الجمعة، 19 ديسمبر 2014

هل أتاكم حديثُ الرُّوس؟


هل أتاكم حديثُ الرُّوس؟
درسٌ روسِيٌّ فِي الانتمَاء والهُويَّة لقنَ لمسؤُولِين مغاربة، ومحالٌ أنْ يستوعبُوه، حينَ صاحَ بهم سفيرُ موسكُو في الرِّباط: لا أفهمُ كيفَ تطلبُونَ منِّي الحديث بالفرنسيَّة، برغم كوني في بلدٍ، تشكلُ فيه العربيَّة لغةً رسميَّة بجانب الأمازيغيَّة، حسب دستُور المملكَة.
الإحالةُ إلى كلامِ السفير الرُّوسِي، فالِيرِي فاربيُوفْ، اليوم بالمغرب، ليسَ ضربًا من الانتصار لإيديلوجيَّة ‘عروبيَّة’ أوْ نزعةٍ تنحُو لنبذِ تعددية تسمُ مجتمعنَا، كتلكَ التِي وظفهَا نظامُ الأسد الإجرامِي في سورية، بقدر ما تسائلُ محلَّ المسألة اللغوية من الإعراب عندَ مسؤولينَا، وعمَّا إذَا كانَ منْ الصواب أنْ يخاطبُوا شعبًا يدفعُ لهم الرواتب، بلغةِ شعبٍ آخر، استعمرهمْ بالأمس، وخرجَ بوطهُ العسكرِي، تاركًا عملاءهُ المخلصين يؤبدُن المصالح.
ليسَ لعاقلٍ أنْ يحقدَ على الفرنسيَّة، فللنَاس أنْ ينهلُوا من آدابهَا وفكرهَا بالصورة التي يريدُون، ويقفُوا اقتدارًا أمام هيجُو وملارمِي، وحتَّى إذَا استعصَى على ساستنَا أنْ يبسطُوا أمورًا علميَّة على نصيبٍ من الدقة، لا يتأتى في لساننَا، يبدُو الأمر مفهومًا، لكنْ ما معنَى أنْ يكون الجلساء المغاربة والمحاضرُون مغاربة، والصحافيُّون من المغاربة أيضًا، والمواضِيع من صلب دارجة هذا الشعب، فيصرُّ ‘مفرنسُو’ اللسان والانتماء، على مخاطبتنا بلغة الغير؟
إذَا بدا لهم الأمر انغلاقًا وتقوقعًا على الذَّات، فليتأملُوا مواقف ساسة دول غربيَّة، وكيفَ يحترمُ الواحدُ منهم لغة بلاده، حتَّى أنَّ وزير الخارجيَّة الألمانِي، رفض في لقاء صحافِي، ببرلِين أنْ يردَّ بالإنجليزيَّة على صحافِي للـ’بي بي سي’ "نحنُ في ألمانيَا’، كان ذاكُ الجوابُ كافيًا في بلدٍ شيدَ للعالمِين أهرامًا في الفكر والعلوم.
لربمَا كانت مناوءةُ أكاديميِّين يشتغلُون في حقل ‘العربيَّة’ للثقافة الأمازيغيَّة ورفضهم إنصافها، في فترة تاريخية، دافعًا لدَى كثيرين لمهاجمة لغة الضَّاد، كردِّ فعلٍ انتقامِي، لكنْ ما يغيبُ على كثيرٍ منَّا، أنَّ حزب فرنسا في المغرب، لا يكترثُ بأمازيغيَّة ولا بعربيَّة، وأنَّه حين يهمشُ إحداهما لا ينتصرُ للأخرى، ومستعدٌّ أنْ يأتِي على كلِّ مظهرٍ ثقافِي من صلب البلاد، لتهجينهِ ودفعه للاندثار في سبيل العمالة.
ويظلُّ الأنكَى من ضياع الاعتبار الهوياتِي، أنَّ الفرنسية نفسها لمْ تعد لغة رائدة في العالم، ولا زلتُ أذكرُ دهشتِي في فرنسا، قبل عامين، لدى مشاركتِي في لقاء بباريس، أنَّ لغة التواصل المعتمدة في التواصل إنجليزيَّة، وأنَّ الفرنسيِّين كانُوا مضطرِّين في بلادهم إلى الاستعانة بخدمات الترجمة، في الوقت الذِي لا يزَال مفرنسونَا مصرِّين على لعقِ أيادِي أسيادهم واستجدَاء رضاهم.
اللغة العربيَّة، ونحنُ في عيدها الكونِي، مع حلُول الثامن عشر من ديسمبر، ليستْ موقفًا إيديلوجيًّا متعصبًا، ولا هيَ مسؤُولة عنْ درجة الانحطاط التي بلغها العربُ، بقدر ما هيَ ضحيَّة لانكسارهم التاريخي، وتذيلهم لأمم الأرض المحترمة بوزنها السياسي والعسكري والعلمي.
اللغة العربيَّة، وخارج الحسابات الإيديلوجيَّة، وعاءٌ ثقافِي وحضاريٌّ أسهم فيه أعلامنَا، واحتضنَ أدبنَا وفكرنا، وصحافتنا، بلْ وشكل ولا يزالُ إمكانيَّة تواصليَّة مع بقعة جغرافيَّة وكتلة بشريَّة بالغَة الأهميَّة. لكنْ الأمر ليس في يدِ المسخرِين الزائلِين، لأنَّهمْ ليسُوا في نهاية المطاف سوى بيادق، تعلمتْ في الخارج، وتتطببُ في الخارج، وتقضِي عطلتها في الخارج، فلا تسرقُ ولا تأتِي حماقاتهَا سوى في الداخل، ولا أحد يلجمها فتتعقل !
لا أجدُ كلامًا أقصد للختم، من مقطعٍ في روايةٍ ‘ليُّون الإفريقي’ للفذِّ أمين معلُوف، إذْ قال ‘ستسمعُ منْ فمِي العربيَّة والتركيَّة والقشتاليَّة والأمازيغية والعبريَّة واللاتينيَّة والإيطاليَّة العاميَّة، فكلُّ اللغة وكافَّة الصلوات تنتمِي إليَّ، لكننِي إلَى أيِّ منهَا لا أنتمِي’.

0 التعليقات: