الثلاثاء، 18 فبراير 2014

اقالة اللواء ادريس محاولة رد اعتبار للجيش الحر..


                                           بقلم / عبد الباري عطوان


التحقت المملكة العربية السعودية اليوم بكل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا باتهام النظام السوري بـ “التعنت” محملة اياه مسؤولية فشل مؤتمر جنيف الذي انتهت جلسته التفاوضية الثانية، وربما الاخيرة، السبت الماضي دون التوصل الى اي نتائج ملموسة.
هذا يعني عمليا طي صفحة الحل السياسي ولو مؤقتا واللجوء الى الحل العسكري “الجزئي” في محاولة لترجيح كفة المعارضة المسلحة في ميادين القتال، ووقف تقدم القوات النظامية المتسارع خاصة في منطقة القلمون البوابة الرئيسية الى العمق اللبناني وصولا الى شواطيء البحر المتوسط.
اقالة اللواء سليم ادريس رئيس هيئة اركان الجيش السوري الحر المدعوم امريكيا وسعوديا، وتعيين العميد الركن عبد الاله البشير مكانه يؤشر لخطة التصعيد العسكري المقبلة في ميادين المواجهة، واعادة ترتيب بيت المعارضة العسكرية.
اللواء ادريس تحول الى “كبش” فداء لتبرير الانتكاسات التي مني بها الجيش الحر في جبهات القتال في اعزاز وادلب والقلمون، سواء امام الجيش العربي السوري النظامي، او امام مقاتلي الدولة الاسلامية في العراق والشام الذين دحروا الجيش السوري الحر واحتلوا مقره الرئيسي في بلدة اعزاز الحدودية مع تركيا، واستولوا على معدات عسكرية متطورة جدا جاءت من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا.
ثلاثة قادة عسكريين تناوبوا على قيادة هيئة اركان الجيش السوري في العامين ونصف العام الماضيين، وهم العقيد رياض الاسعد (القائد المؤسس والمنسي) والواء سليم ادريس نفسه، والثالث العميد البشير. الاول الاسعد فقد ساقه في محاولة اغتيال، والثاني ادريس فقد سمعته العسكرية، وربما الشخصية، باتهامه بالتقصير و”سوء” توزيع الاسلحة مع الفصائل المقاتلة (هذا تلميح غير مباشر لفسادها) وربما من المبكر ان نتكهن بطبيعة التهمة التي تنتظر العميد الجديد البشير عندما ينتهي دوره لامر ما.
***
ولعل العسكريين افضل حظا من زملائهم السياسيين في المناصب القيادية، فقد تولى قيادة المعارضة في مسيرة السنوات الثلاث الماضية اكثر من خمسة قادة ابتداء من الدكتور برهان غليون (عمر في رئاسة المجلس الوطني ثلاثة اشهر) ومرورا بعبد الباسط سيدا وجورج صبرا ومعاذ الخطيب (بضعة اسابيع فقط لكل منهم)، وانتهاء بالسيد احمد الجربا الذي احتفظ بمنصبه بأغلبية تقل عن اصابع اليدين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ووجوده مرهون بالدعم السعودي والرضاء الامريكي.
اختيار العميد البشير الذي كان محافظا لمنطقة القنيطرة قبل ان ينشق عن النظام، وبعد ذلك قائدا للمجلس العسكري فيها، ينطوي على معان كبيرة لانه يتزامن مع قرار امريكي “بتسخين” الجبهة الجنوبية، وتزويد السعودية للمعارضة السورية بصواريخ حديثة مضادة للطائرات.
الخطيئة الكبرى للواء ادريس الذي قيل انه يقيم في السويد بعد حصوله على اللجوء السياسي فيها، فشله في تحويل الجيش السوري الحر الى “قوة صحوات” تقاتل الدولة الاسلامية في العراق والشام وتصفي قواعدها في شمال شرق سورية (الرقة ودير الزور) وشمال غربها في ادلب واعزاز وغيرها، فاللواء ادريس الذي كان الجنرال “المدلل” وحصان طروادة المنقذ في اجتماع وزراء خارجية منظومة اصدقاء سورية اثناء اجتماعها الحاسم في اسطنبول اواخر عام 2012 قدم تعهدا للمؤتمرين بالقضاء على الجبهات المؤيدة للقاعدة واجتثاثها جنبا الى جنب مع تدمير الجيش الرسمي، ولكن ما حدث هو العكس تماما، وهذا ما يفسر تعيين العقيد هيثم العفيسي نائبا للعميد البشير الذي كان يتزعم الفرقة السابعة في الجيش الحر وشكل لواء معرة النعمان، وشارك في تشكيل جبهة ثوار سورية التي استعادت مدينة ادلب من مقاتلي الدولة الاسلامية.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عما اذ كان هذا التوجه الغربي السعودي الجديد سواء بتسليح المعارضة بصواريخ “مان بادز″ الصينية المتطورة المحمولة على الكتف المضادة للطائرات او باعادة تنظيم القيادة العليا للجيش الحر وابعاد اللواء ادريس سيعطي ثماره انتصارات على الارض في المرحلة المقبلة ام لا سواء ضد الجيش او ضد الجماعات المقاتلة الموالية للقاعدة؟
طالما ان الادارة الامريكية تستخدم المعارضة المسلحة ورقة ضغط وليس ورقة حسم، لن يتغير الوضع كثيرا على الارض، وستستمر حالة الجمود الحالية في ميادين القتال، فالنظام لا يقاتل وحده، وباتت الجبهة الداعمة له تتسع، ومفهوم “الثورة” بات اقل جاذبية لقطاع عريض من الشعب السوري لارتباطه بالقتل والدمار واليأس.
من المفارقة ان امريكا زودت المجاهدين الافغان وحلفاءهم العرب بصواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات في منتصف الثمانيات، بينما رفضت تزويد حليفتها قطر بمثلها، ولكن هذا لم يمنع بيع بعضها الى قطر التي عرضتها في عرض عسكري بمناسبة عيد استقلالها كنوع من “المجاكرة” ومد اللسان للامريكان، ولكن الرد الامريكي كان حاسما بضرورة تسليمها والكف عن هذا النوع من المزاج الثقيل، صحيح ان هذه الصواريخ حسمت الحرب الافغانية لصالح المجاهدين، ولكن الصحيح ايضا ان الاتحاد السوفييتي كان على ابواب الانهيار كمنظومة لاسباب عديدة ليس هناك مكان التوسع فيها.
***
الصواريخ الصينية هذه يمكن ان تصل الى مخازن الدول الاسلامية ايضا وبالطريقة نفسها التي وصلت اليها معدات امريكية عسكرية بريطانية كانت في مخازن الجيش الحر في اعزاز عندما اقتحمتها واستولت عليها الاخيرة، ودفعت اللواء ادريس الى الهرب الى قطر عبر الاراضي التركية قبل ان ينتقل الى السويد، كما ان تقديمها للمعارضة قد يمثل اجتيازا لخطوط حمر روسية وصينية ايضا، ولا نعتقد ان الروس سيلدغون من الجحر مرتين!
قواعد اللعبة تتغير على الارض السورية ومحيطها في ظل مرحلة التسخين المقبلة، وهي مرحلة قد تنطوي على مفاجآت للطرفين، فالروس لن يقفوا مكتوفي الايدي قطعا، ومن الصعب التفكير ولو للحظة بان النظام السوري سيتنازل عن السلطة للمعارضة تحت ضغط التصعيد العسكري بعد ثلاث سنوات من الصمود والانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وافشال كل محاولات نزع الشرعية عنه عربيا ودوليا.
تصعيد عسكري جديد، وتسليح حديث، وتوظيف اقوى لوسائل التحريض الاعلامي يمكن ترجمتها جميعا بكلمات معدودة، المزيد من الضحايا، والمزيد من المعاناة، والمزيد من اللجوء والنزوح، والمزيد من الدمار لسورية والسوريين طبعا.
ربما سنفتقد السيد الاخضر الابراهيمي الذي سيأفل نجمه في الاسابيع المقبلة حتما، وسيأخذ اجازة طويلة، لانه ليس من النوع الذي يستقيل من منصبه على غرار سلفه ورئيسه السابق كوفي انان، ولكننا حتما لن نفتقد الحدث السوري الذي سيزداد سخونة، وسيستمر في احتلال العناوين الرئيسية، والهيمنة على افتتاحيات الصحف ومقالات كتابها، ونحن على رأسهم!

                                         المصدر / موقع قناة الجديد

0 التعليقات: