محمد اقديم /المصدر حوز 24
إن التقاويم أو التقويمات الموجودة حاليا ، عندما نقول بأنها تاريخية و أصيلة
و عريقة، فهذا يعني أن شعوبا ما في إطار صعودها و نهَضاتها الحضارية
في مراحل تاريخية معينة، عند ما وعت ذاتها الحضارية و تميزها الثقافي
عن الآخر المعاصر لها أنذاك، تبنَّت و توافقت حول تقويم تاريخي ما، و وضعت
له حدثا تاريخيا بارزا و مجيدا و فاصلا في تاريخها، كبداية لذلك التقويم،
و هذا الحدث المجيد الفاصل الذي غالبا ما كان ذا طابع ديني أو سياسي
( التقويم المصري القديم – التقويم العبري – التقويم الصيني – التقويم الفارسي
– التقويم المسيحي – التقويم الاسلامي ..). و أقدم تقويم عرفته البشرية
هو التقويم المصري القديم (التحوتي المقدس)، كما ذكر ذلك المؤرخ
المصري القديم “مانيطون” ، في السنة الأولى من حكم الملك “حور عما”
” ابن الملك “مينا” و يوازي ذلك سنة 5557 قبل الميلاد، وقد كان رأس
السنة في ذلك التقويم هو يوم 19 يوليوز من التقويم الميلادي الحالي . و قد
انتقل الاحتفال بهذا العيد من مصر الى حضارات الشرق ، كما انتقل هذا
التقويم المصري الى أوربا القديمة ، حيث قدمته الملك كليوباطرا الى
الامبراطور يوليوس قيصر ، و كُلِّفَ بنقله الى الرومان العالم المصري
سوسيجين ، ليحل محل تقويمهم الذي كان قمريا ، حيث أطلقوا عليه اسم
التقويم القيصري نسبة الى القيصر يوليوس. و قد عملت أوبا بهذا التقويم
قررونا من الزمن ، حتى أقدم البابا كريكوار الثالث بتعديله سنة1852
للميلاد، وجعل بداية السنة فيه هي فاتح شهر يناير، خمسة أيام بعد يوم
ذكرى ميلاد المسيح، و سمي بالميلادي لكونه متزامنا مع الاحتفال بعيد
ميلاد المسيح كما حددته الكنيسة الكاثولكية، ليعمم بعد ذلك في العالم
خلال مرحلة المد الاستعماري، حيث تحول الى تقويم مدني بدون حمولة دينية.
و لعل أحدث هذه التقاويم هو التقويم الهجري الاسلامي، الذي يعتمد الشهور القمرية في حساباته.
و مما يبين عراقة هذه التقاويم و أصالتها التاريخية هو تأريخ الشعوب
و الأمم التي تبنَّتْها للوقائع و لأحداث التي عرفتها في مسارها التاريخي
بهذه التقاويم ، حيث استعملت أيامها و شهورها و سنواتها في تدوي
ن و توثيق تلك الأحداث و الوقائع، ولذى نجد مصادرها التاريخية القديمة
زاخرة بالوقائع و الأحداث التي أُرخت و وُثِّقَت بهذه التقاويم.
و إذا بحثنا في المصادر التاريخية التي أرخت و وثقت تاريخ الأمازيغ فلا ذك
فيها لهذا التقويم الوهمي، و لا أيامه و لا شهوره ولا سنواته، حيث لمأَثر
و لا ذكر في تلك المصادر التاريخية و لا في الحفريات الأركيولوجية عن
أحداثأو وقائع تاريخية أرخت بهذا التقويم المسمى باطلا أمازيغيا. اذ ليس هناك
في المصادر التاريخية، لا القديمة و لا الوسيطة و لا الحديثة ، لا وجود
في المصادر الفينيقية ولا الاغريقية و لا الرومانية و لا العربية، و لا في
القرائن الأثرية لما يشير أو يوحي الى أن الأمازيغ قد سبق لهم أن أرخوا
بهذا التقويم، الى غاية السبعينيات من القرن الماضي ، حيث سيبدأ النقاش
حول هذه المسألة في الأكاديمية البربرية بباريس. و ليس هناك و لو حدث
تاريخي واحد أو واقعة تاريخة واحدة أرخت بهذا التقويم قبل التسعينيات من
القرن الماضي . و لم نعثر في أي مصدر تاريخي ، عن سنة سقوط حاكم في
شمال افريقيا أو وقوع معركة بها أو كارثة طبيعية ما مؤرخة بهذا التقويم،
و لو في مرحلة حكم ما يسمى بالممالك الأمازيغية في العهد الروماني،
مع ماسينسا و يوغوطة و يوبا و بطليموس ، بل حتى أولئك المؤرخين
أو الشخصيات البارزة في ذلك التاريخ القديم ، والتي ينسبها البعض للأمازيغ
باطلا (أوغسطين ، أبوليوس ، دوناتوس ، تورتوليان …) لم يؤرخوا للأحداث
و الوقائع التي أوردوها في كتاباتهم بهذا التقويم ، بل أكثر من ذلك أن
تلك المعركة التي جُعِلَتْ بداية لهذا التقويم المُخْتَلَقُ ، والتي خاضها الملك
شوشانغ الليبي (الأمازيغي )، و التي هزم فيها الفراعنة ،و التي وقعت سنة
950 قبل الميلاد، لم ترد في أي مصدر تاريخي بهذا موثقة بهذ التقويم
على الاطلاق.
أما الاحتفال برأس السنة كما هو متداول و متعارف عليه في المغرب و في
شمال افريقيا ، فانه لا ينهض حجة تاريخية و لا قرينة واقعية على وجود
تقويم تاريخي “أمازيغي” ، مع العلم أن القبائل العربية البدوية هي الأخرى
تحتفل برأس السنة هذه، و تسمى “حاكوزة” بما في ذلك أهل فاس، ولعل
“يومية بوعياد”،للحسن بوعياد ، وهو فاسي بالمناسبة ،أكبر و أهم مظهر
لذلك ، وهي اليومية العريقة والمعروفة بضبطها ل “المنازل” المناخية
و الفصول والشهور السنوية كما هي متعارف عليها في الأوساط الشعبية
البدوية المغربية ، و يختلف اسم “رأس السنة” الفلاحية هذه في المغرب
من منطقة الى أخرى .
فمسألة اختراع تقويم و ربطه بواقعة تاريخية قديمة، واقعة هي نفسها لم
يُؤَرَّخُ لها بهذا التقويم الوهمي ، بل مُؤَرخَةُ أصلا بتقويم آخر غير هذا
التقويم الجديد المختلق، الذي جُعِلَتْ بدايته سنة 950 قبل الميلاد ، بناء
على عملية حسابية ماتيماتيكية سهلة، يتوهم مختلقوها أنهم بذلك
“يصنعون” التاريخ و يغيرون مجراه،و يؤسسون لهوية مخالفة و مكتملة
الأركان ،و يبنون لمجد تاريخي وهمي بدون أبطال حقيقيين، و هنا
نستحضر سبق العقيد معمر القذافي سَلْكَ هذا المسار الخرافي، عندما توهم
بسببِ مرض جنون العظمة أن عملية “تغيير التاريخ ” ليست سوى تغييرا
للتقويم و تغيير لأسماء الشهور . التي ليست بدورها الا عملية حسابية
وهي احداث تقويم مخالف للتقويمات المعروفة ، فوضع تقويما يبدأ بوفاة
الرسول و ليس بهجرته ، كما اخترع أسماء جديدة لنفس الشهور التي يعد
بها الناس أصلا ، و أطلق عليها الأسماء التالية:( أي النار 1النوار 2 الربيع
3 الطير 4الماء 5 الصيف 6ناصر 7هانيبال 8 الفاتح 9 التمور 10
الحرث 11 الكانون 12) ، و بذلك “غير ” التاريخ ليس بالإنجازات العظيمة ،
وانما بتغيير التقويم و شهوره.
العجيب في الأمر هو عندما يطالب البعض بدون حياء بترسيم هذا الوهم
ترسيخا لهذه الخرافة.مخطئ كثيرا من يتوهم أنّ اختراع تقويم زمني خرافي لا
أصل و لا فصل له ، و أنّجَعْلَ سنة بدايته أقدم من سنوات بدابة كل التقاويم
التي تؤرخ بها الشعوب حاليا، سيكسبه عراقة حضارية و أصالة تاريخية ،
فكل شيئ يمكن الكذب و التمويه عليه الا التاريخ فهو كاشف للحقيقة و
فاضح للمموهين و المتوهمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق