الخميس، 1 مايو 2014

حرّيات بشار الأسد وإعلام الممانعة

                                                     وسام سعادة/ المستقبل اللبنانية





     الحرية كلمة سائبة. يمكنك بيسر وسهولة تحويل كل القضايا والمصالح والمشاريع مهما كانت وجهتهاوحصيلتها إلى أرصدة في خزانة  «الحرّية».  يمكن مثلاً لنظام آل الأسد في سوريا أن يصف نفسه بأنه يدافع ليس فقط عن الوطنية والقومية والعلمانية والأقليات وبقاء الدولة بل عن «الحرّية».ليست  حرّية ارتكاب الجرائم فقط، بل  حرّية القول. حرّية وليدالمعلّم مثلاً في القول وتجاوزه الوقت المخصّص في مؤتمر جنيف، وحرّية بشّار الأسد في الدحض الخطابي لمؤامرات الإمبريالية.

    يمكن في السياق نفسه أن ينصّب «إعلام الممانعة» نفسه «إعلاماً للحرّية». صحيح أن صفحات
وشاشات هذاالإعلام مليئة بالحجج المقدمة  ليلاً ونهاراً ضدّ التقاليد الليبرالية، والداعية لقمع هذا وتصفيةذاك، والمهووسة بزمرة الطغاة الممانعين عبر العالم، الا أنه أيضاً «إعلام للحرّية» على طريقته. إعلام يعتبر أنّه ينتمي إلى منظومة الفضح الإعلامي, المواجه للإمبراطورية العالمية , جنبا لجنب مع  جوليان آسانج على «ويكيليكس» وإدواردسنودن المنشق عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وفاضح برامج تجسّسها.
    طبعاً، ثمة فارق شاسع بين المواد الجدّية للغاية التي كشفها المذكوران، وبين المتشبّهين
بهما عندنا،لكن ذلك لا يغيّب مشتركاً أساسياً، وهو الاتفاق على تصوير «المخابرات» في الأنظمة التسلّطية
على أنها «مخابرات من أجل الحرّية»,  ما دام لها مصلحة في كشف عثرات الديموقراطية وتناقضات
الليبرالية في المجتمعات التي تنعم بأنظمة دستورية تعدّدية , تؤمن بتداول السلطة وترتكز إلى مدوّنة حقوق
 الإنسان.

    النظام الأسدي يناضل من أجل «الحرّية». حرّية أن يبقى وليد المعلّم قادراً على التكلّم بغطرسة
 و«وطنية» في المحافل الدولية شأنه  في ذلك شأن «حزب الله» الذي  يناضل بدوره من أجل «الحرّية».
 حرية أن يبقى زعيمه قادراً على متابعة«حربه المفتوحة» الكلامية ضد إسرائيل بالتوازي مع متابعة
حربه المفتوحة الميدانية في سوريا.
      نعم، الجماعة الممانعة تنتهج  هي أيضاً نفس  الطريقة  في مسألة الحرّية، وحرّية إبداء الرأي، وترى
أنها  مهدّدة. من البديهي  هنا أن الممانعين يحرمون خصومهم، كما أنصارهم من «العامة»، من  الحرية
 كما يتصورونها. فهم يرون الخصوم عبارة عن  بيادق في أيدي المؤامرة الكونية و مغرّر بهم، والموالون
 للممانعة عليهم بالولاء لا بالحرية.
  في الحالتين رأي أشاوس الممانعين واحد: الفاقد لحرية الذات ليست له حرية القول. أما الممانع الأصيل
 فما دامت له حرية الذات فله حرية القول كامتياز شبه حصري.
   لكن المسألة لا تكمن في مناقشة هذه الحصرية أو الانتماء لهده الطائفة اوتلك .  المسألة تظهر عند طرح
السؤال عن حرّية الكذب. هل نملك الحق في الافتراء والكذب وفي حمل الصادق على تكذيب صدقه
 واستبداله بكذبه ؟  لا بدّ من الاعتراف بأن للمرء «حقاً ما» في الكذب. لكن عندها يلزم أن يكون
هناك  حد قانونيّ بين أكاذيب لا يعاقب عليها القانون واخرى  لا مناص  للقانون من معاقبتها لما تلحق
 بالمشروعية  من اضرار.
 فالأكاذيب التي  تحول دون تطبيق القانون كحرية الكذب المطلقة هي ما يطالب به «إعلام الممانعة»،
ويحاول إدراجها ضمن «حرية الرأي»،و«حريةالإبداع»، و«الحق في المعرفة»بل الادهى من  ذلك
انه  يطالب بحرّية منع الصادق من قول صدقه وإجباره على تكذيب نفسه إن استدعى الأمر.

الحرّية كلمة سائبة. ليس بمعنى  أنها غير ضرورية.  لكنها بالعكس تماماً  تساعدنا على تمثّل كيفية
تفكير أمثال بشار الأسد وصحافيي الممانعة حين يسعون وراء «حرّياتهم». فأستبدادهم لايستقيم
إلا بمثل هدهالاعتباطية،  أي بهكذا «حرية».وهذا بدوره يساعدنا على فهم أن الحرّية ليست لعبة كلمات.
فلو استدعى الأمر لكان إبدالها بنقيضها اللغوي لأداء مضمونها الصحيح  خير من صريح لفظها: فالحرية
الحقيقية هي الحق في «قمع» كذب بشار الأسد.  وهي الحق في «قمع» الكذب الإرهابي المنظم ضد
 مسيرة العدالة ومعرفة من قتل رجالات الاستقلال اللبناني . واستعمال  قوة  القانون لردع أعداء الحرية
ومحترفي الأكاذيب المنظّمة المعترضة لسير العدالة.


0 التعليقات: