الأحد، 4 يناير 2015

هل تنوب المدافع عن الدبلوماسية في نزاع الصحراء بعد أبريل 2015؟


هل نزاع الصحراء على أبواب الحرب بعد أبريل 2015/صبري حو

صبري الحو/جريدة الف بوست _المغرب - 
الندية والمنافسة عمل مشروع بل ومحمود على كل المستويات بين الأفراد كما بين الدول، شريطة أن يبقى حبيس غاياتها النفعية النبيلة، وأن لا يرقى الى حد الصراع والإقصاء بالعنف أو بالحرب أو المؤامرة، و قد أدركت المجتمعات قيمة السلم لفائدة الحياة و خطر العنف والاقتتال عليها، فشرعوا قواعد وقوانين تحرمه وتعاقبه، ونفس الهاجس أدركته وتفطنت إليه المجموعة الدولية ، فاهتدت الذل، بعد ويلات حروب عالمية، إلى تسطير ضوابط التعامل فيما بينها، في ميثاق أممي يمنع كل فعل يهدم السلم والأمن العالمي .
إلا أن غياب جزاء آلي المقابل لمخالفة قواعد الميثاق ، جعل منه حاجزا لا يحول دون استعمال العنف واللجوء إليه، تارة بدوافع استعمارية اقتصادية، أو لأسباب سياسية إيديولوجية أو لغايات محاربة الإرهاب أو للإطاحة بأنظمة سياسية أو فقط حبا في الاستعراف واستعراض القوة أو من أجل استرجاع أرض أو ترسيم حدود وغيرها من الأسباب، ليست موضع البحث والمقال.
حرب الرمال بسبب ترسيم الحدود
لقد حاول الكثيرون ضبط طبيعة الجفاء والعداء بين المغرب والجزائر إلى ما بعد استقلال الأخيرة عن الاستعمار الفرنسي، ورفضها الاعتراف للمغرب بحدوده الشرقية، التي ترجع إلي اتفاق لالة مغنية وهي الحدود القائمة بين المغرب والامبراطورية العثمانية قبل استعمار فرنسا للجزائر 1834.
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب رفض دعوة فرنسية بترسيم الحدود، وأبى الخوض والحديث في تفاصيلها في ظل حالة بقاء حالة الاستعمار على الجزائر، ولا القبول بعروضها بإرجاع المغرب المناطق الشرقية التي يطالب بها، شريطة قبوله بالاستغلال المشترك للموارد المنجمية ومنع الثوار من استعمال الأراضي المغربية كقاعدة خلفية. وذلك لوازع أخلاقي واتقاء ودرء إحساس الجزائريين لخدلان المغرب لهم ولثورتهم. وهو ما عبر عنه الملك محمد الخامس “طعنة خنجر في ظهر الإخوة الجزائريين” فآثر المغرب مزيدا من الصبر ومزيدا من تحمل آلام قطع أوصاله، وتأجيله اليقيني لوحدة أرضه وصلة الرحم بأبنائه إلى ما بعد انعتاق الجزائر وتحررها من سيطرة وجثم براثين الأقدام السوداء.
إلا أن المغرب تفاجأ من رغبة وإصرار الجزائر بعد استقلالها، الاستمرار في فرض حالة الاستعمار على مواطنين وأراضي مغربية، وهي التي لم ترض بتلك الحالة وقاومت من أجلها. وتنكرت لحقوق المغرب التاريخية والسياسية كما تنصلت لاتفاق يوليوز1961 مع رئيس الحكومة الجزائرية بالمنفى فرحات عباس، فكان ذلك سببا للتوتر على خط الحدود ما بين حاسي بيضة وتندوف وفكيك، انتهى باندلاع حرب الرمال في أكتوبر 1963. و بعد توقف الحرب بسعي من الدول العربية والإفريقية، اهتدى الطرفان إلى طريق المفاوضات لحل مشاكل الحدود، مخلفات وإرث الاستعمار الفرنسي، ودشنا صفحة جديدة في علاقاتهما بدآه بتوقيعهما على معاهدة الإخوة وحسن الجوار بإيفران سنة 1969 وغذاته بثلاث سنوات، وبالضبط سنة 1972، على هامش قمة الوحدة الافريقية بالرباط، حصل اتفاق لإنهاء تلك المشاكل بتنازل المغرب عن مطالبه المتعلقة بحدوده بتندوف.
ولادة البوليساريو في خضم الصراع
قبل جلاء إسبانيا من الصحراء تنفيذا لاتفاق مدريد، كان الصراع حولها محتدما بين أربعة أطراف؛ في مقدمتها المغرب الذي يعتبر الإقليم تابعا له وبدل الشيىء الكثير من أجله، بدأ بتسجيله في الأمم المتحدة 1964 كإقليمه غير مستقل، مرورا باتفاقه مع الجزائر على ترسيم الحدود الشرقية وإنهاء مطالبه بتندوف1972، و لجوئه الى محكمة العدل الدولية في إطار الاستشارة حول وجود روابط بين سكان الإقليم والإدارة المركزية بالمغرب1975، ثم إعلان المسيرة الخضراء 6 نونبر 1975 وإجبار إسبانيا على اتفاق مدريد 14 نونبر 1974 و من قبله اعتراف المغرب الرسمي والفعلي بموريتانيا كدولة سنة 1969.
وموريتانيا بدورها تدعي حقوقا في الصحراء بغية ربح أراض تفصلها عن حدودها عن ما بعد الاستقلال عن فرنسا، وفي أسوأ الأحوال خلق دولة بينها وبين المغرب، الذي يرى فيها جزأ من أراضيه. أما الجزائر ولئن لا تدعي حقوقا علنية في الصحراء في البداية، فإنها حاولت ما بين 26 يناير 1972 وفبراير 1972، السيطرة على الصحراء لولا صد القوات المغربية لها في معركتي مغالا 1 ومغالا2. وبالمقابل فان إسبانيا حاولت المناورة عبر إجراء الاستفتاء وإحصاء السكان 1974 ظنا منها ان سكان الصحراء سيختارون الانضمام إليها وسيرفضون المغرب وموريتانيا لأنهما ليسا نقطة استقطاب وجذب بالنسبة لهم.
وقد انتهى التنافس والصراع والحرب وانتهت المفاوضات بحسم المغرب لحالة استعمار إسبانيا للإقليم ،و نجح في حيازته الأرض بضمه الإقليم على مرحلتين1975 و1979. إلا أن ذلك لم يمنع الأطراف الأخرى إلى المؤامرة والتواطىء سرا بينهم واتفاقهم إلى نسبة الحق في الإقليم للغير، وبالضبط الى صوت جبهة الصحراء، التي تحولت فيما بعد إلى البوليزاريو، ومحاولاتهم نفي وإنكار حق وحقوق المغرب في الصحراء. وقد لقيت البوليساريو مساعدة ودعم ورعاية ليبيا ماليا وعسكريا وتطورت باتصالها وتفاهمها مع الجزائر* وحاولت ليبيا والجزائر صنع نوع من الشرعية لها، يقوم على دفعها إلى القيام بعمل مسلح ضد إسبانيا. في وقت أوشك المغرب على إتمام وإنهاء عمليات استرجاع الإقليم من المحتل الإسباني.
وقد تلاقت وتقاطعت المبادرة اللبية الجزائرية ورغبة إسبانيا في صنع هوية صحراوية مستقلة، غايتها تجاوز حركة جبهة التحرير والوحدة الموالية للمغرب، بغية الحفاظ على نوع من النفوذ فيما بعد على الثروات الطبيعية في الإقليم بعد منحه الاستقلال. وهي الأماني والتطلعات التي أجهضها المغرب بفعل الضغط الكبير الذي مارسه على إسبانيا فرانكو المريض عن طريق المسيرة وإجبارها مضطرة غير مختارة على اتفاق مدريد 14 نونبر 1974 وقطع الطريق امام محاولات إسبانيا بمعية الجزائر وليبيا. إلا أن هذا النجاح السياسي، لم يحل دون إيواء الجزائر للبوليساريو وتفاهمهم معها على نهج العمل العسكري والسياسي من اراضيها ضد المغرب في شكل حرب العصابات، لم تتوقف الى غاية اتفاق وقف اطلاق النار 1991.
الحرب الثالثة
لقد اعتقدت المجموعة الدولية أن تبني مجلس الأمن لخطة التسوية يونيو 1989، و سريان اتفاق وقف إطلاق النار في شتنبر 1991، هي خطى حثيثة وحقيقية نحو الحل، إلا أن مسار النزاع كشف ويكشف أنه القريب البعيد، فما لبثت ان اعترضته مشاكل في تحديد هوية الناخبين وصعوبات الاتفاق على صيغة للبث في الطعون، الشيء الذي أدى إلى فشل الخطة وفشل عمليات ملائمتها، ونفس المآل لقيه مشروع الإطار، بسبب تصلب الأطراف في موقفيهما، فاضطر مبعوثان للأمين العام للأمم المتحدة من الاستقالة الأول جيمس بيكر2004 والثاني بيتر فال والسوم 2008، اضطر على الاستقالة بعد سحب البوليساريو للثقة منه،لما خلص إليه من نتيجة جاهر بها بكون خيار الاستقلال عن المغرب مستبعد وغير واقعي ولا يمكن تطبيقه، إلا في إطار الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب إلى مجلس الأمن من سنة 2007، المقترح الذي وُصف بالجدي وذي المصداقية من طرف مجلس الأمن بالإضافة إلى فرنسا وأمريكا.
الا ان تعيين كريستوفر روس، سنة 2009 مبعوثا جديدا للأمين العام وسعيه الى اعطاء اهمية لنهج جديدة في تدبير الملف، تعتمد على تعدد اللقاأت والبحث في قضايا جانبية واعتماد قطيعة شبه ابستيمولوجية مع ما راكمته الامم المتحدة من خلاصات، و مع مضمون توصيات قرارات مجلس الأمن، التي تحث على البحث عن حل سياسي متوافق عليه، والرنو نحو تمويه وتغيير طبيعة النزاع السياسية، ومحاولات اعادة تكييفه ووصفه وصفا حقوقيا، والتعبير عن نية اخراج من اطار تدبيره الحالي، في اطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، من المفاوضات الى التهديد بنقله الى اطار الفصل السابع بفرض حل على الأطراف، واحتمالات خروج الحل المطلوب البحث عنه، من السياسي المتفق والمتوافق عليه إلى شيء آخر لا يقبله طرف أو لا يقبلانه. واستخدام غطاء وقناع حقوق الإنسان والموارد الطبيعية لتغيير طبيعة عمل بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان، وتجنيد جمعيات حقوقية وتسييس تقاريرها لبناء المقاربة الجديدة.
وهذه الخطة والتواطؤ الذي كشف عنه المغرب جعله يسارع بواسطة أعلى سلطة سياسية تمثله، الملك في خطاب 6 نونبر 2014 إلى دق جرس الإنذار، وإعلان الرفض المغربي المسبق لأي تغيير ينال وعاء تدبير الملف حاليا في إطار المفاوضات ورفضه لأي تغيير يطال مهمة بعثة المينورسو خارج نطاق مراقبة وقف إطلاق النار ورفضه أن يعامل على قدم المساواة مع حركة انفصالية ورفضه استبعاد مسؤولية الجزائر ورفضه وصف النزاع بأنه استعمار او مقارنته بحالات دولية معينة مثل تيمور الشرقية خصوصا.
وهذا الخطاب لم يكن ليمر مرور الكرام، بل عقبت عليه اكثر من جهة مباشرة أو عن طريق قول او فعل غير مباشر، فالجزائر صرحت عن طريق وزير خارجيتها رمضان لعمامرة والوزير المنتدب المكلف بأفريقيا عبد القادر ساهل أن قضية الصحراء هي قضية تصفية الاستعمار، وبان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة جدد الثقة في مبعوثه الشخصي إلى الصحراء كريسوفر روس، بل بعث بإشارة أخرى للمغرب، تظهر نيته المبطنة بتعيينه لخوسيه راموس هورتا، الرئيس السابق لتيمور الشرقية وصديق جبهة البوليساريو، رئيسا لفريق مستقل ورفيع المستوى لإعادة النظر وتقييم عمليات السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة بما فيه ملف الصحراء، واقتراح خطة ملائمة. دون أن يغير ذلك من موقف المغرب ولا لين فيه موقفه الرافض لقبول بكريستوفر روس مبعوثا ما لم تجيب الأمم المتحدة على تساؤلاته، المقدمة منذ يونيو 2014 ،وهي رفضه أي تغيير يطال إطار المفاوضات والاختصاص الحالي لبعثة المينورسو وتحديد طبيعة مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، تحت طائلة رفض الوساطة الأممية من أصلها.
كما أن البوليساريو اعتمدت منذ شتنبر2014 في اجتماع أمانتها الوطنية على خطة الاستنفار الشامل، وتلويح أكثر من مسؤول لديها عقب خطاب الملك بالحرب واستئنافها ، منهم بشريا حمودي بيون، ممثلها في إسبانيا، ومحمد الأمين البوهالي وزير دفاعها، ثم قيامها بمناورتين عسكريتين، الأولى في 25 نونبر والثانية في 9 من دجنبر الحالي، وتصريح رئيسها محمد عبد العزيز على التلفزيون الجزائري “…اذا لم تنظم الامم المتحدة استفتاء تقرير المصير واذا لم تمارس الأمم المتحدة الضغوط الضرورية على المغرب حتى ينصاع لمقتضيات الشرعية الدولية، يجب أن نعود إلى بنادقنا، يجب أن نستأنف القتال للدفاع عن حقنا… ».
وقال في تصريح ثان في مقابلة مع الصحفي اعبيد ايمجين من قناة الوطنية الموريتانية، في برنامج حوار نواكشوط، الذي بث مساء السبت 13 دجنبر 2014،”…نحن جربنا الحرب وبلينا فيها البلاء، وسنستمر في استئناف القتال للوصول إلى الهدف الوطني في الاستقلال…ظروفنا الآن أحسن مائة ألف مرة…سنتصدى لها بكل قوة…” في مقابل ذلك استنفر المغرب قواته في استعداد لجميع الاحتمالات.
الحرب تدق طبولها، وسيزيد من احتمال نشوئها مرض الرئيس الجزائري بوتفليقة والغموض حول من سيتولى إدارتها هذه المرحلة او المرحلة الانتقالية لما بعده، و مدى عسر او يسر انتقال السلطة.
هذه كلها مخاطر تجعل الحرب تقترب أكثر من قرب شهر أبريل 2015، وما علق عليه من آمال، أكيد أنه سيحل الموعد، وسيبدو لمن انتظره وحلم به حافلا بأحداث طوباوية أنه السراب. لينام اللاجئون على حلم آخر ويستيقظون على كابوس معاناة احتجازهم وتقييد حريتهم وانتهاك حرياتهم في معتقل تندوف.

0 التعليقات: