في القرن التاسع عشر، ستدفع شعوب المنطقة ثمناً باهظاً ومتزايداً لهذه الصراعات.
٭ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
جريدة القدس العربي

الاثنين، 21 ديسمبر 2015

سجل انا لاجئ عربي (شعر)


...
سجل انا لاجئ عربي
مجروح الجنسية ..مفقود الهوية
مسلوب الوطن .
سجل انا سوري ,عراقي سوداني 
ليبي ومن يمن 
خذ بصماتي ..دون إفاداتي ..وثق مأساتي
فقد قصمت ظهري المحن
قصف وقتل من بغداد الى الخرطوم
ومن تونس الى عدن
كل طالته يد القتل و شردته المحن.
ثرت من أجل حريتي ..أشهرت سلميتي .
هدروا انسانيتي ,قصفوا قريتي ,
خربوا مدينتي ,
نكبوا الوطن .
قتلوا اطفالي ..قطعوا اوصالي ,
اجبروني على ركوب البحر ,
والعيش تحت الخيام .
امشي وبي خصاصة,
لم أعد سوى رقم في جداده,
خبر في قصاصه ,
نبأ في وسيلة أعلام .
غير أنه يحز في نفسي ,
أن قاتلي ..
مني ذو قرابة وابن عم.
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة,
وأظلم من الظلم.
موسى المصلح

الاثنين، 14 ديسمبر 2015

هل يستحق " ترامب" الضجة ؟


لميس ضيف 

ضج العالم بالتصريحات المعادية للإسلام التي أطلقها مرشح الرئاسة الأمريكية وامبراطور المال والأعمال دونالد ترامب
مؤخرا، ووجد كثير من خصومه السياسيين في تصريحه المتعجرف فرصة للإطاحة بحظوظه الانتخابية العالية فيما
 دافع عنه مؤيدوه – وكثير من المتعصبين بالطبع – واصفين ما قاله بشأن المسلمين " بالحقيقة المرة ".

شخصيا كنت أتمنى من قبل أن يفوز هذا الكهل المتصابي بمقعد الرئاسة الأمريكية ولي عذري .. لقد طفح بنا الكيل من
ألاعيب وأكاذيب السياسيين .. من التفافهم حول الحقيقة وخداعهم المتكرر لشعوبهم -ولنا بالتبعية- ووجدت في " مرشح
 ينطق بما يفكر به دون عمليات شفط ولا تجميل " تغييرا حان وقته.

لقد نُقل عنه بأنه وصف دول العرب بأنهم " بقرة حلوب سنأكلها فور جفاف ضرعها" ولو صدق ما قرأناه فلن يكون
واقعا خلاف من سبقوه ولكنه – على الأقل – سمي الأشياء بأسمائها ولم يلوي عنق الحقيقة كغيره.

هذا وأعلن ترامب عن "دعمه المطلق لإسرائيل" وذاك موقف ليس بجديد أيضا ولكننا نخدع أنفسنا كما يطيب لنا دوما
 ونقنع أنفسنا بأن المواقف الغربية تتحلى بالحد الأدنى من الإنصاف عندما يأتي الأمر لقضايا الشرق الأوسط.

صراحته تلك هي التي أوقعته في مطب الهجوم على المسلمين، وهو هجوم سيكلفه 100 مليون دولار وهي قيمة تعاونه
مع محلات لاندمارك الشهيرة في دبي عوضا عن تعليق كافة المشاريع التي تقام مع شركاته المتناثرة عبر العالم.

ليس هذا فحسب بل أن هناك محاولات لمنع دخوله لبريطانيا التي تتجاوز نسبة المسلمين فيها الـ17% وذلك بعد توقيع
نواب لعريضة تطالب بوضع أسمه في قائمة "الغير مرغوب بهم في البلاد".. هذا وكثير من الاجراءت الأخرى قد تتخذ
ضده وبالطبع قد تكون تلك الثورة عليه كفوره المشروبات الغازية فتنتهي سريعا دون خسائر تُذكر ولكن.

أليس من المناسب أن نسأل أنفسنا ماذا لو كنا مكانه ومكان الشعوب الغرب التي ترى الاقتتال وأنهار الدم الدافقة 
في دولنا الإسلامية ؟

أسنكون أقل منه تحاملا على " المسلمين " ؟

لو لم نكن مسلمون .. ماذا سيكون رأينا في المسلمين ؟

هذه هي الأسئلة التي يجب أن ننشغل بها عوضا عن الانشغال برجم "جثة سياسية " قضت على مستقبلها قبل أن 
يبدأ بالاصطدام الأرعن بعدة أطراف في وقت قصير.

ولاحظوا هنا أننا عندما نقول " مسلمين " فنحن نتحدث عن جماعة "جيوسياسية " أكثر منها دينية فهؤلاء الذين
يتحاملون علينا لا يدركون كنّه ديننا ولم يقربوا كتابنا وكل ما يعرفونه عن الإسلام هو ما يرونه منا كمسلمين.

بعيدا عن الإرهاب وشجونه المسلمون في الدول الغربية يمقتون دفع الضرائب ويجد الواحد منهم ألف طريقة
للتهرب منها .. ولا يحترم أحدهم القانون إلا مجبرا ولا الآداب والديانات والأعراق إلا خشية ما سيطاله لو لم يفعل !!

مجددا "نحن لا نتكلم عن الدين بل صورته في أذهان الناس لذا فترامب لم ينطق كفرا بل نقل رأي قوافل من مواطنيه الصامتين ..

عوضا عن الثورة ضد ترامب يجب أن نراجع انفسنا .. ونقتص الحق فيها ..

نعم ترامب ليس بريئا ولكننا .. لسنا أبرياء أيضا

الأحد، 6 ديسمبر 2015

سبحان الله ما أعظمه(شعر)

ا دا لم تر صنع الله . في قرية نمل.. في جدع نخل.. في أوراق الشجر. فأنت أعمى القلب والبصر. ادا لم تر صنع الله . في خرير الماء .. في زرقة البحر .. في نجوم السماء .. في سقوط المطر.. فأنت أعمى القلب والبصر. ادا لم تر صنع الله. في الوحوش الضواري.. في هجير الصحاري.. في صقيع البراري.. في خسوف القمر. فأنت أعمى القلب والبصر. ادا لم تر صنع الله. في سنابل القمح.. في سعف البلح.. في بياض الثلج .. في تلاطم الموج .. في نحث الماء للحجر. فأنت اعمي القلب والبصر. ادا لم تر صنع الله في خلية نحل .. في ضحكة طفل .. في زوال الم.. في شفاء سقم .. في نفاد قدر. فأنت اعمي القلب والبصر **** آدا رأيت بنور الله الخلق كافه .. أدركت أن الكون لم يوجد صدفه.. سبحان الله ما أعظمه.. كرم الإنسان . ..شق بصره وسمعه.. علمه البيان سبحانه ما أروع صنعه . موسى المصلح

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

دعوني احلم

احلم
انأ الإنسان.
أن أجوب الأرض لا تمنعني الحدود.
أن اركب البحر بغير قيود.
أن ينتصر السلام ..
أن تصبح الحروب في خبر كان .
احلم 

أن يصافي الأحمر الأسود.
أن يحب الأصفر الأبيض .
أن تسقط الجنسيات..
أن يشعر الإنسان بالأمان.
أن تختفي الحدود والقوميات.
أن نشعر أن الوطن في كل مكان .
احلم
أن تذوب الفوارق بين الشعوب.
لا فضل لجنسية ولا عرق..
لا فرق بين غرب وشرق.
لا شمال ولا جنوب .
احلم
أن لا أرى طفلا يجوع.
أن لا أرى امرأة ثكلى.
تبكي ..تذرف الدموع .
تنعي شباب قتلى .
فتكت به الطائرات ..
سحقته الدروع .
احلم
و اعرف أن الحلم بعيد كالقمر.
أن البأس شديد بين بني البشر ..
أن يتغير للأفضل يومي وغدي .
لكني ..
لا املك سوى أن أضع على القلب يدي ..
وان احلم .
موسى المصلح
..

أبو القعقاع… ذكريات… الطريق إلى داعش


Résultat de recherche d'images pour "‫صورة الدكتور محمد حبش‬‎"


بقلم/ د. محمد حبش*

لا يحتاج اسم ابي القعقاع الى سند من التاريخ ليقرع رعبه في سمع الجماهير الهائجة، فموسيقا القعقعة تكفي لحشد مشهد الطبول والسيوف والحراب وصهيل الخيل، ولا يطول بك البحث حتى تجد له ذكراً موصولاً إلى الفارس الانتحاري القديم القعقاع بن عمرو التميمي  الفارس الذي تقدم في معركة اليرموك هائجاً معصوب الجبين يصرخ في الناس: من يبايع على الموت؟؟ من يبايع على الموت؟؟ حتى تقدم معه أربعون من الشباب الثائر يقتحمون معه صفوف الموت في قلب جيش الروم ولا يعود منهم أحد، ويتركون أكثر ذكريات الشجاعة والهول في غبار معارك الموت.

لا شك ان هذه المعاني كانت في ضمير الفتى الحلبي الكردي أبو القعقاع المولود عام 1973في قرية الفوز شمال مدينة حلب وينتمي الى عشيرة الديدان.

حين اختار هذا الاسم عنوانا لمشروعه القتالي الجهادي الذي انطلق به من جامع الصاخور في حي شعبي عنيد على الجانب الشرقي من مدينة حلب.

82

محمود قول آغاسي الكنية ابو القعقاع

تعرفت إلى ابي القعقاع عقب محاضرة ألقيتها في مركز الدراسات الاسلامية بدمشق 2006 حيت طلب الكلام ليعقب على المحاضرة، وقدم نفسه باسم الدكتور محمود قول آغاسي، وصعد المنصة بخطى واثقة في مظهر أناقة لافت حيث بدا كمتحدث أكاديمي متوازن تميزه نظارتان لا تخطئ العين تناغم لونهما مع لون الكرافتة الأنيقة على صدره واللحية الرقية المهذبة في وجهه، وبدا بالفعل ممسكاً بناصية الخطابة في اقتدار واحتراف، وأذكر جيداً أن الخاطر الذي خامرني وأنا أستمع إليه هو قدرات عمرو بن العاص الخطابية، وذكرت كلمة عمر بن الخطاب الذي كان إذا رأى رجلاً عيياً يعثر في الخطاب يقول أشهد أن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد!!!

 دعوته إلى مكتبي ودخل معه فتيان أما أحدهما فكان يرتدي بنطالا وأما الآخر فدشداشة جلبية، ورأيته لا يتحدث في شيء إلا أومأ لهما، وكانا بين يديه ككتبة الوحي، تزوغ أعينهما في كل ما حولك، فيفهمان كل شيء، ولكنهما يبدوان كأن على رؤوسهما الطير.

وجلسنا نتحدث طويلاً، وأدهشتني في الرجل الشخصية القيادية الكبيرة التي يمتلكها، كما أدهشتني معرفته بتفاصيل مشروعي في التجديد الديني ونشاط مركز الدراسات الإسلامية في ذلك، حيث كان المشروع آنذاك مثار جدل عنيف وكان المشايخ يوصون تلامذتهم بالحذر من مركز الدراسات الإسلامية الذي يتبنى التفكير الديمقراطي في الإسلام الذي سيقود في النهاية إلى ما كانوا يسمونه (تيار العقلانيين) الرافض لخيارات الفقهاء.

كنا حينئذ في وارد ترتيب حفل فني كبير في ساحة سعد الله الجابري في حلب بمناسبة إعلان حلب عاصمة للدولة الإسلامية، وكان الرجل يدهشني بفهمه تماما لطبيعة المشروع وآفاقه، واستجابته للمساهمة بل وتوجيه الأوامر المحددة لصاحبيه لإعدادات لوجستية غاية في الدقة.

حين خرج الرجل قلت لأصحابي إن الرجل بالفعل خطيب مفوه وقيادي واضح وبوسعنا أن نعتمد عليه تماما في مشروعنا في حلب، ومباشرة قال لي أحدهم: ولكن هل من مصلحة مشروعنا الكرنفالي الشعبي اللاعنفي أن يكون بترتيب أبو القعقاع؟

أدركت حيند أن الرجل الأنيق المتمكن في الخطابة والمعرفة انما هو أبو القعقاع الأسطوري نداء الجهاد الهادر الذي تفجر وسط مستنقع خمود كئيب يلف المؤسسة الدينية الوعظية التقليدية في سوريا…

لم يظهر في كلام الرجل أي اتجاه للعنف، لقد تحدث بعمق عن ثقافة السلام والحوار مع الغرب، وربما عزز من علاقتي به أنني كنت مؤمناً بوجود مساحة للعمل في ظل هذاالنظام القمعي، وكان يشاركني هذه القناعة، ونتبادل تقديم الأدلة على ذلك في عملية تكاذب غير معلن، بهدف تبرير نشاطنا الذي نقوم به في ظل النظام الصارم الرافض إيديولوجياً أي معنى للحراك السياسي من خلفية دينية.

كان أبو القعقاع لغزاً حقيقياً، فسوريا التي تعيش حالة فريدة من الضبط القمعي الصارم، استمر لأكثر من خمسة وأربعين عاماً والمفرطة في حساسيتها تجاه كل ما هو إسلام سياسي، وهو خطاب يتبناه النظام سرا وعلنا، وله فلاسفته حتى من رجال الدين وخطباء الجمعة، كيف يسوغ أن يظهر فيه فجأة رجل كأبي القعقاع، في حي عنيد من أحياء حلب الشعبية المكتظة، حيث كان الرجل يقوم في مسجده بالصاخور ليس بإلقاء الخطب الحماسبة في الجهاد فحسب بل يقوم بالتدريب اللوجستي على القتال داخل المسجد!! والتدريب على استخدام أنواع من السلاح، ويؤكد علناً أننا ذاهبون للقتال في فلسطين والعراق مع إخوتنا المجاهدين من القاعدة وذلك لمواجهة الاحتلال الامريكي الصليبي الكافر؟؟؟
كان اكثر المصدومين بالوضع في جامع الصاخور هم المؤسسات الحكومية والحزبية التي كانت تدرك ان خطبة واحدة من هذا اللون الجهادي تكفي ليمضي الخطيب بقية عمره في سجون النظام، وأن تتم موجة اعتقالات لأسرته وأصدقاءه ومساعديه والمتصلين به والمتصل بهم والمستمعين لخطبه والمدونين اسمه على دفاتر هواتفهم والناظرين إليه بإحسان.

ولكن شيئا من ذلك لم يحصل وكانت أوقاف حلب ترسل قرارات اقالته كزخ المطر ولكنه سرعان ما يصدر توجيه بعودته إلى مكانه، في ظروف غامضة مشحونة بالأسرار تقبل كل التكهنات.

وكانت خطبة الجمعة في الصاخور فرصة لمشاهدة حدث فريد حيث يشهد الألوف المحتشدون في المسجد وحواشيه خطبة بالغة الحماس يتلوها دعاء انفعالي صاخب على أمريكا والغرب الكافر، ثم يقوم الشيخ في جو هتافات صاخبات بعقد ألوية الجهاد والهتاف للمجاهدين الراحلين إلى أرض الرباط في فلسطين والعراق المحتل، وكان يؤكد في مجالسه الخاصة أنه قام بالفعل بالقتال في العراق مع عدي ابن صدام حسين في إحدى الغزوات ضد الامريكان!!

ولا شك أن الألوية التي عقدها لفلسطين قد تحركت وفق القاعدة العربية البائسة طريق القدس يبدأ من؟؟ وهذه المرة من العراق، حيث كانت السفارة العراقية التي ظلت موالية للبعث في نسخته السورية تخصص بالتعاون مع فرع أمني متخصص باصين اثنين كل أسبوع في معرض دمشق الدولي تحت عناوين زيارات عائلية ودينية وبزنس ولم تكن هذه الباصات إلا مركباً لنقل المقاتلين إلى العراق لمواجهة المشروع الأمريكي.

ألوف الشباب التحقوا بالقتال في العراق، ومع أن التنائج كانت صادمة لكل من توجه للقتال حيث تعرض مئات من الشباب السوري للقتل بدم بارد عبر مافيات متخصصة كانت تعمل في خدمة المشروع الأمريكي وكانت ترى في هؤلاء صحوة بعثية لمؤازرة صدام والعودة إلى العهد البائد.

ولكن المخابرات السورية كانت تمارس لعبة بلا قلب، وبدا بالفعل أن موضوع المقاتلين السوريين والجهاديين القادمين من  مختلف أنحاء العالم ليس إلا مشروع ترحيل للمقاتلين بصيغة ماركة غير مسجلة إلى طاحونة الموت، وكان الهدف الحقيقي هو إحداث فارق على الأرض بواسطة هؤلاء الجهاديين يؤدي إلى إزعاج الأمريكيين وإجبارهم على التفكير بالخروج من العراق، أو على الأقل إلغاء الفكرة الملعونة التي كان اليمين الأمريكي يتبناها دوماً عبر شعار لا معنى للنصر على نصف البعث، ولا بد من ضرب رأس الأفعى في دمشق.

الدور الذي قام به أبو القعقاع كان هاماً جداً بالنسبة للأمن القومي السوري، فقد تمكن الرجل من جمع أصحاب الميول الجهادية من الداخل والخارح، وفي حين كان برنامج المخابرات السورية الزج بهم في السجون، أصبح بالإمكان الآن تطبيق حل أكثر براجماتية وديماغوجية حيث تم الزج بهم في أتون النار، واستخدامهم كقوى عاملة تخدم الأمن القومي السوري عبر تحييد التحدي الأمريكي الحقيقي.

يمكن القول أن البرنامج المخابراتي السوري قد نجح تماماً، وتحولت الجنة التي وعد الأمريكيون بها حلفاءهم في العراق إلى نار من جحيم، ولكن ذلك كان بالطبع وفق لعبة السياسة القذرة في نظم الاستبداد عبر ركام من ضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا في المكان الخطأ حين اختار القاتلون تنفيذ أكثر العمليات دموية لإقناع الشعب الأمريكي أن قواتهم في العراق قد دخلت في حرب قبلية طائفية لا يد لها فيها ولا سلطان.

خلال لقاءاتنا اللاحقة كان أبو القعقاع يحدثني بزهو عن دوره في تغيير السياسة الأمريكية للاعتداء على سوريا، ولكنه لم يستطع أن يدافع أبداً عن السياسة اللئيمة التي مارسها الجهاز المخابراتي في دفع المحاربين للقتال حتى النهاية، بشرطه الوحيد وهو عدم العودة، حيث كانت مراسم الاحتفاء بالمحاربين العائدين من معارك البطولة ضد الوجود الأمريكي تتم في أقبية المخابرات العسكرية والجوية، وبالوسائل الدموية المعروفة.

ورغم كل المؤشرات ولكن كان من الصعب تصور أن البعث السوري يقود هذا اللون من المقاومة عبر تنظيم القاعدة في العراق الذي كان يعلن كل يوم كفر النظام السوري وإيران ومن والاهما، وكفر الطائفة العلوية التي ينتمي لها الرئيس السوري، حيث كل أدبيات القوم طافحة بإعلان ذلك بشكل لا يحتمل أدنى ىتأويل.

ولكن المقاتلين كانوا يصدمون بالواقع في العراق وبشكل خاص بحجم التأييد لدى قسم كبير من الشعب العراقي للمحتل الأمريكي وإحساسهم بأن القتال يتحول تدريجياً إلى قتال طائفي لا مكان فيه لروح الجهاد ضد الكافر المحتل، وان الأمر يرتبط بإيدولوجيا القاعدة في موقفها من الشيعة (الروافض وفق تسميتهم) الذين يشكلون نصف الشعب العراقي، أكثر مما هو صراع بين محتل كافر وشعب مقاوم، وبالفعل فقد كان كثير من هؤلاء يشعرون بأنهم تعرضوا لخديعة ما ولكنهم حين كانوا يؤوبون عائدين كانوا يفاجؤون مباشرة بأن أسماءهم جاهزة على قوائم الترقب والاعتقال وأصبح واضحاً أنهم مرسلون إلى العراق في رحلة ون وي وبدون تذكرة عودة، وأن عليهم أن يدركوا أن السجن من ورائهم والعدو من أمامهم ولا يوجد شيء آخر إلا القتال حتى الموت.

أصبح أبو القعقاع هدفاً مباشراً لهؤلاء الشباب الذين رأوا فيه محض أجير مخاراتي يورط الناس في السفر للقتال في حين أنه يتابع مهاراته الخطابية في جامع الصاخور لاستجرار شباب آخرين إلى رحلات الموت العابثة…

وظهرت في تلك الفترة دعوات وإعلانات كثيرة على النت للتحذير من عميل المخابرات المحترف أبو القعقاع، وتم تعزيز ذلك بإيراد قوائم طويله من الذين أرسلهم إلى العراق وعادوا مباشرة إلى سجون النظام، وتطور الأمر من حسابات مجهولة على النت إلى بيان واضح ومباشر من تنظيم الإخوان المسلمين بتوقيع البيانوني يؤكد أن الرجل متورط حتى النهاية في عملية مخابراتية سورية مكشوفة.

وفي صيف 2006 قام مجموعة من شباب عربين المراهقين باقتحام سور مبنى الهيئة العامة للاذاعة التلفزيون وتم تبادل إطلاق النار مع مفرزة الحراسة وتمكن الحراس من قتل المجموعة واعتقال عدد من أفرادها وفي المساء كان التلفزيون السوري يعرض ما وجده بحوزة المهاجمين وكان فيها أشرطة خطب لأبي القعقاع تدعو إلى حاكمية الشريعة وتدعو إلى القتال حتى إقامة شرع الله، وحين كنا كمحللين سياسيين نتناوب الحديث عن خطر هذا اللون من التفكير الجهادي العنيف على الوطن، وكان التلفزيون يحذر بشدة من تفكير ابو القعقاع كان أبو القعقاع يلقي خطبة الجمعة في جامع الايمان في حلب الجديدة!! ومع أن التلفزيون عرض بوضوح لهذه الأشرطة ولكن الرجل ظل يلقي خطبة الجمعة المعتادة، في موقف لم يستطع أحد تفسيره على الإطلاق.

وتحت ضغط دولي وعربي وشعبي أوقف النظام هذا اللون من التجييش الجهادي، وانتظم في دوريات مشتركة مع العراقيين لمراقبة الحدود، وخلال شهور قليلة تحول أبو القعقاع الثائر الغيفاري الصاخب، ووكيل الشيخ أسامة بن لادن في سوريا إلى الدكتور محمود قول آغاسي، المحاور الهادئ والمفكر العقلاني المتوازن، وفي يوم واحد رحلت لحيته الطويلة التي كانت أشبه لحية باحمد الِأسير الرهيبة، وحضرت مكانها لحية أنيقة مهذبة تخفي ملامح أكاديمي متخصص، يتحدث عن الإسلام الحضاري المتصالح مع العالم، ويستأنف خطابه الديني في جامع الإيمان بحلب بإدارته الجديدة!!

كان يحدثني آنذاك وملامج الخوف بادية على وجهه، انني مستهدف .. هناك من يزج باسمي في كل قضية تتصل بالارهاب، مع أنني أعلنت للناس نهاية الجهاد في العراق، وأخذت البيعة على أصحابي أن لا ننازع الأمر أهله، لقد كنا في غمار شعبة من جنون الشباب وحان الوقت لنتفهم رسالة الإسلام الحضارية بلغة أكثر تقبلاً لروح الجوار الحضاري.
شخصياً لم استغرب تناقض توجهات الرجل، المولود عام 1973 والذي أصبح رمو الجهاديين في سوريا والعراق قبل أن يبلغ الأربعين، فهو قدر مشى فيه كل شاب متحمس، ولعل نجاحك في تحقيق طموحاتك يؤخر عنك المراجعات التي تنكشف لك عن يقين، كما قال اقبال:

ليس يخفى على القلندر فكر    ساور النشأ ظاهراً أو خفيا

أنا عندي بكل حالك خبر          فبهذا الطريق سرت مليا

 لم يمهله القدر أكثر من ذلك، وبعد اسابيع قليلة 28/9/2007 تقدم منه شخص بكاتم صوت وقتله على مشهد من تلامذته على باب جامع الايمان بعد أدائه لخطبة الجمعة، وصرخ الفاتل إنني أثأر لإخوتي الذين سلَّمتهم للمخابرات، وتم القبض على القاتل وجرى تسليمه خلال أقل من ساعة لأجهزة المخابرات ولا يمكن الخوض بعد ذلك في مصيره إلا عبر تكهنات لا سند لها من الحقيقة.

بوفاته أسدل الستار على جانب هام من الدور السوري في العنف العراقي، وكانت الأمور قد تطورت تماما في أمريكا باتجاه وقف الأحلام التي دفع إليها اليمين الأمريكي لاقتحام سوريا والقضاء على نظامها البعثي، ولم يقم النظام بعد ذلك بإطلاق أبي قعقاع جديد.

ربما تكون هذه المطالعة كافية لرسم ملامح التخادم المؤكد الذي تتناوبه أنظمة الاستبداد والقمع مع التشدد الإسلامي، على الرغم من التناقض التام في الخطابين صيغة وأسلوباً وهدفاً وشعارات.

 *كاتب سوري -نائب سابق في البرلمان السوري