الأربعاء، 30 أبريل 2014

المالية الاسلامية بالمغرب: حصيلة وأسباب فشل المنتجات البنكية البديلة


المالية الاسلامية بالمغرب: حصيلة وأسباب فشل المنتجات البنكية البديلة

في سياق الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي منذ 2007؛ يستعد النظام البنكي المغربي لاستقبال البنوك" التشاركية" التي المنتظر أن تكون منتجات بنكية موافقة لضوابط الشريعة غير أن المغرب، ومنذ 2007 عرف ظهور منتجات بنكيةعرفت بالمنتجات البنكية البديلة (مشاركة، مرابحة وايجارة). يتناول هذا المقال تطور هذه المنتجات البنكية بالمغرب، قبيل انطلاق البنوك التشاركية. ويهدف إلى إبراز حصيلة و أسباب فشل هذه المنتجات بعد خمس سنوات من تسويقها، بالإضافة إلى ذلك ينشد المقال تفصيل أهم المعيقات التنظيمية وكذا مصادر الخلل التي حالت دون انطلاقة جيدة لهذه المنتجات، في هذا الصدد تمت احاطة المنتجات البديلة بجملة معيقات بغية جعلها باهظة الثمن، منها ماهو جبائي تنظيمي وماهو مرتبط بالأبناك ذاتها. الشيء الذي جعلها غير تنافسية و لاتخضع لشروط النجاح في السوق البنكي وبدون جدوى لدى المستهلك المغربي.
نهدف من وراء هذا العمل ايضا، محاولة إعطاء نظرة تعددية شاملة حول تجربة المنتجات البديلة من خلال رصد سلوكيات كافة المتدخلين و الفاعلين المؤسساتيين وكذا البنوك تجاه هذه المنتجات، الشيء الذي سيمكن القارئ من وضع تصور لمستقبل البنوك الإسلامية بالمغرب. وقد لامسنا في هذا العمل الاجابة عن عدة تساؤلات حول هذه المنتجات :هل كانت مطابقة للشريعة ماهي حصيلتها بعد 6 سنوات من الإنطلاق؟ هل عرفت النجاح المنشود ؟ وفي حالة الفشل ماهي أسباب هذا الفشل ؟ وهل هي مطابقة فعلا لضوابط الشريعة ؟ هذه بعض الأسئلة التي حاولنا الإجابة عنها ضمن هذا التحليل. كما بينا كيف لم يعلم المغاربة بهذه المنتجات رغم وجودها في السوق منذ سنوات ؟
يرتكز تحليلنا على ثلاث نقط أساسية : كمحور أول، سنتناول المعيقات والحواجز التنظيمية التي حالت دون بروز هذه المنتجات بعد إقرارها سنة 2007؛ بعد ذلك في المحور الثاني، حاولنا رصد سلوكيات الأبناك تجاه هذه المنتجات . بينما يتناول المحور الثالث المعيقات السياسية، التجارية والجبائية والتي أفضت إلى غلاء هذه المنتجات مقارنة مع نظيرتها في البنوك التقليدية. من اجل الإجابة على الفرضيات السالفة الذكر، بنينا هذا العمل على تحليل القوانين المنظمة لتسويق هذه المنتجات كما اعتمدنا على المقالات والمحاضرات التي تناولت المالية الإسلامية بالمغرب. كما استقينا معلومتنا من بعض الخبراء كالدكتور عمر الكتاني بالإضافة إلى خلاصات ونتائج بحثنا النهائي للحصول على شهادة الماستر حول أفاق المالية الإسلامية بالمغرب. انطلاقا من المصادر والمعطيات السابقة، حاولنا تفسير أسباب الخلاصات والنتائج التي خلصنا إليها في هذا البحث.
البداية الاولى للمالية الإسلامية بالمغرب، ظهرت بمحاولة بنك الوفاء-في بداية التسعينيات- تسويق ثلاث منتجات بنكية موافقة للشريعة غير أن بنك المغرب ماطل لعشرين سنة فقط لدراسة جدوى هذه المنتجات، بعد ذالك في سنة 2007، أصدرت السلطات المالية –بنك المغرب- الدورية رقم 2007/G/33 المنظمة لتسويق ثلاث منتجات بنكية جديدة هي المرابحة، المشاركة والإيجارة ونصت الدورية على عدم ربط هذه المنتجات بالعلامة الإسلامية من قريب أو بعيد في الحملات الإشهارية وكذا عند شرحها للزبون. في البداية استجابت ثلاثة بنوك لهذا العرض : البنك الشعبي، التجاري وفا بنك والبنك المغربي للتجارة الخارجية وبعد ذلك في 2010، أوجدت مجموعة التجاري وفا بنك مؤسسة قائمة الذات متخصصة في تسويق المنتجات البديلة فقط تحت مسمى دار الصفاء.
بعد ست سنوات من وجودها في السوق، تبقى حصيلة هذه المنتجات جد متواضعة، إذ لم يتجاوز رقم معاملتها 1 مليار درهم إلى حدود نهاية 2013 أي مايعادل 0.1% من الموجودات البنكية في نفس السنة. هذه المنتجات لم تكن معروفة لدى المستهلك المغربي، وحتى الذين تعاملوا بها يشتكون من غلاء ثمنها وضعف جودتها وعدم يقينهم من مدى مطابقتها لأحكام الشريعة.
على ضوء هذه النتائج الأولية، رصدنا عدة معيقات حالت دون انطلاقة جيدة للمنتجات البديلة : فمن جهة فرضت الدورية المنظمة لتسويقها ضريبة تعادل %20 على القروض البديلة بينما لا تتجاوز %10 بالنسبة للمنتجات البنكية التقليدية. بعد ذلك تم تخفيض نسبة الضريبة بنسبة %10 على قرض المرابحة فقط. من جهة اخرى تحسب الضريبة على أساس المبلغ المقترض كاملا في حين لا تمس سوى هامش ربح البنك -الفوائد- في المنتجات التقليدية. أكثر من ذلك يلزم الزبون دفع الضريبة دفعة واحدة رغم أنه لم يستحوذ على المبيع بشكل نهائي عكس القروض التقليدية حيث تؤدى الضريبة فقط على الفائدة المضمنة في الدفوعات الشهرية.
فيما يخص الضريبة على الدخل، حرم المتعاملون بالمنتجات البديلة من إمكانية استرداد %10 من الضريبة المستحقة على هامش ربح البنك المؤدى من أجل اقتناء المبيع حين احتساب الضريبة على الدخل، مما يجعل قاعدة الحساب الجبائي أكبر من نظيرتها في إطار القروض التقليدية.
في إطار منتج إيجارة واقتناء في نهاية العقد ،يمكن لمستهلك أن يطرح l(القيمة المتبقية للمنتج ( أي %1 من القيمة الأولية في حين يستفيد المقتني للمنتج ذاته في إطار قرض ربوي من إمكانية طرح الكلفة الأولية كاملة قبل احتساب الضريبة.
كخلاصة أولية، ساهمت التدابير الجبائية على المنتجات البنكية البديلة في ارتفاع الثقل الضريبي عليها مما ادى إلى إثقال كاهل الزبناء الأوائل لهذه المنتجات، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع ثمن هذه المنتجات البنكية . وذلك عكس تجربة الدول الإسلامية الاخرى التي شجعت هذه الصيغ التمويلية بتحفيزات جبائية كالإعفاء في السنوات الخمس الأولى لولوج السوق البنكي .
فيما يخص البنوك، اظهرت الممارسة ان البنوك لم تبدي رغبة حقيقية لإنجاح هذه التجربة، يمكن تبرير هذه التوجه بعدة معطيات وسلوكيات، فقد فرضت هذه البنوك هامش ربح جد مرتفع يتراوح بين %30 و %40 عن قيمة المنتج الممول وكمقاربة غريبة، يلزم الزبون شراء عقد تأمين تقليدي محرم شرعا وذلك في غياب صيغة التأمين التكافلي و يلزم الزبون بأدائها دفعة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، يلاحظ صعوبة نقل ملكية المنتج لورثة الهالك في اطار القروض البديلة.
فيما يخص الإشهار، يلاحظ غياب الدعاية الإعلامية لهذه المنتجات، خاصة في الإعلام السمعي-البصري، والأدهى من ذلك وباستثناء دار الصفاء، يلاحظ غياب الملصقات الإشهارية داخل الوكالات البنكية. من جهة اخرى رغم كثرة البنوك المغربية، ثلاثة بنوك فقط، دخلت غمار تجربة المنتجات البديلة، وهو ما يظهر ضعف إقبال و البنوك المغربية تجاه هذه المنتجات.
كخلاصة مرحلية، حالت الاكراهات السالفة الذكر والصعوبات الناتجة عنها دون انطلاقة جيدة للمنتجات البديلة ودون بلوغها النجاح المنشود والاقبال من طرف المغاربة كما كان متوقعا؛ الشيء الذي أعطى إنطباعا سلبيا عن المالية الإسلامية لدى المستهلك المغربي رغم تحفظاتنا على شرعيتها من عدمه.
من أجل فهم هذه العوائق والفشل الذي واجهته هذه التجربة، يمكن تقديم عدة أسباب، كقوة لوبي الأبناك التقليدية وقدم تواجدها في السوق المغربية. وكذا غياب الإرادة السياسية الكفيلة بإنجاح تجربة المالية الإسلامية بالمغرب، مما أدى إلى إصدار قوانين كابحة لنجاح هذه المنتجات داخل السوق البنكي. كما أن الثقل الضريبي والتمايز بين المنتجات الكلاسيكية والبديلة، يطرح عدة أسئلة حول الجدوى من إطلاق منتجات بنكية مقيدة منذ البداية. من جهة اخرى، وعلى الرغم من أن نشاط البنوك الإسلامية ينبني أساسا على أراء هيئة الرقابة الشرعية للحسم في مدى مطابقة المنتجات المتداولة مع قواعد الشريعة، فقد كلف المغرب هيئة رقابية بالبحرين للنظر في مشروعية المنتجات الثلاث رغم توفر المغرب على عدة أطر شرعية وعلماء يمكنهم القيام بهذا الدور، وللمفارقة يشتغل عدد منهم بالبنوك الإسلامية عبر العالم بما في ذلك البحرين!!!
كان المغرب وعمان، من أواخر الدول الاسلامية التي أدمجت المعاملات البنكية –المفترض ان تكون-وفق ضوابط الشريعة الإسلامية، وذلك رغم النتائج الجيدة للمالية الإسلامية في العالم خاصة بعد الأزمة المالية العالمية لسنة 2007. هذا التأخر يعزى في المغرب، إلى تحفظات بنك المغرب حول هذه المنتجات، إذ رفض والي بنك المغرب في سنة 1993 مشروع بنك الوفاء لتسويق ثلاثة صيغ تمويلية إسلامية. كما رفض الطلبات المتكررة للبنوك الإسلامية خاصة الخليجية بحجة المحافظة على الاستقرار المالي للبلاد، ليعود خلفه في سنة 2007، ويؤكد على أن المنتجات البديلة ستساهم في رفع نسبة البكننة و ستجلب رساميل أجنبية مهمة.
في الجانب الاخر، يمكن التساؤل عن هدف الابناك من إطلاق منتجات باهظة الثمن، رغم أن قوانين التسويق تحتم العكس. كما هو معروف، وعلى ضوء تجربة الدول الإسلامية، أن إطلاق وإدماج المالية الإسلامية في السوق الكلاسيكية غالبا، مايتم بتحفيزات حكومية خاصة في السنوات الأولى للتجربة، عن طريق إعفاءات ضريبية ومرونة في التشريعات التنظيمية، وهو ماغاب في تجربة المغرب .من جهة اخرى، بررت البنوك هذه التكلفة بالأخطار المرتبطة بهذه المعاملات، لكن الواقع يظهرالعكس، فقد ركزت البنوك عرضها على منتجي المرابحة والإيجارة، هذه الأخيرة حصرت أساسا في تمويل العقار والإستهلاك حيث تنعدم المخاطرة بحضور ضمانات قارة للبنوك ( الرهن العقاري ،الأجرة ،التأمين ...) فيما يتشارك عقد الإيجارة واقتناء مع عقد الإيجار التقليدي في المخاطر.
بالإضافة إلى ذلك، نص القانون البنكي المنظم لهذه المنتجات على عقد ثلاثي الأطراف، يشمل : البنك، الزبون والممون أو المنعش العقاري، هذا الأخير يتحمل جميع الأخطاء والعيوب المكتشفة لاحقا على المبيع، مما يطرح إشكال حول المخاطر الحقيقية التي تتحملها البنوك في هذه الصيغ التمويلية، خاصة إذا علمنا أن المالية الإسلامية تنبني بالأساس على الغنم بالغرم اي الربح بالمخاطرة وتحمل الخسارة.
يظهر مما سبق أن البنوك التقليدية، نجحت في إفشال تجربة المعاملات البديلة بالمغرب، من خلال جعلها باهظة الثمن. وذالك من أجل المحافظة على أرباحها في السوق البنكي بالمغرب.
وبشكل عام، فلقد تركت هذه التجربة وقعا سلبيا لدى المغاربة، عن المالية الإسلامية بكونها منتجات معقدة المساطر وعالية التكلفة مقارنة مع نظيرتها التقليدية. ومما لاشك فيه أن هذه النتائج السلبية والمخيبة للأمال لا ترتبط بالنظام المالي الإسلامي بقدر ماهي مرتبطة بالقوانين والسلوكيات التي نظمتها في صيغتها المغربية. كم يمكننا القول بأن المنتجات البنكية البديلة بديلة فعلا، ولكن للمنتجات البنكية الاسلامية اي انها لا تعدو ان تكون منتجات بنكية كلاسيكية بغلاف اخر.
مما يدعونا إلى التنبيه على أن الخطابات وحدها لا تكفي لإنجاح المالية الإسلامية بالمغرب، وإنما الاستجابة لضرورة مجتمعية مرتبطة بحاجيات اقتصاديه اجتماعية ومالية مما يفرض التعاطي ايجابيا خارج منطق القيود السالفة الذكر لانجاح هذا الورش الطموح وهو ماسنتطرق له في قراءتنا الأولية لمشروع الابناك التشاركية ومدى تداركه لهذه المعيقات و الحواجز لتحفيزه لهذا النموذج التمويلي، الذي لطالما انتظره المغاربة.
*باحث في المالية الاسلامية بالمغرب

الثلاثاء، 29 أبريل 2014

الفاتح العثماني الجديد

                                             امين قمورية كاتب وصحفي لبناني/جريدة الصباح العراقية
 سقط رهانه في سوريا، تورط بفضائح فساد مدوية، خرجت ضده تظاهرات حاشدة في قلب معقله اسطنبول، فشل في محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خسر ابرز شريك اسلامي له هو الداعية فتح الله غولن، لم يحقق تقدماً في المفاوضات القبرصية، لم يخطو أية خطوة لصالح التتار الاتراك في القرم، كمم الأفواه، قمع الخصوم، عاقب وسائل الإعلام، أغلق مواقع التواصل الاجتماعي، زج بأبرياء كثر في السجون.. ورغم ذلك كله استطاع الفاتح العثماني الجديد الحفاظ على شعبيته.
أردوغان تمكن من عسكرة كتلته الشعبية، فلديه دوماً عدو ما يخوف به أنصاره ويشد من عصبهم للبقاء ملتفين حوله، ولديه قاموس غني جداً جداً بالأعداء؛ فهناك العلمانيون الذين يصورهم بأنهم فاسقون، وهناك ما يسميه بـ"لوبي الفوائد المصرفية" ويدعي ان الأغنياء الكبار يريدون خلق الاضطرابات وإثارة البلبلة لخفض سعر الليرة التركية ورفع مستوى الفوائد في المصارف بهدف خلق كتلة من التضخم النقدي تصب في جيوبهم، وهناك اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بعدما صور نفسه مدافعا عن القضية الفلسطينية. ومن الأعداء أيضاً إيران، حيث اتهم إعلامه إيران بالوقوف إلى جانب جماعة غولن بسبب "غيرة العجم من نجاحات الترك" على حد تعبير هذه الوسائل.
ومن الأعداء ايضا الضباط الذين اتهمهم بـ"الوقوف ضد الخيار القومي للأمة"، و"عصابة أرغنكون" العلمانية العسكرية المتهمة بمحاولة الانقلاب على الحكومة، وهناك أيضاً وأيضاً الصحافيون الذين يتهمون بتدبير الأرضية الإعلامية للانقلاب على الحكومة. وهناك كذلك الأوروبيون "النزقون" الذين تزعجهم نجاحات تركيا العالمية. وانضمت اخيرا إلى هذا القاموس "الدولة الرديفة" أو "الدولة الموازية"، وهو التعبير الذي يطلقه أردوغان على جماعة الداعية غولن ، وينعتهم بالحشاشين.
لقد استطاع أردوغان أن يقنع أنصاره بوجود كل هؤلاء الأعداء الذين يتربصون به، واقنعهم بشكل بارع بأنه الضحية، واستفاد من ضعف المعارضة وتشتتها وغياب القوى الوسطية المعتدلة ليضرب ضربته القاصمة ويعود مزهوا بانتصاراته على رأس السلطة.
بعد "الصفعة العثمانية" التي وجهها الى معارضيه، بات اردوغان طليق اليدين في الداخل والخارج بفضل ما يعتبره تفويضاً شعبياً له ولسياساته. بعض رفاقه الذين كانوا يضمرون رغبتهم بسقوطه من اجل وراثة الحزب والزعامة الاسلامية في تركيا سيعودون اليوم الى بيت الطاعة مكسوري الجناح، والمعارضة العلمانية التي تبخرت من يدها فرصة استعادة السلطة في ذروة حرب الفضائح التي فتحت على الحكومة، لا بد لها ان تجهد كثيراً للملمة صفوفها قبل الاستحقاقين الانتخابيين التاليين، فالتعبئة المذهبية التي سعّر نارها حزب اردوغان في اللحظات الحرجة كانت أشد وقعاً في نفوس الناخبين من روائح الفساد والرشى. مع العلم ان هذا التحريض سيف ذو حدين، فقد دفع النافخون فيه اثماناً باهظة عندما ارتد عليهم لاحقا وخصوصاً في جوار تركيا من العراق الى سوريا الى
 لبنان.
انباء انتصارات اردوغان في انقرة واسطنبول لن تسر المقيمين في قصر المهاجرين بدمشق ولا المشير الذي يستعد للاقامة بقصر الاتحادية بالقاهرة ولا آخرين في عواصم كثيرة. أردوغان خيب توقعات المحللين ومنجمي السياسة والاعلام بالفوز الكبير لحزبه في الانتخابات البلدية. كان الجميع يتكهّنون بحجم الخسارة التي سيمنى بها في هذا الاستحقاق المفصلي. صار السؤال هو: ما هي الخطوة التالية لشاغل تركيا والاقليم منذ عشر سنين: رئاسة الجمهورية بصلاحيات واسعة، أم تعديل دستوري يتيح له ولاية رابعة في رئاسة الوزراء؟، وما هي خططه لمعارك مقبلة؟.
الشرق الاوسط، نبع مفاجآت لم يتوقف منذ ثلاث سنوات. من تداعي حكم مبارك وبن علي والقذافي وعلي عبد الله صالح، الى العزل المبكر لمرسي والصعود السريع للسيسي والفوز المدوي لروحاني والبقاء المديد للاسد، ويضيف اردوغان مفاجأة جديدة الى المسبحة الطويلة من المفاجآت. ومع كل مفاجأة يتغير معطى وتنقلب معادلة ويرتسم مشهد سياسي مغاير لما كان اعتيادياً.
عودة اردوغان مزهواً الى الساحة السياسية، تعطي جرعة تفاؤل لأنصار الاسلام السياسي بعد النكبة التي حلت بـ"الاخوان" بعزل مرسي صديق اردوغان ورديفه المصري وقد تجلب متاعب اضافية للسيسي الطامح الى حكم بلاد النيل. أما نظام دمشق فيكبر قلقه بعد المكاسب التي حققتها المعارضة في كسب وريف اللاذقية المحاذيين لتركيا وبدعم واضح من انقرة واصرار منها على مواصلة الحرب.
الزعيم العثماني المجدد له يخوض حروبه المقبلة في الداخل والخارج متسلحاً بتفويضين: الاول شعبي محلي، والثاني اميركي اوروبي أملته ضرورات ازمة القرم بين روسيا والغرب، ذلك ان تركيا التي تتحكم بالبحر الاسود خروجاً ودخولاً هي الدولة الوحيدة التي يمكنها التحكم بقدرة روسيا على الوصول الى البحر الابيض.
ما هي المفاجأة التالية وفي اية عاصمة ستدوي؟ الارجح ان الجواب قريب تبعاً للعادة الجديدة في الشرق
 الاوسط!.


 *  

الأحد، 27 أبريل 2014

شكر الله سعيكم


                                       عبدالناصر بن عيسى/جريدة الشروق اون لاين الجزائرية
 
     من غير الإنصاف، أن لا نعترف بعبقرية النظام الجزائري على مدار نصف قرن، الذي ما عاد يخوض موقعة إلا وخرج منها منتصرا، وبالضربة القاضية، ولن نبالغ إذا قلنا أن النظام حلّق عاليا بسرعة البرق بعيدا عن الشعب ومشتقاته من معارضة ودعاة مقاطعة وما شابه ذلك، بسنوات ضوئية، إلى درجة أنه قدّم مسرحية انتخابية فيها من الدراما والكوميديا المدهشة، فنقل المواطنين بكل أطيافهم ومن دون استثناء، من مقاعد التفرّج إلى خشبة المسرح، كل منهم يؤدي دوره بإتقان، بين محايد ومقاطع ومتظاهر في الشوارع وكاتب لرسائل التنديد ومقدّم لتصريحات صحفية شاجبة للعهدة الرابعة، في تناسق، بيّن أن مخرج النص، فاهم لإمكانات كل الممثلين، الذين قدّموا للعالم فصولا متناسقة في رواية كادت أن تكون طبق الأصل لما يحدث في أوربا، إن لم تكن أكثر إتقانا.

    ومن غير الإنصاف أن نلوم الشعب الذي اختار ما يسميه هو الاستقرار قبل أن يسميه النظام، لأن غالبية الشعب يعيش "دلالا" لا يمكن أن يعيشه في زمان آخر أو مكان آخر، ولو جاء الأمريكيون والسويديون إلى الجزائر لاختاروا العهدة الرابعة وما بعدها، مادام النظام تنازل عن مطالبة الشعب بواجباته، وترك لكل من أفراده حرية البحث عن حقوقه، فاستنسخ النظام في الشعب مثيلا له، فهو يستخرج ما في باطن الأرض من خيرات، ويبيعها للدول الصناعية، ويفرق على الشعب جزءا منها، في أجواء صارت مرتبطة بالكماليات فقط، وأجمع الشعب على أن الجزائريين صاروا شبه سكارى، يعيشون في شبه فندق مدى الحياة مدفوع التكاليف من نوم وإطعام وفقط، ولن نبالغ إذا قلنا بأن بعض الجزائريين صاروا يعيشون في جنة الأرض، لا يعملون ويمتلكون من كل الخيرات، ولن نبالغ إذا اعترفنا بأن عددهم ليس قليلا، وسنكون صادقين عندما نقول بأن التسوّل في الجزائر صار يدرّ الثروات. والذي يعيش في ما يشبه الجنة، لن يطلب غيرها.

     والحقيقة التي رفضها من يسمّون أنفسهم معارضون، هي أن الشعب الجزائري على خلاف كل الشعوب، لم يطلب أبدا بالتغيير، ولو طلبه فعلا لبدأ بمحيطه، وهو راض بهذا اللاشيء الذي رفع عنه قلم الواجب، ومنحه فسحة طلب الحقوق.
ولن نكشف سرا لو قلنا، بأنه في أوربا لو توقف أي طبيب أو مهندس عن العمل بطواعية، لمدة شهر لمات جوعا، أما في الجزائر فيوجد أناس، لم يعملوا منذ عقود ويعيشون مثل السلاطين.

   لقد تمكن النظام بعبقرية نادرة، من دون أن يبذل أي جهد، من تقديم مشهد انتخابي أكثر بريق من المشاهد الأصلية، ونكاد نجزم أنه لو رشّح الرئيس الراحل هواري بومدين للانتخابات وهو راحل عن دنيانا، لحقق مراد النظام، وفاز بالنسبة التي يريدها، ولو رشح تمثال الأمير عبد القادر بالعاصمة لفاز بالنسبة المريحة أيضا، حتى وإن كان البعض يرى أن عبقرية الفرد لا تكون إلا في غياب الآخرين؟

الجمعة، 25 أبريل 2014

ابْنُ الحَرام..أو عندما تنكسر وتتطاير شظايا الأنا !!


بقلم : فاطمة الافريقي /كاتبة وصحفية مغربية
كنتُ نسخةً طبق الأصل منه، أو أكاد أكون، خصوصا حين أضحك، كنت أشبهه جداًّ، الكل كان يقول ذلك منذ كنت طفلاً، إلاَّ هوَ، فقد كان مصراًّ على إنكار أبوته لي أمام الجميع.
كان رجلا جذابا، لم تقدر أمي البهية على مقاومة سحر نظراته إليها كلما مرت من أمام ورشته وهي عائدة من معمل الخياطة، كان صدى تنهيدته الملتهبة يتسلل بين عروقها كمخدر، أُغرمَ بها مع سبق الإصرار، أغرمت به بدون أن تمتلك سلطة القرار، التقيا كثيرا في الحدائق، شربا شايا في مقاهي الضاحية، عاهدها على الزواج على رمل البحر، تشابكت أكفهما تحت الظل، فاستسلما كأي بشر للهيب الشهوة، وذاقا معًا وبنفس القَدْر من فاكهة الحبِّ المحرمة.
وكأي رجل نذل، تنكرَّ لوعوده المعسولة حين انطفأ لهيب العشق، ترك أمي مكسورة ومليئة بالثقوب، ومضى دون أن ينتبه إلى وجود روحي غير المرئية بين أحشائها، كنت هناك في بداية التشكُّل كورم خبيث.
وككُلِّ حكايات الحب المحرَّم، خرج هو ناصع البياض من المغامرة اللذيذة، وتلطخت أمي بالفضيحة.
وككُلِّ الرجال، ظل هو بريئا، وأدان المجتمع أمي.
وككُلِّ المظلومين على هذه الأرض، بقيت أنا، ذلك الولد غير المرغوب فيه الذي يدفع حساب الرغبة المسروقة التي اقترفها رجل وامرأة قبل أن أولد.
هكذا نحن الرجال، أو بعضنا، أو ربما جُلُّنا؛ نراود النساء بكل مغريات العشق، نخدرهن بعسل الكلمات، نقبل أكفهن كأميرات، نغرقهن بالورد الأحمر، نذوب أمامهن من لوعة الشوق، نعدهن بعرس أسطوري، نهيئ بمكرٍ طقوسا رومانسية للقبلة الأولى، وحين يستسلمن لنا في لحظة ضعف إنساني، لا نغفر لهن زلة السقوط.
وهكذا كان أبي، أقصد، هكذا كان الرجل الوحيد الذي لمس أمي في الحياة، لم يتقبل أن يرتبط بامرأة سلمته نفسها بلا عقد زواج، اعتبرها امرأة ساقطة وسهلة وملكا مشاعا، في الوقت الذي كانت أمي تؤمن بكل سذاجة بقدسية الحب وسموه الروحي على الأوراق الشرعية.
أمام هيئة المحكمة، كان مزهوا بنفسه وهو ينكر الحب ويعترف بالزنا، «نعم عاشرتها بإرادتها»، قال للقاضي: «نعم مارسنا الفساد، لكن هذا الطفل ليس ابني»، هذا ما قاله أبي المفترض بصوت عال وهو ينظر إلي بعينيه العسليتين.. كم تشبهان لون عينيّ! لاحظت ذلك لما أختلست النظر إليه وأنا أجلس مكوماً بجوار أمي بقاعة المحكمة.
بعد سنين بطيئة من التيه بين قاعات المحاكم، يبدو أنني لم أعد ولدا مجهول النَّسب، لقد أنصفني القضاء بعد أن أثبتت التحاليل الجينية أنني فعلا ابنه البيولوجي، أصبحت بقوة القانون أحمل اسمه العائلي، وأصبح يمنحني نفقة شهرية، لكنه لن يقدر على منحي الحب ولن أقدر أنا أيضا.
رغم كل الحب الذي أكنه لأمي، لم أقدر أن أغفر لها خطيئة وجودي.. ليتها أجهضتني، ليتها شربت أعشابا سامة لأصير قطعا من دم يتقيؤها جسدها كالفضلات، ليتني كنت جثة في قمامة أو وجبة للكلاب، ليتني لم أعرف، ليته لم ينكر، ليتها انتحرت، ليتني لم أكن، ليتنا كنا الثلاثة في مجتمع آخر يقدر الإنسان لأنه وُجد، ولا يحاسبه عن كيف وُلد.
ربما صِرت اليوم ابن أبي على الأوراق الرسمية، لكن هذا لم يغير من عمق إحساسي بالمهانة، لقد ظلت أمي في عيون الناس زانية، وسأبقى في نظرهم دائما «ابن الحرام».

الخميس، 24 أبريل 2014

وادا كانت الطائرة الماليزية لم تقلع اصلا ولم تغادر المطار؟



لغز محير حقيقة لغز الطائرة الماليزية "إم إتش 370"، التي اختفت خلال رحلتها من كوالالمبور إلى بكين في الثامن من مارس آذار الماضي وعلى متنها 239 شخصاً ولم يظهر لها أي اثر  رغم الأبحاث المضنية  التي أجريت من طرف جهات  دوليه متعددة  ـ هدا اللغز يطرح سؤالا محيرا  يضع  ثورة الاتصالات على المحك , لاسيما فيما يخص شقها المخابراتي . وفي سماء تعج بالأقمار الصناعية للدول الكبرى التي تعمل على مدار الساعة , والتي تمكن من رصد ما يجري على سطح الأرض بدقة متناهية.  وفي منطقة حساسة وإستراتيجية تعتبر عش دبابير,  تتصارع فيه اعتي وسائل التجسس.
     فكيف  تختفي طائرة بحجم بوينغ ضخمة في شبكة العنكبوت ا لاستخبارية هده  دون أن ترصد وتحسب كل حركاتها و مسارها بدقة. ويدفع تغير مسارها عن المألوف  المجسات الحمراء إلى الوميض . وتزعق منبهات مراكز التجسس ليهرع  كل خلد إلى مقعده ,  ليتتبع مسار هده الطائرة المارقة, تحسبا لأي طارئ قد يهدد الأمن القومي المفترض لبلدانهم.  لاسيما بعد لدغة 11 شتنبر  التي  جعلت الأمريكان  يخافون من الحبل .
    لاشك ان كبار هدا العالم يعرفون مصير الطائرة المفقودة ويعرفون أسباب ومكان سقوطها . لكن ما الذي يجعل الأقمار الصناعية الخاصة تخرس ولا تشي بالمعلومات الملتقطة ؟ هل أسقطت الطائرة من طرف إحدى البوارج الحربية عن طريق خطأ جسيم غير مقصود ,  لا سيام وان هناك حوادث إسقاط طائرات عن طريق الخطأ حدثت  في السابق .  أم ان الطائرة زاغت عن سيرها ودخلت مجالا عسكريا تجرى فيه تجارب كهرومغناطيسية عطلت كل أجهزة الطائرة وجعلتها تسقط  لتستقر في  أعماق المحيط الهادي .
 المؤكد أن حادث اختفاء الطائرة الماليزية فتح شهية أصحاب الخيال الواسع إلي بز مؤلف كتاب ألف ليلة وليلة في نسج قصص تسمح بالحلم في اليقظة.  كقصة اختطاف الطائرة من طرف مخلوقات فضائية آو اختطافها والهبوط بها في احد مطارات القاعدة  السرية  بأفغانستان. ومنهم من تساءل بمكر هل الطائرة ا قلعت فعلا  عن الأرض  ؟ فادا عجزت الدول العظمى  أن تعرف مصير طائرة ركاب اختفت في زمن ثورة الاتصال و تحت أعين مئات الأقمار التي لا شغل لها سوى التجسس علينا٫ فمن حق أصحاب الخيال الواسع ان يركبوا خيالهم و يتكهنوا بما شاءوا.   و ينسجوا ما راق لهم من قصص.
                                                             موسى المصلح

الأربعاء، 23 أبريل 2014

حرب المساجد في اليمن السعيد


                                                  د. حسين العواضي - جريدة الثورة اليمنية 

   صنعاء التي يطرب لاسمها الفؤاد .. غاية القصد والمراد، مدينة المحبة والوئام والسكينة والسلام, مدينة القباب البيضاء الشاهقة والمآذن السامقة والمساجد العامرة, مدينة النور والضياء والقلوب النقية الطاهرة. إلى قريب كانت مساجدها الباهية المهيبة تفتح أبوابها لكل زائر ومقيم وعابر وغريب, لا تنظر إلى لونه ولا لهجته, لا تقيس طوله ولا عرضه, والأهم أنه لم يكن يشغلها إن أطلق يديه.. أو ضمها, هذا شأنه وتلك صلاته التي يتقرب بها إلى خالقه. وفي كل مسجد كانت المنازل الصغيرة الأنيقة يقطن بها طلاب العلم والمعرفة من أرجاء الوطن... بلا تصنيف أو تعنيف.. الجيران لا يبخلون..بما طاب وتوفر من الملبس والغذاء. ومن منارات المعرفة الزاهية تخرج علماء.. وأدباء وشعراء وفقهاء الأبرز بينهم الأديب الكبير والراحل الأثير والمبصر الشهير عبدالله البردوني الذي نسيته جائزة نوبل للآداب وذهبت لمن لا يستحق.

   صنعاء مدينة قريبة أليفة بها في كل حارة ساحة للشبان ومقشامة وبستان ومسجد وحمام, كانت من أنظف مدن العالم وأكثرها دهشة في الهندسة والعمران. ذات صباح عبرت أزقتها المدهشة سائحة كندية باحثة وعالمة آثار معروفة صرخت بحرقة وحزن وهي ترى المدينة تغرق في أكياس القمامة. هؤلاء البشر الجاحدون لا يعرفون قيمة المدينة التي ينتمون إليها, لا يدركون كم هي غالية هذه الجوهرة المطمورة, لو أني من سكانها لاستيقظت كل صباح لأمسحها برموش عيوني. صنعاء التي حوت كل فن كانت إلى قريب مدينة نظيفة, مرحة, منفتحة, متدينة ولكن بنظام على رأي الأستاذ الحلبي رحمه الله. مدينة متعايشة مع الآخر لا تعرف الحقد والخصومة, تمقت التعصب والتطرف وتنبذ البغضاء والكراهية.

   هذه كانت صنعاء قبل أن تشتعل فيها حرب مساجد، ضاقت السبل بتجار الحروب وصناع الأزمات, قضوا على الأخضر واليابس ولم يعد لصراعاتهم من متسع غير مساجد صنعاء البريئة المهادنة.

تنطلق حروب المساجد لتنذر بعواقب وخيمة، ونتائج خطيرة, سكان حارة مسجد القبة الخضراء يصلون على الرصيف ومسجد الحرقان مغلق بأقفال التعصب والعناد ومساجد أخرى يجري تصنيفها، وتأميمها.. وإغلاقها أمام صمت رسمي مريب.
طارت العقول.. وبرز التعصب بذهول ولن يبعد الوقت حتى تطلى المساجد بالألوان.. وترفع على مشارفها الرايات والأكفان. 
هذا مسجد زيدي وهذا جامع شافعي انتبه في الحارة إمام حوثي.. وفي الجوار معهد سلفي, هذا جامع إصلاحي، وهذا مسجد إسماعيلي, ورب العرش انها لمصيبة عاصفة، وبداية مدمرة للأمة.. وللسلم الاجتماعي الذي نفد رصيده، وكثر خصومه.

  ولا تندهشوا يا حضرات الرياضيين إن وجدتم غداً ملصقا أبيض.. وآخر أزرق هذا مسجد أنصار الريال.. وذاك مسجد أنصار برشلونة، وإن كانوا في ظل إدارتهم الفاسدة، ومدربهم الغبي سيصلّون هذا العام في الشوارع المظلمة. صنعاء المدينة التي يصنفونها من روائع التراث العالمي ستكون أول مدينة تنضب منها المياه، وآخر مدينة تجد فيها مسجداً محايداً مفتوحاً للصلاة.

أهل صنعاء (السلبيون) الأبرياء لا ذنب لهم فيما يجري غير أنهم بعد حين سيتوجهون إلى الضواحي للبحث عن مساجد آمنة, هذا خيار أول والثاني أن يهبطوا للصلاة في الدهاليز و(منك يا بيت الله). ونسأل بمرارة وبراءة.. أين علماء صنعاء الزاهدون المتنورون، وأين عقالها الغر الميامين؟ ألا يوجد بينهم رجل شجاع وشيخ مطاع يستنكر ما يحدث؟

   ثم أين الجهات المختصة والمسؤولة؟ ولماذا تتفرج, مثلنا عاجزة, رخوة، صامتة، تترك المساجد والمنابر للمتطرفين، والمتعصبين الذين يقودون البلاد إلى الهاوية؟
لا حول ولا قوة إلا بالله، الكهرباء طافية، والبترول معدوم. والأمن مفقود، ونذهب إلى المساجد للصلاة والدعاء عسى أن يفرجها الرحمن الرحيم عن هذا الشعب اليتيم، فنجدها مغلقة بأقفال غليظة وسلاسل غريبة, لم تصنع في الصين ولكنها صنعت في دولة شقيقة ومسلمة.
ا                                                                                    لأربعاء, 23-إبريل-2014

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

انتم الملائكة .. ونحن الشياطين

ياسمين حلف/جريدة البلاد السعودية












ماذا لو كانت الجَنّة والنّار بأيدي البشر؟ أتظنون أنّ الجنّة ستمتلئ بالنّاس، وستخلو النّار من البشر؟
 نظرة قد لا تروق للبعض، ولكن لنترك لأنفسنا عنان الخيال، لنعرف ما نحن عليه من حال! لو كان
 الأمر كذلك، صدّقوني لمُلِئت النار عن آخرها بالناس، وخَلت الجنّة، إلا لمن كان بيده قرار دخول أو
خروج الناس منها، فرحمةً بنا كان الأمرُ بيد ربّ البشر دون سواه.
استغرب من حال الناس حولنا، الذين أخذوا وظيفة الله عزّ وجلّ، وقسموا الناس على أهوائهم، هذا
 سيخلد في النار، وهذا له الجنّة ونعيمها!، فكل واحد منهم يعتقد أنه دون البشر، يملك جناحين غير
مرئيّين أشبه بالملاك، ويرى من حوله شياطين من غير ذيل أو قرون، يعتقد أنه الوحيد بلا أخطاء،
وأنه المعصوم، الذي لا يأتيه الباطل من ورائه، ولا من خلفه ولا من بين يديه، وأن جميع الناس من
 حوله كفرة، عاصون، مذنبون غارقون في آثامهم حدّ الأذنين إن لم يكونوا قد غرقوا فعلاً وبحاجة إلى
 من ينقذهم من الهلاك.
عجبي من يتصيّد زلات غيره، وعن زلاته أعمى، ينصح ويزبد ويرعد في توجيه نصائحه وتحذير
غيره من يوم الحساب، وينسى أن النصيحة لا تكون بالفضيحة، وأنّه "لو كنت فظًا غليظ القلب
لانفضّوا من حولك"، يعتقد أن الناس كما كانوا قبل مئات السنين، ينخدعون بالمظهر، فينكّسون
رؤوسهم إلى كلّ من اتّخذ من لباس رجال الدين ستارًا، أو من الحجاب وقارًا يخفي ما لا يعلمه إلا
الله ستار العيوب، الناس لم تعد ساذجة، وصكوك الجنّة والنّار لو كانت بأيدينا - بأيدي البشر- لما خلق
 الله يوم الحساب، حيث تمحّص القلوب، ويجزي كلاً بنيّته وبما قدّمت يداه، فله وحده الحُكمُ لأنه الحَكم.
كفانا حكمًا على غيرنا، وكفانًا غرورًا بأنفسنا، فلا يعلم سرائر البشر، إلا الله جلّ جلاله، فحتّى عبدك،
 وخادمك، لا تقلل من شأنه، فلا تعلم قد يكون هو أقرب إلى الله منك، فلا تهزأ به ولا تحطّ من قدره.
وبدلاً من الانشغال بعيوب الناس، وغفلاتهم، انشغلوا بأنفسكم، وقوّموا من أخلاقكم، واتركوا محاسبة الناس لخالقكم وخالقهم.
ياسمينة: تأملوا جيدًا آيات الله عزّ وجلّ في مُحكم كتابه، في سورة "ص" عندم قال: "ما لنا لا نرى رجالاً
كنا نعدهم من الأشرار (62) اتخذناهم سخريًّا أم زاغت عنهم الأبصار (63) إن ذلك لحقّ تخاصم أهل النار(64) صدق الله العلي العظيم.












الاثنين، 21 أبريل 2014

الوحدة الترابية: وِجهة نظر في ملف مُحْتكر


الوحدة الترابية:  وِجهة نظر في ملف مُحْتكر
مرة أخرى، وفي ذات الشهر أبريل، تعلن حالة الاستنفار بنفس المناسبة: إعداد الأمين العام للأمم المتحدة تقريرا عن قضية الصحراء الذي جاء صادما لانتظارات المغرب. استنفار جسده تعيين سفير جديد لدى الأمم المتحدة، في إشارة لعدم كفاءة السفير السابق، كما جسدته تصريحات إعلامية لفاعلين سياسيين وأكاديميين كسّر بعضهم جدار المواقف الرسمية التي لا تتجاوز حدود المغرب، وجسده أخيرا تنقل الملك بشكل مفاجئ إلى حاضرة الداخلة لأداء صلاة الجمعة وتوقيع برقية تهنئة عبد العزيز بوتفليقة على فوزه بولاية رابعة في رئاسيات الجزائر.
مناسبة الاستنفار إذن هي صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة رصد تطورات النزاع في الأقاليم الصحراوية وتضمن إشارات لم تـرُقِ الدولة المغربية، ومنها التلويح باعتماد آلية أخرى غير آلية التفاوض لحل هذا النزاع، حيث ورد في الفقرة "94" ما نصه: "إن الفحوى هي التوصل إلى حل سياسي، وإن الشكل هو تقرير المصير. وأرجو من المجتمع الدولي، وبوجه خاص الدول المجاورة، وأعضاء فريق الأصدقاء، تقديم الدعم لهذا المسعى. وإذا لم يحدث، مع ذلك، أي تقدم قبل نيسان/أبريل 2015، فسيكون الوقت قد حان لإشراك أعضاء المجلس في عملية استعراض شاملة للإطار الذي قدمه لعملية التفاوض في نيسان/أبريل 2007.". وهذا يعني طرح مقترح الحكم الذاتي جانبا والإعداد لاستفتاء تقرير المصير.
لقد جرت العادة، في مثل هكذا نوازل أن يصم الإعلام الرسمي مسامع الشعب المغربي بعبارات الشجب والتنديد إلى درجة توقع دق طبول الحرب ضد من تسول لهم أنفسهم التفكير في مس الوحدة الترابية أم القضايا ومحط إجماع شعبي. وفي مفارقة عجيبة واستخفاف برشد المغاربة لا يكلف الإعلام الرسمي نفسه عناء إطلاع الشعب على مضامين هذا التقرير وما سبقه ليكون مادة توعية بما يتهدد وحدة المغرب الترابية وتعبئة لما تقتضيه تطورات الملف. هل عموم المغاربة يعرفون وضعية الأقاليم الصحراوية في القانون الدولي؟ هل عموم المغاربة يعرفون أنه لكي ينتزع المغرب ما يشبه اعتراف الاتحاد الأوروبي بمغربية صحرائه يستغل ثرواتنا السمكية في هذه الأقاليم إلى درجة الاستنزاف؟ وعلى غرار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، لماذا لم يتمَّ إطلاع المغاربة بفحوى الاتفاق الأخير مع الاتحاد الأوروبي في موضوع الصيد البحري والذي سُوِّق فتحا مبينا على أعداء وحدتها الترابية؟
مع كل أبريل يعود ملف الوحدة الترابية إلى نقطة الصفر، فتعلن حالة الاستنفار ويدعى المجتمع المدني إلى الاضطلاع بدوره تعريفا بالقضية ومنافحة عنها في المحافل الدولية وتفعيلا للدبلوماسية الموازية، وتلتمس الدولة المغربية تدخل "الأصدقاء" من صناع القرار في هيئة الأمم المتحدة تعديلا لعبارة أو تهذيبا لتوصية، ويأتي القرار الأممي فضفاضا عائما يبقي الأمور على ما كانت عليه، وترتفع الحناجر مهللة بالنصر العظيم، وتدبج التقارير الإعلامية في علو كعب الدبلوماسية المغربية ووزن الدولة المغربية في السياسة الدولية. الله أكبر.
هل إبقاء الوضع على ما هو عليه إنجاز ونصر مُـدَوٍّ، وهو بلغة كرة القدم تعادل بطعم الهزيمة على اعتبار أن المغرب يلعب في ميدانه وأمام جمهوره؟ أليس تمديد عمر النزاع تهديدا لمصالح المغرب وقبل ذلك استقراره؟ أليس في تأجيل الحسم تشويشٌ وإرباكٌ لمسيرة النماء؟
وحيث إن هذه القضية تكتسي من الحساسية والقيمة ما يجعلها أم القضايا في الخطاب الرسمي على الأقل، وحيث أضحى إخفاق تدبيرها في حكم القاعدة، وغدا النجاح استثناءً، وحيث إن هذا الملف كلف المغاربة الشيء الكثير بشريا وماليا وزمنيا، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة أن تأخذ القضية صفتها الشعبية على مستوى التدبير واقتراح مداخل الحل، إذ لا يُعقل أن يدفع الشعب فاتورة وحدته الترابية شهداء وغلاء معيشة وفرص تنمية ثم يقصى من الحق في إبداء رأيه في القضية. وعليه، كثرت الأصوات مطالبة بتقييم التدبير الأحادي للملف واحتكار النظام النظر في تطوراته، مثلما تطالب بفتح نقاش وطني دون خطوط حمراء بحثا عن بدائل لتدبير أثبتت عقود فشله وعدم جدواه.
في هذا السياق، سياق التقييم والنقاش الحر، نسجل:
1. الاستخفاف بوعي المغاربة بعدم إطلاعهم على تطورات الملف أولا بأول، ومن ذلك وضعية الأقاليم الصحراوية في الأمم المتحدة وإدراجها في اللجنة الرابعة التي تعنى بتصفية الاستعمار منذ 1963. السؤال: ألم تُجْدِ الجهود الدبلوماسية، ولم تفِد علاقات المغرب مع حلفائه الاستراتيجيين لزحزحة الملف من رفوف هذه اللجنة التي لا تبعث وظيفتها على الرضا؟
2. يعتبر ملف الوحدة الترابية سياديا بامتياز، يحتكر النظام تدبيره ولا يقبل أن يشارَك في "خراجه" السياسي، لكنه ـ النظام ـ لا يتردد في دعوة الهيئات السياسية والجمعوية مباشرة أو بالوكالة، حيث بادر الديوان الملكي خلال أبريل 2013 بمناسبة التلويح بتوسيع صلاحيات القوات الأممية لتراقب مدى احترام السلطات المغربية حقوق الانسان بالأقاليم الصحراوية لدعوة رؤساء الأحزاب السياسية جميعها وأخذ القوم زينتهم مصطفين أمام الكاميرات مجددين المواقف المبدئية من الوحدة الترابية التي لم تكن يوما محل مزايدة، فعَلا صخبٌ إعلامي بعث برسائل غير مُطمئنة للجبهة الداخلية على مسار ملف عمّر طويلا وشارف على عقده الرابع: 39 عاما.
3. مقترح الحكم الذاتي الذي قدم لحل النزاع والذي صُنِّف ـ حسب ما سُوق ويسوق من تصريحات رسمية ـ حلا واقعيا لم يتعد مستوى النوايا، إذ المفروض أن تتحول الجهوية الموسعة من مشروع واكب الإعلانَ عنه ضجيجٌ إعلامي إلى واقع يُرى ويقيم؛ تباطؤ في التنزيل أسهم في تكوين انطباع سلبي لدى المتتبعين للملف ككل وبرهن على عدم جدية الدولة المغربية في اعتماد الجهوية الموسعة.
4. فشل المقاربة التي نهجها النظام في تعامله مع ساكنة الأقاليم الصحراوية، فعوض أن يستهدف عموم الساكنة الصحراوية اختار التعامل مع شيوخ القبائل الذين استفادوا من الريع المخزني وجمعوا في زمن قياسي ثروات خيالية، في حين غرقت الفئات الشعبية في البؤس وفقر المهانة، فتولد لديها شعور بالغبن والإحباط وظفه دعاة الانفصال وصار لهم موقع قدم في الأقاليم الصحراوية؛ غبن وإحباط واستياء شرائح واسعة من أبناء هذه الأقاليم من النموذج الإنمائي المعتمد سجله التقرير الأممي في فقرته السابعة، حيث "أبرز وجود شعور بالإحباط ونفاد الصبر والظلم يرجع إلى جملة أسباب منها عدم الوضوح في سياسات الرعاية الاجتماعية..." قبل أن يخلص، واستنادا إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خريف 2013، إلى ضرورة اعتماد نموذج جديد "يتمحور بالأحرى حول ضرورات الاستدامة، والديمقراطية القائمة على المشاركة، والتماسك الاجتماعي، فضلا عن الحوكمة المسؤولة، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان...".
5. وتأسيسا على ما سبق، نقول: إن دمقرطة وتنمية المغرب، وليس الأقاليم الصحراوية فقط هما المدخل الآمن لحل هذا النزاع؛ دمقرطة تبني نظاما سياسيا يضمن الحقوق والحريات ويفرز منافسة سياسية حقيقية خدمة للعباد والبلاد يؤطرها دستور يعترف بالسيادة للشعب. وتنمية توفر أسباب الحياة الكريمة على أساس عدالة اجتماعية تعيد الاعتبار للانسان فيهب للعمل ويتنافس في البذل والعطاء.
دمقرطة وتنمية تبني اللحمة الشعبية وتقوي الموقف التفاوضي، فإذا المغرب قبل أن يكون صاحب حق في صحرائه تاريخيا، هو كذلك نموذج في الديمقراطية الحقة لا الصورية ومثالٌ في التنمية وتكريم الانسان مُغرٍ جذابٌ ومُفعمٌ للخصوم ورقمٌ معتبرٌ في السياسة الدولية. فعلى قدر الكساء تُمد الرِّجْـلُ، وعلى قدر قوة النظام السياسي في سلم الدمقرطة، وعلى قدر القوة الاقتصادية يكون للبلد وزن ولصوته آذان ولقضاياه مهتمون.
وإنه، وفي ظل تعثر مسارَيْ الدمقرطة والتنمية سيظل الموقف المغربي في هذا الملف ضعيفا، وسيعمر هذا النزاع طويلا ما لم ينجح المغرب في تغيير موازين القوى لصالحه ببناء نظام ديمقراطي شعبي وتحقيق نموذج تنموي يرى فيه المُغرر بهم من الصحراويين ملاذا آمنا ومستقبلا مضمونا رغدُ عيشه.
إلى ذلكم الحين، سيغدو شهر أبريل من كل عام كابوسا مزعجا وفزاعة مخيفة ترفَعُ في وجه الدولة المغربية قصد ابتزازها ومقايضة وحدتها الترابية بثروات الشعب ومقدرات البلد.
المصدر /جريدة هسبريس المغربية

الأحد، 20 أبريل 2014

نواب الخيبة..!


   خليل يوسف /الايام البحرينية 

عن أداء النواب نواصل الحديث.. لامناص من ذلك.. والمجال يتسع لكلام كثير ومرير..
حسبنا بادئ ذي بدء ان نذكر مجددا – لعل الذكرى تنفع – بان المتبقي من عمر البرلمان الحالي لاتتعدى شهرين، نحسب ان هذا وحده كاف لنواصل الحديث عن اداء النواب .. لعلنا نمضي وغيرنا على طريق تقييم التجربة البرلمانية.
نعلم بان الاداء البرلماني ظل مدعاة للكآبة، والغيظ والأسى.. ولكن ان يصل رصيد استفزاز النواب الى ما وصل اليه والى الحد الذي لايرون فيه بأن هناك رأي عام من الواجب ان يحترم، فذلك يدلل بما فيه الكفاية ان العمل البرلماني، بهذا الشكل، وهذا المستوى، وهذا الاداء، وهذه المخرجات هو في أبسط تحليل عمل عقيم..!، واذا كان هناك من يحسن الظن بالنواب او يعوّل عليهم في شيء خاصة وهم في النزع الاخير، فليتفضل ليشرح لنا ولغيرنا هذا الذي ليس بمقدور النفي ان ينفيه.. مما يحتاج الى شجاعة.. شجاعة الاعتراف بالخلل.. وشجاعة الاقرار بان الناس في هذا البلد يتحملون بصبر ومشقة تبعات هذا التهريج في المسرح البرلماني.. !!
 
نعم.. انه تهريج.. هذا الذي يمارسه بامتياز نواب كثر.. هل فكرتم في معنى «التهريج» في قواميس اللغة انه يعني فكاهة.. ويعني تشويش واضطراب وقول مايضحك.. انه ايضا يعني خلط وتجاوز وتجاهل للحدود.. والمهرج أيا

كان هو الذي يضحك الناس.. يقوم بحركات لاتعبر عن شيئ.. المهم ان يسلي الناس ويضحكهم ويزيل الغم والهم والكدر عنهم..
نوابنا يفعلون ذلك بامتياز، ودون تورية وجدناهم وفي العلن وبفجاجة لايتورعون عن شيء في سبيل ذلك، وبدأ بعضهم لا يدخر جهدا ولاطاقة من اجل امتاعنا خاصة حين ظهر لنا معظمهم وكأنهم لايفكرون إلا بأمر، ولايعترضون او يؤيدون إلا بأمر، و»لايبصمون» او يوقعون على بيانات إلا بأمر، ولايتخذون موقفا إلا بأمر، ولايعلنون عن استجواب إلا بأمر، ولايسحبون مشروع استجواب إلا بأمر، ولايعرقلون مشروعا الا بأمر.. هل تذكرون..
الاستجوابات.. او على وجه الدقة والتحديد مشاريع الاستجوابات والتي أذهلنا فيها ذلك الكم من مظاهر «الجعجعة» وكل مايعد «كارثة» في سياقات العمل البرلماني و»اغتيالا» لقيمة الاستجوابات وكأن هناك من دبر وخطط لالحاق الأذى بهذه القيمة والاستهتار بمقامها وبالمجلس..
 
النواب العباقرة، جميعا قديمهم وجديدهم.. كتلا ومستقلين.. وجدناهم في اكثر من مرة وبنبرة عالية وهم يشعلون الساحات بالخطابات الرنانة مهددين متوعدين بانهم سيمارسون دورهم الرقابي»كممثلين للشعب»..!!، مستمرين في اجترار الكلام عن استجواب هذا الوزير وتلك الوزيرة.. يكفي ان نتابع تلك الضجة حول مسرحية استجواب وزير المالية، وقبله مشروع استجواب وزير البلديات وقبله وزير المواصلات، وقبله وقبله وما آل اليه وضع مشاريع الاستجوابات هذه لكي نعرف ان نوابنا ومن دون تجن او تعسف على الوقائع كانوا ولازالوا في دائرة الكلام الهراء والسياسات الهراء.. والممارسات البرلمانية المفجعة، هذا اقل مايمكن ان يقال عن تلك الاطلالات التي فاجئنا بها النواب حول الاستجوابات التي بات واضحا انها اخضعت لوجبات دسمة من «الثرثرات» التي لاتسمن ولاتغني من جوع ولنيات مبيتة ومآرب تضمر شيئا واشياء وحسابات.
مثير حقا ان يحاول بعض النواب استصغار عقول الناس الى الدرجة التي ارادوا ان يظهروا لنا بان تلك «الجعجعة» انتصارات، وان الربح الخاص انجازات عامة، وان العبارات الجوفاء والجلبة والضوضاء دفاع عن الشعب، تمعنوا جيدا فيما قاله احد النواب حين تم سحب استجواب وزير المواصلات في الوقت الذي كان فيه اصحاب النواب يستعدون للضغط على زر التصويت.. قال: «ان المستجوبين وبكل امانة وثقة قرروا استرداد الاستجواب ليس خوفا ولاضعفا بل قوة وعزيمة لتعديل بعض محاوره..» ولاينسى النائب ان يلفت انتباهنا بقوله: «انهم اي النواب، رأو الالتفات لبعض القضايا الهامة والملحة وبان الرسالة التي يريدون ايصالها الى الحكومة قد وصلت».. ويضيف:»ان النواب لاينسون ان يؤكدوا احتفاظهم بحقهم في استخدام الاداة الرقابية في اي وقت يجدون فيه تقاعسا او تجاوزا في عمل الحكومة..»!
أيعقل هذا الكلام الذي يحتمي بالمصطلحات وعناوين من نوع احقاق الحق والقوة والعزيمة والمصلحة العامة والتمسك بالدور الرقابي وبان لامساومة عليه ولامجال للاجتهاد فيه، هذا الكلام لم يكن مقنعا، بقدر ما ليس بمقنع مسرحية استجواب وزير البلديات.. وهي المسرحية التي اظهرت وكأن الفشل فضيلة.. حين كشف بان هناك من النواب من يعرقل استجواب الوزير لاغراض انتخابية.. وبالتحديد بسبب مخافة دخول هؤلاء النواب مع صراعات مع وزير مسؤول عن وزارة خدمية مما يخشى معه ان تعطل طلباتهم ومشاريع دوائرهم ومن ثم لا يعاد انتخابهم.. وجاءت الطامة الكبرى في الجلسة التي عقدت في 25 مارس والتي نظرت في طلب الحكومة بالاحتكام الى هيئة الافتاء والتشريع القانوني لحسم شبهة عدم قانونية التصويت على استجواب وزير المالية والتي شهدنا فيها كيف أوغل نواب كثر في التخليط والهرج الامر الذي كان من نتيجته هذه النقائص والرذائل والشطط في الاداء البرلماني والعراقيل المفتعلة والعصى التي وضعت في دواليب الاستجواب.. مسرحية الاستجواب بدأت في جلسة سابقة عقدت في 11 مارس وهي الجلسة التي بدأت بسرقة طلب الاستجواب.. ثم تراجع نواب بعينهم عن الاستجواب، ثم تلكؤ كتل برلمانية بعينها عن استكمال متطلبات الاستجواب.. ثم اعلان بعض النواب عن توافق، ثم تهديدات مبطنة واخرى مباشرة من بعضهم، تم اعلان اصرار البعض المضي في مشروع الاستجواب.. ثم افتعال اللغط حول سرية او علنية الاستجواب.. ثم الحديث عن جدية الاستجواب.. ثم السعي لاسقاط فكرة الاستجواب من الاساس.. وتلى ذلك محاولات تفكيك الاستجواب تمهيدا لوأده في ظل ماقيل بانه تحالف حكومي نيابي.. وتتوالى «الهرجلات» التي زادت من عبثية المشهد البرلماني ومايشين التجربة البرلمانية برمتها..
 
الجلسة اياها كانت حافلة ومليئة بالغمز واللمز وتبادل الاتهامات بين مقدمي ومؤيدي طلب الاستجواب.. وظهر ان خلاصة هذه الجلسة هو احالة مشروع الاستجواب الى مثواه الاخير.. بعد ان اسقط النواب بعضهم البعض وظهروا وكأنهم سحبوا اختصاص رقابتهم وفوضوها الى جهاز حكومي، وبلغ الامر بان يصرخ نائب بان هيبة المجلس ضاعت بلا رجعة، وآخر الى القول: كيف للنائب المقصر ان يحاسب المسؤولين عن تقصيرهم..؟، وثالث قال: «ماحصل لايحسب للمجلس»، وكأن هذا وحده الذي لايحسب للمجلس، وذهب احدهم «النائب احمد قراطة» الى حد ان يدعو الله ان يعذب المنافقين والمنافقات من النواب والنائبات..!!
لاحظوا التبريرات لهذه «العبثية».. هناك من قال ان مرد ذلك هو محدودية صلاحيات النواب.. وهناك من خرج علينا بالقول ان الخلافات بين الكتل البرلمانية هي السبب، وهناك من رأى ان غلبة المصالح الشخصية على حساب مصالح المواطنين وعلى حساب الوضع الرقابي هو السبب.. وهناك من عزا السبب الى هذه المزايدات والمناقصات ومواقف النواب الفلكلورية التي ألغت الاحساس بالمسؤولية البرلمانية..
 
وهناك من رأى سببا آخر يتمثل في غياب القيم البرلمانية التي تحول دون استغلال البرلماني لصفته النيابية وعدم التدخل في اعمال السلطة التنفيذية ومنها كمثال اختطاف المناصب والترقيات والتنقلات لمن هم محسوبون على النائب او على هذه الكتلة او تلك واسقاطهم للمعايير ودهسها بالاقدام، وهناك من يرى ان وجود بعض النواب مما يشكلون النفي المطلق لفكرة العمل البرلماني السليم وعوض ان يكون النائب ممثلا للشعب نراه يصبح ممثلا لمنطقة او طائفة.
كل تلك التبريرات وغيرها – حيث دائما المخفى اعظم – وسواء تم استجواب وزير المالية ام لا.. الا ان بات العمل البرلماني عبثيا وبائسا بامتياز ومفتقرا للصدقية.
نعود ونقول.. ربنا لاتؤاخذنا بما فعل «النواب