السبت، 18 أكتوبر 2014

واداعشاه!

لينا أبو بكر
■ هناك مثل فلسطيني « كُحْ « يقول: (المنحوس منحوس، لو حطوا على راسه فانوس)، وهذه هي الصيغة الأكثر تأدبا للمثل، لأنه مع الزمن تغير وأصبح يجنح إلى الشتيمة، حيث استبدل الرأس بالمؤخرة، وأصبح الفانوس خازوقا! أما على من ينطبق المثل، فهذا هو مربط القصد الذي سيتضح خلال هذه الكتابة.
المفارقة، أن نعوم تشومسكي المحلل والمفكر السياسي الذي صنفته «نيويورك تايمز» في «البوك ريفيو» كأحد أهم المراجع الأساسية لفهم السياسات الأمريكية، كشف عورة التناقض الفاضح في تلك السياسات، خاصة لما حاكم مواقف بوش الأب بالأعراف القانونية التي سنها بوش الابن، مستشهدا بحادثة إطلاق الأول لسراح الإرهابي الأخطر في العالم أورلاندو بوسك، الذي يعيش طليقا حرا في الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن الحرب التي شنها الابن بوش على الإرهاب في أفغانستان، تضمنت تهديدا صريحا للدول التي تؤوي الإرهابيين، معتبرا إياها شريكة في الإرهاب، مستحقة للعقاب سواء بسواء، فإلى أي مدى ينطبق هذا التهديد على أمريكا، كما استنكر تشومسكي؟
أمريكا التي أعطت لنفسها حق الانسحاب عام 2005 من بروتوكول كيوتو «الاتفاقية التي عقدت في اليابان عام 1997 للحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري والتسلح النووي الذي يؤدي إلى التغيرات المناخية ويلوث البيئة»، لتتصاعد سياسة الدافع التحسبي التي بدأت مع ريغان وتنامت في عهد بوش الثاني، إلى الحد الذي اعتبر فيه المحللون السياسيون سعي الدولة الواحدة للأمن الكامل وشن الحروب في سبيله متى تشاء، يفقد الشعور بالأمان لدى الآخرين ليصبح أمنها خطرا على الجميع.
العالم لم ينجح بردع أمريكا، فالسيطرة على البعد الفضائي للعمليات العسكرية لحماية المصالح الأمريكية واستثماراتها منذ الحقبة الكلينتونية، عززته الخطة الاستخباراتية العسكرية التي رفعت من وتيرة التهديد بالسلاح النووي الفوري عند أي خطر، عداك عن اللعب بنار الفتنة، وتغيير المعادلات الاستراتيجية والعسكرية بما يقتضيه الظرف السياسي، فقد أعلنت «نيويورك تايمز» في الثامن من أغسطس الماضي، أن البنتاغون ينتظر تقريرا عن الانشقاق في صفوف «داعش» الذي ضم البعثيين القدامى، للاستفادة من إحياء عشائر الصحوة الإسلامية التي تأسست عام 2007 مدعومة من أمريكا، وتم تنييمها مغناطيسيا، إلى أن حان وقت بعثها من جديد، لا بل إن الصحيفة ذاتها كشفت عن كذبة انسحاب القوات الأمريكية الكامل من العراق عام 2011، عندما تطرقت في أوائل سبتمبر إلى وجود آلاف المقاتلين العسكريين في العاصمة الكردية أربيل، التي تعتبر مأوى وطنيا لهم منذ بدء الاحتلال، وأشارت إلى أنه سيتم تحريكهم في اللحظة الحاسمة خلال الحرب الحالية على «داعش»، وتساءلت الصحيفة عما سيعقب النجاح الذي حققته القوات الأمريكية الجوية بضرب مصافي النفط التي يسيطر عليها التنظيم الداعشي، مستنكرة عدم تدخل أمريكا في ليبيا واليمن وتركهما لمصائر الدول الفاشلة التي رأى تشومسكي أن أمريكا تحمل صفاتها.
ثم يأتي بعد ذلك المحلل الأمريكي مايكل ويس في مجلة «فورين بوليسي» ليرى أن الأسد يلعب لعبة مزدوجة، فبعد أن أشعل الحرائق يهرول من أجل إطفائها، في الوقت ذاته الذي يشتري فيه النفط من «داعش» ويؤوي محسن الفضلي زعيم خراسان الذي ادعت إيران أنه قيد الاقامة الجبرية، وموقف تركيا ليس أقل إثارة للحيرة، فبعد صفقة الرهائن مع داعش تراها تحشد قواتها على الحدود السورية استعدادا للمواجهة العسكرية!
«شو هالخلطة بيطة»، كأنها «طعة وقايمة» على رأي أشقائنا الأردنيين! فمن حليف مَن ضد مَن؟ قد لا يخرجنا من كل هذه المعمعة سوى كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، رئيسة الأرجنتين، التي انتخبها شعبها مرتين، الأولى عام 2007 بنسبة 44.6٪، والثانية عام 2011 بنسبة أعلى من النصف بقليل وصلت إلى 54٪، هي الآن بطلة الأضواء المسروقة من عدسات البث الفضائي التي تم إطفاؤها بحجة الخلل الفني، كي لا تكشف عورة المطرقة الأمريكية التي تعمل برأس واحدة، وتضع رأس المطرقة الأخرى في سلة القمامة.
لن أخوض في ثنائية الرجل والمرأة خلال حديثي عن دي كيرشنر، لأننا لن نختبر الرجولة بالأنوثة حين يعز الرجال، ما دمنا في عصر حريم السلاطين، نبيع القباقيب والطرابيش للغزاة في حارة «كل من إيدو إلو»! لم تعد «تفرق» رجلا أو امرأة، المهم هنا هي البطولة، بغض النظر عن جنسها أو دينها أو عرقها، البطولة مجردة هكذا بلا رمز جيني، يحدد صفاتها الوراثية، وبلا فصيلة دم مغشوشة، أو ملقحة بأمصال سياسية سامة.. كل ما هناك فقط هو البطولة المكتملة بذاتها كنمط سلوكي لم يعد من السهل التحلي به، في زمن يعتبرها عارا وقلة عقل و تهورا غير محسوب، يجب وضعه تحت المجهر أو تشريح جثته لاستئصاله، لا بل وملاحقته قضائيا حتى مثواه الأخير، لأن الأبطال التاريخيين الذين تحللت هياكلهم العظمية في القبور أصبحوا أيضا عرضة للتشويه والمحاكمة القانونية والتاريخية.
يا أيها الرجال، اربطوا الأحزمة، نحن في مرحلة حرجة جدا، قد تضع أجدادكم وأنبياءكم ورسلكم وآلهتكم في السجون، بتهمة: البطولة! حسنا إذن، أنت بطل، فأنت مطلوب للعدالة، واسمك على قائمة الإنتربول الدولي، فماذا تريد أكثر من هكذا طامة! لن أطلب منك أيها العربي أن تبحث عن رأس المطرقة المفقود في أكياس النفايات، مادامت البطولة أصلا من الممنوعات، ولكنني سأطلب منك أن تعلي صوتك أكثر، كي تطالب بانتخاب تشافيز حيا أو ميتا رئيسا للأمة، فإن اعترضتك الملائكة على باب القيامة، انتخب دي كرشنر، وطالب بإحدى الجنسيتين: الأرجنتينية أو التشافيزية، كي تمارس الانتخاب، بعيدا عن صناديق الاقتراع الملغومة التي وجدت لتكتم الصوت كالرصاص الأخرس، من أجل تصفية الشعوب وتعليبها في تلك الصناديق، «ولا من شاف ولا من دري» على رأي ستي وستك أيها القارئ!
أنت عربي إذن، فأنت منحوس! ما دامت أبواق القيامة الأمريكية تقرع من جديد استعدادا للحرب على منتج تم تصنيعه في الأسواق الأمريكية، ولما ثبتت عدم ملاءمته للمواصفات التجارية، قررت الساحرة التي ترتدي قبعة الكاوبوي أن ترفع المقشة الكهربائية في وجه هذا المستحضر الداعشي، وتتلو تعويذتها السحرية: أشتاتا أشتوت، ليتبخر من الوجود، يا عيني يا عيني!
إنها خفة يد بهلوانية، لا تنطلي إلا على البلهاء الذين يرتادون السيرك الأمريكي ليتفرجوا على القردة وهي تهز مؤخراتها على وقع الطبول المثقوبة، يا أيتها القردة: برافو، العرض كان مؤخراتيا بامتياز!
ولن أسترسل احتراما لحياء المسخرة!
في المحصلة يتم فرز الخونة والأبطال في الشارع الفيسبوكي العربي، على هذا النحو:
إما أن تكون داعشيا أرجنتينيا، أو أن تكون أمريكيا من إحدى القبائل العربية، فإن كنت في الجبهة الأولى فأنت متهور وعاطفي ووطني جدا بجرعات زائدة، وموضة قومية قديمة، وإن كنت مع الجبهة الثانية فأنت خائن، وعرقك دساس، وأمريكي واستعماري، وعقلة إصبع في اليد الأمريكية، واحذر فليس لديك خيار ثالث، لأنك ستكون حينها شاذا أو مثليا سياسيا، فهل أنت عربي؟!
ولكن! ما معنى الدولة الإسلامية، وأين هي أين تقع على الخريطة، ما حدودها، أين صناديقها الانتخابية، أين مقرها الرئاسي، أين شعبها، ما هو دستورها، أين محاكمها وقضاتها ومؤسساتها، كيف تأسست ومن أسسها؟ كل ما نعرفه عنها أنها ربة الصون والعفاف: «داعش»، التي انتقلت من طبقة الجواري إلى غرف حريم السلاطين والخلفاء الطارئين.
قلبي عليك أيها العربي المنحوس، وقلبي أيضا على الفانوس، وعلى الثورة، ولكن على ذكر الثورة، أين هي؟ أنا لم أعد أراها في هذه القيامة المتأرجحة، من وضع الثورة في غرف العار؟ يا أيها الثوار، يسلم عليكم جيفارا ويقول لكم: تصبحون على طغاة جدد. الآن والآن فقط، هل ستشفق على بعض فئات الشعوب العربية إن لم يكن أغلبها ـ التي كفرت بحريتها ووعيها، فأطلقت صرختها المعتصمة بسياط الخلافة: واداعشاه. لم يتبق على كريستينا فرنانديز دي كيرشنر سوى أن تتحول إلى شهرزاد عربية، تحكي لهذه الشعوب حكاية ما قبل النوم: «داعش» والرجل الأبيض، حينها لن نسأل أين الضحية ما دمنا ضحية عواطفنا الساذجة وجهلنا بديننا الحنيف. يا أيها التاريخ لا أوصيك خيرا بنا بل أوصيك فقط بالفانوس.
٭ كاتبة عربية من فلسطين/المصدر القدس العربي

0 التعليقات: