الخميس، 13 نوفمبر 2014

المعارضة المغربية بين السيسي والسبسي


المعارضة المغربية بين السيسي والسبسي
بغض النظر عن الأرقام المتضاربة التي واكبت وأعقبت "الإضراب العام" الأخير، لا يمكن القفز على حقيقة يستحيل إنكارها، تتمثل في أن الحياة كانت عادية يوم الإضراب "العام" باستثناء قطاع الوظيفة العمومية وبعض القطاعات الأخرى "الهامشية".
لا يعني هذا الرأي بطبيعة الحال انتصارا لوجهة نظر الحكومة التي أعلنت فشل الإضراب، بقدر ما هو تقرير واقع، اللهم إلا إذا كانت المصطلحات المتعارف على معانيها دوليا قد أصبحت لها مفاهيم خاصة بالمغرب.
فالإضراب العام يعني توقف الحركة بشكل شبه تام على الأقل، وهو ما يصفه البعض بـ"المدينة الميتة"، حيث لا يكون هناك أثر لأي نشاط اقتصادي أو إداري أيا كان نوعه..
ولهذا حين يرى كثيرون أن الإضراب فشل، فذلك أولا، لأن منظميه وصفوه بـ"العام"، في حين اتضح ان الحياة كانت عادية جدا، في الغالب الأعم، وأن الاستجابة كانت فقط في القطاع العام حيث أغلب الموظفين مستعدون للاستغناء عن أجر يوم من أجل الاحتجاج على مشروع إصلاح صندوق التقاعد الذي يرون فيه مسا بحقوقهم المكتسبة.
والإضراب فاشل ثانيا بالنظر إلى عدد الداعين إليه، حيث يبدو أنه باستثناء أحزاب الإئتلاف الحكومي، فإن جميع ألوان الطيف السياسي والنقابي والجمعوي و"الدعوي" انخرطت في الحركة الاحتجاجية، ما كان يفترض شل الحركة على كافة الأصعدة.
إن هذه النقطة تحديدا ينبغي أن نتوقف عندها، ذلك أنه حين تدعو 28 نقابة للإضراب، بما فيها تلك التي توالي أحزابا مشاركة في الحكومة، وحين تدعم أقوى الأحزاب في البلاد (الاستقلال، الاتحاد، الأصالة والمعاصرة) هذا التحرك ومعها أحزاب كارطونية لا وجود لها على الأرض، بل وتنضاف إليها جماعة العدل والإحسان التي تعتبر نفسها -ويعتبرها البعض أيضا- الحركة الأكثر حضورا في الشارع، وفوق ذلك تدعم جميع الجمعيات الحقوقية التي لا تتوقف عن الاحتجاج اليومي في كل شبر من الوطن إضافة إلى فعاليات وتنسيقيات هذا الإضراب...، ومع ذلك تستمر عجلة الحياة في الدوران بشكل طبيعي في القطاع الخاص، وبشكل نسبي ما في القطاع العام، فهذا معناه أن هؤلاء جميعا لا يمثلون أي شيء في الساحة، وأن المواطن أصبح مستقيلا فعليا من العمل السياسي والنقابي والجمعوي، وأن كل ما نراه ونسمعه عن "تمثيلية" و"حضور" و"تأطير"...هذا الحزب أو تلك النقابة أو الجمعية، ما هو إلا مبالغات وانتفاخ أقرب إلى التورم منه إلى أي شيء آخر..
لقد كتبت قبل شهور في هذه الزاوية المتواضعة، أن المغرب على مشارف الوصول إلى لحظة خطيرة حين يصبح طيف سياسي واحد مسيطرا على الساحة، قسم منه يقود الحكومة، والقسم الآخر يحتل الشارع، بينما بقية المكونات الأخرى لا وجود لها خارج الضجيج الإعلامي..
ويبدو أن هذا المشهد آخذ في التكرس بشكل أو بآخر..
فحزب العدالة والتنمية استطاع حتى الآن الانحناء أمام جميع العواصف التي هبت من الشرق في اتجاه الغرب، ونجح في تعديل خطابه بما يتماشى وحدود الممكن، وهو ما عكسته "الثقة" الزائدة في النفس عشية الإضراب العام، حيث لوحظت لامبالاة تامة بالأمر، مع أنه كان بالإمكان أن يتحول إلى مدخل لتغيير غير متوقع..
وجماعة العدل والإحسان، بغض النظر عن ضوابط علاقة قياداتها بأتباعها، هي الآن القوة الوحيدة المنظمة في الشارع القادرة على التعبئة، ويمكن أن ترتفع أسهمها السياسية كثيرا إذا هي قررت استغلال احتياطيها الانتخابي في المضاربات التي تعرفها بورصة الانتخابات.
إن هذا الواقع هو الذي دفع أحد الأقلام المحسوبة على ما يسمى "التيار الاستئصالي" التي لمعت عقب التفجيرات الإرهابية لـ 16 ماي 2003 بالدار البيضاء، إلى دعوة المعارضة "الديموقراطية" لرص الصفوف وإعادة بناء نفسها وتحديث أدوات اشتغالها، لأنه الخيار الوحيد المتبقي -في نظره- لمواجهة موجة "الإسلام السياسي"..بينما الخيارات الأخرى تتراوح بين "دعم" المؤسسة الملكية لاستعادة كافة صلاحياتها وبالتالي الإجهاز على المكتسبات القليلة التي جاء بها دستور 2011، وبين الدفع في اتجاه انتخابات مبكرة ستكون محكومة بشرطين : تنامي معدلات العزوف والمقاطعة، مقابل ثبات في الكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية، ما يعني في المحصلة أن خطوة من هذا النوع قد تصب فقط في مصلحة نفس الحزب الذي قد يعود مجددا..
ويبدو أن هذا الكلام لم يجد أذنا صاغية، ولم يصل إلى العنوان الذي أرسل إليه، بل هناك إصرار متواصل على السير في نفس الاتجاه : المزايدة والخطاب الشعبوي، وعدم طرح بدائل فأحرى الاشتغال في العمق.
لقد قلت أكثر من مرة سابقا، إن الديموقراطية الحقيقية تحتاج إلى معارضة قوية.. تضغط على الحكومة بقوة البدائل والأفكار المغايرة، وليس بالهرج والمرج والضجيج الإعلامي وافتعال المعارك..
لنكن واقعيين، ولننظر إلى الصورة بعيون مفتوحة.. فأحزاب المعارضة والنقابات التابعة لها فشلت في الاستقطاب والتعبئة، ما يعني صراحة أن أية استحقاقات انتخابية قادمة سيكون المال الانتخابي محركها الوحيد.. وهذه حقيقة "حتمية" لا يمكن تغطيتها بالكلام الذي يتم تسويقه عن أدوار جديدة للأحزاب والنقابات والمجتمع المدني.. في مغرب ما بعد 20 فبراير..
إن الدرس الذي لا يريد أحد أن يستخلصه من "الإضراب العام" هو أن المواطن "ما مسوقش".. وهذا أمر لا ينبغي أن يكون محل استخفاف أو مزايدة، لأن المطالب السياسية والاجتماعية لابد أن تجد قنوات للتعبير عن نفسها ... في لحظة من اللحظات.
وهنا تبرز الإشكالية الحقيقية في إطار سؤال مؤداه.. ما هي هذه القنوات؟ وهل ستظل منضبطة للنضال السلمي أم سنرى لها تعبيرات عنيفة وخارجة عن السيطرة؟
لقد أثبت الربيع العربي أنه باستثناء ما يعرف بجماعات "الإسلام السياسي"، فإن بقية الأطراف هي مجرد ظواهر صوتية لها وجود إعلامي فقط، وهو ما تأكد في الحالة المصرية بعدما اتضح أن الانقلاب هو الخيار الوحيد، بما أن الرهان على الليبراليين واليساريين والعلمانيين والديموقراطيين والحداثيين لن يؤدي إلى اية نتيجة ولو بعد مائة عام.. بل إن زعيم أحد الأحزاب الليبرالية أكد صراحة أنه لو استمر مرسي في الحكم سنة أخرى، فإن "الإخوان" كانوا سيسيطرون على البرلمان لـ 30 سنة قادمة.. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها تحت تأثير العمى الإيديولوجي والخصومة السياسية..
ولا يخفى أن هذا "خيار الانقلاب" تمت محاولة تجربته في تونس لكنه فشل بسبب ضعف الجيش، والكره الشعبي الشديد لأجهزة الأمن، فضلا عن عدم وجود حاضنة شعبية لخطوة من هذا القبيل، ولهذا تم البحث عن بديل تمثل في الاستعانة بخدمات "كوكتيل" من بقايا نظامي بورقيبة وبن علي إضافة إلى رجال المال والإعلام المتضررين مما عرف بثورة الياسمين، ووضع الجميع تحت عباءة رجل قادم من ماض سحيق.. ولهذا هناك اليوم من يتحدث عن "انقلاب ناعم" يقوده "الشاب السبسي"، الذي لم يستمع حتى لنصائح مقربين منه نبهوه إلى أن تسيير الدولة يحتاج إلى ساعات طويلة من العمل يوميا وإلى جهود مضاعفة قد لا تتناسب مع سنه... (تماما كما لم يستمع للسيسي لمن نصحوه بالاكتفاء بمنصبه كوزير للدفاع يحرك كل الخيوط من خلف الستار بدل أن يحتل كرسي الرئاسة ويصبح تحت الأضواء الكاشفة)..
لكن يبدو أن الرئيس المنتظر تتويجه في تونس يضع بين عينيه النموذج الجزائري : فإذا كان بوتفليقة الأصم الابكم المقعد الذي لا يقدر على شيء يحكم دولة عملاقة بمشاكلها وثرواتها وتعداد ساكنتها، فإن السبسي يبدو في وضع مناسب لحكم تونس بمعطياتها الديموغرافية والجغرافية المحدودة، خاصة وأن المال الخليجي قد يتهاطل من كل حدب وصوب للتحكم في الخريطة السياسية المستقبلية للبلد الذي ولد فيه شعار :"الشعب يريد.."..
لم أورد هذه المعطيات عبثا أو من باب المقارنة المستحيلة، بل لتسجيل ملاحظين اساسيتين:
الأولى، تتمثل في أن النهج الذي تكرس عبر إبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية عن الصراع السياسي في المغرب، يؤكد أن المؤسسة الملكية ضرورة وضمانة لقطع الطريق أمام الفوضى.. وأمام المغامرات غير المحسوبة..
أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في مطلب أطلقه أحد "المناضلين" على صفحته بالفيسبوك، حيث طالب شخصيات -ذكر منها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ومحمد بن سعيد أيت يدر وسعيد بونيعلات-.. بالاستفادة من تجربة السيد باجي قايد السبسي، وذلك من خلال العودة إلى الساحة وتحمل "المسؤولية التاريخية" بقيادة جبهة تضم التقدميين والحداثيين والديموقراطيين.. لمواجهة قوى الظلام والرجعية..
باختصار .. هو حكم مبرم على أجيال كاملة بعدم الأهلية لقيادة المرحلة، ونبش في الأرشيف الوطني من أجل العثور على شخصية مناسبة للعب دور "سبسي مغربي".. ولو مع الفارق الذي تفرضه ظروف الزمان والمكان..
ما أريد قوله هنا، هو أن المعارضة البرلمانية تعيش خارج السياق، وهو ما يتضح من المناورات التي تقوم بها في المؤسسة التشريعية، حيث وصلت إلى مرحلة العرقلة من أجل العرقلة، وهو ما أعلنته صراحة النائبة السيدة ميلودة حازب خلال اجتماع لجنة المالية.. ولا حاجة بعد ذلك لمتابعة مسلسل الثنائي لشكر/شباط، الذي أصبح يضاهي في طوله ورتابته المسلسلات التركية مع فارق كبير يتمثل في أن تلك المسلسلات الرخيصة تعج على الأقل بالحسناوات بينما مسلسلنا البئيس لا مكان فيه سوى للوجوه التي "تقطع الخميرة من البيت" على رأي الأشقاء في مصر..
المعارضة البرلمانية تبحث إذن عن سيسي أو سبسي..أما المعارضة من خارج المؤسسات، فهي مقسمة بين ينتظرون-على طريقة الشيعة مع إمامهم الغائب- عودة كارل ماركس، وبين من يراهنون على الملائكة المسومين المنزلين لدعمهم في غزوة "إحياء الخلافة"..

0 التعليقات: