الأربعاء، 1 نوفمبر 2017

casablanca1

الجمعة، 11 أغسطس 2017

ماذا بعد إقالة العماري؟


توفيق بوعشرين / صحفي وكاتب مغربي 
قبل أن ينتقل الشاب عماد العتابي إلى جوار ربه، بعد إصابته القاتلة في تظاهرة 20 يوليوز بالحسيمة، أخذ معه أشهر سياسي في الريف إلى تقاعد سياسي مبكّر بعد سنتين فقط من تعيينه أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة. ليس غريبا أن يشكل الريف رأسمالا سياسيا صعد على ظهره إلياس العماري إلى مواقع السلطة والنفوذ، وأن يشكل في الوقت ذاته القشة التي قصمت ظهر الأمين العام لحزب السلطة، الذي باع للدولة وهم المصالحة مع الريف، ووهم التصدي للإسلاميين، ووهم استقطاب الشباب إلى قاعدة حكم الملك الجديد، ووهم تطبيق توصيات تقرير الخمسينية ال
توفيق بوعشرين / صحفي وكاتب مغ ذي روجته «النخبة المولوية» باعتباره مانفستو العهد الجديد.
أنا لا أطلق الرصاص على الأموات ولا على سيارات الإسعاف، أو على من في حكمهم، وهذا الكلام قلته منذ اجتمع فواد عالي الهمة وإلياس العماري وحكيم بنشماس ومصطفى الباكوري وحسن بنعدي… وآخرون في كلوب نوتيك على ضفاف نهر أبي رقراق سنة 2008، لإعلان تأسيس حركة لكل الديمقراطيين، وكتبت آنذاك عمودا في جريدة «المساء» تحت عنوان «الفديك Bis»، في إحالة على جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي شكلها صديق الحسن الثاني، رضى اكديرة، في الستينات، وقال لي آنذاك فؤاد عالي الهمة إنني مخطئ، وإنني أرتدي نظارات قديمة، ولا أريد أن أرى الواقع الجديد، وإن الديمقراطيين الجدد لا ينوون تشكيل حزب جديد، وإن كل وظيفتهم أن يقدموا عرضا سياسيا جديدا لكل الأحزاب السياسية، علها تواكب ثورة العهد الجديد، وتنفض عن نفسها العباءة القديمة، حيث تختبئ الأحزاب إما خلف الوطنية، وإما خلف الدين… وأحيانا القدير حتى رأينا البام يختبئ خلف القصر، ويدعي أنه جاء لتطبيق المشروع الحداثي الديمقراطي لجلالة الملك، الذي حولوه إلى رأسمال سياسي خاص بفئة دون أخرى، واستعملوا اسمه وهيبته كما لم يحدث في كل تاريخ المغرب الحديث، وفي النهاية، ماذا كانت الحصيلة؟

العدالة والتنمية كان حزبا محافظا ومنغلقا على ذاته، فصار تيارا مجتمعيا واسعا يصوت له حتى من لا يقاسمه الإيديولوجيا نفسها والقيم المجتمعية ذاتها، والأحزاب التقليدية التي جاء البام ليوقظها من سباتها تسبب في إدخالها غرفة الإنعاش، حيث هجرها الرحل الانتهازيون الذين قفزوا إلى الجرار، والشباب الذي جاء البام لدعوته إلى ممارسة السياسة بطريقة أخرى، وتحبيب العهد الجديد إلى قلبه، هو نفسه الذي خرج في 20 فبراير يرفع شعارات ضد الدولة وحزبها ونخبها، ويطالب بالحرية الكرامة والشغل، ودستور لا غالب فيه ولا مغلوب، أما المشروع المجتمعي الحداثي، الذي حمل البام لواءه، فإنه انتهى بين يدي ميلودة حازب والشكايل واللبار… ونخبة من الأعيان والشناقة وسماسرة الانتخابات الذين طافوا على كل الأحزاب وشعارهم ‘‘الله ينصر من أصبح’’… هكذا انتهت مغامرة تأسيس حزب الدولة، وإذا كان الحسن الثاني بكل قوته، واكديرة بكل دهائه، لم ينجحا في نفخ الروح في حزب اصطناعي في زمن غير الزمن ومغرب غير المغرب، فلكم أن تتصوروا النتيجة التي انتهى إليها الجرار الذي قال عنه يوما ولد العروسية في مراكش، مستهزئا بدخوله إلى التنافس الانتخابي في المدن: «التركتور حدو البادية ولا يدخل إلى المدن»، وكذلك كان. لم يحرث ولم يحصد جرّار إلياس العماري غير الجماعات القروية حيث يد المخزن مازالت قوية، والوعي السياسي مازال ضعيفا، لكن البادية اليوم لا تشكل سوى 30% من سكان المدن، في الوقت الذي كانت تشكل في بداية القرن 90%.
إزاحة بقايا التحكم من قيادة البام لن تعطيه شهادة ميلاد شرعية، ولن تجعله يفلت من مدفعية بنكيران الذي أعطب هذا الحزب، وصار يفتخر بذلك، ويطلب من المغاربة أن يعترفوا له بهذا الإنجاز. إزاحة حلقة الوصل الأساسية بين الدولة والحزب ستجعل منه مخلوقا سياسيا بلا هوية، وسرعان ما ستنشب داخله حروب ملوك الطوائف لتقسيم تركة باخرة بلا ربان.
طبعا الذين أزاحوا إلياس عن قيادة الحزب الإداري الأول في المغرب، لم يفعلوا ذلك لأن ضميرهم استيقظ، أو لأنهم اقتنعوا بأن الأحزاب مثل الأشجار لا تكبر ولا تثمر إذا لم تكن لها جذور في الأرض وعروق في التربة… الذين أزاحوا ابن الريف عن قيادة حزبهم، يريدون المرور من خلق بعض الأحزاب إلى قتل كل الأحزاب، ومن التأثير في السلوك الانتخابي للمغربي، إلى قتل السياسة التي جعلت من بنكيران زعيما، ومن العدالة والتنمية وجع رأس، وخلقت شبابا متمردا يدخل إلى الفايسبوك ويخرج إلى الشارع دون خوف ولا وجل ولا شعور بأن في البلاد مخزنا وسلطة وأعرافا وتقاليد… خروج العماري من قيادة الجرار له ما بعده، وانتظروا الضربة المقبلة على رأس من ستنزل

الخميس، 3 أغسطس 2017

محظيات لا أحزاب

 

توفيق بوعشرين _المغرب

    كل رؤساء الأحزاب السياسية، باستثناء  عبد الإله بنكيران، أثنوا على الخطاب الملكي، ونوهوا بمضامينه، وثمنوا توجيهاته، وقالوا «آمين»، وكأن الملك انتقد أحزابا توجد في القمر وليس في المغرب، وكأن خطاب العرش الثامن عشر منح أوسمة فخر للأحزاب السياسية، ولم يعرضها للنقد الشديد، وحتى للاتهام بالخيانة العظمى، فعلى من يضحك هؤلاء، على أنفسهم، أم على الشعب، أم على البلد؟
    وحده بنكيران علق على الخطاب قائلا: «ليس لدي تعليق، والعادة أننا لا نعلق على خطاب الملك»، أما باقي أصحاب الدكاكين السياسية، فإنهم تصرفوا وكأن خطاب العرش لا يعنيهم، لا من قريب ولا من بعيد، وهذا أمر فيه قدر من الحقيقة المرة. أغلبية الأحزاب السياسية لا تتصرف كأحزاب سياسية، بل كأدوات في خدمة السلطة، تقول لها تكلمي فتتكلم، وتقول لها اصمتي فتصمت، وتقول لها ادخلي إلى الحكومة فتدخل، وتقول لها اخرجي إلى المعارضة فتخرج، وتقول لها تحالفي مع هذا فتتحالف، ويقال لها ابتعدي عن هذا فتبتعد. يقال لها صوتي على هذا القانون فتصوت، ويقال لها عارضي هذا القانون فتعارض.يقال لها بايعي هذا الزعيم فتبايع، ويقال لها تمردي على هذا الأمين العام فتتمرد…

   إنها كائنات سياسية تفتقر إلى الاستقلالية والإرادة والشخصية السياسية، وتعتبر الحقل السياسي مجرد مسرحية، والوزارة منصبا بلا وظيفة، والبرلمان مقعدا بلا دور، والحضور في المؤسسات «كاميرا خفية». منذ نشأتها، أو منذ تحولها، وهي تعيش هذا الدور، وتتصرف وفق التعليمات أو الإشارات، فكيف تحملونها اليوم ما لا طاقة لها به؟ وكيف تطلبون من عبد كبر في القيد أن يتحرر، وأن يقرر في شأنه بمحض إرادته؟ هذه ليست أحزابا.. إنها محظيات دورها الخدمة لا المشاركة، وظيفتها إشاعة جو من المتعة ثم المرور إلى أشياء أخرى، لذلك لم تهتز لها قصبة وهي ترى الملك يقرعها وينتقدها ويعري حقيقتها أمام الناس، فهي لم تصدم لأنها لم تصدق ولو مرة واحدة أنها أحزاب سياسية، وأنها تعبر عن اختيارات شعبية، وعن مشاريع مجتمعية، وعن خط فكري أو إيديولوجي.

   إنها أحزاب من طينة خاصة.. إنها تكايا في مجلس البلاط، ودراويش في زاوية الشيخ، لذلك فإنها لم تحزن ولم تبكِ ولم تجزع لخطاب عرش أسقط عن عوراتها أوراق التوت، ببساطة، لأنها كانت ولاتزال وستبقى وفية لدورها، منسجمة مع نفسها، مخلصة لعقد ولادتها، فهي، منذ اليوم الأول، لم تدع أنها حرة ولا مستقلة، ولم تتبجح بتمثيل الشعب، ولم تعد أحدا بحلول لمشاكله. إنها موجودة لتعيش لا لتغير العالم، لتأكل من مائدة السلطة، لا لتزرع القمح والشعير والحنطة في حقول المغرب المسيجة، لذلك، من الظلم أن تطالبوها اليوم بفك القيد عن رجليها، أو بفك الأغلال عن عقلها، أو بتحرير لسانها.. إنها جزء من الديكور، وإذا لم تعد تعجبكم فكسروها، أو بيعوها، أو أنزلوها إلى القبو حيث توجد الأشياء المتخلى عنها، لكن لا تطالبوها بأن تتغير.
كان مشهدا حافلا بالمتناقضات.. أن يمثل رجال السلطة، من  ولاة وعمال وقياد وباشوات، مصحوبين بممثلي السكان في المجالس البلدية والقروية، والجميع في جلابيب بيضاء يركعون أمام سيارة الملك، في حفل البيعة وهم يرددون: «الله يبارك في عمر سيدي»، فيرد عليهم قائد المشور باسم الملك: «الله يعاونكم گاليكم سيدي، الله يرضي عليكم گاليكم سيدي، تلقو الخير گاليكم سيدي». هؤلاء الذين جاؤوا يجددون البيعة والولاء هم أنفسهم الذين قال الملك إنه لم يعد يثق في جلهم، وإنهم في واد ومصالح المواطنين في واد آخر، وإن سلوكهم هذا يقترب من الخيانة للوطن…

السبت، 13 مايو 2017

تحولات خريطة الصراعات المسلحة في العالم عام 2017 من الأطراف إلى المركز

  من الأطراف إلى المركز:
الجمعة, 12 مايو, 2017
على الرغم من التراجع النسبي في عدد ضحايا الصراعات في العالم خلال عام 2016،لا تزال أغلب النزاعات والمواجهات العسكرية في مختلف أقاليم العالم تستعصي على التسوية السلمية، كما أنها مرشحة للتصعيد خلال السنوات المقبلة. فقد كشف تقرير "مسح الصراعات المسلحة" (Armed Conflict Survey) الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) بلندن في 9 مايو 2017، عن أن عشرة صراعات عالمية مرتفعة الحدة تسببت في 80% من عدد قتلى الصراعات في العالم خلال عام، يتصدرها الصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يرتبط باستمرار تعقيدات الصراعات، وانتقالها من الأطراف إلى المراكز الحضرية، وصعود أنماط صراعات العصابات، وصراعات الحصار، وانتشار الصراعات الخامدة التي يُرجَّح أن تشهد تصعيداً خلال السنوات المقبلة.
الانتشار العالمي للصراعات المسلحة: 
تراجعت الخسائر البشرية الناجمة عن الصراعات المسلحة في العالم من 167 ألف قتيل عام 2015 إلى 157 ألف قتيل عام 2016، وعلى الرغم من ذلك تصاعدت تعقيدات الصراعات المسلحة، وتزايد عدد الصراعات مرتفعة الكثافة عالمياً.
وتصدرت منطقة الشرق الأوسط بؤر الصراعات العالمية عالية الكثافة، إذ أدت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى سقوط ما لا يقل عن 82 ألف قتيل عام 2016، واحتل الصراع الأهلي في سوريا صدارة الصراعات المسلحة الأكثر حدة بعدد ضحايا يقدر بحوالي 50 ألف قتيل، وهو ما يمثل قرابة 61% من عدد ضحايا الصراعات في الشرق الأوسط.
وشهدت أمريكا اللاتينية صعوداً في عدد ضحايا الصراعات المسلحة إلى حوالي 39 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 34 ألف قتيل عام 2015، ويمثل ضحايا صراعات العصابات في المكسيك حوالي 58.9% من إجمالي ضحايا الصراعات في أمريكا اللاتينية.

وشهدت الصراعات في إفريقيا جنوب الصحراء تراجعاً في عدد الضحايا بين عامي 2015 و2016، حيث بلغ عدد ضحايا الصراعات حوالي 15 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 24 ألف قتيل عام 2015، وهو ما يرجع إلى تراجع العمليات العسكرية لبوكو حرام في نيجيريا خلال عام 2016، وتقاسمت الصراعات في كلٍّ من النيجر في نيجيريا وجنوب السودان والسودان والصومال أغلب أعداد ضحايا الصراعات في قارة إفريقيا.
وفي المقابل، لم تتراجع حدة الصراعات في جنوب آسيا، حيث بلغت أعداد الضحايا حوالي 19 ألف قتيل، وتصدرت أفغانستان قائمة الدول من حيث عدد الضحايا بنسبة 84% من إجمالي الضحايا في جنوب آسيا، تليها باكستان بنسبة 9% من أعداد الضحايا.
أما دول القارة الآسيوية والمحيط الهادي فشهدت صراعات أقل حدة لم تسفر سوى عن سقوط 1250 قتيلاً عام 2016، وتصدرتها الصراعات الانفصالية في الفلبين وميانمار وجنوب تايلاند. وفي القارة الأوروبية لا يزال الصراع الانفصالي في أوكرانيا يتسبب في سقوط 70% من ضحايا الصراعات الذين بلغ عددهم 1000 قتيل في عام 2016، في مقابل 4500 قتيل عام 2015.
الاتجاهات الصاعدة للصراعات: 
تضمن تقرير مسح الصراعات المسلحة لعام 2017 تحذيرات من تحولات طبيعة المواجهات العسكرية، إذ أشار التقرير إلى أن "الصراعات الكامنة" والمجمدة (Frozen Conflicts) قد باتت أكثر عرضة للتصعيد بسبب عدم معالجة الجذور العميقة لهذه الصراعات. وحذر التقرير من التصعيد في بعض الصراعات متوسطة ومنخفضة الكثافة، مثل: الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصراعات في أوكرانيا ومالي وشمال الهند وكولومبيا والفلبين. وفي هذا الإطار تمثلت أهم الاتجاهات الرئيسية للصراعات في العالم فيما يلي: 
1- الانتقال للمراكز الحضرية: أضحت المدن والمراكز الحضرية ساحات للصراعات المسلحة في العالم بعدما كانت الصراعات تتركز في المناطق الطرفية البعيدة عن المركز. وفي هذا الإطار رصد تقرير "مسح الصراعات المسلحة" لعام 2017 أن 50% من الصراعات المسلحة الأكثر حدة في العالم البالغ عددها 36 بؤرة صراعية امتدت للمدن والمناطق الحضرية. فقد تسبب الصراع مع حزب العمال الكردستاني في تركيا في انتشار التهديدات للمناطق الحضرية في جنوب تركيا، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى 3000 قتيل في عام 2016، وهو المستوى الأكثر حدة منذ عام 1997. وينطبق الأمر ذاته على أفغانستان التي شهدت أكثر هجمات طالبان الانتحارية حدة في كابول في إبريل 2016، والتي أسفرت عن مقتل 64 شخصاً، وهو ما تكرر في باكستان مع تكرار التفجيرات ذات الطابع الطائفي في المدن.
كما يُعد الصراع السوري نموذجاً على تصاعد استهداف المدن، وتزايد تدفقات اللاجئين نحو المناطق الحضرية؛ حيث استقر 90% من اللاجئين السوريين في المدن بالدول المجاورة لسوريا بعد عدم قدرة معسكرات اللجوء على استيعاب الأعداد الضخمة من اللاجئين.
2- تزايد النزوح الداخلي: لم ينعكس التراجع الطفيف في عدد ضحايا الصراعات على أعداد اللاجئين والنازحين التي شهدت تزايداً ملحوظاً خلال عام 2016، حيث شهدت الفترة من يناير حتى أغسطس 2016 نزوحاً داخلياً لما لا يقل عن 9000 ألف مدني في سوريا، وتزايدت أعداد المشردين داخلياً في العراق إلى 234 ألف شخص، وفي أفغانستان إلى 260 ألف شخص، وفي اليمن حوالي 500 ألف شخص، و192 ألف شخص في السودان، بينما تصل هذه المعدلات إلى ما يقارب 3 ملايين نازح داخلي في نيجيريا.

3- تراجع فاعلية عمليات حفظ السلام: تراجعت كفاءة قوات حفظ السلام الدولية في مواجهة الصراعات، حيث تصاعد استهداف أطراف الصراعات لقوات حفظ السلام، وهو ما تجلى في استهداف مهمة حفظ السلام في مالي بعملية عسكرية في عام 2016، مما أسفر عن سقوط 35 قتيلاً، وهو ما زاد حصيلة قتلى هذه المهمة إلى 87 قتيلاً منذ بدايتها في عام 2014. وفي دارفور تسببت عمليات استهداف قوات حفظ السلام في سقوط 27 قتيلاً منذ عام 2014، وفي وسط إفريقيا أصبحت مواقف المواطنين عدائية تجاه قوات حفظ السلام.
وعلى الرغم من مشاركة حوالي 125 دولة في العالم في عمليات حفظ السلام في مناطق الصراعات، وقيام حوالي 117 ألف فرد بتنفيذ مهام حفظ السلام الدولية في 16 مهمة لحفظ السلام حول العالم، بميزانية سنوية تصل إلى 8 مليارات دولار؛ إلا أن هذه العمليات تواجه ضغوطاً متزايدة مع تقليص الدول الكبرى لتمويلها لهذه العمليات، وتراجع التزامات الدول بعد فقدان الأمل في تسوية هذه الصراعات في الأمد القريب.
4- تصاعد حروب العصابات: تصاعدت حدة حروب العصابات في أمريكا اللاتينية، وهو ما كشف عنه احتلال المكسيك المرتبة الثانية من حيث أكثر الصراعات تسبباً في سقوط قتلى في العالم في عام 2016، حيث أسفر الصراع بين كارتلات تهريب المخدرات بالمكسيك عن سقوط 23 ألف قتيل في عام 2016، كما انتشرت أعمال العنف إلى 22 من بين 32 ولاية مكسيكية. وينطبق الأمر ذاته على هندوراس والسلفادور وجواتيمالا التي شهدت مجتمعة سقوط ما لا يقل عن 16 ألف قتيل عام 2016 نتيجة نشاط العصابات الإجرامية. 
5- انتشار "حروب الحصار": تزايدت أنماط حروب الحصار خلال عام 2016، حيث قامت القوات العراقية مدعومة بفصائل الحشد الشعبي الشيعية  والولايات المتحدة الأمريكية بمحاصرة المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وبدء العمليات التمهيدية لتحرير الموصل. وفي ليبيا تم تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم داعش بعد حصار تخللته مواجهات عسكرية كثيفة داخلل المدينة، كما تسبب حصار مدينة حلب من جانب النظام السوري في نزوح آلاف المدنيين خارج المدينة، ووفقاً لبيانات رسمية فإن نهاية أكتوبر 2016 شهدت حصار ما لا يقل عن 1.3 مليون فرد في 39 منطقة محاصرة في سوريا.
6- تهديدات تفكك التنظيمات المسلحة: عادة ما يُنهي تفكك وانهيار التنظيمات المسلحة تهديداتها للأمن الداخلي، غير أنه يترتب على ذلك انتشار لعمليات أكثر وحشية في مناطق متفرقة من الدولة بعيداً عن مناطق التمركز التقليدية للتنظيمات المسلحة. فعلى الرغم من فقدان تنظيم داعش جانباً كبيراً من الأقاليم التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، وتراجع عدد عناصر التنظيم من 31500 عام 2014 إلى 12000 في عام 2016، فإن عمليات التنظيم لا تزال تشكل تهديداً للأمن في سوريا والعراق ودول الجوار.
كما تصاعدت عمليات فروع تنظيم داعش في مناطق متفرقة من العالم، مثل جماعات تنظيم داعش في الصحراء الكبرى التي نفذت هجمات في دول إفريقية متفرقة في عام 2016، في بوركينافاسو، وكوت دي فوار، كما نفذ تنظيم داعش في الصومال عمليات إرهابية في دول الجوار مثل الكاميرون، وإقليم تشاد. 
حالة الشرق الأوسط: 
لا تزال منطقة الشرق الأوسط تشغل صدارة أقاليم العالم في كثافة وحدة الصراعات المسلحة في العالم، إذ ينطوي الإقليم ومحيطه الجغرافي على 8 من بين أكثر 10 صراعات حدة على مستوى العالم، في: سوريا، والعراق، واليمن، والسودان، وتركيا، وأفغانستان، وفي محيطه الإفريقي في جنوب السودان، والصومال. وتحيط بهذه البؤر الصراعية دوائر مضطربة تضم صراعات أقل حدة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وصراعات متوسطة الحدة، مثل الصراع الأهلي في ليبيا، والتوترات دون مستوى الصراع في مناطق متفرقة من الإقليم.

ويتصدر الصراع السوري الخريطة المضطربة للشرق الأوسط، إذ تسبب الصراع الأهلي في سوريا في سقوط ما لا يقل عن 290 ألف قتيل بين عامي 2011 و2016، من بينهم 50 ألف قتيل في عام 2016، وتسبب تعدد أطراف الصراع والحروب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية والدولية والتدخل العسكري المباشر من جانب روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران في تصعيد الصراع السوري، وتعثر إمكانية تسويته، كما أن مقترحات إنشاء "مناطق آمنة" و"مناطق خفض التصعيد" لم تؤدِّ إلى خفض كثافة الصراع وتهيئة الأجواء المواتية للتسوية السلمية، ولم تتوافق الأطراف الإقليمية والدولية إلا على التصدي لتنظيم داعش، واختراق معاقله الرئيسية، وتحرير مدينة الرقة من قبضته.
وعلى الرغم من انحسار سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأقاليم العراقية، إلا أن الصراعات في العراق لا تزال تشغل المرتبة الثانية من حيث الكثافة، إذ تصاعد عدد ضحايا الصراع في العراق من 13000 قتيل عام 2015 إلى 17000 عام 20166 وفقاً لبيانات مسح الصراعات المسلحة الصادر عام 20177، في ظل استمرار الصراعات الطائفية، وأعمال الانتقام ضد المدنيين في المناطق المحررة من تنظيم داعش التي تسببت في تصاعد أعداد النازحين داخلياً إلى حوالي 250 ألف نازح خلال عام 2016. 
أما الصراع الأهلي في اليمن فيشهد انسداداً في أفق التسوية في ظل الانقسامات التي ضربت معسكرات الاصطفاف التقليدية، واحتدام  الصراع بين أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين الذين قاموا باعتقال بعض المسئولين من أنصار صالح، ومحاولة اغتياله. وفي المقابل، تسببت قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بإقالة المحافظ عيدروسس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك، في إثارة احتجاجات واسعة النطاق في عدن، والمطالبة بتشكيل قيادة سياسية لتمثيل الجنوب اليمني.
وشهد الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تصعيداً ملحوظاً خلال عام 2016، تسبب في سقوط 3000 قتيل، وهو ما دفع تركيا للتدخل  العسكري المباشر في شمال العراق وسوريا، ومحاولة تأسيس منطقة عازلة على الحدود التركية مع الدولتين، مما تسبب في تأجيج الصراعات بين تركيا والتكتلات الكردية في الدولتين، وتوتر العلاقات التركية-الأمريكية بسبب دعمم الولايات المتحدة للأكراد عسكرياً في مواجهة تنظيم داعش.
وفي ليبيا تعثرت كافة جهود التسوية والتوفيق بين حكومة الوفاق الوطني الليبية بزعامة فايز السراج، وحكومة طبرق المدعومة من مجلس النواب الليبي المنتخب، والجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، إذ تجددت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين في الجنوب الليبي، كما تجدد الصراع للسيطرة على الهلال النفطي والمعسكرات والمطارات والمناطق الحيوية في ظل تصاعد تهديدات تنظيم القاعدة بالسيطرة على طرابلس وبنغازي، وهو ما يزيد من احتمالات التصعيد العسكري.
إجمالاً، من المُرجَّح أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعداً في حدة الصراعات الداخلية، في ظل تعثر تسوية الصراعات، وتمددها خارج نطاق حدودها التقليدية باتجاه دول الجوار، وتصاعد أنماط الصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، وتعارض مصالح أطراف الصراعات، بالإضافة إلى اشتعال بعض الصراعات منخفضة الكثافة نتيجة للمحفزات الداخلية والإقليمية، وتهديدات انتقام التنظيمات الإرهابية نتيجة فقدانها معاقلها المركزية داخل بؤر الصراعات. 


الأحد، 22 يناير 2017

الخلود في الدنيا عذاب وخلود الجنة نعيم (شعر)



_______________________________________
=====================================
_____________________________________
   لوان لك ملك لو ولولا وليث 
                                        وكشف الغطاء عنك حيث انت
  وتحققت كل امانيك وماشئت
                                       واجبلت على التذكر وما نسيت
وتضاعفت سنوات عمرك وزدت
                                         ودام ربيع عمرك فما هرمت
لكنت ابئس خلق الكون وعشت
                                        تتمنى لومت قبل وماحييت
فاالعيش في دنيا مااخترت فيها ولا رجوت
                                       لدنيا بؤس لادام ضنكها ولا عشت
فهلا عبدت ربك وحمدت
                                    وشكرت له نعماء جهلت وما عرفت
فقل سبحانك ربي لك الحمد ومجدت
                                  ما ارحمك بي تعالى جلالك وتباركت
 موسى المصلح

الخميس، 19 يناير 2017

عجائب السياسة وساسة العجب بدولة المغرب





مر انتخاب مجلس النواب كما خطط  له  وراء الستار . و شاهدنا بأم اعيننا على شاشة تلفزتنا الغراء كيف مثل سيناريو انتخاب رئيس البرلمان المرشح الوحيد  بكثير من الدهاء وقليل من الاحترافية,   باسم الواجب الوطني وتحت خيمة عزاء  الديمقراطية .وفات  تلفزتنا الغراء ليلة التصويت  نقل  خبر  انتحار فقيه دستوري بعد ان اكتشف ان عمرا من البحث والتحصيل لم يشفع له في فهم  النازلة و كيف فاز حزب الوردة برئاسة البرلمان  مقارنة مع ما حصد من نتائج  . على طريقة  علماء الرياضيات الدين انتحروا بعد أبحاث مضنية لفك لغز مبرهنة  بديهية وعصية.   كما فاتها سبق الإعلان عن دخولنا قريبا  موسوعة جينس  للغرائب السياسية  .
   صوت  مرشحو الجرار    والاحرار  والسنبلة والحصان والوردة  لمرشح الوردة  وادلى المنتمون لحزب  المصباح والكتاب بأوراق بيضاء وأخرى ملغاة وانسحب برلمانيو الميزان  . ولعل ما دفع فقهينا للانتحار هو السؤال التالي : ادا كانت هده الأحزاب كلها صوتت لمرشح الوردة وهم اغلبية فاين  المعارضة ؟ وادا كانوا معارضة  فتحصيل حاصل ان رئاسة الحكومة من حقهم  وحينها سيكون    بنكيران خارج الصف ,  ويجب ان يعيد المفاتيح .  ويتراس الحكومة امين حزب الحمامة وحلفائه دون الحاجة الى انتخابات  جديدة  وسيكتفي أصحاب القرار والمتحكمون  بتعيين جديد ,  واشهار مقولة مصلحة الوطن فوق الجميع. 
    صحيح نحن مع كل ما يخدم وطننا العزيز ولكن يجب  على الدين يقفون وراء الستار  ان تكون لهم الشجاعة    وان يشعروا    حزب المصباح تصريحا وليس تلميحا  بانه حزب غير مرغوب  فيه   للاشتراك في تسيير  المرحلة المقبلة  . و يبدوا رغبتهم  في اغلاق  باب تهب عليهم    منه رياح بلدان لا ترغب في استمرار تصدر  الإسلام السياسي للمشهد السياسي المغربي  .  بالرغم من ان حزب البجيدي  اقسم في مناسبا ت كثيرة  انه ليس له  علاقة بالتنظيم  العالمي للإخوان  او أي مشروع  إسلامي سياسي   اخر .  طبعا مع شكر بنكيران   وتنبيهه  انهم مقتنعين بشعبيته و حضوره  اللافت في تزيين المشهد الديمقراطي  ولكن سيحاولون مكرهين  الاستغناء عن خدماته مع الاحتفاظ به في الواجهة السياسية  تفاديا لصداع الراس.
     ويبقى السؤال المحير هو اين الديمقراطية من كل هدا ؟  هدا ما سأسال عنه حماري الحكيم  ان لم يكن هو الاخر  قد  نفق او انتحر فانا ابحث عنه مند ان دهب  في الصباح الى احد الحقول  المجاورة ليرعى  ويتصيد رزقه   بعد ان ادرك عجزي في شراء  علف له  يعينه على مقاومه البرد الشديد الدي حل ضيفا ثقيلا  علينا  مند ايام.

موسى المصلح

الاثنين، 9 يناير 2017

حماري وخيبة الحكومة


كالعادة دخلت على حماري ببعض العلف , فوجدته منهمكا في تفكير عميق و قد شخصت عيناه وغاب حضوره حتى انه لم يحس بوجودي وانا اضع شيئا من التبن امامه, فقرصته قرصة جعلته يعود الى الواقع وينظر الى نظرة الراسب في امتحان وضع للتعجيز وليس للتمحيص . وقال بنبرة حزينة ليس في الامر فائدة , قلت مادا تقصد قال الم احملك للاقتراع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتدلي بصوتك , وفاز حزب المصباح بالرتبة الأولى وعين امينه العام لتشكيل الحكومة المرتقبة ولم يفلح ,
قلت نعم , ولكنه لم يزل يحاول
. قال اعذرني على حماريتي و قصر نظري ولكني أرى ان لا فائدة في المحاولة .
قلت كيف ذاك .
قال أتذكر الحكومة الأولى وخروج حزب الميزان منها , والحرب الضروس التي خاضها امين هدا الحزب ضد رئيس الحكومة وتجنيد اخوة لي قسرا للتظاهر ضد رئيس الحكومة
قلت بلى .
قال أتذكر كلمات الود والمحبة التي تبادلها امين حزب الحمامة السابق واللاحق حول تعويضات الوزير وصندوق له صله بما تقدم لي من علف وشعير
قلت اذكر .
قال وهل نسيت ما صدر عن امين حزب السنبلة من امارات الامتعاض وعدم الرضى قبيل الانتخابات من استفراد رئيس الحكومة بالراي و غياب اشراك الحلفاء في القرار وان السنبلة تفضل الموت عطشا على ان تمنح رئيس الحكومة شيكا على بياض
قلت اذكر
قال وتذكر كدلك علاقة امين حزب الوردة المقتنع ان لون الوردة لن يجد توهجه في مصباح منطفئ يسير في طريق مظلم
قلت نعم
قال غاضبا وكيف تقنع نفسك ان هؤلاء سيجتمعون على راي جامع ويسيرون في طريق واحد وتجمعهم حكومة واحدة بالرغم من تشعب السبل .
قلت وما دخلك انت ان لم يتفقوا
فأجاب على الفور الله انتم تظلمونا و تستخفون بعقولنا الا ترددون من غير كلل و لا ملل مقولة استحمار الشعب
قلت انت على حق فمادا ترى أيها الحمار الحكيم
قال من غير تردد ان التحكم الدي ما فتآ يردده بنكران بات حقيقة تِؤكدها الوقائع وان عليه ارجاع المفاتيح والاعلان جهارا ان مسرحية الدمقراطية والاستثناء المغربي قد اسدل عنها الستار الى اجل غير مسمى. ورجاء لا تستعملوا عبارة استحمار الشعب فهده حريرتكم وليست حريرتنا واستبدلوها بمقولة أخرى تكون اليق بكم فنحن لسنا سوى حمير نحمل اثقالكم بالقهر وليس بالاختيار.
موسى المصلح

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

العربيّة فِى يَوْمِهَا العَالَمِي:هَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَـنْ صَدَفَاتي؟!




محمّد محمّد خطّابي *
الجمعة 23 دجنبر 2016 - 08:21
اليوم العالمي للّغة العربية، هو اليوم الذي يحتفي فيه العالَم بهذه اللغة كلّ سنة،بإعتبارها لغة عالمية، رسميّة، متداولة، ومُستعملة في جميع المحافل،والهيئات، والمنظمات الدّولية، وتصادف هذا اليوم فى 18 من شهر ديسمبرالجاري ، ولغة الضاد لم يأتِها هذا التتويج عبثاً أوإعتباطاً ، بل جاءها بعد نضالٍ متواصل، وجهودٍ متوالية إنطلقت بعد أن أقرّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم اليونسكو ذلك في الدورة الثانية والتسعين لمجلسها التنفيذي المنعقد عام 2012، حيث طفق هذا المّحفل الدّولي فى الإحتفال لأوّل مرّة بهذا اليوم منذ ذلك العام، قبل أن تقرّر الملحقية الاستشارية للخطة الدّولية لتنمية الثقافة العربية المعروفة ب (أرابيا) المنبثقة عن اليونيسكو كذلك هذا اليوم عنصراً أساسيّاً في برنامج عملها المتواتر فى هذا المجال .
ويؤكّد الخبراءُ المتخصّصون فى هذا المجال أنّ قرار منظمة اليونيسكو جاء في سياق سلسلة من القرارات الدولية الأخرى للأمم المتحدة، ومنظماتها حول اللغة العربية، من بينها القرار(878) الصّادر عن الدّورة التاسعة للأمم المتحدة المنعقدة عام 1954، والذي كان قد أجاز الترجمة التحريرية لوثائقها إلى اللغة العربية، لتقرّر منظمة اليونسكوالعالمية عام 1966 إستخدامَ اللغة العربية في المؤتمرات الإقليمية التي يتمّ تنظيمها في البلاد العربية، بالإضافة إلى إجازة المنظمة ترجمة الوثائق والمنشورات الصّادرة والمنبثقة عنها إلى اللغة العربية، ثم قرّرت اليونسكو كذلك فى نفس هذه السّنة تقوية، وتعزيز إستعمال العربيّة في أعمالها من خلال إقرار خدمات التّرجمة الفورية من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات الأخرى والعكس في جلساتها العامة، وعند مشارف عام 1968 تمّ إعتماد العربية لغة عملٍ في هذه المنظمة الدولية، مع ترجمة مختلف وثائق العمل، وكذلك المحاضر إليها فضلاً عن توفير، وتأمين الترجمة الفورية بصفة نهائية...وهكذا حتى نصل إلى قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بجعل اللغة العربية لغة عمل بصفةٍ رسمية بين مختلف اللغات الحيّة الأخرى المعتمدة في الجمعية العامة وهيئاتها المختلفة،وأخيراً الإعلان عن اليوم العالمي لهذه اللغة فى الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام كلغة رسمية متداولة فى مختلف الهيئات، والمنظمات، والمحافل الدّولية،كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
على الرّغم من هذه المكاسب الهامّة التي حققتها اللغة العربية على الصّعيد الدولي ما زالت تترى وتتوالى الدّراسات، وتتعدّد وتتنوّع النقاشات،وتُطرح التساؤلات،وتثار التخوّفات في المدّة الأخيرة عن اللغة العربية، وعن مدى قدرتها على إستيعاب العلوم الحديثة، ومواكبة العصرنة،والإبتكار، والتجديد الذي لا تتوقّف عجلاتُه ولا تني ،وتخوّف فريق من عدم إمكانها مسايرة هذا العصر المتطوّر والمُذهل، كما تحمّس بالمقابل فريق آخر فأبرز إمكانات هذه اللغة، وطاقاتها الكبرى مستشهداً بتجربة الماضي، حيث بلغت لغة الضاد في نقل العلوم وترجمتها شأواً بعيداً، وهكذا كثر الكلامُ في هذا المجال حتى كاد أن يُصبح حديثَ جميع المجالس، والمنتديات،والمؤتمرات في مختلف البلدان العربية ، وخارجها ،فهل تعاني العربيّة حقاً من هذا النقص..؟ وهل تعيش نوعاً من العزلة لدرجة أنّها في حاجة الى حماية ودفاع ومناقشات من هذا القبيل ..؟
الواقع أنّ اللغة العربية ليست في حاجة الى إرتداء ذرع الوقاية يحميها هجمات الكائدين، ويردّ عنها شماتة المتخوّفين، إذ تؤكّد كلّ الدلائل،والقرائن قديماً وحديثاً أنّ هذه اللغة كانت وما تزال لغة حيّة ، اللهمّ ما يريد أن يلحق بها بعض المتشكّكين من نعوت، وعيوب،كانت قد أثارتها فى الأصل زمرة من المستشرقين في منتصف القرن المنصرم ،حيث إختلقوا موضوعات لم يكن لها وجود قبلهم ،وما كانت لتعدّ مشاكل أونواقص تحول دون الخلق والتأليف والإبداع، وإنما كان الغرض منها إثارة البلبلة بين أبناء هذه اللغة، وبثّ الشكوك فيما بينهم حيالها، وهم أنفسهم يعرفون جيّداً أنّها لغة تتوفّرعلى جميع مُقوّمات اللغات الحيّة المتطوّرة الصّالحة لكل عصر، ثمّ هم فعلوا ذلك متوخّين إحلال محلّها لغةَ المستعمِر الدخيل،و جدير بنا والحالة هذه أن نذكّر فى هذا المقام ببعض المسائل،والمشاغل، والقضايا المفتعلة التى أثيرت فى هذا المضمار منها إشكاليّات : الحرف العربي ، والنحو العربي، وشكل الكلمات، والعاميّة والفصحى.. إلخ .
إشكاليّة الحَرف العربيّ
أمّا بالنسبة للحرف العربي ومعه الخطّ - الذي إحتفلت اليونسكو فى العديد من المناسبات به، وبجماليته، وطواعيته، وفنيته، وإبداعاته- فقد تعدّدت نداءات محاولات إصلاحه، وتحسينه، ولكنّها باءت جميعها بالفشل الذريع ، وظلّت الغلبة للأشكال المتوارثة التي كتبت بها عشرات الآلاف من الكتب في مختلف الميادين العلميّة والفلسفية والأدبية وسواها، زعم البعض أنّ شكلَ الحرف العربي الرّاهن وتركيبه لا يتّفق مع العصر، وأنّ رصف صفحة بالخط الفرنجي يعادل في الزّمن رصف صفحتين بالخط العربي لتزايد عيون الحرف العربي التي تتعدّد وتتغيّر بتغيير مواقعها فى الأوّل أو الوسط أو الأخيروهكذا،فقدّم لنا بعضُ الباحثين أشكالاً متباينة لخطّ جديد تشبه الى حدّ بعيد رسوم الخط الفرنجي، غير أنّ القارئ يكتشف منذ الوهلة الأولى أنها فى غالبيتها أشكال غريبة عليه يمجّها ذوقه السليم، بل إنها فى بعض الأحيان تكلّفه عناءً شديداً في هجاء حرف واحد منها ،والحقيقة أنّ جمالية الخط العربي أو حرفه لا تبارىَ ، فقد ثبت الآن أنه حرف مثالي في جمال تكوينه، وشكله، وتنوّعه، وإلتوائه، واستوائه، وتعريجاته، واختصاره، وإن الصفحة الواحدة من الكتاب العربي لو كتبت بالحرف اللاتيني لاحتاجت إلى صفحتين على الأقل، فالكتاب المؤلف من مائة صفحة بهذا الخط الجميل لا يمكن رصفه بأقل من مائتي صفحة بالحرف اللاّتيني، ثم إن تطوّر وإستعمال الحواسيب الإلكترونية المتطوّرة الحديثة تتّجه سريعاً نحو أساليب جديدة مبتكرة للكتابة ،ومعنى ذلك هو العدول بالتدريج عن أسلوب الرصف الحرفي واختصار القوالب،وقد توصّل بعض العلماء إلى إبتكار رسوم حديثة للحرف العربي لا تخرجه عن شكله، ولا تبعده عن أصله ومع إستعمال الكومبيوتر وإحتضانه،وإنتشاره وقبوله للحرف العربي بسهولة ويُسر بنجاح باهر و بنتيجة مُذهلة سقطت دعوى الداعين إلى إستبداله بالحروف اللاتينية، وبذلك يفقد خصوم هذه اللغة هذه المعركة.
إنه لمن السّخف أن نجد بين ظهرانينا من تسمح لهم أ نفسهم الدعوة إلى إستبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني، متّخذين ممّا إبتدعه مصطفى أتاتورك للّغة التركية مثالاً يُحتذى، وكذلك بدعوى السّهولة واليسر وضبط الكتابة، وإبراز حركات الحروف، وهذه الدعوى باطلة من أساسها ، تحمّس لها بعض خصوم هذه اللغة عرباً كانوا أم أجانب . ومن بين المفكرين الذين كانوا قد تحمّسوا لهذه الدعوى من ذوي العيار الثقيل في القرن الماضي الكاتب سلامة موسى فى مصرالذي دافع عن هذه الفكرة ، وقدّم تبريرات ومقترحات فى شأنها ،إنه يقول فى ذلك :"هذا السّخط الذي يتولانا كلما فكّرنا فى حالنا الثقافية وتعطيل هذه اللغة لنا عن الرقيّ الثقافي، تزيد حدّته كلما فكّرنا وأدّى بنا التفكير الى اليقين بأن إصلاحها مستطاع ، والقلق عام ولكنّ الجبن عن الإبتكار أعمّ .ولذلك قلّما نجد الشجاعة للدّعوة إلى الإصلاح الجريئ إلاّ فى رجال نابهين لا يبالون بالجهلة والحمقى مثل قاسم أمين ، أو أحمد أمين في الدعوة إلى إلغاء الإعراب، ومثل عبد العزيز فهمي حيث يدعو إلى الخطّ اللاتيني وهو وثبة المستقبل لو أننا عملنا به لاستطعنا أن ننقل مصر إلى مقام تركيا التى أغلق عليها هذا الخطّ أبوابَ ماضيها وفتح لها أبوابَ مستقبلها" .
ولقد قدّم سلامة موسى بعض المقترحات نجملها فيما يلي: " الحاجة إلى إلغاء الإعراب ،وميزاته أوّلا : الإقتراب من التوحيد البشري لأنه وسيلة للقراءة والكتابةعند الذين يملكون الصناعة ، أيّ العلم والقوّة والمستقبل.وهذا الخط تأخذ به الأمم التي ترغب فى التجدّد كما فعلت تركيا ، ومن المرجّح أن يعمّ هذا الخط العالم كله تقريباً.
ثانيا:حين نصطنع الخط اللاّتيني يزول هذا الإنفصال النفسي الذي أحدثته هاتان الكلمتان المشؤومتان : شرق وغرب،ويضمن لنا أن نعيش العيشة العصرية ،ولابدّ أن يجرّ هذا الخط فى أثره كثيراً من ضروب الإصلاح الأخرى مثل المساواة الإقتصادية بين الجنسين، و التفكير العلمي، والعقلية بل والنفسيّة العلمية أيضا،إلخ .
وثالثاً ورابعاً وخامساً: إننا عندما نكتب الخط اللاتيني نجد أن تعلّم اللغات الأروبية قد سهل أيضاً،فتنفتح لنا آفاق هي الآن مُغلقة."ويختم سلامة موسى بالتساؤل التالي :وبالجملة نستطيع أن نقول إن الخط اللاتيني هو وثبة في النور نحو المستقبل ،ولكن هل العناصرالتي تنتفع ببقاء الخط العربي والتقاليد ترضى بهذه الوثبة ؟.
لا ريب أن القارئ يلاحظ كم في هذه الدعوة من مغالاة ، كما يتبيّن له ولا شكّ أنّها لا تسنتد إلى أساس سليم تُبنى عليه، لا ترمى سوى إلى تشتيت التراث العربي وتشويهه. ولم يُكتب النجاح لدعوة سلامة موسى ودعوات غيره من أمثال أمين شميل ، وعبد العزيز فهمي، وقبلهما الدكتور سبيتا ،وويلمور، ووليم ويلكوكس ، وسواهم، وظلت السيطرة للحرف العربي إلى اليوم ، ثم ماذا كان سيفعل هؤلاء في كثير من الحروف العربية التى لا تجد لها رسماً سوى فى النطق العربي كحروف : الحاء، والغين ، والعين، والذال، والضاد، والطاء، والقاف،والثاء ،والهاء..إلخ. ثم ماذا سيكون موقفهم من التراث العربي الزّاخر المكتوب بحروف عربية..؟ وهكذا وئدت هذه الدعوة في مهدها .
النّحو العربيّ أو قواعد اللّغة
كثيراً ما يشتكي النشء من متعلّمي اللغة العربية من صعوبة نحوها ،وقد ذكّر البّاحث المغربي أحمد عصيد فى هذا القبيل بما سمّاه "الصّعوبات الجمّة" لهذا النّحو، حيث يقول فى ذلك :( ..ونعتقد أن الأوراش الكبرى للغة العربية والتي يعيها الأخصائيون في هذه اللغة وعيا تاماً تتعلق أساسا بضرورة النظر في النحو العربي وتحديثه بسبب الصعوبات الجمّة التي يصادفها الأطفال والكبار على السّواء في تعلمه، وكذا النظر في الإملاء وتنميطه تنميطاً حديثاً..).
والحقّ أنه ما من " نحو " في أيّ لغة من لغات الأرض إلاّ ويعاني أصحابها من هذه الشكوى . ولقد أصبح " نحو " اللغة الألمانية مضربَ الأمثال فى الصّعوبة والتعقيد، على أن قواعد اللغة العربية ليست أشدّ صعوبة من هذه اللغة أو تلك، يقول الدكتور محمد كامل حسين عن النحو العربي:" الواقع أن قواعد اللغة العربية بسيطة جدا يمكن الإلمام بها بعد درس غير مرهق ، ولا يحتاج المتعلّم بعد ذلك إلاّ الى المران على تطبيق هذه القواعد الشاملة فيستقيم بذلك لسانُه دون عناء كبير". إن الخطأ الفادح الذى يقع فيه واضعو مناهج التعليم فى معظم البلدان العربية كونهم يلقنون القواعد في صورتها الجافة قبل النصوص ،فى حين نجد القائمين على مناهج التعليم فى المدارس الأوربية على إختلافها يعوّدون التلميذ على التعامل مع النصوص فى المقام الأول، فهو يقرأ ويعيد ويحفظ من غير أن يكون ذا إلمام بعلم النحو ، ثم يطبّق بعد ذلك ما قرأه على القواعد فإذا أردنا الخروج بنحونا من صلابته علينا أن نكثر في المراحل الأولى من مناهج تعليمنا من النصوص فالتعامل مع النصّ يكسب الطالب أو المتعلّم سليقة فطرية ،ويعوّده بطريقة تلقائيةعلى أشكال الحروف وبنائها وتراكيبها وتعدّد أساليبها ، فقد وجدت النصوص مذ كانت العربية ،أمّا النحو" كعلم قائم مدوّن" فلم يوضع إلاّ فى زمنٍ متاخّر، أيّ فى القرن الأوّل الهجري على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي كما هو معروف. لقد كانت العرب إذن تنطق بالسليقة ، ولا تخطئ أبداً فى كلامها من غير أن تعلم لماذا كان الفاعل مرفوعا ولا المفعول منصوبا،كما أنّ كثيراً من علماء العربية وواضعي معاجمها المشهورة كانوا يقصدون الأعراب فى البوادي حيث العربية سليمة نقيّة غير مشوبة فيأخذون عنهم النطقَ الصحيح،ومعروف عن الزّمخشري، والأصمعي، والكسائي ،وابن خالويه،وأبي عليّ الفارسي، وابن جنّي وسواهم كانوا يؤمّون البوادي ويسجّلون المعاني المستعملة عندها.
إذن فالشكوى من النحو هي شكوى من قواعده الجافة الموضوعة في قوالب مملّة شأنها شأن القوانين الجامدة، اما اللغة العربية فالدليل قائم – قديما وحديثا - على أنّ المران والممارسة يكسبان دارسيها مهارة فائقة على التركيب السليم ،والنطق الصحيح ،وكم من متعلمٍ أو كاتب لم يدرس القواعد ومع ذلك يستطيع أن يكتب ويؤلف نتيجة الممارسة والقراءة المتواصلة، القول المعرب إذن قوامه القراءة الكثيرة، والخوض فى النصوص ، وهذا ما نرجو أن يتمّ ويعمّم فى مناهج تعليمنا ، أيّ مضاعفة حصص النصوص، وحسن اختيارالقواعد. وانطلاقاً من النصّ ودراسته نستنتج القاعدة التى بني عليها هذا النصّ،وهذا معناه التطبيق الفعلى للدراسة النظرية. وقديماً قيل : وَلسْتُ بنحويٍّ يلوكُ لِسانُه/ ولكنْ سليقيٌّ أقول فأُعْرِبُ
وكم من محاولات لتبسيط النحو العربي التي تقدّم بها غير قليل من الدارسين ظلت حبراً على ورق دون أن تغيّر شيئاً من المشكلة القائمة، أما مسألة الشاذ في اللغة الذي يخرج عن المألوف والإستعمال يظلّ صورة متحفية لنطق بعض القبائل العربية القديمة لا ينبغي أن نأخذ به، فالشاذ أو الشارد أو النادر لا حكم له كما يقال. ولعلّك لا تتّفق مع القائل : خطأ مشهور ، خير من صواب مهجور !.
مسألة الشّكل
وتنبثق عن النحو العربي مسألة اخرى يرى فيها البعض مشكلة قائمة بذاتها وهي مسألة" الشّكل" شكل الحروف العربية تفادياً للغموض واللبس والإبهام. وهناك إتهام مشهور يوجّه لأبناء اللغة العربية، في هذا الصدد، وهو أنه حتى كبار دارسيها يحارون أو يتعثّرون فى بعض الأحيان عند قراءة نصّ من النصوص العربية مخافة الخطأ او اللحن ومن أجل شكلها شكلاً صحيحاً. على حين أننا نجد القارئ الفرنسي، أو الإسباني –مثلا- حتى وإن كان دون مستوى مرحلة الثانوية العامّة يقرأ النصوصَ فى لغته بطلاقة من غير أن يرتكب خطأ واحداً، وهذه من أخطر الإتهامات التي توجّه للغة العربية، ويرى فى ذلك الباحثون رأيين إثنين، يقول الأوّل:أن اللغة العربية ليست صعبة كما يدّعون، بل إنّ النقص كامن فيمن لا يجيدها حقّ الإجادة،وإذا كان المرء عالماً بأصولها، مطلعاً على أسرارها ، دارساً لقواعدها، ملمّاً بأساليبها فإنّه لا يخطئ أبداً، في حين يذهب الرأى الآخر أن العربية فعلا تشكو من هذه النقيصة ،ففيما يخصّ شكل الكلمات على الأقل. هناك كلمات يحار المرء فى قراءتها القراءة الصحيحة وقد يقرأها على غير حقيقتها ، وهناك أخرى يمكن نطقها على خمسة أو ستة أوجه، وهذه مشكلة فى حدّ ذاتها ، ولكن كما أسلفتُ آنفا فإنّه مع المِران ،والممارسة،والقراءة المتعدّدة وتتبّع السياق كل ذلك يساعد على تفادى أمثال هذه الأمور التي لم تحلّ أبداً دون التأليف والخلق والإبداع المستمرعلى إمتداد التاريخ العربي الحافل بجليل الآثار فى كل علم.
الفُصحىَ أم العاميّة
وفي منتصف القرن الماضي حار قوم فى إستعمال الفصحى أم العامية ؟. ولقد تعدّدت الدراسات فى هذا المجال بين مؤيّد للعامية متعصّب لها بدعوى التبسيط والسهولة واليُسر ، وبين مستمسكٍ بالفصحى لا يرضى بها بديلا . والحقيقة التى أثبتتها السّنون أن الغلبة كانت للفصحى على الرغم من هذه الدعوات والمحاولات، فكم من كاتب نادى وتحمّس للعاميّة وعمل على نشرها وتعميمها ،ثمّ عاد يكتب بفصحى ناصعة صافية نقيّة، وفى فترة مّا من فترات حياة أديبنا المرحوم محمود تيمور كان قد تحوّل عن الفصحى إلى العامية بل ّنه كتب قصصاً بها غير أنه سرعان ما عاد كاتباً عربياً مبيناً ، بل ومتحمّساً كبيراً للفصحى ومدافعاً عن لوائها كعضو بارز فى مجمع اللغة العربية بالقاهرة . ودعوات الأديب اللبناني سعيد عقل ، وسواه من الكتّاب إلى إستعمال العامية معروفة وسال من أجلها حبر غزير.
هذا وقد أثير فى المغرب مؤخّرا نقاش حام حول هذا الموضوع سرعان ما خبا أواره، وخمدت ناره، حيث دعا بعضُهم إلى إستعمال " الدّارجة" (العاميّة) بدل الفصحى فى بعض مراحل التعليم ،وعزا هؤلاء عن غير رويّة، ولا بيّنة ولا علم ولا برهان المشاكل التي يتخبّط فيها التعليم فى هذا البلد وسواه إلى هذا الأمر ، ولكن هذه الدعوة الواهية سرعان ما وئدت هي الأخرى فى مهدها .
العربيّة ولغات أخرى
الدّفاع عن لغة الضّاد التي أصبحت اليوم فى نظر البعض من مكوّنات هويّات البلدان العربية، لا ينبغي أن يثنينا أو يبعدناعن العناية،الرّعاية، والإهتمام، والنّهوض، والدّفاع كذلك بشكلٍ متوازٍ عن عناصر هامّة، وأساسيّة أخرى فى المكوّنات الأساسية،والرّئيسيّة للهوية الوطنية فى هذه البلدان ، وفى حالة البلدان المغاربية على سبيل المثال ، فإنّ اللغات الأمازيغية الأصليّة فيها قد تعايشت مع لغة الضّاد منذ أقدم العصور فى هذه الرّبوع والأصقاع،فى مجتمعات تتّسم بالتعدّد والتنوّع والإنفتاح ،ليس على لغاتها ولهجاتها الأصلية المتوارثة وحسب، بل وحتى على اللغات الأجنبية الأخرى الدخيلة كالفرنسية، والإسبانية ،والإنجليزية، والإيطالية وسواها، وحسبي أن أشير فى هذا الصّدد إلى التعايش المتناغم الذي كان قائماً بين هذه اللغات برمّتها،والذي لم يمنع أبداً فى أن يكون هناك علماء أجلاّء فى هذه اللغة أو تلك من مختلف جهات ومناطق هذه البلدان،سواء فى المغرب على وجه الخصوص، وكذا فى سائر البلدان المغاربية الأخرى، أو خلال التواجد الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية، وبشكل خاص فى الأندلس،حيث تعايشت كلّ من اللغتين العربية والأمازيغية جنباً إلى جنب مع اللغة القشتالية حيث كان لهما تأثير بليغ فى لغة سيرفانتيس نفسها .
كلمات عربيّة وأمازيغيّة
ويرى المُستشرق أمريكُو كَاسْترُو أن معظمَ الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ، والقياس، والأكل ،والسّقي ،أو الريّ،والبناء،كلها من أصل عربي ، فَمَنْ يبني البِنَاء ؟ ألبانييل Albañil(بالإسبانية) وهو البَنَّاء ،أو الباني،وماذا يبني؟ القصرAlcázar، القبّة Alcoba ، السّطح Azoteaأو السقف (وهي بالتوالي تُنطقُ فى الإسبانية : ألكَاسَرْ،ألْكُوبَا،أسُوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرضَ؟ بالسّاقية Acequia، والجُب Aljibe ، وألبركةة Alberca (وتُنطق فى الإسبانية):أسِيكْيَا،ألْخِيبِي،ألبيركَا. وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّرAzúcar، الأرزArroz ،النارنجج Naranja ،الليمون Limón، الخُرشُف Alcachofa،التّرمُسAltramuces ، السّلق Acelgas، السّبانخ Espinacas(وتُنطق فى الإسبانية بالتوالي: أسوُكار،أرّوث،نارانخا،الليمون ،الكاشُوفا، ألترامويسيس ،أسيلغا، إيسبيناكاس).وبماذا تزدان بساتيننا،أوتُزَيَّنُ حدائقنا..؟ بالياسمين، JazmínوالزّهرAzahar، والحبَق Albahaca، وتُنطق بالإسبانية: أثهَار، خَاثْمين، وَألبَهاَكا)، بل إنّ هناك كلمات أمازيغية إستقرّت بدورها فى اللغة الإسبانية مثل (تَزَغّايثْ) أو الزغاية Azagaya (وتعني الرّمح) وقد أثبتها المستشرق الهولاندي الشهير"دوزي" فى معجمه ككلمة تنحدر من أصل أمازيغي، وإستعملها كولومبوس فى يومياته، و كلمة (آش) التي تُجمع ب " أشّاون" وتعني القرون ومنها إسم مدينة (الشّاون) فردوس الجبل الجميلة، ويؤكّد صاحب " الإحاطة فى أخبار غرناطة " إبن الخطيب أنّ النّهر الوحيد فى شبه الجزيرة الإيبيرية الذي يحمل إسماً أمازيغياً هو"مدينة آش" ،ونهر"وادي آش" أيّ وادي القرن وهو فى الإسبانية "Guadix "، أو "río de Acci"، "Wadi Ash"،" río Ash ".إلخ (وهكذا الأمر مع العديد من الأسماءء المتعلقة بالقبائل وبعض الضّيع والمدن مثل مدينة Teruel الإسبانية (بالقرب من سراقسطة) المقتبسة من إسم مدينة "" تروال" المغربية بالقرب من مدينة وزّان ( وهي من قبائل بربرصنهاجة)، ومدينة Albarracín وهي من" بني رزين " الكائنة فى الطريق السّاحلي الرّابط بين مدينتي تطوان والحسيمة،ومنها كلمات مثل Gomera من "غمارة" وهي عند الإسبان إسم جزيرة فى الأرخبيل الكناري، de Gomera Vélez وهذه الكلمة من إسم " بادس" وهو(إسم شبه الجزيرة المحتلة الكائنة بجوار شاطئ " قوس قزح" ونواحيها بإقليم الحسيمة)،وإليها يُنسب الوليّ الصّالح أبو يعقوب البادسي،الذي ذكره إبن خلدون فى مقدمته بكل تبجيل، وإسم بادس مستعمل بكثرة فى إسبانيا مثل:Vélez Rubio, Vélez Malaga,Velez Benaudalla,Velez Blanco ,Rio Vélez, ،ناهيك عن أسماء المنتوجات التي أدخلها الأندلسيّون إلى أوربا فى مختلف الحقول والمجالات . ويصل كاسترو إلى نتيجة مثيرة وهي أنّ فضائلَ الأثر والعمل عند العرب والأمازيغ،والثراء الإقتصادي الذي كان يعنيه هذا العمل وهذا الأثر كلّ ذلك قُدِّمَ قُرْباناً وضحيةً من طرف الحكّام الإسبان". ويختم "كاسترو" ساخراً :" فذلك الثّراء ، وذلك الرّخاء ، لم يكونا يساويان شيئاً إزاء الشّرف الوطني"..!!.
لغة الضّاد والمستشرقون
العالم يركض ويجري من حولنا ، والحضارة تقذف إلينا بعشرات المصطلحات والمستجدّات يومياً.والإختراعات تلو الإختراعات تترى فى حياتنا المعاصرة..ونحن ما زلنا نناقش ونجادل فى أمور كان ينبغى تفاديها أو البتّ فيها منذ عدّة عقود ، ترى كيف يرى كبار المستشرقين الثقات هذه اللغة بعد إنصرام هذه القرون الطويلة التي لم تنل من قوّتها و زخمها وعنفوانها وشبابها المتجدّد حبّة خردل..؟ إنها ما زالت كما كانت عليه منذ فجرها الأوّل لم يستعص عليها دينٌ ولا عِلمٌ ولا أدبٌ ولا منطق، إنّها ما زالت مشعّة، نضرة، حيّة، نابضة، خلاّقة، مطواعة معطاء، لقد شهد لها بذلك غير قليل من الدّارسين والمستشرقين ، وإعترفوا بقصب السّبق الذي نالته على إمتداد الدّهور والعصورفى هذا القبيل . يقول المستشرق الفرنسي" لوي ماسّنيون" فى كتابه ( فلسفة اللغة العربية) : "لقد برهنت العربية بأنّها كانت دائما لغةعلم ، بل وقدّمت للعلم خدمات جليلة باعتراف الجميع، كما أضافت إليه إضافات يعترف لها بها العلم الحديث ، فهي إذن لغة غير عاجزة البتّة عن المتابعة والمسايرة والترجمة والعطاء بنفس الرّوح والقوّة والفعالية التى طبعتها على إمتداد قرون خلت،إنها لغة التأمل الداخلي والجوّانية ، ولها قدرة خاصّة على التجريد والنزوع إلى الكليّة والشمول والإختصار..إنها لغة الغيب والإيحاء تعبّر بجمل مركزة عمّا لا تستطيع اللغات الأخرى التعبير عنه إلاّ في جُمَلٍ طويلة ممطوطة". إنّه يضرب لذلك مثالاً فيقول:" للعطش خمسُ مراحل فى اللغة العربية ،وكلّ مرحلة منه تعبّر عن مستوى معيّن من حاجة المرء إلى الماء ،وهذه المراحل هي: العطش، والظمأ، والصَّدَى،والأُوّام، والهُيام ، وهو آخر وأشدّ مراحل العطش، وإنسان "هائمٌ" هو الذي إذا لم يُسْقَ ماء مات"، ويضيف ماسّينيون :"نحن فى اللغة الفرنسية لكي نعبّر عن هذا المعنى ينبغي لنا أن نكتب سطراً كاملاً وهو"إنه يكاد أن يموت من العطش" ولقد أصبح "الهيام"(آخر مراحل العطش وأشدّها) كناية عن العشق الشّديد. وآخر مراحل الهوى، والجوى، والوله، والصّبابة.ويرى "بروكلمان" أنّ معجم اللغة العربية اللغوي لا يضاهيه آخر في ثرائه. وبفضل القرآن بلغت العربية من الاتّساع إنتشاراً تكاد لا تعرفه أيُّ من لغات الدنيا. ويرى "إدوارد فان ديك": أنّ العربية من أكثر لغات الأرض ثراءً من حيث ثروة معجمها وإستيعاب آدابها". المستشرق الهولاندي "رينهارت دوزي" (صاحب معجم الملابس الشهير): يقول" إنّ أرباب الفطنة والتذوّق من النصارى سحرهم رنين وموسيقى الشّعر العربي فلم يعيروا إهتماما يُذكر للغة اللاتينية، وصاروا يميلون للغة الضاد، ويهيمون بها."
"يوهان فك": يؤكّد أن التراث العربي أقوى من كلّ محاولة لزحزحة العربية عن مكانتها المرموقة فى التاريخ". جان بيريك:" العربية قاومت بضراوة الاستعمار الفرنسي في المغرب، وحالت دون ذوبان الثقافة العربية في لغة المستعمر الدخيل". "جورج سارتون":" أصبحت العربية في النّصف الثاني من القرن الثامن لغة العلم عند الخواصّ في العالم المتمدين". وهناك العشرات من أمثال هذه الشهادات التي لم تُخْفِ إعجابها الكبير بلغة الضاد يضيق المجال لسردها فى هذا المجال. ويرى معظمُ هؤلاء والحالة هذه أنّ العربية غيرعاجزة عن المتابعة، والمسايرة، والترجمة بنفس الرّوح، والزّخم، والفعالية التى طبعتها بإستمرار،وربما كان العجز كامناً، وساكناً، فى أصحابها، وذويها، وأهلها، ومتعلّميها، ومُستعمليها.
* خبير سابق فى مكتب تنسيق التعريب فى الوطن العربي الذي يوجد مقرّه الدّائم بالرّباط، التابع للمنظمة العربيّة للتربيّة والثقافة والعلوم (الألكسُو)، عضوالأكاديميّة الإسبانيّة- الأمريكيّة للآداب والعلوم - بوغوطا- (كولومبيا).