الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

في النهاية.. أي إرث سيتركه بوتفليقة؟

image
خيرالله /كاتب لبناني
يخيّل لمن يسمع كلام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الموجه في رسالة إلى ملك المغرب محمّد السادس في مناسبة العيد التاسع والخمسين للإستقلال، أن الرئيس الجزائري اقدم منذ وصوله إلى الرئاسة على خطوة ما في اتجاه اقامة علاقات طبيعية بين البلدين.

تبدو الرسالة أقرب إلى كلام عام ابعد ما يكون عن الجدّية نظرا إلى التناقض المكشوف بين التمنيات، التي تبدو أقرب إلى المجاملات، من جهة والواقع الأليم للعلاقات بين البلدين الجارين من جهة أخرى.

قال بوتفليقة العائد من رحلة علاجية قصيرة إلى فرنسا في رسالته الموجّهة إلى العاهل المغربي: «وإذ اشاطركم والشعب المغربي الأفراح، فإنّه لا يفوتني أن اجدّد حرصي على توثيق علاقات الأخوّة التي تربط بين بلدينا والإرتقاء بها لتشمل كلّ المجالات».

هل من كلمة تعني شيئا، على علاقة بالواقع، في الرسالة؟ ما الذي يثبت أنّ هناك رغبة جزائرية في اقامة علاقات «اخوّة» مع المغرب؟ 

الجواب بكلّ بساطة أنّ ليس ما يشير إلى ذلك في أيّ شكل. كلّ ما هناك أنّ الجزائر ترفض حتّى البحث في اعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ عشرين عاما بالتمام والكمال. لم تكتف الجزائر بتأكيد رغبتها في إبقاء الحدود مغلقة. رفضت البحث في المسؤولية عن الحادث الحدودي الذي وقع الشهر الماضي عندما اطلق رجال الأمن فيها النار على مواطنين مغاربة داخل الأراضي المغربية. رفضت حتّى التحقيق في ظروف الحادث الذي اصيب فيه مواطن مغربي بجروح. بدا وكأنّ المطلوب تأكيد أن لا مجال لمناقشة أي موضوع من شأنه أن يمهّد لتعاون وتنسيق بين البلدين، حتّى في الأمور الإنسانية.

سبق لمحمّد السادس أن هنّأ بوتفليقة في الذكرى الستين لإندلاع الثورة الجزائرية، أكّد العاهل المغربي مجددا وجوب إقامة علاقات أكثر من طبيعية بين البلدين. الفارق بين الموقفين الجزائري والمغربي في غاية الوضوح، بل على طرفي نقيض. إنّه فارق بين الكلام الجزائري الجميل الذي يظلّ كلاما من جهة والكلام المغربي المقرون بالأفعال من جهة أخرى.

تعتبر الرباط أنّ من الطبيعي تطوير العلاقات بين البلدين خدمة للمصالح المشتركة والإستقرار الإقليمي، فيما في الجزائر من يصرّ على الهرب الى الخارج من أجل التغطية على الأزمات الداخلية المتلاحقة التي يشهدها البلد منذ استقلاله في العام والتي بلغت ذروتها خريف العام لدى اندلاع ثورة حقيقية ما لبث المتطرفون أن تلقفوها وادخلوا البلد في دوامة العنف التي استمرّت ما يزيد على عشر سنوات. 

لا شكّ أن الدور الذي لعبه الجيش الجزائري كان حاسما في القضاء على الإرهاب تمهيدا لوصول بوتفليقة إلى الرئاسة في العام . ساهم الرئيس الجزائري بدوره في مجال استتباب السلم الداخلي وترسيخه عبر مصالحات وطنية.

تمكّن من ذلك بفضل الخبرة الطويلة التي اكتسبها منذ كان شابا. كان مفترضا أن يتوسّع دوره إلى ما هو ابعد من الداخل. المؤكد أنّ السياسة الخارجية للجزائر بقيت تراوح مكانها. تقوم هذه السياسة المبنية على لغة خشبية، على الإستثمار في كلّ ما من شأنه اثارة القلاقل في دول الجوار وذلك كي تثبت الجزائر أنّها قوّة اقليمية.

لم يستطع بوتفليقة، الذي شاء إرتداء بذلة هواري بومدين، التخلّص من العقدة الجزائرية المتمثلة في وهم الدور الإقليمي.

لا يختلف اثنان على أن الحال الصحيّة لبوتفليقة كانت تفرض عليه عدم الترشّح لولاية رابعة. لكنّ مراكز القوى التي تدعمه والتي لا تستطيع القبول ببديل منه في المرحلة الراهنة، فضّلت أن يبقى في الرئاسة لإدارة البلد المهمّ من كرسيّه النقال. لا يزال الرئيس المريض المقيم خارج قصر الرئاسة في العاصمة (المرادية) قادرا على اتخاذ القرارات الكبيرة، ولكنّ من الواضح أنّ ما يريح الدائرة الضيّقة المحيطة به هو التمسّك بكلّ ما هو قديم، أيّ بالنهج الذي جعل الجزائر غير قادرة على التعاطي مع جيرانها من منطلق أنّ المنطقة تغيّرت وأن ما كان ممكنا في عهد بومدين صار من رابع المستحيلات اليوم.

لا تزال الجزائر اسيرة العقدة الجزائرية. هناك نقطتان تؤكّدان ذلك اولاهما الحدود المغلقة مع المغرب. يخشى النظام الجزائري أن يأتي المواطن العادي إلى المغرب ليشاهد بنفسه كيف استطاع بلد لا يمتلك ثروات طبيعية تُذكر تطوير نفسه في كلّ مجال، بما في ذلك لعب دور الجسر بين اوروبا وافريقيا. 

أمّا النقطة الثانية فهي مرتبطة بنزاع الصحراء الذي هو نزاع مغربي جزائري بالدرجة الأولى. ترفض الجزائر الإعتراف بأنّ المغرب ربح الحرب وربح السلم في الصحراء المغربية وأنّ كلّ ما عدا ذلك مناورات مكشوفة تستهدف ابتزازه ليس إلّا. لا وجود لغير لعبة وحيدة في المدينة، حسب التعبير الأميركي الشائع. هذه اللعبة هي ما طرحه المغرب وكرّره محمد السادس اخيرا في مناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لـ»المسيرة الخضراء» التي سمحت للمغرب باستعادة اراضيه. اسم اللعبة هو الحكم الذاتي للصحراء في اطار السيادة المغربية. لماذا هذا الإصرار الجزائري على تجاهل الواقع والإعتراف بأن افضل ما يستطيع بوتفليقة عمله، في حال يريد أن يكون لديه ارث، هو توظيف الثروة الجزائرية في خدمة الجزائريين...بدل الإستثمار في كيفية اثارة القلاقل خارج الحدود الجزائرية عن طريق اداة اسمها جبهة «بوليساريو» وما شابه ذلك.

سيترك بوتفليقة، الذي يحكم من كرسيه النقّال، ارثا. يعترف كلّ من تعاطى في الشأن الجزائري أنّه استطاع اتمام شبه مصالحة وطنية ادّت إلى استقرار نسبي في الداخل. أمّا الفشل الجزائري في عهده، فهو فشل كبير على الصعيد الإقليمي أوّلا. بقي بوتفليقة اسير العقدة الجزائرية. تبيّن، على الرغم من كلّ ما قام به من اجل تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، أنّه عاجز عن اتخاذ قرارات كبيرة تجعله يدخل التاريخ. فالجزائر ما زالت دولة من العالم الثالث أو الرابع أو الخامس، تكره فرنسا، فيما طموح معظم الجزائرييين هو الإنتقال للعيش فيها.

ليس الموقف من الصحراء المغربية سوى تعبير عن عقدة جزائرية اسمها المغرب. إنّها ايضا تعبير عن عجز رئيس جزائري، لا مفرّ من الإعتراف بأنّه حقّق شيئا لبلده على الصعيد الأمني والسياسي، عن الذهاب إلى ابعد من ذلك. والذهاب إلى ابعد من ذلك، يعني أوّل ما يعني التخلي عن وهم القوّة الإقليمية في شمال افريقيا. فالمكان الوحيد الذي تستطيع الجزائر اظهار أنّها قوة، هو الداخل الجزائري، أي رفاه الجزائريين واقامة علاقة طبيعية مع الدول المجاورة، ولا شيء آخر غير ذلك...إنّه الإمتحان الذي سقطت فيه الجزائر مرّة أخرى.

0 التعليقات: