الأربعاء، 2 يوليو 2014

التقويم”الأمازيغي” الوهمي و خرافة سنة 2964



                                              محمد اقديم /المصدر  حوز 24
إن  التقاويم  أو التقويمات الموجودة حاليا ، عندما نقول بأنها تاريخية و أصيلة
 و عريقة، فهذا يعني أن شعوبا ما في إطار صعودها و نهَضاتها الحضارية
 في مراحل تاريخية معينة، عند ما وعت ذاتها الحضارية و تميزها الثقافي
 عن الآخر المعاصر لها أنذاك، تبنَّت و توافقت حول تقويم تاريخي ما، و وضعت
 له حدثا تاريخيا بارزا و مجيدا و فاصلا في تاريخها، كبداية لذلك التقويم،
 و هذا الحدث المجيد  الفاصل الذي غالبا ما كان ذا طابع ديني أو سياسي
( التقويم المصري القديم – التقويم العبري – التقويم الصيني – التقويم الفارسي
 – التقويم المسيحي – التقويم الاسلامي ..). و أقدم تقويم عرفته البشرية
 هو التقويم المصري القديم (التحوتي المقدس)، كما ذكر ذلك المؤرخ
 المصري القديم  “مانيطون” ، في السنة الأولى من حكم الملك “حور عما”
 ” ابن الملك “مينا”  و يوازي ذلك سنة 5557 قبل الميلاد، وقد كان رأس
 السنة في ذلك التقويم هو يوم 19 يوليوز من التقويم الميلادي الحالي . و قد
 انتقل الاحتفال بهذا العيد من مصر الى حضارات الشرق ، كما انتقل هذا
 التقويم المصري الى  أوربا القديمة ، حيث قدمته الملك كليوباطرا الى
الامبراطور يوليوس قيصر ، و كُلِّفَ بنقله الى الرومان  العالم المصري 
 سوسيجين  ، ليحل محل تقويمهم الذي كان قمريا ، حيث أطلقوا عليه اسم
 التقويم القيصري نسبة الى القيصر يوليوس. و قد عملت أوبا بهذا التقويم
 قررونا من الزمن ، حتى أقدم البابا كريكوار الثالث بتعديله سنة1852
 للميلاد، وجعل بداية السنة فيه هي فاتح شهر يناير، خمسة أيام بعد  يوم
 ذكرى ميلاد المسيح، و سمي بالميلادي لكونه متزامنا مع الاحتفال بعيد
 ميلاد المسيح  كما حددته الكنيسة الكاثولكية،  ليعمم بعد ذلك  في العالم
  خلال مرحلة المد الاستعماري، حيث تحول الى تقويم مدني بدون حمولة دينية.
 و لعل أحدث هذه التقاويم هو التقويم الهجري الاسلامي، الذي يعتمد الشهور القمرية في حساباته.
 و مما يبين عراقة هذه التقاويم و أصالتها التاريخية هو تأريخ الشعوب
 و الأمم التي تبنَّتْها للوقائع و لأحداث التي عرفتها في مسارها التاريخي
 بهذه التقاويم ، حيث استعملت أيامها و شهورها و سنواتها  في تدوي
ن و توثيق تلك الأحداث و الوقائع، ولذى نجد مصادرها التاريخية  القديمة
 زاخرة بالوقائع و الأحداث التي أُرخت و وُثِّقَت بهذه التقاويم.
و إذا بحثنا في المصادر التاريخية التي أرخت و وثقت تاريخ الأمازيغ فلا ذك
 فيها لهذا التقويم الوهمي، و لا أيامه و لا شهوره ولا سنواته، حيث لمأَثر
 و لا ذكر في تلك المصادر التاريخية و لا  في الحفريات الأركيولوجية عن
 أحداثأو وقائع تاريخية أرخت بهذا التقويم المسمى باطلا أمازيغيا. اذ ليس هناك
 في المصادر التاريخية، لا القديمة و لا الوسيطة و لا الحديثة ، لا وجود
 في المصادر الفينيقية ولا الاغريقية و لا الرومانية و لا العربية، و لا في
 القرائن الأثرية لما يشير أو يوحي الى أن الأمازيغ قد سبق لهم أن أرخوا
بهذا التقويم، الى غاية السبعينيات من القرن الماضي ، حيث سيبدأ النقاش
 حول هذه المسألة في الأكاديمية البربرية بباريس. و ليس هناك و لو حدث
 تاريخي واحد أو واقعة تاريخة واحدة أرخت بهذا التقويم قبل التسعينيات من
 القرن الماضي . و لم نعثر في أي مصدر تاريخي ، عن  سنة سقوط حاكم في
 شمال افريقيا أو وقوع معركة بها أو كارثة طبيعية ما مؤرخة بهذا التقويم،
 و لو  في مرحلة حكم ما يسمى بالممالك الأمازيغية في العهد الروماني،
 مع ماسينسا و يوغوطة و يوبا و بطليموس ، بل حتى أولئك المؤرخين
 أو الشخصيات البارزة في ذلك التاريخ القديم ، والتي ينسبها البعض للأمازيغ
 باطلا (أوغسطين ، أبوليوس ، دوناتوس ، تورتوليان …) لم يؤرخوا للأحداث
 و الوقائع  التي أوردوها في كتاباتهم بهذا التقويم ، بل أكثر من ذلك أن
 تلك المعركة التي  جُعِلَتْ بداية لهذا التقويم المُخْتَلَقُ ، والتي خاضها الملك
 شوشانغ الليبي (الأمازيغي )، و التي هزم فيها الفراعنة ،و التي  وقعت سنة
950 قبل الميلاد، لم ترد في أي مصدر تاريخي بهذا موثقة بهذ التقويم
 على الاطلاق.
 أما الاحتفال برأس السنة كما هو متداول و متعارف عليه في المغرب و في
 شمال افريقيا ، فانه لا ينهض حجة تاريخية و لا قرينة واقعية على وجود
 تقويم تاريخي “أمازيغي” ، مع العلم أن القبائل العربية البدوية هي الأخرى
 تحتفل برأس السنة هذه، و تسمى “حاكوزة” بما في ذلك أهل فاس، ولعل
 “يومية بوعياد”،للحسن بوعياد ، وهو فاسي بالمناسبة ،أكبر و أهم مظهر
  لذلك ، وهي اليومية العريقة والمعروفة  بضبطها ل “المنازل” المناخية 
 و الفصول  والشهور السنوية  كما هي متعارف عليها في الأوساط الشعبية
 البدوية المغربية ، و يختلف اسم “رأس السنة”  الفلاحية هذه  في المغرب
 من منطقة الى أخرى .
 فمسألة اختراع تقويم و ربطه بواقعة تاريخية قديمة، واقعة هي نفسها  لم
 يُؤَرَّخُ لها بهذا التقويم الوهمي ، بل مُؤَرخَةُ أصلا بتقويم آخر غير هذا
 التقويم الجديد المختلق، الذي جُعِلَتْ بدايته  سنة 950 قبل الميلاد ، بناء
 على عملية حسابية ماتيماتيكية سهلة، يتوهم مختلقوها أنهم بذلك
 “يصنعون” التاريخ و يغيرون مجراه،و يؤسسون لهوية مخالفة و مكتملة
 الأركان ،و يبنون  لمجد تاريخي وهمي بدون أبطال حقيقيين، و هنا
 نستحضر  سبق العقيد معمر القذافي  سَلْكَ هذا المسار الخرافي، عندما توهم
 بسببِ مرض جنون العظمة أن عملية “تغيير التاريخ ” ليست سوى تغييرا
 للتقويم  و تغيير لأسماء الشهور . التي ليست بدورها الا عملية حسابية
 وهي احداث تقويم مخالف للتقويمات المعروفة ، فوضع تقويما يبدأ بوفاة
 الرسول و ليس بهجرته ، كما اخترع أسماء جديدة لنفس الشهور التي يعد
بها الناس أصلا ، و أطلق عليها الأسماء التالية:( أي النار 1النوار 2 الربيع
 3 الطير 4الماء 5 الصيف 6ناصر 7هانيبال 8 الفاتح 9 التمور 10
الحرث 11 الكانون 12) ، و بذلك “غير ” التاريخ ليس بالإنجازات العظيمة ،
 وانما بتغيير التقويم و شهوره.
العجيب في الأمر هو عندما يطالب البعض بدون حياء بترسيم هذا الوهم
ترسيخا لهذه الخرافة.مخطئ كثيرا من يتوهم أنّ اختراع تقويم زمني خرافي لا
 أصل و لا فصل له ، و أنّجَعْلَ سنة بدايته أقدم من  سنوات بدابة كل التقاويم
 التي تؤرخ بها الشعوب حاليا، سيكسبه  عراقة حضارية و أصالة تاريخية ،
 فكل شيئ يمكن الكذب  و التمويه عليه الا التاريخ فهو كاشف للحقيقة و
 فاضح للمموهين و المتوهمين.  

0 التعليقات: