الثلاثاء، 17 يونيو 2014

لغة الاركام خلقت ميتة !!!



بقلم موسى المصلح / رصانة الخبر//..17/06/2014

عرف الدستور المغربي الأخير ترسيم   اللغة الامازيغية  كلغة رسمية بجانب اللغة العربية  وعقد العزم  على إدخالها في  التعليم والإدارة وكل مناحي  الحياة .لكن هل هده اللغة  الممعيرة  موجودة فعلا  .  هل لها  تواجد تاريخي تشهد له   مخطوطات ومؤلفات   تفيد نشوء اللغة   وتطورها عبر خط كرونولوجي مستمر  أو حتى منقطع  في فترة من الفترات .  وان كان  الأمر كدلك ,  ففي أي مجال  جغرافي  ترعرعت  هذه اللغة وغدت عروقها  . وبأي  الحروف كتبت  ما ألف من كتب و مخطوطات  تبرز حضارة مستعمليها وإشعاعهم ومساهماتهم في التراكم  العلمي والمعرفي والثقافي  بجانب اللغات والأمم الأخرى .

   الأكيد أن هده اللغة ليس  لها  من  هده    المقومات  التي  ذكرناها شيء . سيقول قائل  إنها قعدت و تشكلت من المشترك بين  اللهجات الثلاث   الشلحة   والريفية والزيانية    بحسب   عدد  الناطقين وحسب المناطق.  غير أن المتتبع يجد أن   داخل كل  لهجة العشرات من التفا ريع  بمفردات وصيغ و فونولوجيات مختلفة  , قد يمكن اعتبارها لهجات مستقلة  لصعوبة تواصل   لملتهجيها  بباقي اللهجات الأخرى.  وقد عدد الباحثون  ما ينيف عن 70  لهجة  مفرعة  . وأدا عدنا  إلى  اللهجات الثلاث  الرئيسية   فليس لنا  إلا صورتها الآنية . ولا نعرف  ما  آدا كانت هده اللهجات مستعملة في بداية   القرن العشرين  على الحال  الذي توجد عليه  حاليا أم تغير منها الكثير  بفعل الغزو الكلونيالي  و سهولة  التنقل والانفتاح التي   خلقته سهولة    المواصلات وحركة التمدن . وحتى المؤلفات التي كتبت في عهد متأخر  كتبت  بالحروف العربية و هي كتب تدون للهجات وليس للغة مقعدة  رصينة  . ولا يمكن  بأي حال من الأحوال أن تعطي صورة  جامعة عن اللهجات المتداولة  اللهم شذرات من هنا وهناك . هدا  واقع  الحال إلى حدود   قرن مضى   فهل يمكن   الجزم بان هده اللهجات  هي  ما كان  يتكلم   به  سكان المغرب  قبل عشرات القرون  .


     قد يتحجج البعض بتجارب عديدة لبعض الدول التي  خلقت لغة مشتركة  ورسمتها  في دساتيرها كلغة وطنية  أو قومية  كالصين وإسرائيل واندونيسيا   والنرويج و اللغة السواحيلية  التي تتداول في كينيا و أوغندا  ورواندا  وبوروندي . غير أن كل هده التجارب  اعتمدت على موروث لغوي وثقافي سابق   انطلاقا من مخطوطات  قديمة  وحروف معروفة  ومقننه   وليس لهجات متباينة ومتفرقة 
 ما عدا اللغة السواحيلية   التي نشأت عبر مخاض طبيعي   يشبه تكوين الدارجة المغربية  ولم يقعد لها في مختبر ا و منتدى . وتعود المخطوطات التي كتبت بهده اللغة إلى قرون مضت وهي تزخر بكلمات ذات جذور عربية , وكانت  تكتب  بحروف  عربية إلى حدود القرن التاسع  عشر  لتأخذ الفرنسية  مكانها بقوة الاستعمار  و جبروته.
أما بالنسبة لاندونيسيا  فاللغة الرسمية  هي لغة  ماليزية    اتفق الاندونيسيون على استعمالها   لتجمعهم على لسان واحد  مكتوب , بالرغم من أنها ليست لغتهم الأم  ويبدءون في تعلمها  بعد السنة الخامسة   من التعليم الأساسي . ويعود أقدم مخطوط  لهده اللغة الماليزية إلى  638  م   عثر عليه في جزيرة بانكا . وقد  فرض اليابانيون   إبان استعمارهم لاندونيسيا كتابة اللغة الرسمية للبلد بحروف  لاتينية  لقطع كل تأثير  غربي ومنع كل إنتاج يكتب باللغة الانكليزية أو  النيرلندية  كما أنهم  لم يشجعوا الكاتبة  بالحرف المحلي  الذي كان   متداولا  حينها لإطفاء جذوة  المقاومة  وترسيخ  هيمنتهم  والحفاظ على تواجدهم .

وتبقى اللغة العبرية اللغة الضاربة في القدم  التي حافظت على شكلها ومضمونها دون أن يدخلها تحديث أو تحريف .وقد ساعدت التوراة  و أحبار اليهود في الحفاظ عليها والتشبث بنقائها بدافع ديني محض  . غير أنها كانت فقيرة  جدا في البداية ,  لا تتعدى  8000 مفردة و 500 جدع    . ولما كان هدا الرصيد لا يتماشى  مع ما تتطلبه المعرفة  المعاصرة  بشتى مناحيها  فقد اعتمد لسانيوها و علماء اللغة الأسرائيلين      على  الجذعين العبري والعربي  لابتكار الآلاف من الكلمات والمفردات  واعتماد اللغة العربية كثاني لغة في إسرائيل .

أما  في الصين  فقد  قامت  الحكومة الشيوعية  في 1956  بالقطع نهائيا مع اللغة الصينية  الفصيحة التي تمتد جذورها إلى   أزيد من 2000 سنه  إيمانا منهم إن هده اللغة  معقدة وتحمل ثقافة بورجوازية وقيما لا تتماشى مع الإيديولوجية الشيوعية بهدا  البلد .  وتبنت السلطات  لغة رسمية  هي مزيج من  عدة لغات وطنية   تبوأت فيها اللهجة السائدة في  بكين  حصة الأسد  من مفردات وصيغ و تعابير  . وفرضت  على الصينيين   على شكل فرعين  من اللغة المندرية  وهى لغة تختلف عن  الصينية   التي يستعملها الصينيون والتايوانيون في حياتهم اليومية .
وتعيش النرويج   ثنائية لغوية.   فإلى جانب اللغة الوطنية (البوكمال ) التي أسس لها  العالم النرويجي   اللغوي ايفار استن   انطلاقا من لهجات مختلفة بالنرويج .  وأمضي في الجمع والتقعيد والخلق  أزيد من 25 سنة  (من 1848-1873)  من الجهد والبحث  قبل إن ترسم بجانب لغة نرويجية   قديمة  ( النيورسك) تعود جذورها  إلى 872 م   وعرفت تسهيلا وتبسيطا  في النحو والقواعد بصفة مطردة    . وتنتشر  لغة البوكمال في المدن والسواحل بينما  تستحوذ لغة النيورسك على القرى والجبال . ويفرض على الأطفال تعلم اللغتين  معا  في أن واحد  .
وهناك صراع  لغوي وتنافس بين اللغتين  واختلافات  كثيرة على مستوى المفردات والصرف والنحو  والفونولوجيا . الشيء الذي  يشكل مشكلا لغويا  حقيقيا  لم ينجح  النرويجيون  على القفز عليه واعتماد لغة واحدة موحدة.

وادا عدنا إلى تجربة الاركام  في ابتكار  لغة  معيارية  بالمغرب , سنجد   أن لغته   الامازيغية  الممعيرة  , والمكتوبة بحرف لا يستطيع  99 في المائة آو أكثر  التعرف عليه وقراءته ,  لا يفقهها
  أزيد من 72 في المائة من السكان  الغير الناطقين بآي لهجة من اللهجات البربرية . و الثلتين من  28 في المائة الباقون قد  يجدون صعوبة في الفهم  و تمثل المفردات والصيغ  ناهيك  عن الكتابة  والتواصل . وحتى أن سلمنا بالأمر الواقع  , فان هده اللغة   لن يكون لها مستقبل.  لأنها  ليس لها ماض شفهي موحد , ولم تضم بين دفتي مخطوط أو مؤلف قط ,  ولم يعرف عن  المغاربة عبر تاريخهم الطويل  أنهم  دونوا أو خطوا أو حتى عرفوا  في غالبيتهم أو قلتهم   حرف تفيناغ.حتى  وان ظهرت في زمن غابر  بعض نقوش  تفيناغ   على جدران  بعض الكهوف  وعلى قشرة بعض الصخور  وفي مناطق محصورة وقليلة  للغاية    .

   أن  نجاح لغة الاركام  بالمغرب  يستدعي, في عملية معكوسة  , التخلي عن اللغة العربية  نهائيا وصنيعتها الدارجة  لتحل مكانهما لغة الاركام  الممزغة على مستوى الكتابة. على امل ان   تنبثق منها , بحكم  الانتشار والتواصل والتخاطب,  لغة   جديدة يتكلم بها الناس في حياتهم اليومية . بعد أن يزيلوا أقفال   القوالب النحوية وصيغ الصرف ولي عنق التراكيب  وإدغام الكلمات وإخفاء الحروق وقلبها  الى حروف و صوتيات   تفي حاجة تواصلية ما  ,حسب المناطق والجهات . وتختفي اللهجات البربرية الموجودة حاليا إلى غير رجعة . وهدا  سيكون من سابع المستحيلات  على جنين يصارع  صراع حياة آو موت  عملاقا   عبر  تجارب ومحن  كثيرة  عبر القرون  .و وطد  القدم  و رسخ  جذورا لم تقوى اعتي قوى الاستعمار على  قلعها . رغم ما بدل من جهد وصرفت من أموال وحيكت من مؤامرات    لتندرس  اللغة العربية في المغرب  وتحل محلها الفرنسية , كما هو الشأن في مستعمرات كثيرة  كالسينيغال ومالي  وساحل العاج .

 فهل  ينجح الاركاميون في مغامرتهم  ؟ الجواب  بالقطع لا. 
  للتواصل ايعثوا تعليقاتكم على الاميل التالي

elmoslah@gmail.com     

0 التعليقات: