السبت، 4 يناير 2014

هل ستتفتح أزهار الربيع العربي في تونس؟


* برايان كلاس وجاسون باك - جريدة عمان العمانية

             بدأ الربيع العربي في يوم ثلاثاء قبل ثلاثة أعوام حين أشعل بائع خضار اسمه محمد البوعزيزي (26 عاما) النار في جسمه احتجاجا على القهر السياسي ومحدودية الفرص الاقتصادية التي أتاحها الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي. وقد أشعلت تلك الشرارة (الحقيقية) التغيير السياسي الدرامي حوالي الشرق الأوسط. واليوم تظل المرحلة الانتقالية (المتعطلة) في تونس آخر وأفضل احتمال لتفتح أزهار الديمقراطية في موسم الربيع العربي.
       وتتواصل هذه الآمال لأن تونس تعلمت من التجارب الديمقراطية الأخرى التي انحرفت عن مسارها بالمنطقة وتحديدا في العراق ومصر وليبيا. في مايو 2003 وعقب فترة قصيرة من إسقاط النظام البعثي بقيادة صدام حسين بواسطة قوات التحالف تحت إمرة الولايات المتحدة أصدر بول بريمر(الحاكم الفعلي في العراق وقتها) أمرين محفوفين بالضلال والشؤم. فالأمر رقم واحد (الذي أصدره بريمر) حلَّ حزب البعث الحاكم وحظر على أعضائه «تولي وظائف تصريف السلطات والمسؤولية في المجتمع العراقي». 
        فبجرَّة قلم تمَّ تطهير نُخَب العراق وإزالة خبرات بالغة الأهمية والقضاء على المصالحة السياسية. أما الأمر رقم اثنين فقد حلَّ الجيش العراقي مُجرِّدا بذلك 400 ألف فرد مسلَّح ومدرَّب من وظائفهم. وقد وجد العديدون منهم «عملا» في حركة التمرد التي كانت في بداياتها حينذاك. لقد كان كلا القرارين خطأين عظيمين. وهما الآن يشكلان نموذجين مدرسيين للكيفية التي لا يمكن بها إدارة الفراغ السياسي الذي ينشأ بعد تغيير النظام. أما محاولة مصر في إرساء الديمقراطية فقد فشلت لأسباب مختلفة. لقد تم السماح لبعض المسؤولين في حكومة الرئيس المخلوع حسني مبارك بالمشاركة بعد الثورة. ولكن حكومة الإخوان المسلمين لم تكن مرنة.. وهي نادرا ما سعت وراء أرضية مشتركة مع خصومها السياسيين. كما كان الجيش عنيدا بنفس القدر حيث رفض الخضوع للحكم المدني. وكانت حركة الثورة المضادة في يونيو هي الثمن الذي تم دفعه مقابل تلك الإخفاقات.
    وتُقدِّم ليبيا ما بعد القذافي مجموعةً أخرى من الدروس حول ما لا ينبغي عمله أثناء محاولة الانتقال الديمقراطي. فالحكومة الجديدة ارتكبت كل خطأ يخطر على البال مثل رشوة أفراد المليشيات والفشل في إيجاد جيش وطني لتأمين البلد ورفض تشكيل حكومة عريضة والسماح للمليشيات بابتزازها من خلال إصدر قانون العزل السياسي الذي حرم مسؤولي النظام السابق من المشاركة في الحياة العامة (وكان ذلك تردادا لغلطة اجتثاث البعث في العراق)
    لقد توافر للمسؤولين التونسيين الذين أحاطت بهم مثل هذه الحالات من الفشل الفاقع العديد من أمثلة ما لاينبغي لهم أن يفعلوه. ورغما عن ذلك فقد كانت هنالك أيام سوداء في المرحلة الانتقالية بتونس، ففي 9 ديسمبر اعتقِل ستةُ انتحاريين قبل أن يتمكنوا من تنفيذ هجماتهم. وفي وقت متزامن أُحبِطت محاولة اغتيال سياسي مزعومة. وفي وقت مبكر هذا العام أُطلق الرصاص على سياسيِيَن معارضيَن بارزين وفجر انتحاري نفسه عند شاطئ مزدحم بالسياح غير أنه قتل نفسه فقط. ويبدو أن الحكومة المؤقتة التي يقودها الإسلاميون في تونس تعاملت مع هذه الأحداث المزعجة كإشارات تحذيرية، وتواءمت وفقا لذلك.
      فأولا، أصبحت السياسة التونسية غير اقصائية، مستفيدة في ذلك من الأخطاء التي وقعت في العراق وليبيا، على الرغم من أن فكرة (اجتثاث البعث) قد ترددت أصداؤها هناك في البداية. ورغم أن حزب زين العابدين بن على قد تم حله رسميا في عام 2011 الا أن حركة النهضة الإسلامية الحاكمة وضعت على الرف قانون «تحصين الثورة» الإشكالي المقترح. وهو نسخة كربونية تقريبا من قانون العزل السياسي الليبي.
       وكنتيجة لذلك نجد أن العديد من أفراد النظام الدكتاتوري الذي أطيح به يقودون الآن أحزابهم السياسية الخاصة بهم رغم أن بعض المسؤولين الحكوميين السابقين يواجهون قيودا على السفر إلى الخارج. وربما أن بعضهم سيترشح في الانتخابات الرئاسية العام القادم. بل يُسمَح حتى لبعض كبار وزراء بن علي (مثل كامل مرجان وزير الدفاع ولاحقا وزير الخارجية في النظام السابق) بالمشاركة دون قيد في الحياة العامة. وهو احتمال لايدور بالبال في العراق أو ليبيا.
     ثانيا، تجنبت الفترة الانتقالية في تونس أخطاء حل الجيش (العراق) أو تركه يتصرف حسبما يرى (مصر) أو الفشل في إنشاء جيش قادر على حفظ سلامة البلد (ليبيا). بل بدلا عن ذلك فإن تونس تعزز من سيطرتها العسكرية والمدنية بنشر المزيد من القوات وتنشيط دوريات مراقبة الحدود وتكثيف نقاط التفتيش. كما أعلنت الحكومة مؤخرا تشكيل هيئة وطنية لمكافحة الإرهاب.
       
    ثالثا، بعكس ماهي عليه الحال في مصر وليبيا فقد ظلت النخب الحاكمة في تونس تعمل باتجاه تبني الحكم الائتلافي. صحيح أن الشعب دفع الحكومة في ذلك الاتجاه من خلال الاحتجاجات الواسعة ضد أجواء التدهور الأمني وفتور حركة الاقتصاد. ولكن رغم ذلك تبنى العديد من السياسيين أجندة التسويات. وخلال الأشهر الأخيرة ظلوا يتفاوضون حول تحريك تسوية كبرى مع خصومهم السياسيين الرئيسيين بوساطة من اتحاد الشغل القوي في تونس. وكجزء من تلك الصفقة وافقت (الترويكا) التي يقودها الإسلاميون في أواخر سبتمبر، مبدئيا على الأقل، على التنحي كي تسمح لحكومة تكنوقراط مؤقتة بقيادة البلد نحو انتخابات جديدة.
   ورابعا وأخيرا، تم مؤخرا اتخاذ وسيلة لتنفيذ هذا التعهد بتعيين مهدي جمعة، وهو مرشح توافقي ووزير حالي للصناعة، كرئيس وزراء انتقالي. إن هذا الحوار الوطني يتباين بشدة مع عناد حركة الإخوان المسلمين في مصر أو محاولات الإسلاميين الوقوف الى جانب المليشيات في ليبيا. وربما أن هنالك احتمالا أقل في أن تتبع تونس الخطوات الدموية التي اتخذتها جارتاها. ولكن اكتمال مرحلتها الانتقالية فيها لا يزال بعيدا. وربما يعصف العنف السياسي أو الإحباطات التي تتسبب فيها التأجيلات المتطاولة للانتخابات بتعهدات التوافق والتنازلات.
      ولكن حتى الآن وبعد ثلاثة أعوام من بداية الربيع العربي، تعلمت تونس ثلاثة دروس قيمة من العراق ومصر وليبيا. (أولها) لاتحل جيشك أو تدعه يتصرف كدولة داخل دولة ولكن اجعله قويا بما يكفي لتقديم الأمن. ثانيها، اسع وراء التوافق والتسويات وقتما كان ذلك ممكنا. وثالثها، ضُمَّ إليك أفراد النظام السابق ممن يملكون الخبرة وغير الفاسدين أو أنك بدلا عن ذلك ستخاطر بإلقاء المولود الديمقراطي مع ماء الاستحمام الاستبدادي.

* برايان كلاس، حاصل على منحة كلاريندون بجامعة أكسفورد ويجري بحثا ميدانيا في تونس في حقل الانتخابات والتحولات الديمقراطية والعنف السياسي. جاسون باك، باحث في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة كمبردج ومحرر كتاب «الانتفاضات الليبية في عام 2011 والصراع من أجل مستقبل ما بعد القذافي».

0 التعليقات: