الجمعة، 31 يناير 2014

لجزائرـ الرباط ومنطق ”شعرة معاوية”

                          
            المصدر/ الخبر الجزائرية: حفيظ صواليلي

اتجهت العلاقات الجزائرية المغربية في الآونة الأخيرة إلى مرحلة احتقان متجددة، بلغت حد القطيعة غير المعلنة، دون أن تقطع ”شعرة معاوية”، بفعل عوامل تراكمية وأحداث متسلسلة أثرت سلبا عليها، وأعطت الانطباع بأن البلدين يبتعدان شيئا فشيئا عن إمكانيات التسوية التوافقية، ومقبلان على حقبة أخرى من التوتر، خاصة مع اعتماد الرباط مواقف اعتبرتها الجزائر عدائية وموجهة ضدها أساسا.
ويأتي تصريح رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني والذي تضمن دعوة لقطع العلاقات اليبلوماسية كرسالة تعبر ضمنيا عن امتعاض جزائري من السلوك المغربي، بعد السجال القائم بخصوص اللاجئين السوريين على الحدود الجزائرية المغربية.
وشهدت سنتا 2012 و2013 عدة أحداث فهمت من قبل الجزائر بأنها رغبة مغربية للتأثير على مجريات الأحداث أو مسارات داخلية خاصة مثلما حدث في غرداية أو إرادة مغربية للدخول في سجال جديد مع ”القوة الإقليمية” التي عرفت مرحلة استقرار على الجبهة الاجتماعية بصورة نسبية وبدأت تطمح إلى استعادة موقعها الدبلوماسي في القارة الإفريقية.
ويتضح أن المرحلة الحالية تشبه في بعض مظاهرها تلك التي عاشتها العلاقات الثنائية خلال السبعينات، بعد أن دخلت العلاقات على محور الجزائر الرباط في هدنة وحرب باردة أو تعايش غير كامل بمقاربة براغماتية، ولكنها بعيدة عن الأمل الذي أعطته قمة الجزائر للجامعة العربية في 2005، وقمة بوتفليقة محمد السادس، التي أعطت الانطباع بإمكانية الدخول في تطبيع العلاقات، لاسيما مع تدعيم الروابط الاقتصادية وتزويد المغرب بالغاز الجزائري، وطي الخلاف الناتج عن الاتهامات المغربية بالضلوع في تفجيرات عام 1994، ما أدى إلى قرارات متتابعة من بينها غلق الحدود وفرض التأشيرة.
إلا أن التوازنات اختلت منذ سنتين مع تلاحق أحداث أبعدت تماما سيناريو التقارب المفترض على محور الجزائر الرباط، من بينها حادثة اعتداء القوات المغربية على مخيم ”غديم ايزيك” في 8 نوفمبر 2010 قرب مدينة العيون بالصحراء الغربية، والهجوم المسلح بمنطقة الرابوني بالمخيمات الصحراوية بتندوف في أكتوبر 2011، والتي ارتبطت بدور نشيط لتنظيم مسلح جديد برز على الساحة تحت تسمية ”حركة التوحيد والجهاد في إفريقيا الغربية” والذي تقاطعت المعلومات حوله بإمكانية وقوف الرباط وراءه في سياق لعبة التجاذبات المغربية، لكسب أوراق ضغط تفاوضية، خاصة وأن الورقة الأمنية في هذه الفترة كانت حساسة، مع عمليات استهدفت مباشرة التراب الجزائري في تمنراست في مارس 2012، ومواصلة سياسة استقطاب في إفريقيا، لتحجيم الدور الجزائري الذي عرف تراجعا وترك فراغات عديدة منذ سنوات.

يتضح أن المرحلة الحالية تشبه في بعض مظاهرها تلك التي عاشتها العلاقات الثنائية خلال السبعينات، بعد أن دخلت العلاقات على محور الجزائر الرباط في هدنة وحرب باردة أو تعايش غير كامل بمقاربة براغماتية

وعاد الملف الصحراوي مجددا ليشكل نقطة خلاف جوهرية هذه السنة، مع بروز سياسة أمريكية جديدة حيال الملف الصحراوي، مع تعيين المبعوث الأممي كريستوفر روس، وبروز ملف ”حقوق الإنسان” على الطاولة من خلال مقترح توسيع مهام ”المينورسو” في الصحراء الغربية إلى قضايا حقوق الإنسان، وهو ملف أثار حفيظة الرباط كثيرا، لاسيما بعد توجيه الجزائر رسالة مباشرة خلال مشاركة وزير العدل الطيب لوح في أكتوبر 2013 بأبوجا، والذي خصص لدعم القضية الصحراوية، إذ تبين قدرة الجزائر على التجنيد والاستقطاب، وبالتالي إمكانية زحزحة الرباط من مكانتها التي بنتها بفضل سياسات ”اللوبيينغ” والانتشار الواسع وتشكيل شبكات في العديد من البلدان الإفريقية لدعم ورقة مغربية الصحراء، رغم إبقائها خارج دائرة الاتحاد الإفريقي.
وكانت دعوة الجزائر لـ”وضع آلية مراقبة ومتابعة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية” و”توسيع مهمة المينورسو للتكفل من قبل الأمم المتحدة بمسألة مراقبة حقوق الإنسان”، بمثابة رسالة كشفت عن إمكانية تغيير قواعد اللعبة والتوازنات، خاصة وأن المقترح لقي مبدئيا دعما حتى في أروقة صناع القرار الأمريكيين بفضل العمل الذي كانت تقوم به هيئات مؤثرة من بينها مؤسسة كنيدي وغيرها، ما أعطى الانطباع لدى الرباط بوجود عمل استفزازي جزائري، فقامت باستدعاء سفيرها، في نهاية أكتوبر، كما كانت القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء محل اقتحام ونزع للعلم الجزائري، موازاة مع الرد المغربي الرسمي، وإطلاق حملة دبلوماسية باتجاه أبرز العواصم باريس وواشنطن وحتى موسكو للحيلولة دون مرور مثل هذه التوصية على مستوى الأمم المتحدة.
وعلى صعيد متصل، شكل غلق الحدود عاملا آخر للسجال، مع محاولات متعددة مغربية لحمل الجزائر على تغيير موقفها حيال مسألة اعتبرتها الجزائر مبدئية، حيث رفضت التفاوض إلا في إطار عام، بينما شددت الرباط على ضرورة إعادة فتح الحدود، ثم النقاش حول المسائل التي تعتبرها فرعية، ويتضح أن غلق الحدود أضحى عاملا يؤرق السلطات المغربية، لأنه يتسبب في خسائر مادية لها، بينما تعتبر الجزائر أن المغرب يوظف أوراق ضغط من خلال التهريب والتساهل أو التغاضي عن شبكات المخدرات التي تغرق الجزائر، مقابل استقبالها لكميات كبيرة من الوقود والمواد الغذائية المدعمة، وعليه تقرر دعم سياسة الغلق من خلال حفر خنادق على طول الحدود، ما رأت فيه الرباط تصعيدا. بينما رأت أوساط جزائرية بأن الرباط تريد التأثير على بعض الأحداث التي شهدتها الجزائر، لاسيما في غرداية، والإشارة إلى إمكانية وجود ارتباطات مع حركة استقلال القبائل. - 

0 التعليقات: