الأحد، 18 مايو 2014

سكوت مبـرر


                       الصديق الفارسي  / جريدة برنيق الليبية  
 يتعجب البعض من سكوت الشارع عما يحدث من فوضي و فساد و انعدام للأمن و عن عجز المؤتمر الوطني و الحكومة عن تنفيذ الاستحقاقات الوطنية ، بل أن البعض قد يتهم الشارع أو الشعب بالسلبيــة أو حتى خيانـــة دماء الشهـــــــداء و الجرحى و المفقودين أو المظلومين حتى بعد الثورة.
و قد يتهم البعض الشعب بعدم الوعي بتداعيات السياسات و البرامج الفاشلة للمؤتمر الوطني و الحكومة المؤقتة ، و ما يترتب علي ذلك من إنهاء الدولـــــــــــة أو علي الأقل تعطيل و عرقلة بنائها.
و لكننا نقول لهؤلاء وأولئك إن اتهاماتكم و ظنونكم ليست في محلها ، فالشارع أو الشعب قد وعي الدرس فهو الذي اكتوي بنار حرب التحرير و هو الذي دفع كل غالي و نفيس في سبيل إنهاء الظلم و الطغيان و الفساد، وانه كان و سيكون دائما و أبدا وفيا ، و قد تمثل هذا الوفاء في الاستجابة لاستحقاق الانتخابات سواء المحلية أو المؤتمر الوطني وليت من انتخبوا تعلموا منهم الوفاء .
فسكوت الشارع و عدم تحركه في مواجهة الظلم و الفساد و الفوضى و انعدام الأمن ليس سببه عجزه عن أخذ المبادرة بالانتفاضة أو الثورة للإطاحة بالمؤتمر الوطني أو الحكومة المؤقتة ، وكل التنظيمات والجماعات التي أفسدت البلاد و العباد المسلحة منها و غير مسلحة و التي شككت في خياراته بل حتى في معتقداته.
فسكوت الشارع له مبرراته و يمكن تلخيصها فيما يلي:-
1- المحافظة علي ما حققه من مكتسبات خجولة من خلال وجود شرعية لليبيا كدولة معترف بها دوليا ، ومن خلال التمسك بما تبقي من مؤسسات الدولة التي تقدم الحد الأدنى من الخدمات البسيطة التي تبقي شعلة الأمل في بناء أو بقاء الدولة في وجه الأعاصير و الرياح التي تعصف بها ، وهذا ما يهم الطبقة الكادحة المطحونة التي تمثل غالبية الشعب.
علي أن هذا المبرر قد لا يصمد لوقت طويل إذا ما استمـــــــر أداء المؤتمر و الحكومة في الانحدار الذي يجلب الإحباط و اليأس في ظهــــور فجر باسم و مستقبل واعد.
2- أما السبب أو المبرر الثاني و هو علي قدر كبير من الأهمية يتحدد في انعدام القيادات الوطنية التي يمكن الوثوق فيها و التي من خلالها يمكن تنظيم حراك الشارع و تحديد أهدافه الوطنية لكل الليبيين دون إقصاء ، بعيدا عن التجاذب السياسي و المصالح الحزبية أو الجهوية أو الفئوية أو تلك التي تمثلها بعض الجماعات الدينية أو المدنية الخاصة ، و التي في ظاهرها ترفع شعارات عامة أو وطنية و لا ننسي الجماعات المسلحة بجميــــــــع أفكارها و برامجها الخاصة.
و لعل سبب انعدام أو عدم ظهور قيادات وطنية يمكن الوثوق بها لتنظيم حراك الشارع يجد أساسه في أن هناك سياسة مبرمجه و ممنهجــه لإقصاء و تحييد القيادات الوطنية سواء كانت بالترهيب أو الترغيب أو من خلال التشكيك و أساءت الظن أو التشويه انتهاءا بالاغتيالات ، فضلا عن وجود بعض السلبية و إتباع سياسة النأي بالنفس أما خوفا من الفشل أو التشويه أو إلصاق التهم السياسية أو الشرعية ، و ما يترتب علي ذلك من تصفية الحسابات…
3- أما السبب و المبرر الثالث و الذي نراه الأهم لعدم تحرك الشارع بالانتفاضة أو الثورة و الذي ينم في حقيقته عن وعي حقيقي للشارع أو الشعب هو التخوف الحقيقي و الواقعي و الذي نجد له مبرراته و حججه التخوف من أن تكون نتائج و محصلة الانتفاضة و الثورة إعادة المشهد السابق ما بعد ثورة 17 فبراير ، حيث سيقف الأمر علي مجرد استبدال الشخصيات فقط مع بقاء الواقع علي حاله حيث يتوقـــــــع الشعب أن يتصدر المشهد الأشخاص و الجماعات الذين تعرضوا للظلم سواء بالقتل أو السجن أو سلب الممتلكات ، ما بعد ثورة 17 فبراير 2011 م سيظهروا كمناضلين و يعطوا لأنفسهم الحق ( كاسبقيهم ) في أن يكون لهم الكلمة و القرار ، و ما يترتب علي ذلك من تكرار نفس السياسات و الواقع المرير ، سواء بالانتقام و التغـــــــــول و البحث عن المكاسب الماديــــة و السياسية و سوف تظهر علينا مليشيات و كتائب أخري تتطاحن و تتقاتل فيما بينها و بين سابقتها و الكل يدعي تحقيق مطالب الشعب و أهدافه و حماية الثورة أو الانتفاضة التي ينتمي إليها.
فضلا عن التجربة المريرة التي عاشها الشارع في جمعــــــــة إنقاذ بنغازي و التي هي في حقيقة لإنقاذ ليبيا من الكتائب و التكتلات و المليشيات المسلحة ، فقد قدم الشعب الفرصة السانحة للمؤتمر الوطني و حكومته الانتقالية ( آنذاك ) و الذين بدورهم انقلبوا علي الشعب و خذلوه من اجل عيون الأذرع المسلحة للأحزاب و الجماعات التي كانت ولازالت صاحبة القرار في ليبيا.
و بعد ذلك كله هل يمكن اتهام الشارع أو الشعب بالصمت أو السلبية أو عدم الوعي أو بأنه خان دماء الشهداء ؟؟؟؟
و لكم أن تجيبوا أيها البعض و البعض الأخر
و لكن قبل أن تجيبوا ضعوا نصب أعينكم أن الشارع أو الشعب عندما انتفض و ثار كان يأمل في أحياء ليبيا شعبا و وطنيا يسع الجميع علي أساس من العدالة و الإنصاف و اقتضاء الحقوق بالإنصاف و أداء الواجبات وفقا لعقيدته الإسلامية الصحيحة غير المشوهة أو المشوشة بالغلو أو الانحلال ، و التي لا تعبر عن فكر أو جماعة خاصة و بعيدا عن لعبة السياسة و زرع الأفكار الغريبة أو المستوردة سواء دينيا أو مدنيا.
لقد ثار الشارع و الشعب و انتفض ليكون جسدا واحدا إذا اشتكي منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ، لا أن يكون شيعا و أحزابا تتقاتل فيما بينها و كل جماعة تقول للأخرى لست علي شي و كل جماعة لن ترضى عن الأخرى حتى تتبعها و تسلم لها.
فقد ثار الشعب ليلملم جراحه و يداوي قروحه و يقبل الجميع بالعيش في وطن يسع الجميع دون تهميش أو إقصاء أو اضطهاد أو انتقام.
ثار الشعب ليعطى الفرصة لمن ظلوا الطريق إن يراجعوا أنفسهم و يتركوا الماضي خلفهم و يشتركوا جميعا في بناء الوطن لأبنائهم و أجيالهم القادمة.
ثار الشعب ليضع حدا للمعاناة بكل أنواعها ودرجاتها و ليس لان يكون مطية و وسيلة لتحقيق أهداف و مصالــــــــــح بعض الجماعات و الأحزاب و الشخصيات التي لم تتق الله فيه.
و لقد ثار الشارع و الشعب في 17 فبراير ضد طاغية و نظام فساد أما ألان فهناك ألف طاغية و ألف نظام فساد.
فالشعب الليبي و بكل سلبياته و رغم ما ترمونه به من تخاذل وصمت قادرا بأذن الله علي أن يقول كلمته و يضرب بيد من حديد كل ظالم مستبد.
فيا أيها الجماعات و الأحزاب و يا أيها النقاد و المحللون و السياسيون عليكم جميعا احترام و تقدير الشارع و الشعب و إن تقوموا بمراجعة أفكاركم و برامجكم و مبادئكم التي لم يروا فيها طريقا أو منهاجا واضحا يحقق أمالهم و طموحاتهم و بعد ذلك يكون له الخيار أما إن يثور معكم أو ضدكم.
والله ولي التوفيق
* استاذ محامي 


0 التعليقات: